< قائمة الدروس

الأستاذ السيد کمال الحيدري

بحث الفقه

32/06/05

بسم الله الرحمن الرحیم

فيما أهم ما يلاحظ على صحيحة علي بن مهزيار الثانية والرد عليه

 لا بأس لنا قبل الدخول الى البحث أن نوضح إشكالية يثيرها البعض تفيد: أن الولاية إنما أعطيت للرسول وآل البيت لعصمتهم وامتناع حصول الخطأ بحقهم, وهذا يلازم عدم إمكان حصولها لغير المعصوم لإمكان حصول الخطأ بحقه, وحينئذٍ فالقول بانتقالها الى فقهاء عصر الغيبة قول لا يمكن الالتزام به؛ لعدم صحته وابتناءه على أسس صحيحة وسليمة.

 وفي مقام الجواب على ذلك نقول: أن هذه الدعوى يمكن أن يجاب عليها بجوابين: النقض والحل.

 أما النقض: فلا يخفى أن ولاية الإفتاء ثابتة للفقيه في عصر الغيبة مع الجزم والقطع بأن فتواه ليست مصيبة للواقع دائما, بل احتمال الخطأ فيها ممكن ووارد, فالمؤدي والمسوغ لانتقال هذه الولاية ـ الإفتاء ـ للفقيه هو عينه المسوغ لانتقال ولاية القضاء وإقامة الحدود وغيرها, وما يقال في ولاية الإفتاء لابد يقال في بقية أنواع الولاية.

 بالاضافة الى ذلك فأن من أنكر ثبوت الولاية كالسيد الخوئي ومن تبعه قد أنكر في الحقيقة ثبوتها بالدليل اللفظي, أما على مستوى العمل والتطبيق فهو ملتزم بها لكن من باب الولاية الحسبية معللاً ذلك بأن مثل هذه الأمور لا يرضى الشارع بفواتها. والعلة المذكورة لعدم ثبوت الولاية للفقيه ـ عدم العصمة واحتمال الخطأ ـ إمكان حصوله وثبوته فيما ثبت بولاية الحسبة لا مناص منه. فلماذا يمكن القول بالانتقال في الولاية الحسبية دون ولاية الأمر مع أن العلة المزبورة مشتركة بينهما؟!

 أما الحل: بينا فيما سبق من الابحاث أن الرسول(ص) والامام(ع) بحكمه وقضاءه وإقامته للحدود يعمل بمقتضى ما ثبت له من العلوم العادية الظاهرية لا الغيبية الباطنية. والشاهد على ذلك أن أمير المؤمنين (ع) قد غير في ولاته أكثر من مرة بعد أن تبين له عدم أهليتهم لذلك المنصب. وهذا يعني إمكان انتقال الولاية للفقيه الجامع للشرائط؛ لأن العمل منهما ـ المعصوم والفقيه ـ مبتنٍ على الظاهر لا الباطن والغيب.

 وبالعودة لأصل البحث لنا أن نشير الى وجود عدة تساؤلات في المقام هي:

 أولاً: هل أن وجوب الخمس في أرباح المكاسب من الاحكام الثابتة في الشريعة أم أنه من الاحكام الولائية القابلة للتغير؟

 نقول: بناءً على القول بأنه من الاحكام الثابتة في الشريعة فأننا سوف نواجه إشكالياتٍ غير قابلة للحل وما قيل لذلك من حلول لا تصمد أما المناقشة والملاحظة.

 فالاشكالات التي أثيرت على القول القائل: بأن الخمس في أرباح المكاسب من الاحكام الثابتة, والتي هي ـ الاشكالات ـ من قبيل: عدم جباية النبي للخمس, وظهوره في عهد الصادق (ع) ومن بعده من الائمة دون الائمة السابقين عليه, وغير ذلك من الاثارات تبقى عالقة دون أن يكون لها جوابا ناجعا.

 من هنا فأننا ذهبنا الى القول بأن الخمس في أرباح المكاسب من الاحكام الولائية الصادرة من الامام(ع) لوجود الضرورة الملحة الى ذلك.

 وخير دليل على أن الخمس في أرباح المكاسب من الاحكام الولائية ما ورد في صحيحة علي بن مهزيار الكاشفة عن أن الامام يتعامل فيها بلسان الحكم الولائي لا الثابت, فنراه تارة يقول: ولم أوجب ذلك, ويقول أخرى: وإنما أوجبت, وغير ذلك من التعابير الكاشفة عن الوضع أحياناً والتخفيف والتحليل أخرى, مراعيا في ذلك اقتضاء الضرورة والمصلحة في الإيجاب والتحليل.

 ومما ينبغي الالفات اليه أن جملة من الاعلام كالسيد الخوئي كان متوجها الى أن الخمس في إرباح المكاسب أمر ولائي الا أننا لا نراه يجيب على الاشكاليات والمحاذير التي تثار على الخمس ـ في أرباح المكاسب ـ بعنوانه حكما ثابتا من الشريعة, بل يكتفي بالإشارة الى كونه حكما ولائيا فنراه يقول في مستند العروة الوثقى ص203 (وقد تقدم أنّ ولي الأمر له الولاية على ذلك فله إسقاط الخمس عن التجارة وجعل الخمس في الذهب والفضة ولو مؤقتاً لمصلحةٍ يراها مقتضية لتبديل البعض بالبعض سيما في مثل الذهب والفضة...). وقوله هذا كاشف بوضوح عن أن الخمس في أرباح المكاسب من الاحكام الولائية التي يمكن فيها التغيير بالوضع أو التحليل والتخفيف.

 وفي ص204 يقول أيضا: (اما ما ذكره قدس سره من عدم ذكر المصرف فعجيب بداهة ان الصحيحة من بدايتها الى نهايتها تنادي بأعلى صوتها بأنه‌ عليه السلام في مقام تخفيف الخمس اما بالالغاء محضا كما في المتاع و الانية و الخدم و الربح و نحوها، أو بالغاء بعضها كما في الضيعة حيث أشار عليه السلام في صدرها بقوله: إلا في ضيعة سافسرها لك فما ذكره هنا تفسير لما وعد، و معناه أنه عليه السلام خفف الخمس و اكتفى عنه بنصف السدس فكيف لا يكون مصرفه معلوما فإنه هو مصرف الخمس بعينه...ثم يقول في ص205: بل في مقام التخفيف عن حقه الشخصي), الا أننا لا نوافق السيد الخوئي من أن التخفيف الحاصل في حق الامام إنما هو تنازل منه عليه السلام عن حقه الشخصي كما يدعي رحمه الله, بل أن التنازل قد حصل لوجود مصلحة في ذلك للشيعة الموجودين آنذاك, والأمر هذا غير مختص بزمانه عليه السلام بل قد يكون جاريا في زمان الامام الذي بعده حينما تكون الظروف واحدة, وقد يتغير عندما تتغير الظروف فما أفاده رحمه الله بقوله: فيختص بزمانه غير سديد, وقوله: ولا ينافيه قوله في كل عامٍ إذ الظاهر أن المراد من كل عام أعوام حياته فقط غير سديد أَيضاً لكونه رحمه الله قد فهم من الخمس الوارد في الصحيحة نوعا واحداً, في حين أن الصحيحة قد تعرضت لنوعين من الخمس هما: الثابت والولائي.

 ثانياً: هل أن الخمس في أرباح المكاسب الذي وضعه الامام الصادق (ع) والذي بعده من الائمة عليهم السلام على شيعتهم تم رفعه أم لا؟

 الثابت دون شك أن الحكم الولائي بوجوب الخمس لازال ثابتا ولم يرتفع, والروايات المتواترة تكشف عن قبض الائمة ـ الرضا والجواد والهادي والعسكري والقائم في غيبته الصغرى ـ للخمس.

 نعم, حصل التغيير في عهد الامام الجواد (ع) بالتخفيف من الخمس الى نصف السدس تارة, أو تبديل بعضها بمواردٍ غيرها أخرى, أو ترك بعض الموارد دون بعضها الآخر ثالثة.

 وهذا ما حدا ببعض الشيعة الى الاستفسار من الامام الهادي عن موقفهم آنذاك من البقاء على نصف السدس كما كان يرى الامام الجواد (ع) أم أن الحكم قد تغير بانتقال الامامة إليه (ع).

 ضرورة أن يعلم عدم وجود أي دليل دال على أن الامام الثاني عشر قد رفع الخمس عن شيعته حين بدء الغيبة الكبرى, وهذا يكشف عن أن الحكم كما هو ثابت في عصر الحضور ثابت في عصر الغيبة.

 أما روايات التحليل والتي يستدل به البعض على أن الائمة قد رفعوا هذا الفرض عن شيعتهم في عصر الغيبة فسنتناولها بالتفصيل في قادم الابحاث انشاء الله لنعرف حقيقة الأمر في ذلك, وهل أنها رفعت الخمس ـ في أرباح المكاسب ـ أم لا.

 وغير خافٍ أن روايات التحليل لم تتطرق الى رفع الخمس في الغنائم لكونه حكم قرآني ثابت لا يمكن فيه التغيير والتبديل من أحد.

 ثالثا: هل الصلاحية الثابتة للامام كالوضع والتخفيف والتحليل في الخمس ثابتة للفقيه الجامع للشرائط في عصر الغيبة أم لا؟ والقول بعدم ثبوت هذه الصلاحية يحتم العمل بوجوب الخمس الذي لم يُرفع من الامام عليه السلام.

 نقول من التزم من الفقهاء بانتقال الولاية ـ كصاحب الجواهر وعوائد الأيام والمكاسب المحرمة (الانصاري) ـ الى الفقيه الجامع للشرائط في عصر الغيبة فهو يلتزم دون شك بثبوت تلك الصلاحيات للفقيه؛ لأن تلك الصلاحية إنما أعطيت للامام حتى يتسنى له إدارة شؤون المجتمع وقيادته بل والسير به الى ما هو الأصلح والأفضل والأمر هذا كما هو مفروض في الامام مفروض في نائبه أو وليه الملازم لانتقال الصلاحيات اليه.

 ثم أننا وإن لم نعثر على تصريح يدل على انتقال الصلاحيات من الاعلام الذين يعتقدون بثبوت ولاية الفقيه في عصر الغيبة, الا أننا يمكن أن نستفيد ذلك من كلماتهم, فنرى مثلا صاحب الجواهر يقول: (ضرورة كون المراد منه أنهم حجتي عليكم في جميع ما أنا فيه حجة الله عليكم).

 ولعل هذا المعنى يشير اليه بعض المعاصرين بوضوح حينما يفيد بأن الخمس في أرباح المكاسب هو عبارة عن ميزانية حكومية مجعولة من الائمة حسب الحاجة والضرورة, فنراه يقول في كتابه الخمس والأنفال: ( ويمكن أن يقال أيضاً أن هذا القسم من الخمس وظيفة وميزانية حكومية جعلت من قبل الأئمة المتأخرين حسب الاحتياج ـ وثبوت الأمر بهذا النحو يكشف عن ثبوت الصلاحية المذكورة لمن انتقلت اليه ولاية الأمر ـ حيث كانت الزكوات ونحوها في اختيار خلفاء الجور ولذلك ترى الأئمة محللين له تارةً ومطالبين أخرى وللحكومة هذا النحو من الاختيار, وقد احتملنا... الى أن يقول: ومقتضى ذلك جواز تجديد النظر للحاكم بحسب مقتضيات الزمان وتزييد هذا الحق تارةً وتنقيصه أو تحليله ـ وحقيقة الامر هذا تابع للمبنى فلعل البعض يقبل انتقال ولاية الفقيه لكنه لا يرى انتقال تلك الصلاحيات لوجود الدليل الدال على عدم إمكان انتقالها, الا أننا نعتقد بعدم وجود الدليل الدليل الدال على عدم إعطاء تلك الصلاحية للفقيه الذي نعتقده نحن ـ ).

 وخلاصة ما تقدم: أن رواية علي بن مهزيار تفيد ثبوت نوعين من أحكام التشريع أحدهما ثابت لا يتغير والآخر ولائي اقتضت اليه الضرورة.

 أما الأول فعبرت عنه بلسان: (فأما الغنائم والفوائد فهي واجبةٌ عليهم في كل عام قال الله تعالى: {وأعلموا أنما غنمتم}) بعد ذلك شرع عليه السلام ببيان المصاديق لذلك فقال: (والغنائم يرحمك الله هي الغنيمة والفائدة والجائزة).

 أما النوع الثاني فعبر عنه الامام عليه السلام بقوله: (ولم أوجب ذلك عليهم في كل عام ، ولا أوجب عليهم إلا الزكاة التي فرضها الله عليهم ، وإنما أوجبت عليهم الخمس في سنتي هذه في الذهب والفضة التي قد حال عليهما الحول ، ولم أوجب ذلك عليهم في متاع ولا آنية ولا دواب ولا خدم ولا ربح ربحه في تجارة ولا ضيعة إلا ضيعة سأفسر لك أمرها تخفيفا مني عن موالي ومنا مني عليهم).

 والملاحظ في المكاتبة هذه أنها عالية الدقة تحتاج في فهمها الى كثير من الفطنة والتأمل, والدقة التي فيها أدت الى وقوع الكثير من الاعلام في حيرة كبيرة حتى جعلت البعض منهم يذهب الى القول بحصول الاطمئنان بعدم صدورها.

  أما على القراءة التي نعتقدها نجد أن هذه الرواية من أدق وأعمق الروايات وأكثرها تفصيلا في الخمس؛ لأنها تكلمت عن النوع الأول من الخمس وبعده عن النوع الثاني ثم بدأت ببيان خصائص كلا النوعين, ولاشك أن الرواية هذه سوف تكون الأصل المعتمد لدينا, أي: هي المفصلة لكل الروايات المجملة, فلو فرضنا بأن هناك روايات تتكلم بنحو الاجمال عن الخمس في أرباح المكاسب فنحمل الاجمال حينئذٍ على التفصيل الموجود في هذه الرواية, أما اذا فرضنا ورود رواية تفيد أن الخمس في أرباح المكاسب على حد الخمس في الغنائم فسيقع التعارض حينئذٍ بينها وبين رواية علي بن مهزيار, ولحل التعارض هذا يلزمنا أن نستعرض كل الروايات التي تكلمت عن ذلك بالتفصيل.

 الرواية الثانية: ما ورد في وسائل الشيعة الجزء التاسع ص502 الحديث12582 علما أن الروايات التي قبلها تبدأ بـ: عن محمد بن الحسن بإسناده عن سعد ابن عبد الله عن أبي جعفر عن علي ابن مهزيار عن محمد ابن الحسن الأشعري.

 أما الرواية هذه فهي تقول: (وعنه ـ أي: محمد بن الحسن الطوسي ـ عن أحمد ابن محمد عن علي ابن مهزيار وبإسناده ـ أي: إسناد الشيخ عن علي ابن مهزيار والذي ينتهي إلى العباس بن معروف ـ قال وعنه ـ أي: علي ابن مهزيارـ فالسند هو سند الشيخ إلى علي بن مهزيار, والقائل هو علي ابن مهزيار, قال: (كتب إليه إبراهيم ابن محمد الهمداني ـ التي أصلها همذاني نسبة الى المدينة الإيرانية لكن بدلت الذال دالا للتحفيف؛ لأنها ثقيلة على لسان غير العربي ـ أقرأني عليٌ), ولابد لنا قبل الدخول في بحث الرواية من الإشارة الى وجود مشكلتين:

 الأولى: مجهولية من كتب في قوله (كتب اليه) وهذا ما يصطلح بـ الرواية المضمرة ومعنى ذلك: أن الرواية قد أسندت الى شخص لا يعلم هل هو الامام أم شخص آخر. ويقابل هذا المعنى اصطلاح آخر يعبر عنه بـ:

 الرواية الموقوفة: وهي الرواية التي لا يعلم بأن الرأي الذي فيها هل هو رأي الامام أم رأي غيره.

 وللكلام تتمة

 والحمد لله رب العالمين.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo