< قائمة الدروس

الأستاذ السيد کمال الحيدري

بحث الفقه

32/05/19

بسم الله الرحمن الرحیم

تحرير محل النزاع في معنى الولاية المعطاة للامام عليه السلام

 كان الكلام في بيان نظريات ولاية الفقيه ولكي يتضح الأمر بشكل أفضل بالنسبة الى محل النزاع والى القائل بولاية الأمر والرافض لها, لابد لنا أن نفصل الحديث أكثر في بحث اليوم فنقول: أننا بينا فيما سبق من الحديث قلنا أن من كبار أعلام الطائفة قائل بنظرية ولاية الفقيه المطلقة كصاحب الجواهر الذي يستفاد من كلامه العموم والاطلاق وذلك كما في الجواهر المجلد الأربعون ص18 حيث يقول: (ويمكن بناء ذلك بل لعله الظاهر على إرادة النصب العام في كل شيء على وجه يكون له ما للإمام عليه السلام) ويستدل رحمه الله على ذلك بدليلين:

 الاول: قوله: (جعلته حاكماً، أي ولياً متصرفاً في القضاء وغيره من الولايات وغيرها) ويريد من قوله غيرها جريان حكم الحاكم في الموضوعات لا في الاحكام؛ حيث لا معنى لكلامه فيما لو كان المراد من الضمير ـ في قوله (غيرها) ـ الاحكام.

 الثاني: قوله: (بل هو مقتضى قول صاحب الزمان صلوات الله وسلامه عليه: فأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الى رواة حديثنا فأنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله ضرورة كون المراد منه أنهم حجتي عليكم في جميع ما أنا فيه حجة الله عليكم الا ما خرج بدليل...).

 وهذا المعنى ـ ثبوت الولاية للفقيه على نحو العموم والشمول ـ نجده في كلمات السيد السبزواري أيضا حيث نراه يقول في مهذب الاحكام في بيان الحلال والحرام المجلد 16 ص364-365 ما نصه: (لا ريب في أن للفقيه الجامع للشرائط منصب الفتوى فيما يحتاج إليه العامي ومنصب فصل الخصومة بما يراه من المرافعات... الى أن يقول (ره): و هل يثبت للفقيه الجامع للشرائط ما ثبت للمعصوم عليه السّلام من الولاية على المسلمين في جميع ما له دخل في شؤونهم الإسلامية مما تقدم التعرض لبعضه، أو ليس له إلا منصبي الإفتاء و القضاء؟ قولان و الظاهر ان هذه النزاع على طوله و تفصيله صغروي لا ان يكون كبرويا كما يظهر من أدلة الطرفين و النقض و الإبرام الوارد منهم في البين... ثم يقول: و بعبارة أخرى لو تحقق ما تقدم من الصفات في شخص يصير كأنه الإمام عليه السّلام بعد استقرار إمامته الظاهرية، و لا يكفى تحقق بعض ما سبق من الصفات لثبوت مثل هذا الولاية فلمجموعها من حيث المجموع دخل في تحققها).

 فالحقيقة أن هذه المسالة تعد من الواضحات عند بعض الاعلام, الا أنه يمكن أن يدعى وجود رأي آخر يذهب الى خلاف ما أفاده صاحب الجواهر ومهذب الاحكام وهو ما ذهب إليه السيد الخوئي كما ذكرنا في ما مضى من الابحاث والشيخ مرتضى الانصاري كما في المكاسب المجلد الثالث ص553 حيث يقول: (وبالجملة فإقامة الدليل على وجوب طاعة الفقيه كالإمام عليه السلام إلا ما خرج بالدليل دونه خرط القتاد) وفي ص558 : (وقد تقدم أن إثبات عموم نيابة الفقيه عنه عليه السلام في هذا النحو من الولاية على الناس ليقتصر في الخروج عنه على ما خرج بالدليل دونه خرط القتاد), الا أننا لا يمكن أن نلتزم بما أفيد ما لم نحرر محل النزاع؛ ليتضح محل كلام الفقهاء, وما هو مورد النزاع والخلاف بينهم, ومنه يتضح هل أن الشيخ الانصاري يقول بولاية الفقيه في زمن الغيبة أم لا؟ ولو ثبت ذلك فهل يوافق صاحب الجواهر فيما يذهب إليه أم لا؟ ولو كان يختلف معه فهل المبنى الذي يراه هو نفس المبنى الذي ذهب إليه السيد الخوئي أم لا؟

 وهنا لابد لنا أولا أن نحدد المعنى المراد من الولاية التي أعطيت للامام(ع) لنعرف بعد ذلك المقدار الثابت منها لولي الفقيه في عصر الغيبة.

 و هذا مما لم يتم تحريره بشكل واضح في كلمات الاعلام, بل أنه قد ذكر بشكل متناثر في بعض كلماتهم فقد ذكر في الفلسفة والعرفان تارة وفي الأصول أخرى وهكذا...

 والحقيقة أن الولاية الثابتة لله سبحانه وتعالى على نحوين الولاية التكوينية ـ علما أنني اسميها بالولاية الوجودية وسأبين فيما بعد سبب التسمية هذه ـ والولاية التشريعية وهذا المعنى عرض له السيد العلامة في الميزان الجزء السادس في ذيل قوله تعالى{ إنما وليكم الله} بقوله: (فهذا ما ذكره الله تعالى من ولاية نفسه في كلامه، ويرجع محصلها الى ولاية التكوين وولاية التشريع وإن شئت سميتهما بالولاية الحقيقية والولاية الاعتبارية).

 ولنا أن نتساءل هنا: هل أن المعطى للرسول (ص) والائمة الأطهار كلا النحويين من الولاية أم احدهما دون الأخرى؟ يوجد اتجاهان في المقام:

 الأول: القائل بعدم إعطاء أي من الولايتين للنبي والائمة, بل أن الثابت لهما هو تبليغ الاحكام وبيانها فقط, أما المعاجز والكرامات التي تحصل لهما فهي ليست من فعل النبي أو الامام بالولاية التكوينية, بل أن ذلك فعل من أفعاله تعالى لوجود مصلحة أو حكمة في ذلك, وقد حصلا بسبب دعاء النبي والامام.

 الثاني: القائل بثبوت الولاية التكوينية لهما ومرادهم من الولاية التكوينية هنا ليس هو المعنى العام الاصطلاحي الذي هو: إحياء الموتى أو ما شابه ذلك, بل الولاية الأعم من ذلك والتي حقيقتها هي: أن النبي والامام وسائط الفيض في عالم الامكان, أي: أنهم كائنون في رتبة يكونون فيها عللا لموجودات هذا العالم بحيث لا يمكن لشيءٍ أن يكون فيه الا بواسطتهم. وهذا المعنى يختلف عن المعنى العام المتعارف الثابت لغيرهم كثبوته لهم كما نرى في العفريت من الجن في قوله تعالى{قَالَ عِفْريتٌ مِنْ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ}. وببيان آخر: أن النبي والائمة هم العلل الفاعلية والغائية لهذا الكون وهذا ما تشير إليه الرواية الواردة في البحار المجلد الخامس عشر ص8 التي تقول: (عن أبي ذر الغفاري عن النبي (ص) قال: ـ في نقله لكلام الملائكة ـ ما أنزل من الله فإليكم وما صعد الى الله فمن عندكم) وهذا المعنى نفسه نجده في الزيارة الجامعة حيث تقول: (من أراد الله بدء بكم وبكم يبين الله الكذب وبكم تباعد الزمان وبكم فتح الله وبكم يختم وبكم يمحو ما يشاء وبكم يثبت وبكم يفك الذل من رقابنا وبكم برء كل مؤمن بطلب وبكم تنبت الأرض أشجارها وبكم تخرج الأشجار أثمارها وبكم ينزل السماء مطرها ورزقها وبكم يكشف الله الكرب وبكم ينزل الله الغيث وبكم يمسح لأرض التي يحمل أبدانكم ويستقل حبالها عن مراسيها إلى إرادة الرب في مقاديره يهبط إليكم ويصدر من بيوتكم والصادر). وهذا المعنى أوسع بكثير من إحياء الموتى أو جعل العصى حية تسعى.

 والأدلة القرآنية الدالة على ثبوت الولاية لهم (ع) بهذا المعنى كثيرة من أبرزها قوله تعالى {تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر}, فالحياة والموت والرزق والصحة وغير ذلك من مثل هذه الأمور تقدر في ليلة القدر التي تنزل فيها كل هذه الأمور على الامام الموجود في زمانه.

 أما من الروايات فأبرزها: (عن أبي جعفر عليه السلام قال : قلت : لأي شئ يحتاج إلى النبي والامام؟ فقال : لبقاء العالم على صلاحه ، وذلك أن الله عز وجل يرفع العذاب عن أهل الأرض إذا كان فيها نبي أو إمام ، قال الله عز وجل : { وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم} وقال النبي صلى الله عليه وآله : النجوم أمان لأهل السماء ، و أهل بيتي أمان لأهل الأرض) ورواية (يا جابر أول ما خلق نور نبيكم ثم خلق منه كل خير) ورواية (لولاهم لساخت الأرض بأهلها).

 بعد بيان الفرق بين الولاية التكوينية الاصطلاحية والولاية التكوينية الوجودية نقول: أن كلا هذين الولايتين غير داخلتين في محل الكلام وليسا محلا للنزاع, فصاحب الجواهر عندما يقول: (ثبت له كل ما للإمام إلا ما خرج بالدليل) لا يريد من قوله هذا إخراج هاتين الولايتين؛ لأنهما خارجان موضوعا وتخصصا؛ لكونهما من الأمور الوجودية لا الاعتبارية حتى يصح فيهما النقل والانتقال وهذا الذي كنا نؤكد عليه دائما بقولنا أن الولاية الثابتة لأمير المؤمنين ليست هي الثابتة في غدير خم والمغصوبة في السقيفة بل هي المعنى الوجودي الأعم من ذلك.

 و النسبة بين هاتين الولايتين وولي الفقيه هي من وجه, وبيان ذلك: قد تتحقق هذه الولاية لشخص دون أن يكون ولياً للفقيه كما في حصولها لأصحاب الرياضات والسحرة وغيرهم ممن قد حصل له طي الأرض مثلاً, وقد يكون الشخص وليا للفقيه الا أن هذا النوع من الولاية التكوينية غير ثابت له, وقد يجتمعان بأن يكون الشخص وليا للفقيه وقد ثبت له هذا النوع من الولاية التكوينية أو الوجودية ومصداق ذلك الأوضح هو المعصوم (ع). أما الولاية التشريعية بناء على ما يرى هذا الاتجاه فهي ثابتة دون شك.

 ولنا أن نتساءل حينئذٍ: هل أعطي الفقيه في عصر الغيبة صلاحية وولاية الإفتاء أم لا؟

 ذهب البعض من الاعلام الى أن صلاحية الإفتاء ثابتة للفقيه في عصر الغيبة في حين ذهب البعض الآخر ـ الاتجاه الأخباري ـ الى عدم ثبوت ذلك وقالوا أن كل ما ثبت من صلاحية هو السماح لرواة الحديث بنقل الرواية فحسب, أما الاجتهادات والاستدلالات فغير ثابتة لهم. ولعل منشأ الإشكالية هذه هو: أن رأي الولي الفقيه قابل للصواب والخطأ ولا معنى لأن يأمرنا الشارع باتباع وطاعة من يحصل في رأيه احتمال الخطأ, فالأمر بطاعته قد يلزم منه الأمر بأتباع الخطأ وذلك حينما يكون الولي مخطأً في رأيه وهذا من ضرب المحال.

 لذا فأننا نجد الاعلام ومنهم صاحب الجواهر يذهبون الى أن الثابت للفقيه مناصب ثلاث أحدها منصب الإفتاء فيما يحتاج إليه العامي, فيقول: (لا إشكال ولا خلاف في ثبوت هذا المنصب للفقيه), علما أن الاتجاه الإخباري يؤمن بثبوت هذا المنصب الا أنه يرى ثبوته لرواة الحديث لا الفقهاء فيما يرونه بالاستدلال والاجتهاد لذلك يقول الأستر أبادي في الفوائد المدنية ص305: (الأحاديث الناطقة بأمرهم عليهم السلام بالرجوع في الفتوى والقضاء الى رواة أحاديثهم وأحاكمهم متواترة معنى، وتلك الأحاديث صريحة في وجوب إتباع الرواة فيما يروونه عنهم من الاحكام النظرية وليست فيها دلالة أصلاً على جواز إتباع ظنونهم الحاصلة من ظواهر كتاب الله أو أصل أو استصحاب أو غيرها) ثم يستدل لإبطال التمسك بالتمسك بالظنيات قائلا: (الخطب والوصايا المنقولة عن أمير المؤمنين وأولاده الطاهرين الصريحة في أن كل طريق يؤدي الى اختلاف الفتاوى غير مقبول عند الله سبحانه ومن المعلوم أن هذا المعنى كما يشمل القياس والاستحسان والاستصحاب وأشباهها يشمل الاستنباطات الظنية من كلام الله وكلام رسوله) فهو يرى أن الثابت بالقطع واليقين لا بأس بأتباعه والسير عليه بخلاف المظنون. فلابد للأصولي في البدء أن يثبت صحة المنهج الذي يسير عليه ومشروعيته؛ ليثبت له بعد ذلك صلاحية الإفتاء.

 الا الحقيقة أننا نرى أن الفقيه مجاز من قبل الشارع في ولاية الإفتاء حتى مع احتمال حصول الخطأ في الفتوى.

 ولرب قائل أن يقول: أن ولاية الإفتاء إنما أعطيت للمعصوم لامتناع حصول الخطأ في فتواه, وهذا غير متحقق في الولي الفقيه لنقول بإمكان انتقال هذه الصلاحية إليه, ولعل هذا الأمر من أهم الأدلة التي يستدل بها البعض المنكر لولاية الفقيه؟

 ويمكننا في مقام الجواب أن نقول:

 أولا: إن التعليل المبرز لعدم إمكان انتقال الولاية من المعصوم للفقيه الجامع للشرائط كما هو ثابت في مسألة الولاية, هو ثابت في مسألة الفتوى أيضاً, فلِمَ التبعيض بالقول بإمكان انتقال الفتوى دون الولاية؟!.

 ثانيا: إن الولاية الثابتة والمعطاة للمعصوم هي الولاية التشريعية وهي كما لا يخفى غير ولاية التبليغ والبيان؛ لأنها من مختصاتهم عليهم السلام وغير ثابتةٍ لأحدٍ غيرهم, ولا يمكن القول بانتقالها الى الفقيه الجامع للشرائط.

 النحو الثالث: ولاية القضاء: غير خاف أن هذه الولاية ثابتة للرسول(ص) {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم} و {فإن تنازعتم في شيء فردوه الى الله والرسول}.

 ولنا أن نتساءل هنا هل أن ولاية القضاء ثابتة للفقيه الجامع للشرائط في عصر الغيبة أم لا؟

 ما جرى من كلامٍ في عدم حصول الخطأ من المعصوم وحصوله من غيره, الباعث على عدم إمكان انتقال الولاية هناك جارٍ في ولاية القضاء هنا.

 وللكلام تتمة

 .

 والحمد لله رب العالمين.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo