< قائمة الدروس

الأستاذ السيد کمال الحيدري

بحث الفقه

32/05/28

بسم الله الرحمن الرحیم

في أهم ما يستدل به لثبوت ولاية الفقيه وما يلاحظ عليه

 كان الكلام في أنحاء الولاية الخمس ـ الإفتاء والقضاء وإقامة الحدود والإذن في التصرف والأولوية ـ وقلنا بأن كبار علماء الامامية يقولون بها ومن أبرزهم كما اشرنا الى ذلك هم: محمد حسن الجواهري والمحقق النراقي والشيخ مرتضى الانصاري والسيد الخميني.

 وبناءً على صحة التقسيم القائل بوجود مدرستين: النجف وقم, يتضح أن جذور نظرية ولاية الفقيه تأتت من مدرسة النجف الحديثة التي كان رائدها الشيخ الأعظم رحمه الله لا كما يدعي البعض من أنها وليدة حوزة قم.

 علما أن كلمة القائلين بولاية الفقيه قد اتفقت بنحو كبير في حقيقتها ومضمونها رغم وجود الاختلاف في بعض مسائلها الذي لا يؤثر على هيكلها وشكلها العام.

 ومما ينبغي الالفات إليه في المقام أيضا وهو مما لم يتم التنبيه إليه من قبل القائلين بتلك النظرية هو: أن أنواع أو أقسام هذه الولاية تشترك في حقيقة مفادها: وجوب الطاعة والامتثال للأمر سواء كان ذلك الأمر صادر من الله سبحانه أو من الرسول والامام أو من الفقيه الجامع للشرائط في عصر الغيبة ومن لم يمتثل ذلك فهو عاصٍ بغض النظر عن حقيقة الآمر من يكون فان كان الامر من الله او النبي والمعصوم فلا اشكال في تحقق المعصية بعدم الامتثال وإن كان الأمر من الفقيه الجامع للشرائط فسوف يكون غير الممتثل مصداقا لقوله (ع) الراد عليهم كالراد علينا (فإنهم حجتي عليكم) وذلك لعدم جواز مخالفة الحجة المنصب من قبل الامام(ع).

 ويحسن بنا بعد البيان المتقدم أن نشير الى بعض الفروق الحاصلة بين أنواع الولاية وهي عبارة عن:

 الفرق الأول: أن الولاية الثابتة لله سبحانه وتعالى ذاتية, بمعنى أنها غير مجعولة من أحدٍ, وهي مدركة بالعقل ولان في إثباتها الى ليل.

 أما ولاية الائمة (ع) وفقهاء عصر الغيبة فهما ولايتان ثابتتان بالعرض لا بالذات, لذا أننا بينا فيما سبق من الابحاث بأن الأصل عند هؤلاء عدم ثبوت الولاية الا إذا قام الدليل على إثباتها.

 الفرق الثاني: أن كلا الولايتين ـ ولاية المعصوم والفقيه الجامع للشرائط ـ كما قلنا مجعولتان الا أن الفرق بينهما في نحو الجعل, فولاية الرسول الأكرم مجعولة من الله سبحانه وتعالى, وكذلك ولاية الائمة عليهم السلام فأنها مجعولة من قبل الله سبحانه وتعالى كذلك{يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته}, لا كما يتصور البعض من الأعاظم أنها مجعولة لهم من قبل الرسول (ص). أما ولاية الفقهاء فهي مجعولة من قبل الامام (ع).

 وما يترتب على ذلك من ثمرة هو: أن الولاية المجعولة من قبل الله للرسول الأكرم والائمة الميامين تعد جزءً من الشريعة, أي ثابتة لا تتغير بتغير الظروف والشرائط, بخلاف الولاية المجعولة للفقيه من الامام في عصر الغيبة فأنها ليست جزء من الشريعة وتتغير من زمان لآخر تبعا لتغير الظروف والشرائط وهي حكم ولائي صدر من المعصوم لوجود ضرورة في ذلك وحالها في ذلك حال أي حكم ولائي آخر قابل للرفع والوضع, وهذا النوع نفسه الذي اشرنا اليه في رواية علي بن مهزيار التي تكشف عن وجود نوعين من الخمس أحدهما جزء من الشريعة ثاب غير قابل للتغير والآخر ليس جزءً من الشريعة, بل هو مجعول بالأمر الولائي الموجب من الامام (ع) لوجود الضرورة والمصلحة المقتضية لذلك, الا أنه يمكن أن يرتفع ذلك الحكم حين تتغير ظروفه؛ لذا فأننا حينما نراجع لسان الرواية نراها تقول: (ولم أوجب ذلك عليهم في كل عام ولم أوجب ذلك عليهم في متاع, فأما الذي أوجب من الضياع فأما الغنائم والفوائد فهي واجبة عليهم في كل عام قال الله تعالى: {واعلموا أنما غنمتم), فالواضح من نص الرواية أنها تتكلم بلسانين أحدهما يكشف عن الحكم الثابت الذي لا يتغير وأنه جزء من الشريعة, والثاني يكشف عن الحكم الثابت بولاية الأمر القابل للتغير وأنه ليس جزء من الشريعة, بل قيل بوجوبه لاقتضاء الضرورة اليه.

 وهذا ما ينبغي للفقيه التوجه إليه, أي لابد له من التوجه الى لسان الرواية ليعرف بذلك اللسان الذي تتكلم به الرواية, فهل هي تتكلم عن الاحكام الثابتة أم أنها تتكلم عن الاحكام الصادرة بالأمر الولائي.

 من بعد هذا البيان لا بد لنا أن نقف عند نصين من النصوص التي استُدِل بها على إثبات ولاية الفقيه في عصر الغيبة؛ لنرى الامام كيف يعبر عن هذه الولاية ولنعرف هل أن الامام ينسب الحكم الشرعي في ذلك لله سبحانه وتعالى أم لنفسه وأنه الجاعل لذلك الحكم, أما النصين فهما:

 الاول: مقبولة عمر بن حنظلة الوارد في وسائل الشيعة المجلد السابع والعشرين ص136 والتي سندها: (عن محمد ابن يعقوب عن محمد بن يحيى عن محمد ابن الحسين عن محمد ابن عيسى عن صفوان ابن يحيى عند داود ابن الحصين عن عمر ابن حنظلة), فالسند لا محذور فيه الا من جهة عمر بن حنظلة الذي لم يوثق ولم يترجم له, أي: مجهول الحال.

 من هنا حاول الاعلام تصحيح هذه الرواية بعمل الاصحاب, أي: أن عمل الاصحاب جابر لضعفها الحاصل بوجود عمر بن حنظلة. الا أن ذلك غير تام صغرى وكبرى:

 أما الصغرى: فلم يُعلم أن الأصحاب قد استندوا إليها, ولو كان ذلك حاصل لقالوا بولاية الفقيه, الا أننا لم نر ذلك قد حصل.

 أما الكبرى: إن القول بأن عمل الاصحاب جابر لضعف السند دعوى تحتاج في إثباتها الى دليل.

 لهذا فأن جملة من الاعلام عبروا عنها بالمقبولة, علما لا يوجد عندنا من الروايات من يُنعت بهذا النعت, والروايات هي: إما صحيحة وإما موثقة أو حسنة وضعيفة. لكن عُبر عنها بهذا التعبير بدعوى قبول الاصحاب لها.

 والبعض قد عبر عنها بالصحيحة رغم أن عمر بن حنظلة مجهول الحال مستدلا على ذلك بأن هناك روايات عن الامام الصادق (ع) يستفاد منها التوثيق لهذا الرجل كالرواية الورادة في وسائل الشيعة الجزء الرابع ص156 القائلة: (محمد ابن يعقوب عن علي ابن إبراهيم عن محمد ابن عيسى عن يونس عن يزيد ابن خليفة قال: قلت لأبي عبد الله الصادق: أن عمر ابن حنظلة أتانا عنك بوقت فقال إذن لا يكذب علينا) فكلام الامام واضح في أن عمر بن حنظلة لا يكذب.

 الا أن رواية التوثيق هذه لا يمكن الاعتماد عليها؛ لكونها غير خالية من الاشكال المتعلق بيزيد بن خليفة الذي لم يوثق أيضاً. وحل الإشكالية المتعلقة بيزيد بن خليفة يبعث على توثيق عمر بن حنظلة.

 علما أن توثيق يزيد بن خليفة قد يقال بإمكانه بناءً على القاعدة القائلة: أن البزنطي وابن أبي عمير وصفوان بن يحيى لا يروون الا عن ثقة, والثابت أنهم قد رووا عن يزيد بن خليفة.

 ففي فروع الكافي المجلد السابع ص587 الحديث6573: (أبو علي الأشعري عن محمد ابن عبد الجبار عن صفوان ابن يحيى عن يزيد ابن خليفة قال: شكوت إلى أبي عبد الله الصادق(ع) فقلت إني أصدّع إذا صمت هذه الثلاثة أيام ويشك, قال:...).

 علما أن القاعدة المزبورة قد ناقش فيها السيد الخوئي مفصلا, ولوحظ على مناقشاته بتفصيل أكثر.

 وثبوت قاعدة: لا يرون إلا عن ثقة ولا يرسلون إلا عن ثقة تصحح لنا الكثير من الروايات الساقطة عن الاعتبار بسبب السند.

 والقاعدة هذه مما تُصيد من كلمات أعلام مدرسة أهل البيت عليهم السلام, والا فلا توجد شهادة من أحد هولاء تقول: أننا لا نروي الا عن ثقة.

 والبناء على صحة القاعدة المزبورة كما هو الملاحظ عند السيد الشهيد وغيره من الاعلام يثبت صحة رواية يزيد بن خليفة, الموثِقة بدورها لعمر بن حنظلة الراوي للرواية التي في المقام, القائلة: (قال ينظران من كان منكم ممن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فليرضوا به حكما فإنّي قد جعلته عليكم حاكما), أي الامام هو الجاعل هنا وليس الله سبحانه وتعالى وهذا يكشف أن الجعل في الرواية هذه من النوع الثاني, ولسانه في ذلك لسان الخمس الذي يزيد فيه الامام تارة ويضع أو يخفف أخرى.

 الثاني: ما ورد في وسائل الشيعة المجلد السابع والعشرين ص140 نقلا عن كتاب إكمال الدين وإتمام النعمة الحديث 33424: ( عن محمد بن محمد بن عصام عن محمد بن يعقوب, عن إسحاق بن يعقوب قال: سألت محمد بن عثمان العمري أن يوصل لي كتابا قد سألت فيه عن مسائل أشكلت علي, فورد التوقيع بخط مولانا صاحب الزمان ( ع ): أما ما سألت عنه أرشدك الله وثبتك - إلى أن قال: - وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا, فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله, وأما محمد ابن عثمان العمري رضي الله عنه وعن أبيه من قبل, فإنه ثقتي وكتابه كتابي..). سند الرواية هذه غير خال من الاشكال لوجود اسحاق بن يعقوب الذي لم يترجم له.

 والرواية هذه من أهم ما يُستند اليه لإثبات ولاية الفقيه لذلك نجد أن الذين يعتقدون بولاية الفقيه يسعون جاهدين لتصحيح سند هذه الرواية ومن أهم ما قالوه لتصحيحها هو: من غير المعقول أن فقيها مثل محمد بن يعقوب الكليني على عظمته وجلالة قدره وعلمه بالحديث أن يقبل توقيعا من الامام الحجة دون أن يتأكد من صحة هذا التوقيع, والتأكد المفروض هنا يلازم ثقة الرواة الناقلين لهذه الرواية.

 أما محل الشاهد من الرواية فهو: (قال: فأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنّهم حجتي عليكم وأنا حجة الله), فالذي اعتقده ويعتقده القائلون بهذه النظرية أن هذه الولاية مجعولة من الامام عليه السلام, لا من الله سبحانه وتعالى ويدل على ذلك:

 أولاً: المقابلة بين قوله حجتي وحجة الله: إذ لو كانت الولاية مجعولة من الله لما صح تعبير الامام هذا؛ لعدم صحة المقابلة في قوله المذكور, بل كان ينبغي أن يعبر بتعبير يفيد حصول الحجية لهما على نحو واحد لكونهما حجج الله على الناس, الا أننا نرى الامام يقابل بين حجيته المجعولة من قبل الله وحجية الفقيه المجعولة منه (ع).

 ثانيا: قوله (ع) حجتي أي أن الأمر مرتبط بي لا بغيري.

 وهذان الدليلان يكشفان عن أن الحكم الثابت للفقيه الجامع للشرائط المتعلق بولاية الأمر هو أمر ولائي صادر من المعصوم (ع) وليس من الله أو النبي, أو من الامام بعنوان التشريع الثابت في الشريعة.

 ولعل هذا المعنى يمكن استفادته من كلمات الشيخ الانصاري الذي يقول: (فكان هذا منصب ولاة الإمام من قبل نفسه لا أنه واجب من قبل الله سبحانه على الفقيه بعد غيبة الإمام وإلا لو كان الإمام يريد أن يثبت ذلك المعنى وإلا كان المناسب أن يقول إنهم حجج الله عليكم لا أن يقول حجتي عليكم).

 وما ينبغي الالفات اليه وهو مما أشرنا اليه سابقا: أن الولاية الثابتة من الله جزء من الشريعة لا يمكن فيها التغيير بالعزل وغيره كما هو الحال في الولاية الثابتة للنبي والائمة المعصومين.

  أما الولاية الثابتة من الامام المعصوم للفقيه الجامع للشرائط فأنها ليس كذلك؛ لإمكان التغيير فيها بالعزل والإقالة.

 والتفريق هذا ـ بين الولاية المجعولة من الله و المجعولة من الامام ـ قد أشار إليه السيد الخميني رحمه الله في شرحه لقوله (ع) أنا حجة الله وهم حجتي عليكم بقوله: (أن المراد أنما هو ولي من قبل الله تعالى لهم من قبلي ومعلومٌ أن هذا يرجع إلى جعل إلهي له(ع) وجعلٍ من قبله للفقهاء).

 والحمد لله رب العالمين.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo