< قائمة الدروس

الأستاذ السيد کمال الحيدري

بحث الفقه

32/06/06

بسم الله الرحمن الرحیم

في أهم ما يلاحظ على صحيحة علي بن مهزيار الثانية والرد عليه ق2

 كان الكلام في الرواية الثانية المتعلقة بالخمس في أرباح المكاسب, المروية عن علي بن مهزيار والتي يقول فيها: (كتب إليه إبراهيم ابن محمد الهمداني أقرأني عليٌ ـ علي بن مهزيار ـ كتاب أبيك فيما أوجبه على أصحاب الضياع أنه أوجب عليهم نصف السدس بعد المؤونة, وأنّه ليس على من لم تقم ضيعته بمؤونته نصف السدس ولا غير ذلك ـ وفي هذا إشارة الى ذيل الصحيحة الأولى التي قال الامام فيها: فأما الذي أوجب من الضياع والغلاة في كل عام فهو نصف السدس ممن كانت ضيعته تقوم بمؤونته ومن كانت ضيعته لا تقوم بمؤونته فليس عليه نصف سدس ولا غير ذلك ـ ).

 فالسائل يقول: قرأ لي علي بن مهزيار كتاب الامام الجواد عليه السلام الذي يقول فيه: (إنما أوجب نصف السدس على من قامت ضيعته بمؤونته وزادت أما من لم تقم فلا يجب عليه) ثم يقول: (فأختلف من قبلنا في ذلك ـ أي وقع الاختلاف في انه هل لازال إعطاء نصف السدس في الضياع هو الواجب أم أن الحكم قد تغير الى مقدار الخمس, وهذا يكشف أن هذه الرواية ناظرة الى صحيحة علي بن مهزيار السابقة, أما وقوع الاختلاف فمنشأه واضح أيضاً حيث أن الامام الجواد عليه السلام ولضرورة ما قال بوجوب نصف السدس دون الخمس على شيعته علما أنهم كانوا يعطون الخمس لمن قبله من الائمة ـ فقالوا يجب على الضياع الخمس بعد المؤونة, مؤونة الضيعة وخراجها لا مؤونة الرجل وعياله ـ أو ما كان حاصلا في عهد الامام الجواد عليه السلام ـ فكتب ـ الامام الهادي عليه السلام بناء على كون الرسالة موجهة إليه ـ وقرأه علي ابن مهزيار عليه الخُمس) وذلك لاختلاف الظروف التي كان عليها الشيعة في عهد الامام الجواد عليه السلام والتي اقتضت حينها أن يقول الامام: (ولم أوجب ذلك عليهم في متاعٍ ولا آنية ولا دواب ولا خدم ولا ربح ربحه في تجارةٍ ولا ضيعةٍ إلا ضيعة سأفسر لك أمرها تخفيفاً مني عن مواليّ) والخمس هذا مرتبط بجعله وحكمه عليه السلام أما ما يتعلق بالخمس الثابت بالجعل الالهي فعبر عنه عليه السلام بقوله: (فأما الغنائم والفوائد فهي واجبةٌ عليهم في كل عام «واعلموا أنما غنمتم» ), الا أنه عليه السلام قد أوجب الخمس في موارد أخرى وهي الذهب والفضة وذلك تعويضا عن الغنائم والفوائد: (وإنما أوجبت عليهم الخمس في سنتي هذه في الذهب والفضة).

 والرواية هذه مضمرة كما قلنا, ويختلف الأخذ بها باختلاف المباني, فهناك من يعبر عنها بالصحيحة لاعتقاده عدم ورود الاشكال المذكور عليها وهناك من يعبر عنها برواية علي بن مهزيار لاعتقاده بورود الاشكال المذكور.

 علما أننا نرى صحة الرواية وفقا للقاعدة التي بيناها فيما سبق.

 والاعتماد على الرواية هذه وعدمه يتوقف على بيان الموقف من الروايات المضمرة, وتحديد الرأي فيها, فنقول: هل أن الروايات المضمرة حجة مطلقاً أم أنها ليست بحجة مطلقا أم هناك تفصيل في المقام؟ وينبغي الالفات الى أن قيد الاطلاق المأخوذ في جهات التقسيم الثلاث هو بمعنى: عدم وجود الفرق فيمن أضمر, أي: سواء كان من طبقة الأجلاء كمحمد بن مسلم ويونس بن عبد الرحمن أم من طبقة الثقات غير الأجلاء.

 ولنا قبل الدخول في تفصيل الأقوال وبيان الرأي المختار منها أن نشير الى أبرز الأسباب المحتملة في حصول الإضمار, وهي:

 أولا: التقية: وذلك حتى لا تعرف علاقة المضمرين بالإمام, وكذلك عدم معرفة الامام الذي صدرت عنه الرواية وهذا ما أدى بالبعض من الرواة أن يعبر كتبت الى العبد الصالح أو الى ذكر كنية الامام دون اسمه الصريح فيقول كتبت الى ابو الحسن الاول أو أبو الحسن الثاني أو ابو عبد الله وهكذا...

 ثانياً: التقطيع: بمعنى أن السائل يسأل أسئلة متعددة من الامام ترتبط بمواضيع مختلفة فيذكر أسم الامام في سؤاله الاول دون تكراره فيما تبقى من الاسئلة بل يكتفي بقوله سألته في جميع الاسئلة المتبقية, فحينما بدأ تقطيع الرواية لتقسيم مسائلها بحسب الأبواب توقف الاعلام المحدثون رعاية للأمانة في نسبة بعض الروايات الى الائمة مما أدى الى إضمارها.

 أما الأجوبة المتعلقة بحجية الروايات المضمرة وعدمها فهي:

 الأول: عدم الحجية مطلقا؛ لدلاة الأدلة على حجية قول الامام, وما في الروايات المضمرة غير محرز الانتساب إليه عليه السلام, وهذا مختار الشهيد الاول والثاني في كتاب اللمعة باب الصلاة, وصاحب الجواهر في المجلد التاسع ص190: ( وبصحيح ابن مسلم وأبي بصير عن أبي جعفر سألته عن الذي بيده عقدة النكاح قال هو الأب والأخو والموصى إليه... إلى أن يقول: ولا يعارض ذلك الصحيح المضمر ـ وهي صحيحة محمد ابن إسماعيل ابن بزيع ـ بعد كونه مضمراً ـ لأن التعارض إنما يكون بين الحجتين والمضمر ليس بحجةـ في الكافي والتهذيب ).

 الثاني: الحجية مطلقاً, ونسب الرأي هذا الى الشيخ حسن صاحب منتقى الجمان, ففي الجزء الأول من كتابه هذا وفي الفائدة الثامنة ص39, قال: (يتفق في بعض الأحاديث عدم التصريح باسم الإمام الذي يُروى عنه الحديث بل يشار إليه بالضمير وظن جمعٌ من الأصحاب أن مثله قطع ينافي الصحة وليس ذلك على إطلاقه صحيح) والملاحظ أن العبارة هذه لا يظهر منها ما يفيد الحجية المطلقة, إلا أنه جملة من الأعلام قد فهموا منه ـ شيخ حسن ـ رحمه الله أنه قائل بالحجية مطلقا, منهم صاحب الحدائق في المجلد الخامس ص311 حيث يقول: (ولله دَر المحقق الشيخ حسن في المعالم حيث رد ذلك ـ أي رد قول العلامة ـ في المختلف القائل بعدم حجية الرواية المضمرة ـ فقال: وأما جوابه على الثاني فمنظور فيه وذلك لأن الممارسة تنبه على أن المقتضي لنحو هذا الإضمار في الأخبار ارتباط بعضها ببعض في كتب روايتها عن الأئمة).

 وممن أختار الرأي هذا أيضاًـ القول بحجية المضمرات مطلقاً ـ العلامة المامقاني في مقباس الهداية الجزء الاول ص334 حيث يقول: (الظاهر أنّ مطلق الموثقين من أصحابنا أيضاً كذلك ـ كل اضماراتهم حجة ـ لأن ظاهر حال أصحاب الأئمة لا يسألون إلا عنهم ولا ينقلون حكماً شرعياً يعمل به العباد إلا عنهم وإن سبب الإضمار إما التقية أو تقطيع الأخبار...).

 الثالث: الذي يعتقد بالتفصيل في الحجية, وتفصيله على النحو الآتي:

 1ـ إذا كانت المضمرات منقولة عن أحد من طبقة الإجلاء ـ كمحمد بن مسلم ويونس بن عبد الرحمن وزرارة بن ـ الثابت أنهم لا يستندون في نقولاتهم الا للائمة عليهم السلام فهي ـ مضمراتهم ـ حجة دون شك.

 2ـ إذا لم تكن المضمرات منقولة عن طبقة الاجلاء بل عن غيرهم, الثابت في حقهم إمكان الاستناد في النقل عن غير الائمة عليهم السلام فمضمراتهم ليست بحجة بكل تأكيد.

 والتفصيل المذكور يشير اليه صاحب مقباس الهداية ناسبا القول به الى بعض المحققين, فنراه يقول: (بل قال بعض المحققين أن الإضمار إن كان من مثل زرارة ومحمد ابن مسلم وأضرابهما من الأجلاء فالأظهر حجيته) الا أنه رحمه الله علق على الرأي المذكور قائلا: (بل الظاهر أن مطلق الموثقين من أصحابنا أيضاً كذلك), أي: يعتقد بالرأي الثاني الذاهب الى القول بالحجية مطلقا.

 ووجه القول بالتفصيل المذكور فنيٌ, ذهب اليه صاحب الكفاية في باب الاستصحاب وذلك في مضمرة زرارة التي تعد من أهم الروايات في الباب المذكور لولا إشكالية الإضمار, الا أن صاحب الكفاية لم يعتني بتلك الاشكالية؛ لكون مضمر الرواية من طبقة الاجلاء فنراه يقول في كفاية الأصول ص388: (وهذه الرواية وإن كانت مضمرة إلا أن إضمارها لا يضر باعتبارها، حيث كان مضمرها مثل زرارة، وهو ممن لا يكاد يستفتي من غير الامام عليه السلام لا سيما مع هذا الاهتمام).

 وبهذا البيان يتضح عدم وجود المحذور في رواية علي بن مهزيار ـ الثابت إضمارها ـ بناء على القول الأول والثالث, أما الأول فواضح؛ لذهابه الى حجية المضمرات مطلقا, وأما الثالث فلأن زرارة من طبقة الاجلاء الذين حُكم على مضمراتهم بالحجية.

 ولنا أن نتساءل هنا: لو أن أحدا تبنى القول الثاني ـ عدم الحجية مطلقاً ـ فهل هناك طريق آخر لتصحيح الرواية أم لا؟

 نقول: إن تصحيح هذه الرواية بطريق آخر ممكنٌ, وإمكانه مبتنٍ على: ورود نفس هذه الرواية في أصول الكافي من دون إضمار ففي الجزء الثاني ص736 تقول الرواية: (محمد ابن الحسن وعلي ابن محمد عن سهل ابن زياد عن إبراهيم ابن محمد الهمذاني قال: كتبتُ إلى أبي الحسن (ع) ـ الهادي ـ أقرأني علي ابن مهزيار كتاب أبيك (ع) فيما أوجبه على أصحاب الضياع نصف السدس بعد المؤونة وأنه... الى أن يقول: فاختلف من قبلنا في ذلك فقالوا يجب على الضياع الخمس فكتب بعد مؤونته ومؤونة عياله...الخ).

 وهذا ما جعل صاحب الوسائل أن يشير في ذيل هذه الرواية قائلا: (ورواه الكليني عن علي ابن محمد عن سهل ابن زياد), أي: أن الرواية واحدة لا اثنتين حتى يقال بصراحة إحداهما وإضمار الاخرى؛ لإشارة كل الدلائل والقرائن على ذلك.

 الا أن التخلص من اشكالية الإضمار المذكورة لا يفضي الى نهاية المحذور وتمامية الكلام في الرواية, بل أننا سوف نواجه محذور آخر يتعلق بسهل بن زياد.

 ولي أن أشير الى نكتة مهمة في المقام ببيانها ينكشف اعتقادنا بسهل بن زياد وهل ما قيل بحقه صحيح أم لا؟ والنكتة هي: أن تضعيف سهل بن زياد يبعث على ضياع الكثير من الروايات وحرق كثير من التراث المتعلق بمسائل متعددة كالفقه والعقائد والتفسير المروي عن أهل البيت عليهم السلام وذلك لكون الشخص المتحدَث عنه في المقام قد روى قرابة 2500 رواية وهذا ما يفيده السيد الخوئي عند ترجمته للشخص المذكور في كتابه معجم رجال الحديث ص337 رقم الترجمة5629 بقوله: (وقع بعنوان سهل ابن زياد في إسناد كثير من الروايات تبلغ ألفين وثلاثمائة وأربعة موارد).

 من هنا فلا ينبغي لنا أخد الأقوال في التصحيح والتضعيف أخذ المسلمات وإن قال بها أكابر العلماء, بل لا بد من البحث والتحقيق وهذا ما يفرضه منهج البحث العلمي

 علما أن منهج التضعيف ذات الحدية والقسوة الشديدة والذي لم يراعى فيه منهج البحث العلمي كثيراً قد سار عليه السيد الخوئي رحمه الله في فترة من فترات حياته مما أدى به الى القول في سهل بن زياد: (وكيف كان فسهل ابن زياد ضعيفٌ جزماً), الا أنه رحمه الله قد غير منهجه هذا في ما تبقى من عمره الشريف فابتعد كثيرا عما كان عليه.

 والوقوف عند سهل بن زياد بدقة وتفصيل أمر لابد منه لمعرفة الحقيقة المتعلقة بهذا الرجل التي انتابها كثير من الغموض وعدم الوضوح.

 والتضعيف الذي نراه في سهل بن زياد قادم من القميين دون شك؛ لعدم انسجام رواياته مع المنهج الذي يعتقدون به؛ مما جعلهم ينعتون من كان كذلك بالغلو والانحراف عن العقيدة والدين والكذب والخلط الى أن ينتهي الأمر الى الإبعاد والإقصاء.

 والحق أن سهل بن زياد قد قيل في حقه كثير من المديح وعدم التجريح الكاشف عن عدم ضعفه, فقال في حقه السيد بحر العلوم في حاشية كتابه الفوائد الرجالية المجلد الثالث 25 ما نصه: (سهل ابن زياد لشيخنا الحجة لقد فصل أقوال الطرفين واختار التوثيق ودلل عليه ودفع حجج القائلين بالتضعيف), أما في المتن فعبر عنه رحمه الله بقوله: (والأصح توثيقه وفاقاً لجماعة من المحققين لنص الشيخ على ذلك ـ من هنا فأن القائلين بالتضعيف صاروا بصدد كيفية إسقاط كلام الشيخ رحمه الله بتقديم التضعيف الموجود في أحد كتبه على التوثيق الموجود في كتاب آخر ـ في كتاب الرجال ولاعتماد أجلاء أصحاب الحديث كالصدوقين والكليني وغيرهم, وإكثارهم الرواية عنه, مضافاً إلى كثرة رواياته في الأصول والفروع وسلامتها من وجوه الطعن والضعف ـ المتعلق بالدلالي المضموني؛ لوجود دعوى تتهمه بنقل روايات غير معلومة ـ خصوصاً عمّا غمز به من الارتفاع والتخليط فإنها خالية عنهما وهي أعدل شاهدٍ على برائته عمّا قيل فيه ـ من كونه مغالٍ ـ مع أن الأصل في تضعيفه كما يظهر من كلام القوم هو أحمد ابن محمد ابن عيسى الأشعري وحال القميين سيما ابن عيسى في التسرع إلى الطعن والقدح والإخراج من قم بالتهمة والريبة ظاهر لمن راجع الرجال ولو كان الأمر فيه على ما بالغوا فيه من الضعف والغلو والكذب لورود عن الأئمة ذمه وقدحه والنهي عن الأخذ عنه والرجوع إليه كما ورد في غيره ممن هو أقل منه رواية, كما ورد في الضعفاء...). لذلك أننا قبل عشر سنوات أو يزيد قد وثقنا سهل بن زياد وذلك في درسنا خارج المكاسب المحرمة.

 وبهذا يتم الجواب عن الاشكالية الثانية المتعلقة بسهل بن زياد فتكون الرواية مفيدة في المقام وأن سهل بن زياد ثقة.

 والحمد لله رب العالمين.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo