< قائمة الدروس

الأستاذ السيد کمال الحيدري

بحث الفقه

32/05/26

بسم الله الرحمن الرحیم

ولاية الأولوية وما يلاحظ عليها ق2

 كان الكلام فيما سبق من الحديث يتعلق بالمراتب الولائية الثابتة للامام ومنه للفقيه فاشرنا في ذلك الى المراتب الأربع ـ الإفتاء, والقضاء, وإقامة الحدود, وولاية الاذن, ـ ووصل بنا المقام الى المرتبة الخامسة وهي ولاية الأولوية المستفادة من قوله تعالى{النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم} وقلنا أن هذه الولاية مختصة بالنبي ص(ص) بحسب ظاهر الآية ومقتضاها.

 وأشرنا كذلك الى وجود التفصيل الحاصل بين الاعلام في هذه الآية والذي مفاده: أن ولاية الأولوية هل هي مرتبطة بالأنفس فقط أم شاملة الى الأموال أيضاً والبحث في ذلك متروك الى محله..

 ثم انتقلنا الى بحث آخر مفاده: هل أن تلك الولاية ثابتة بنحو مطلق أم أنها مشروطة ومقيدة بوجود المصلحة؟

 قلنا في ذلك بوجود التفصيل بين الاعلام, فذهب الشيخ الانصاري الى أنها مطلقة غير مقيدة, وذهب المحقق الايرواني الى أنها مقيدة ومشروطة بوجود المصلحة.

 والحق أن كل الرأيين صحيح ولا منافاة بينهما وذلك لاختلاف الحيثية واللحاظ المأخوذ في قولهما؛ حيث أن نظر الشيخ الانصاري متوجه الى مقام الإثبات, ونظر المحقق الإيرواني متوجه الى مقام الثبوت, أي: في مقام الإثبات يحق للنبي أن يعمل ولايته بقطع النظر عن التفات المكلف الى المصلحة وعدم ذلك, وهذا هو معنى الاطلاق الذي يرمي إليه الشيخ الأعظم.

 أما ما ذكره المحقق الايرواني فيرى في مقام الثبوت أن الرسول (ص) لا يعمل شيئاً من ولايته الا حينما تثبت المصلحة والحكمة في ذلك الأمر؛ ولا يمكن إعمال الولاية لما لا مصلحة فيه. وهذا هو التقييد الذي يرمي إليه رحمه الله.

 وبذلك يظهر أن اختلاف حيثية النظر بينهما باعث على صحة قولهما وعدم وجود التنافي فيه.

 من المباحث الأخرى التي ينبغي الالفات إليها هو أتفاق كل من تعرض لهذا المبحث على أن إعمال النبي لولايته لا يتأتى الا عن الطرق المشروعة التي رسمتها الشريعة, فإرادة إعطاءه (ص) زوجةَ أحد الأشخاص الى الآخر لا يتم الا عن طريق طلاقها من الاول وتزويجها من الثاني, علما أن ذلك لا يتم الا لوجود مصلحة هو يراها (ص).

 ومن المسائل التي ينبغي الاشارة إليها أيضاً هي: هل أن الولاية الثابتة للرسول في هذه المرتبة ثابتة لغيره أم أنها مختصة به (ص)؟

 قبل الجواب على ذلك لابد من الالتفات الى أصل مفاده: أننا حينما نراجع النصوص الواردة في هذا المجال نجد أن الصحيح والمعتبر منها شرعاً أثبت أن المقام هذا ثابت لأمير المؤمنين(ع) ومن أهم ما دل على ذلك ما ورد في حديث غدير خم.

 ففي مسند الامام أحمد المجلد الثامن والثلاثين ص32 : ( عن ابن عباس عن بُريده قال: غزوت مع علي اليمن فرأيت منه جفوة فلما قدمت على رسول الله ذكرت علياً فتنقصته فرأيت وجه رسول الله(ص) يتغيّر, فقال: يا بُريده ألست أولى بالمؤمنين من قلت: بلى يا رسول الله قال: فمن كنت مولاه فعلي مولاه). فلو لم تكن لهذه الأولوية دخل في ولاية أمير المؤمنين (ع) لكان ذكرها من الرسول (ص) لغوُ وحاشاه (ص) من اللغو, فهو يريد إثبات ولاية الأولوية له (ع)؛ لذا يقول من كنت مولاه فهذا علي مولاه. علما أننا نرى في الرواية المذكورة أن شعيب الارنئوط يقول: الرواية صحيحة على شر الشيخين.

 فلا يوجد اشكال في الرواية من حيث السند مع وضوح المضمون الذي لا يرتاب في المراد منه أحد.

 ومما ورد من الروايات الدالة على ذلك أيضا: ما جاء في مسند احمد في المجلد الثاني والثلاثين ص56: (قال جمع علي رضي الله عنه - كما في النص- الناس في الرحبة في مكانٍ في الكوفة, ثم قال لهم: اُنشد الله كل امرئ مسلم سمع رسول الله يوم غدير خُم ما سمع لما قام..., فقام ثلاثون من الناس ـ وفي هذه النصوص دلالات واضحة على استدلاله عليه السلام بواقعة الغدير على أحقيته بالخلافة وهي واردة في كتب المدرسة الأخرى, فلا يرد حينئذٍ القول بأن علياً لو كان قد نصب للخلافة في الغدير فلماذا لم يحتج بذلك. ـ الى أن قال: وقال أبو نعيم فقام ناسٌ كثير - أي أكثر من ثلاثين- فشهدوا حين أخذه بيده فقال للناس اتعلموني أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم قالوا: نعم يا رسول الله قال من كنت مولاه فهذا مولاه اللهم والي من والاه وعاد من عاداه فخرجت وكأن في نفسي شيئا فلقيت زيد ابن أرقم فقلت له إني سمعت علياً يقول كذا وكذا, قال: فما تنكر قد سمعت رسول الله يقول ذلك كله). فالرواية مثبتة للمدعى في المقام, أي أن ولاية الأولوية الثابتة للنبي (ص) ثابتة لأمير المؤمنين (ع).

 ولنا أن نتساءل حينئذٍ هل ولاية الأولوية الثابتة لأمير المؤمنين (ع) ثابتة للائمة عليه السلام أم لا؟

 وقبل الجواب على ذلك لابد أن نبين أن المقامات والفضائل الثابتة قد تكون مختصة بالنبي فقط وقد تكون للنبي وأمير المؤمنين وقد تكون للنبي وأمير المؤمنين والسيدة الزهراء وقد تكون للخمسة أصحاب الكساء وقد تكون لهم جميعا عليهم السلام.

 ببيان آخر: ليس كل ما ثبت للنبي فهو ثابت لأمير المؤمنين, وكذلك ليس كل ما ثبت له (ص) ولأمير المؤمنين فهو ثابت لبقية الائمة عليهم السلام, فلا ملازمة في ذلك؛ لإمكان اختصاص المقام به (ص) أو به وبأمير المؤمنين (ع) وهكذا...

 علما أننا أشرنا للمسألة هذه كي نعرف أن ولاية الأولوية لو كانت ثابتة للأمة المعصومين جميعا فهل يمكن حينئذٍ ثبوتها للفقيه الجامع للشرائط أم لا؟ وعدم ثبوتها لجميع الائمة يستدعي عدم ثبوتها للفقيه الجامع في عصر الغيبة من باب أولى.

 أما ما دل من الروايات على ثبوت هذا المقام للأئمة عليهم السلام فهو: ما ورد في البداية والنهاية لابن كثير المجلد السابع ص668 حيث يقول: (روى النسائي في سننه عن زيد ابن أرقم قال لما رجع رسول الله (ص) من حجة الوداع ونزل غدير خمٍ أمر بدوحاتٍ فقممن ثمّ قال كأني دعيت فأجبت إني قد تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله وعترتي أهل بيتي فانظروا كيف تخلفوني فيهما فإنهما لن يفترقا... الى أن يقول: ثم قال الله مولايّ وأنا ولي كل مؤمن, ثمّ أخذ بيد علي فقال من كنت مولاه فهذا علي مولاه... إلى أن يقول قال: سمعته من رسول الله (ص) فقال ما كان في الدوحات أحد إلا رآه بعينيه وسمعه بأذنيه).

 وكذلك ما ورد في شرح مشكل الآثار للطحاوي في المجلد الخامس ص18 قال: حدثنا أحمد ابن شعيب النسائي... من كنت مولاه فهذا علي مولاه) ويريد الرسول (ص) في نقله لحديث الثقلين في يوم الغدير أن يبين أن هذه الولاية غير مختصة بعلي(ع) بل هي شاملة لأهل البيت جميعا وذلك واضح من خلال ذكره حديث الثقلين وقوله عترتي أهل بيتي, ولو كان الامر مختص بأمر المؤمنين لما كان مناسب ذكره حديث الثقلين.

 أما السؤال المطروح الآن فهو: هل أن ولاية الأولوية الثابتة للمعصوم ثابتة للفقيه الجامع للشرائط في عصر الغيبة أم لا؟

 لا يخفى أن صاحب الجواهر يعتقد أن كل حجة ثابتة للامام هي ثابت للفقيه الجامع للشرائط في عصر الغيبة حيث قال في ذلك: (ضرورة كون المراد منه من حديث) حجتي عليكم وأنا حجة الله ( كون المراد منهم أنهم حجتي عليكم في جميع ما أنا فيه حجة الله عليكم) وقوله دون شك كاشف عن ثبوت هذه الولاية لهم شريطة عدم وجود الدال على خروجها.

 أما الشيخ الانصاري فلا يقبل القول بثبوت هذه الولاية ـ ولاية الأولويةـ الى الفقيه الجامع للشرائط فيقول في ذلك: إثبات الولاية بمعنى الأولوية للفقيه في عصر الغيبة دون إثباته خرق القتاد, أي أنه يقبل المراتب الأربعة ـ التي تحدثنا عنها بالتفصيل فيما سبق ـ ولا يقبل هذه المرتبة من الولاية, وبهذا يظهر زيف ما ينسبه إليه البعض من أنه غير قائل بولاية الفقيه, بل هو غير معتقدٍ بهذه المرتبة فقط. فلذا نراه يقول في كتابه المكاسب ص551 : فنقول: الولاية تتصور على وجهين: الأول: استقلال الولي بالتصرف مع قطع النظر عن كون تصرف غيره منوطا بإذنه أو غير منوط به ؤ ومرجع هذا إلى كون نظره سببا في جواز تصرفه. الثاني: عدم استقلال غيره بالتصرف، وكون تصرف الغير منوطا بإذنه وإن لم يكن هو مستقلا بالتصرف، ومرجع هذا إلى كون نظره شرطا في جواز تصرف غيره. وبين موارد الوجهين عموم من وجه. ثم إذنه المعتبر في تصرف الغير... الى أن يقول: إذا عرفت هذا، فنقول: مقتضى الأصل عدم ثبوت الولاية لأحد بشئ من الوجوه المذكورة، خرجنا عن هذا الأصل في خصوص النبي والأئمة صلوات الله عليهم أجمعين بالأدلة الأربعة، قال الله تعالى:{ النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم }.... الى أن يقول: أما وبالجملة، فلا يهمنا التعرض لذلك، إنما المهم التعرض لحكم ولاية الفقيه بأحد الوجهين المتقدمين، فنقول: أما الولاية على الوجه الأول - أعني استقلاله في التصرف - فلم يثبت بعموم عدا ما ربما يتخيل من أخبار واردة في شأن العلماء مثل... ـ يشير الى مجموعة من الأخبار ـ ثم يقول بعد ذلك: وبالجملة، فإقامة الدليل على وجوب طاعة الفقيه كالإمام عليه السلام - إلا ما خرج بالدليل - دونه خرط القتاد.

 ويقول في ص557 أيضا في ذلك ما نصه: نعم، الولاية على هذه وغيرها ثابتة للإمام عليه السلام بالأدلة المتقدمة المختصة به، مثل آية{ أولى بالمؤمنين من أنفسهم }. وقد تقدم أن إثبات عموم نيابة الفقيه عنه عليه السلام في هذا النحو من الولاية ـ ولاية الأولوية ـ على الناس - ليقتصر في الخروج عنه على ما خرج بالدليل - دونه خرط القتاد.

 بقي عندنا بحث مختصر لابد من الإشارة إليه حتى يتسنى لنا بعد ذلك العودة الى بحثنا الأصلي ـ الخمس ـ وحقيقة البحث المختصر هذا هو: معرفة تأثير نطريات ولاية الفقيه على بحث الخمس.

 أما الدليل على الولاية بمراتبها الأربع أو الخمس فيقول عنها المحقق النراقي في عوائد الأيام ص536: (في بيان وظيفة الأعلام والفقهاء الأخيار في أمور الناس وما لهم فيه الولاية على سبيل الكليّة, فنقول وبالله التوفيق أن كليّة مال الفقيه العادل توليه وله الولاية فيه أمران: الأمر الأول: كل ما كان للنبي والإمام فيه الولاية وكان لهم فللفقيه أيضاً ذلك إلا ما أخرجه الدليل من إجماع أو نص أو غيرهما). فمقتضى الأصل في دخول المرتبة الخامسة تحت ولاية الفقيه الجامع للشرائط كما يعتقد صاحب عوائد الأيام هي القاعدة الأولية, إلا إذا دل دليلٌ من نص أو إجماع يجعل بعض هذه المراتب مختصة بالنبي والأئمة, كما ذهب الى ذلك الشيخ الأنصاري, ثم يستدل النراقي رحمه الله على ثبوت الولاية العامة بقوله: (أما الأول فالدليل عليه بعد ظاهر الإجماع حيث نص به كثير من الأصحاب بحيث يظهر منهم كونه من المسلّمات ما صرحت به الأخبار المتقدمة من كونه وارث الأنبياء وأمين الرسل وخليفة الرسول وحصن الإسلام ومثل الأنبياء بمنزلتهم والحاكم والقاضي والحجة من قبلهم وأنه المرجع في جميع الحوادث وأن على يده مجاري الأمور والأحكام وأنه الكافل لأيتامهم الذين يراد بهم فإنّ من البديهيات التي يفهمها كل عامي وعالم ويحكم بها أنه إذا قال نبي لأحد عند مسافرته أو وفاته فلانٌ وارثي ومثلي وبمنزلتي وخليفتي وأميني وحجتي والحاكم من قبلي عليكم والمرجع لكم في جميع حوادثكم وبيده مجاري أموركم وأحكامكم وهو الكافل لرعيتي وأن له كل ما لذلك النبي في أمور الرعية بحيث لا يشك فيه أحدٌ ويتبادر منه ذلك ـ الولاية العامة ـ كيف لا؟ مع أنّ أكثر النصوص الواردة في حق الأوصياء المستدل بها في مقام إثبات الولاية للأئمة هي نفس هذه العناوين). هذا هو الدليل الذي استدل به صاحب العوائد على ثبوت الولاية العامة.

 أما في بحث الغد فأننا سوف نشير إنشاء الله الى الفرق بين النظرية الثالثة والرابعة اللتان بيناهما فيما سبق لنعرف مدى انسجامهما مع ما ذكره النراقي (ره) أما عدم تعرضنا الى الاولى والثانية فلعدم انسجامهما مع ما ذكره (ره).

 والحمد لله رب العالمين.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo