< قائمة الدروس

الأستاذ السيد کمال الحيدري

بحث الفقه

32/06/04

بسم الله الرحمن الرحیم

في أهم ما يترتب على النطرية الثالثة والرابعة من فروق وآثار

 قبل الدخول في محور بحثنا لهذه اليوم لنا أن نشير الى شاهد آخر في كلام الشيخ الانصاري يبين فيه اعتقاده بولاية الفقيه في عصر الغيبة, وأن الفقيه قد أعطي الولاية من قبل الامام (ع), ففي المكاسب الجزء الثالث ص561 يقول: «في ولاية عدول المؤمنين, أعلم أن ما كان من قبيل ما ذكرنا فيه ولاية الفقيه وهو ما كان تصرفاً مطلوب الوجود للشارع», فيعتقد رحمه الله أن الثابث لولي الفقيه في عصر الغيبة يثبت لعدول المؤمنين عند عدم وجود الولي, أما النحو الثابت له فهو كل الأمور التي نقطع بإرادة الشارع لتحقيقها وعدم رضاه بتفويتها.

 أما بالعودة الى أصل البحث فلنا أن نستقرء مدى تأثير النظريات المتعلقة بولاية الفقيه في مبحث الخمس, فلا يخفى أننا قد أشرنا فيما سبق من الابحاث الى أن الخمس على نوعين: بعضه ثابت بالأمر الإلهي والذي لا يناله التغيير بالزيادة والنقيصة, وبعضه الآخر ثابت بالأمر الولائي وهو المتعلق بأرباح المكاسب القابل للزيادة والنقصان كما نرى ذلك في رواية علي بن مهزيار.

 وبهذا التفريق تندفع إشكالية عدم الاهتمام بالخمس كالاهتمام ببقية الفرائض ويندفع أيضا القول بعدم جبايته في عهد الرسول والائمة (ع) الى عهد الصادقين؛ لأنه لم تكن إليه ضرورة في ذلك الوقت, بل أن الضرورة اقتضته في عهد الصادقين وما بعدهم من الائمة (ع)؛ لاتساع رقعة التشيع وامتدادها.

 ثم انتقلنا بعد ذلك الى إمكان انتقال وعدم انتقال تلك الولاية الى الفقيه الجامع للشرائط, فقلنا أن الأمر في ذلك مرتبط بالصلاحيات المعطاة اليه والتي على أساسها تتضح الدائرة التي يستطيع من خلالها الفقيه أن يتحرك تجاه فرض الزيادة والنقصان, وهل حاله في ذلك حال الامام المعصوم أم لا؟

 ولنا هنا أن نقف أجمالا على مفاد النظريات الأربع المتعلقة بولاية الفقيه والتي أشرنا إليها تفصيلا لنعرف مدى تأثيرها على الخمس في أرباح المكاسب الثابت بولاية الأمر.

 النظرية الأولى: وهي النظرية التي تعتقد أن ولاية الامر في عصر الغيبة لم تثبت للفقيه من قبل الامام بالدليل اللفظي, وغاية ما ثبت له بذلك ولاية الإفتاء لا غير.

 أما ثبوت القضاء له فليس من خلال الاعطاء اللفظي من قبل الامام, بل هو ثابت له باعتباره من الضرورات التي لا يمكن الاستغناء عنها ولا يمكن لأحد القيام به سوى الفقيه الجامع للشرائط, وهذا ما أشار إليه السيد الخوئي بما مؤداه: عدم وجود الدليل اللفظي الدال على إعطاء ولاية القضاء للفقيه فضلا عن ولاية إقامة الحدود وولاية الاذن في التصرف وولاية الأولوية.

 فهو رحمه الله ومن يتبعه في المبنى يرى ثبوت كثيرٍ من مثل هذه الأمور لكن من باب الولاية الحسبية وذلك في الأمور التي لا يرضى الشارع بفواتها.

 علما أنهم يرون كذلك أن ولاية الإفتاء ثابتة للفقيه من الامام بقطع النظر عن قبول الأمة وعدم قبولها. وهناك من الاعلام من يعتقد أن ثبوت القضاء وإقامة الحدود وغيرهما لا تحصل للفقيه الجامع للشرائط الا بقبول الأمة ورضاها.

 النظرية الثانية: وهي نظرية السيد الشهيد رحمه الله والتي تعتقد بإعطاء الولاية للفقيه في دائرة محددة تسمى بمنطقة الفراغ حيث يستطيع الفقيه في هذه الدائرة الإيجاب والتحريم شريطة أن تكون الإباحة بالمعنى الأعم هي الملازم الاول لتلك الدائرة قبل صدور الحكم عليها من الفقيه بالوجوب أو الحرمة, علما أن فتوى الفقيه بالوجوب والحرمة مبتنٍ على:

 1ـ المصالح التي يرى فيه حصول المنفعة للأمة.

 2ـ الرجوع الى روح الشريعة الآمرة بمنع حصول الطبقية بين أفراد المجتمع ولذلك يقول تعالى «مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ

» و«كَيْ لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ» فمسؤولية الفقيه المنع من حصول هذه الظاهرة والسعي الى إنهائها في فرض وجودها.

 النظرية الثالثة: الولاية الانتخابية ويوجد في هذه النظرية اتجاهان:

 الاتجاه الأول: أن الولاية المعطاة من المعصوم للفقيه مشروطة في تحققها بانتخاب الأمة وعند عدم ذلك لا تثبت الولاية للفقيه, أي: الشرط هنا من قبيل مقدمة الواجب فهي من قبيل الاستطاعة للحج فبعدم تحقق الاستطاعة لا وجوب للحج.

 نعم, هي بالنسبة للأمة مقدمة وجوب أي يجب السعي لتحصيلها وإن لم تفعل فقد عصت بذلك أمر ربها, لا أنها مخير بين الانتخاب وعدمه.

 ومن ذلك يظهر أن الفقيه الجامع للشرائط وفقا لهذا الاتجاه معين من قبل الامام لكن ضمن شرط معين تتحقق به فاعلية ولاية الأمر هو انتخاب الأمة لذلك الفقيه.

 الاتجاه الثاني: الاتجاه الذي يعتقد أن الانتخاب هو المحصل والمحقق لولاية الفقيه وصلاحية الانتخاب الثابتة للأمة قد ثبتت لها من قبل الشارع, الا أن تلك الصلاحية قد أعطيت ضمن شروط وقيود أبرزها: أن تنتخب الآمة من تراه مناسبا وكفؤاً لهذا المنصب والمقام لكون المراد انتخابه لهذا المنصب يكون نائبا عن الامام في عصر الغيبة.

 وهذا الرأي يذهب إليه السيد الشهيد رحمه الله فهو يعتقد أن ولاية الفقيه ليست انتصابية, بل انتخابية وأن الأمة هي من لها حق تحديد الولي الفقيه في عصر الغيبة لكن ضمن الشروط التي اشرنا إليها ويشير الى ذلك في بحثٍ له في كتابه الاسلام يقود الحياة في ص123-162, حيث يقول في ص128 (وهذا يعطي مفهوم الإسلام الأساسي عن الخلافة) بعد بيانه لآيات الخلافة «يَادَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً» فيذهب الى أن الخلافة غير مرتبطة بنبي معين أو شخص معين, بل أن كل إنسان هو خليفة الله فيقول في ذلك: (وهو أن الله سبحانه وتعالى أناب الجماعة البشرية في الحكم ـ أي الله هو الذي أعطاها تلك النيابة فهي نائبة عنه ـ وقيادة الكون وإعماره اجتماعياً وعلى هذا الأساس تقوم نظرية حكم الناس لأنفسهم وشرعية ممارسة الجماعة البشرية حكم نفسها بوصفها خليفة عن الله سبحانه وتعالى ثم يقول رحمه الله في ص130: وبهذا يتضح الفرق الأساسي بين النظرية الإسلامية ويبن النظرية الغربية ـ والفرق هو أن النظرية الاسلامية وضعت شروطا وضوابط معينة في الشخص المراد انتخابه بالاضافة الى كونها مسؤولة أمام الله سبحانه وتعالى بخلاف الأنظمة الديمقراطية الغربية فهي لا تعتقد بالمسؤولية أمام الله ولم تفرض شروطاً مسبقة في الشخص المراد انتخابه ـ الى أن يقول: فإن الجماعة في الأنظمة الديمقراطية الغربية هي صاحبة السيادة, ثم يقول في ص135: وعلى هذا الأساس تفهمون معنى البيعة... كما أن التأكيد على البيعة للرسول الأعظم وأوصيائه تأكيدٌ من الرسول على شخصية الأمّة وإشعار لها بخلافتها العامّة وبأنها بالبيعة تحدد مسيرها وأن الإنسان حينما يبايع يساهم في البناء ويكون مسؤولاً عن الحفاظ عليه, ولا شك أن البيعة للقائد المعصوم واجبةٌ ولا يمكن التخلف عنها شرعاً ولكن الإسلام أصر عليها واتخذها أسلوباً من التعاقد بين القائد والأمّة لكي يركز نفسياً ونظرياً مفهوم الخلافة العامّة في الأمّة... ثم يبين بعد ذلك وظيفة ودور الفقهاء الذين لم يحصل لهم الانتخاب فيذهب في ذلك الى أن وظيفتهم المراقبة وتصحيح الانحراف الذي ربما يحصل في ولاية من حصل له الانتخاب.

 النظرية الرابعة: الولاية الانتصابية: النظرية التي تعتقد بثبوت الولاية قهرا الى الفقيه التي تتحقق فيه الشرائط وليس للفقيه حينئذٍ الخيار في القبول والرفض؛ لأنها حكم من الشارع لا يمكن عدم الالتزام به, وولايته على الأمة هنا من قبيل ولاية الأب على ابنه.

 وكذلك وفقا لهذه النظرية ليس للأمة أي دور في صناعة وإيجاد ولاية الفقيه للفقيه الجامع للشرائط؛ لأنها ثابتة له من الامام المعصوم.

 بعد هذا البيان للنظريات الأربع لنا أن نشير الى الآثار والنتائج التي تترتب على النظريتين الثالثة والرابعة, ومن أبرزها:

 الأثر الأول: بناءً على النظرية الانتخابية بكلا اتجاهيها سيكون للأمة دور فاعل ومحوري في الولاية؛ لأنها هي التي تعين وتحدد مصيرها بانتخاب من تراه مناسبا لذلك المنصب والمقام.

 وبهذا يتضح الدور الذي يقع على عاتق المؤسسة الدينية فعليها حينئذٍ السعي الجاد لتوعية الأمة بتعريفها الشخص الأصلح والأفضل لذلك المنصب لكي لا تقع الأمة في انتخابها في خطأ ـ عند انتخابها لغير الأصلح ـ يذهب بالامة الى التيه والانحدار و الذي لا يمكن معه تدارك الامور وتلافي الأخطار.

 أما بناءً على النظرية الرابع فلا يكون للأمة شيئا مما ذكر؛ لأن الولاية منصبة من قبل المعصوم(ع). وبه ينتفي أيضا دور المؤسسة الدينية في توعية الأمة وتوجيهها نحو الشخص المناسب.

 الأثر الثاني: بناءً على النظرية الانتخابية فأن ولاية الفقيه ستكون عقدا بين الولي والأمة, أي قائم بطرفين فيلزم حينئذٍ الالتزام بـ «أوفوا بالعقود» ونحوه.

 أما بناء على النظرية الانتصابية فالأمر ليس كذلك بل أن الفقيه منصب من قبل الشارع وليس له وللأمة أي خيار في القبول وعدمه.

 الأثر الثالث: بناء على النظرية الانتخابية يكون الفقيه مسؤولاً أمام الله؛ لكون النظرية نظرية دينية, ومسؤولا أمام الأمة كذلك؛ لكونه قد انتُخب من قبلها بعنوانه القائد الحامل لمشروعهم السياسي والاجتماعي والحضاري, وفي فرض عدم التزام الفقيه بما هو المقرر والمفروض عليه من الواجبات والالتزامات فللأمة حينئذٍ الحق في عزله.

 أما بناءً على النظرية الانتصابية فأن الفقيه مسؤول أمام الله فقط, وغير مسؤولٍ أمام الأمة لأنه لم يصل لهذا المنصب عن طريق انتخابهم له, بل عن طريق تنصيب الشارع, وهذا يلازم عدم أحقية الأمة في عزل الفقيه عند فرض عدم التزامه بالمقرر عليه لكون التنصيب من قبل الشارع وليس لأحدٍ أن يعزله غيره.

 الأثر الرابع: بناء على الولاية الانتصابية فأن تعدد الفقهاء الجامعين للشرائط يلازم تعدد ولاة الأمر فتكون ولاية كل فقيه منهم جارية على كل الشيعة في جميع أقطار الأرض وهذا يستدعي حصول:

 أولا: تداخل ولاية الفقهاء عند إعمال ولايتهم.

 ثانيا: التزاحم, لذلك نجد أن الفقهاء بدؤوا البحث عن الحلول الناجعة لحل ذلك التزاحم ومن ابرز السبل التي ارتئوها لذلك, هي:

 السبيل الأول: القرعة, وذلك فيما لو فرضنا أن موردا من الموارد قد تعلق به لزوم الفعل والإتيان من أحد الولاة, وتعلق به النهي وعدم الفعل من ولي آخر. علما أن التزاحم هذا يجعل المكلف في حيرة من أمره وعدم وضوح الموقف بالنسبة له.

 السبيل الثاني: الأسبقية, وهو الذي يذهب اليه الشيخ الأعظم رحمه الله.

 السبيل الثالث: شورى الفقهاء, أي: حينما يكون عندنا سبعة من الفقهاء فإن كان هناك إجماع على رأي من الآراء فبها ونعمت وإلا فرأي الأكثرية هو الناجز.

 ولنا أن نلاحظ على ذلك بالقول: أن تنازل الأقلية ـ لعدم نفوذ حكمهم ـ للأكثرية الناجز حكمها أمر لا يمكن تصوره وتعقله وذلك لأن الأقلية تعتقد أن رأيها هو رأي الشارع المقدس فكيف لها التنازل عما تعتقد به.

 وخير مثال لذلك لو أن الأكثرية قالت بثبوت الهلال فيما قالت الأقلية بعدم ثبوته فكيف يمكن تصور وتعقل تنازل الأقلية عن رأيهم الى الأكثرية وهو أمر مرتبط بالشريعة لا يمكن التنازل عنه أو إغفاله.

 مع ملاحظة أن صدق أمر الشورى في تنجز رأي الأكثرية دون الأقلية يكون في الأمور الدنيوية لا الدينية, والأمر الولائي حقيقة دينية كما لايخفى.

 السبيل الرابع: الانتخاب, أي عندما يحصل التزاحم في آراء الولاة تلتجئ الأمة حينها الى انتخاب وليا لها يكون رأيه هو الناجز والحجة عليهم.

 أما على الولاية الانتخابية فالتزاحم المزبور لا يمكن أن يتصور لعدم تحقق موضوعه فهو سالبة بانتفاء الموضوع؛ لفرض وجود ولي واحد منتخب من قبل الأمة, لا أكثر من ذلك.

 وما يترتب على النظرية الانتخابية وجود ولي لكل مصر من الامصار وقطر من الاقطار, أمره نافذ في البلد الذي هو فيه فقط, وهذا يلازم عدم وقوع التزاحم والمنافاة بين آراء الولاة المتعددين بتعدد الأقطار؛ لأن رأي كل واحد منهم حجة على أفراد ذلك البلد لا غير.

والحمد لله رب العالمين.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo