< قائمة الدروس

الأستاذ السيد کمال الحيدري

بحث الفقه

32/06/10

بسم الله الرحمن الرحیم

في أهم ما يلاحظ على صحيحة علي بن مهزيار الثانية والرد عليه ق3

 كان الكلام في الرواية الثانية وقلنا أنها مبتلاة بعدة إشكالات تعرضنا لبيان اثنين منها, هما:

 الإضمار: حيث بينا الحديث عن ذلك تفصيلا بذكر آراء العلماء المتعلقة بحجية وعدم حجية الإضمار وقلنا أنها على أنحاء ثلاث:

 الأول: الحجية مطلقا.

 ثانيا: عدم الحجية مطلقا.

 ثالثا: القول بالتفصيل: حيث ذهب بعض من الاعلام الى أن المضمر إذا كان من طبقة الاجلاء فمضمراته حجة وأما إذا لم يكن كذلك فمضمراته ليست بحجة.

 بعد ذلك بينا طريق التصحيح الذي يمكِّن أصحاب الاتجاه الثاني من القول باعتبار الرواية, وحقيقته: أن الرواية واردة في أصول الكافي بصراحة دون إضمار وأن المسؤول فيها هو الامام الهادي عليه السلام. لذلك قال الشيخ حسن ابن الشهيد الثاني في منتقى الجمان الجزء الثاني ص442: «ومنه يظهر مرجع ضمير إليه في رواية الشيخ له, مضافاً إلى أن الإشارة بكتاب أبيه إلى الكتاب الذي سبق في رواية علي ابن مهزيار وهو من أبي جعفر عليه السلام فيكون المراد من هذا أبا الحسن الهادي عليه السلام ولا يخفى ما في ذلك من الشهادة البينّة... ثم يبدأ رحمه الله بتفصيل الرواية قائلا: بما أسلفناه في مقدمة الكتاب من أن الموجب لمثل هذا الإضمار غفلة المقتطع للاخبار المنتزع لها من مواضعها عن رعاية ما يجب وإبقائه لها على صورتها التي كانت عليها قبل الاقتطاع وهو بعيدٌ عن الصواب جداً... الى أن يقول: والعجب بعد وقوع هذا من الشيخ كيف يُغفل عنه ويُرد بمثل بعض الأخبار ـ كما حصل أن البعض قد ردها بدعوى أن المسؤول فيها غير معلوم هل هو الإمام أو غيره ـ إذا اضطر إلى ذلك قائلاً أن المراد من الضمير غير معلوم» الباعث على إضمار الرواية المسقط لها عن الحجية عند ثبوت الإضمار فعلا.

 وما يتعلق بسهل بن زياد: ذكرنا الاشكالية المتعلقة بسهل به مع بيان الملاحظة عليها وبيان القول الحق فيها.

 الاشكال الثالث: ما يتعلق بثقة ابراهيم بن محمد الهذاني وعدمها.

 وبيان الرأي المختار في ذلك يتوقف على ضبط الاسم ومعرفة الشخص المراد منه.

 قال المامقاني في تنقيح المقال الجزء الرابع ص254 في الترجمة رقم 456: «إبراهيم بن قوام الدين حسين بن عطاء الله الحسني الحسيني الهمداني.

 الضبط: الهَمْدَاني: بالهاء المفتوحة, ثمّ الميم الساكنة, ثمّ الدال المهملة المفتوحة, ثمّ الألف, ثمّ النون, ثم الياء. نسبة إلى همدان, قبيلة من اليمن.

 وبالذال المعجمة, مع فتح اللام, بلدة معروفة من بلاد إيران. وإبدال الذال المعجمة بالدال المهملة نشأ من العجم, وإلاّ فأصلها همذان ـ بالذال المعجمة ـ لأنّه بناها همذان بن فلوج بن سام بن نوح عليه السلام, وهذا التصحيف صار سبباً لاشتباه المنتسب إلى القبيلة, بالمنتسب إلى البلد غالباً.

ومن أغلاط الفيومي في المصباح (3) أنّه جعل همدان اسم البلدة أيضاً بالمهملة (4), وجعل الفارق بين اسم القبيلة واسم البلدة, إسكان الميم في الأوّل, وفتحها في الثاني, حيث قال في مادّة « هـ م د »: وهَمْدان ـ وزان سَكْران ـ: قبيلة».

 أما وثاقة المترجَم له فذكر الاعلام لذلك طريقين:

 الأول: التنصيص على الوثاقة, وهو ما أشار إليه السيد الخوئي في معجم رجال الحديث حيث نقل رحمه الله مجموعة من الروايات المفيدة لتوثيق المترجَم له, الا أنه رحمه الله يعتقد بضعفها جميعا, فيقول في ذلك: «وهذه الرواية واضحة الدلالة على جلالة إبراهيم وعظم خطره ووثاقته غير أنها ضعيفة بجهالة طريقه على أنه لا يمكن إثبات وثاقة شخص برواية نفسه». فالطريق الاول غير تام لضعف الروايات الواردة بحق المترجم له.

 الطريق الثاني: الوكالة للامام: وهنا جرى البحث بين الاعلام في أن الوكالة هل تدل على الوثاقة أم لا؟ والجواب على ذلك يستدعي البحث في أمرين:

 الاول: الجزم بتحقق الوكالة.

 الثاني: ملازمة الوكالة للتوثيق.

  أما ما يتعلق بالأمر الاول: فالظاهر أن عائلة الهمذاني من العوائل التي ثبتت لها الوكالة من الامام عليه السلام, يقول النجاشي في ذلك في ص344 عند ترجمته لمحمد بن علي بن ابراهيم حفيد ابراهيم بن محمد الهمذاني: «محمد ابن علي ابن إبراهيم ابن محمد الهمذاني روى عن أبيه عن جده عن الرضا عليه السلام, وروى إبراهيم ابن هاشم عن إبراهيم ابن محمد الهمذاني عن الرضا أخبرنا أبو العباس أحمد ابن علي ابن نوح قال حدثنا أبو القاسم جعفر ابن محمد قال حدثنا القاسم ابن محمد ابن علي ابن إبراهيم ابن محمد الذي تقدم ذكره وكيل الناحية وأبوه وكيل الناحية وجده علي وكيل الناحية وجد أبيه إبراهيم ابن محمد وكيل قال: وقد كان في وقت القاسم - الحفيد- بهمذان معه أبو علي بصطام بن علي والعزير ابن زهير وهو أحد بنو كشمرد ثلاثتهم وكلاء في موضع واحد بهمذان وكانوا يرجعون في هذا إلى أبي محمد الحسن ابن هارون ابن عمران الهمذاني وعن رأيه يصدرون, ومَن قبله عن رأي أبيه وكان أبو عبد الله ولمحمد... الخ».

 أما السيد الخوئي في معجم رجال الحديث الجزء الاول ص292 الترجمة 294 يقول: «

إبراهيم ابن محمد الهمداني ـ على ضبط المشهور ـ وكيلٌ «وكيل الناحية» ».

 وفي تنقيح المقال الجزء الرابع ص360-364 قال: «إبراهيم ابن محمد الهمذاني عده الشيخ من أصحاب الرضا والجواد والهادي عليه السلام وصرح جمع منهم الكشي في ترجمة محمد ابنه والعلامة في الخلاصة هنا والنجاشي في ترجمة ابن ابن محمد ابن علي وكذا الكشي بأن إبراهيم هذا كان وكيل الناحية المقدسة وأنّه حج أربعين حجّة....الخ».

 الا أننا رغم التصريحات المزبورة, المتعلقة بوكالة ابراهيم بن محمد للناحية نجد التستري لا يقبل ذلك, فنراه يقول: «وأما ما قاله المصنف من أن الكشي في محمد ابنه وهو مع النجاشي في ابن ابنه محمد ابن علي قال كان وكيل الناحية - يعني إبراهيم- فليس كذلك» معللا ذلك بان النجاشي قال: «وجد أبيه إبراهيم ابن محمد وكيل » ولم يقل وكيل الناحية.

 الا أن الاعلام الذين تعرضوا لذلك استنكروا قول التستري هذا وأنه في غير محله.

 وبذلك يظهر أن المترجم له وكيل من الناحية المقدسة دون أي اشكال وشبهة.

 أما ما يتعلق بالأمر الثاني ـ ملازمة الوكالة ودلالتها على الوثاقة ـ ففيه أقوال ثلاث:

 الاول: عدم ملازمة الوكالة للوثاقة مطلقا.

 الثاني: ملازمة الوكالة للوثاقة مطلقاً.

 الثالث: التفصيل في ذلك.

 ومنشأ المسألة هذه متأتٍ من: أن كثيرا من الاصحاب كانوا وكلاء للأئمة عليهم السلام دون أن تثبت لهم الوثاقة الخاصة, أي: لم يرد نص على وثاقتهم من الامام المعصوم عليه السلام من قبيل محمد بن سنان الذي قيل فيه الكثير من الكلام من أنه ليس ثقة, والأمر نفسه بالنسبة الى المفضل بن عمر والمعلى بن خنيس.

 ولنا هنا وقبل الدخول في تفصيل الأقوال الثلاثة المزبورة أن نعرف المراد من الاطلاق المأخوذ في القولين الأولين.

 ومعرفة ذلك يتوقف على بيان نحوين من الوكالة, هما:

 الوكالة في الأمور العامة الدينية: وهي ما تكون غرضاً لجمع الحقوق, وتلبية حاجات المجتمع, والتأكيد على الأمور الدينية من خلال بيان الحلال والحرام, وإدارة شؤون الشيعة.

 الوكالة في الأمور الخاصة: وهي ما تكون غرضا لخدمة الامام عليه السلام والقيام بأموره الخاصة.

 وببيان هذين النحوين من الوكالة نقول أن المراد من الاطلاق المأخوذ في القولين الأولين هو ما كان شاملاً لكلا الوكالتين.

 أما القول الأول ـ عدم ملازمة الوكالة للوثاقة مطلقاً ـ فهو مختار السيد الخوئي رحمه الله حيث ذهب الى أن الولاية بكلا شقيها غير دالة على الوثاقة وهذا ما أشار اليه في كتابه معجم رجال الحديث الجزء الأول ص75 بقوله: «ومن ذلك أيضا: الوكالة من الإمام عليه السلام, فقيل أنه ملازمة للعدالة التي هي فوق الوثاقة. أقول: الوكالة لا تستلزم العدالة، ويجوز توكيل الفاسق إجماعا وبلا إشكال. غاية الأمر أن العقلاء لا يوكلون في الأمور المالية خارجا من لا يوثق بأمانته، وأين هذا من اعتبار العدالة في الوكيل. الى أن يقول: وقد أفرط بعضهم فجعل كون الرجل بوابا للمعصوم عليه السلام دليلا على اعتباره، مع أنه لا دلالة فيه على الاعتبار بوجه من الوجوه».

 أما القول الثاني ـ ملازمة الوكالة للوثاقة مطلقاـ فهو مختار الشيخ البهائي رحمه الله ومال اليه المامقاني في مقباس الهداية ففي الجزء الأول من المقباس ص259يقول المامقاني: « ثم إن شيخنا البهائي ذكر أن اصطلاح علماء الرجال من أصحابنا جرى على أنهم إذا قالوا فلان وكيل وأطلقوا أرادوا به أنه وكيل لأحدهم عليهم السلام ـ ولم يشترط القول وكيل الناحية المقدسة كما يرى العلامة التستري ـ وهذا مما لا يرتاب فيه من مارس كلامهم وعرف لسانهم ثم أفاد أن الوكالة عنهم من أقوى أسباب الوثوق لأنهم لا يجعلون الفاسق وكيلا وقرره المولى الوحيد على ذلك ثم اعترض على نفسه وبالجملة فالأصل في الوكالة عنهم الثقة, بل ما فوقها فيحتج بها عليها ـ بالوكالة على الوثاقة والعدالة ـ.»

 أما القول الثالث ـ القائل بالتفصيل ـ فحقيقته: أن الوكالة العامة دالة على التوثيق دون الخاصة.

 والحق عند ملاحظتنا للأقوال الثلاث نقول: أن ما ذهب اليه السيد الخوئي غير تام وذلك:

 أولاً: أننا حينما نطالع ونستقرء الروايات المتعلقة بحال الوكلاء فأننا نجدهم على درجة عالية من الوثاقة والاطئنان والعدالة, بل نجد أن الامام يضفي عليهم من المديح ما لم يحصل لغيرهم من الموثقين, وهذا المعنى يذكره السيد الخوئي رحمه الله في معجم رجال الحديث المجلد الرابع ص324 ذاكرا في ذلك الرواية القائلة: « وذكر الشيخ في كتاب الغيبة في فصل ذكر طرف من أخبار السفراء في جملة من الممدوحين من وكلاء الأئمة, والمتولين لأمورهم عليهم السلام، قال: ومنهم: أبو علي بن راشد, أخبرني ابن أبي جيد, عن محمد بن الحسن بن الوليد, عن الصفار, عن محمد بن عيسى, قال: كتب أبو الحسن العسكري عليه السلام، إلى الموالي ببغداد والمدائن, والسواد وما يليها: قد أقمت أبا علي بن راشد, مقام علي بن الحسين بن عبد ربه, ومن قبله من وكلائي, وقد أوجبت في طاعته طاعتي, وفي عصيانه الخروج إلى عصياني, وكتبت بخطي». ففی قوله عليه السلام ومن قبله وكلائي خير دليل على ما ندعي.

 ثانياً: أن ملاحظة الوضع الذي كان يعيشه المعصوم والسياسي على وجه الخصوص المحفوف بالأخطار والمضايقات والإقصاء يحتم على الشيعة آنذاك التخفي والابتعاد عن اللقاء بالإمام عليه السلام لما في ذلك من خطر عليهم وعلى الامام عليه السلام وهذا يلازم رجوع أتباع آل البيت الى وكلاء الائمة في كثير من الامور الهامة والمصيرية كالحلال والحرام وحل المسائل العقائدية العالقة والائتمان على الأسرار وغير ذلك.

 ولنا أن نتساءل حينئذٍ هل يمكن للامام أن يجعل وكيلا له على عاتقه مثل تلك الامور المصيرية الهامة التي أشرنا إليها وهو غير ثقة وأمين ولا يمكن الاطمئنان اليه؟

 نقول أن ذلك لا يمكن أن يتصور صدوره من عاقلٍ فضلا عن أن يكون ذلك العاقل هو الامام المعصوم عليه السلام.

 أما ما يدعى من أن الوكالة لا تلازم الوثاقة فلسفيا فهذا مما لا ينكره أحد, الا أننا ينبغي أن نلاحظ أن الوكيل هو حلقة الوصل بين الامام وشيعته.

 أما رأينا في المقام فهو التفصيل, فنحن نرى أن الوكالة العامة دالة على التوثيق دون شك وريب.

 أما الوكالة الخاصة فأنها دالة على الوثاقة في الجملة أي على نحو الموجبة الجزئية.

 فلا شك أن خادم الامام الملازم له دائما العالم بالداخل والخارج عليه من شيعته ثقة بكل تأكيد وإلا للزم حصول كثير من المفاسد المضرة بالإمام وشيعته.

 أما ما أثاره السيد الخوئي رحمه الله من أن الثابت أن الامام عليه السلام قد ذم مجموعة من الوكلاء وهو لا ينسجم مع القول بالوثاقة, وهذا ما ذكره بقوله: «وبعبارة أخرى: إذا ثبت في مورد أن وكيل الإمام عليه السلام لم يكن عادلا كشف ذلك عن عدم الملازمة, وإلا فكيف يمكن تخلف اللازم عن الملزوم. وبهذا يظهر بطلان ما قيل: من أنه إذا ثبتت الوكالة في مورد أخذ بلازمها وهو العدالة حتى يثبت خلافه ـ وذلك حينما يثبت الذم للوكيل ـ ».

 فلنا أن نلاحظ عليه: أن ذم الوكلاء الثابت في الروايات لم يحصل للوكلاء ابتداءً بل ثبت لهم بعد انكشاف الانحراف والخيانة, فلا يمكننا أن نتصور أو نتعقل أن الذم والوكالة حاصلان في آنٍ واحد, بل أن نفس الذم دليل كاشف عن إقصاءه وإخراجه عن مقام الوكالة.

 وما يقال من أن ذلك ـ التعيين للوكالة ثم الذم الباعث عن الإقصاء والإبعاد ـ غير ممكن بحق الامام؛ ـ لأنه لو كان يعلم بخيانته وانحرافه لما كان عليه أن يعينه وكيلا عنه ـ غير تام وصحيح؛ لأن الامام عليه السلام مأمور بأن يتعامل مع الناس بالظاهر لا الغيب والباطن «إنما أحكم بينكم بالبينات والأيمان

».

 و يظهر بذلك أن الدليل الذي استدل به السيد الخوئي ـ ذم الوكلاء في الروايات ـ دال على ثبوت الملازمة بين الوكالة والوثاقة لا على عدمها؛ لأنه كاشف عن أن الثابت في الذهن الشيعي آنذاك أن الوكيل ثقة عدل أمين.

 ويظهر بذلك أيضا أن الائمة عليهم السلام كانوا يتعاملون بواقعية تامة مع وكلائهم فكل من ثبت عنه عدم الإخلاص الحاصل بالانحراف أو الخيانة أو سرقة المال العام فأن جزاءه الذم الباعث على عزله من منصبه.

  وبهذا يتبين أن ابراهيم بن محمد الهمذاني ثقة لكونه وكيل الامام العام والذي لم يصدر بحقه أي ذم.

 والحمد لله رب العالمين.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo