< قائمة الدروس

الأستاذ السيد کمال الحيدري

بحث الفقه

32/06/11

بسم الله الرحمن الرحیم

في أهم ما يلاحظ على صحيحة علي بن مهزيار الثالثة والرد عليه

 كان الكلام في دلالة الوكالة على الوثاقة وعدمها وقلنا في ذلك أن الوكالة العامة كاشفة عن الوثاقة. أما الوكالة الشخصية فقلنا: أنها يمكن أن تكون في بعض مواردها كاشفة عن الوثاقة الا أن ذلك ليس على نحو الضابطة. وعلى الأساس هذا يثبت أن الهمذاني ثقة ولا محذور في ما رواه.

 والقاعدة هذه لو تمت فأنها سوف تكون نافعة كثيرا في إمكان الاستناد إليها لإثبات وثاقة جملة من أصحاب الائمة.

 ثم لو فرضنا أن القاعدة المزبورة غير تامة ولا يمكن من خلالها إثبات وثاقة ابراهيم بن محمد الهمداني أو الهمذاني فهل هناك طريق آخر لإثبات صحة الرواية أم لا؟

 نقول حتى مع فرض عدم ثبوت وثاقة ابراهيم بن محمد الهمذاني عن طريق الوكالة فأن الرواية صحيحة السند وذلك لثبوت الرواية المزبورة في التهذيب بسند الشيخ الى علي بن مهزيار وهو سند صحيح لا غبار عليه, حيث تقول الراية: «قال: ـ علي بن مهزيارـ كتب إليه ابراهيم بن محمد الهمذاني أقرأني عليٌ كتاب أبيك فيما أوجبه على أصحاب الضياع أنّه أوجب عليهم نصف السدس بعد المؤونة وأنه ليس على من لم تقم ضيعته بمؤونته نصف السدس ولا غير ذلك فاختلف من قبلنا في ذلك فقالوا يجب على الضياع الخمس بعد المؤونة مؤونة الضيعة وخراجها لا مؤونة الرجل وعياله فكتب وقرأه علي ابن مهزيار» ومحل الشاهد هو: لفظ (وقرأه) ففي قائله عدة احتمالات:

 الاحتمال الأول: أن القائل هو علي بن مهزيار, الا أن هذا الاحتمال غير وارد؛ إذ لوكان هو القائل لكان قال وقرأته لا «وقرأه». وقوله وقرأته يلازم اطمئنان علي بن مهزيار بأن الكتاب صادر من الامام الهادي عليه السلام؛ باعتباره عارفا وخبيرا بمكاتباتهم عليهم السلام.

 الاحتمال الثاني: أن نقول أنّ القائل للفظة «وقرأه» ابراهيم ابن محمد الهمذاني, والاحتمال هذا ساقط عن الاعتبار أيضا؛ لأن ابراهيم بن محمد الهمذاني مرويٌ عنه ولم يكن هو المتكلم.

 فلابد أن يكون صاحب القول «وقرأه» شخص آخر غير ما ذكرنا وهو دون شك العباس بن معروف وهذا ما يمكن معرفته من خلال قول الشيخ في التهذيب ص85 حيث يقول: «وما ذكرته في هذا الكتاب عن علي ابن مهزيار فقد أخبرني فلان... كلهم عن أحمد بن محمد...الى أن يقول: عن العباس بن معروف عن علي بن مهزيار», وثبوت قراءة علي بن مهزيار للمكاتبة هذه بطريق صحيح مع عدم اعتراضه عليها لكونه العارف بكلامهم عليهم السلام يكشف عن صحة المكاتبة وتمامها حتى مع فرض عدم ثقة ابراهيم بن محمد الهمذاني؛ لأن المراد إثباته هو صدور المكاتبة من الامام وهو حاصل من خلال قول العباس بن معروف «قرأه علي ابن مهزيار» وعدم وجود الاعتراض من علي بن مهزيار على المكاتبة, والدال على عدم اعتراضه هو: أنه لو علم أو شك بأن الرواية غير صادرة من الامام لما نقلها إلينا.

 الرواية الثالثة: الورادة في التهذيب برقم 353 وهي عن علي بن مهزيار أيضا, وطريق الشيخ الى علي بن مهزيار صحيحة. والرواية هي: «قال: قال لي أبو علي ابن راشد, قلت له: أمرتني بالقيام بأمرك وأخذ حقك». والملاحظ في الرواية أنها مضمرة؛ لأن أبوعلي بن راشد قال «قلت له» ولم يبين الامام الذي توجه إليه القول.

 ويمكن أن يستفاد من الرواية هذه خصوصيتان:

 الأولى: الظاهر من الرواية أن أبوعلي بن راشد كان مأمورا من قبل الامام عليه السلام.

 الثانية: أنه قال للامام عليه السلام «بأمرك وأخذ حقك», فهي تتكلم عن نوع من أنواع الخمس وهو المتعلق بحق الامام, أي: النوع الثاني من أنواع الخمس الصادر بالحكم الولائي؛ إذ لو كان الحق المتكلم عنه إلهياً لما كان قال أخذ حقك.

 والشاهد الآخر على ذلك قوله: «فأعلمت مواليك ذلك ـ إبلاغهم بإعطائهم الحق الثابت لك ـ فقال لي بعضهم وأي شيء حقه», إذ لو كان هو الخمس الإلهي لما كان ينبغي القول «وأي شيء حقه» لفرض كون وجوبه ثابت معروف بينهم. بخلاف النوع الثاني الذي يظهر أنه لم يكن واضحا بصورة جلية لهم آنذاك.

 ثم يقول في ذيل الرواية: «فقال لي بعضهم وأي شيء حقه, فلم أدر ما أجيبه, فقال: يجب عليهم الخمس فقلت: في أي شيء يجب الخمس فقال فی فی أمتعتهم وضياعهم والتاجر علیه والصانع بيده وذلك إذا أمكنهم بعد مئونتهم.» والواضح منه عليه السلام انه لم يذكر الا مصاديق التجارة والصناعة المشروطة بالاستطاعة بعد إخراج المؤونة. وهذا يكشف عن أن الامام يتكلم عن الخمس في أرباح المكاسب لذا عبر عنه بـ (حقي), وهذا ما حدا ببعض الاعلام الى أن يذهبوا بالقول أن ذلك حق شخصي للامام, والحق ليس كذلك بل أن ذلك الحق ثابت لمنصب الامامة لا لشخص الامام کما بينا ذلك سابقاً.

 علما أن أمورهم الشخصية عليهم السلام غير مرادة لهم لينتفعوا بها شخصياً, بل بما هي واقعة لخدمة الاسلام والمسلمين وبهذا الصدد تقول روايةٌ بما مضمونه: «طرق شخص باب الامام ففتحت الجارية له الباب ففعل مع الجارية فعلا لا ينبغي أن يُفعل, فلما دخل الطارق على الامام عليه السلام وسلم عليه أجابه الامام بجواب يوحي على عدم رضاه وقال له لا تعد لمثلها, فقال السائل أرأيتني يبن رسول الله فقال الامام: إذا كانت هذه الجدران تحجبكم عنا فلمَ نحن حجة الله عليكم».

 وبالعودة الى محل البحث نقول: هل أن رواية ابو علي بن راشد صحيحة أم لا؟

 الجواب على ذلك يتوقف على معرفة حقيقة الإضمار الوارد فيها فهل هو مضر بها أم لا. فبناءً على القاعدة التي اشرنا إليها فيما سبق إن كان أبو علي من طبقة الأجلاء فلا محذور في الرواية, أما إذا كان من غير تلك الطبقة فلا شك أن ذلك الإضمار يكون مضراً بها.

 والحق أن توثيق أبو علي ومعرفته يمكن أن يتحقق من خلال طريقين:

 الاول: تصريح الاعلام بوثاقته, ففي تنقيح المقال المجل التاسع عشر ص177 الترجمة5154 قال: « الحسن ابن راشد أبو علي البغدادي قد عدّه الشيخ في رجاله من أصحاب الجواد عليه السلام قال الحسن ابن راشد يكنى أبا علي مولى لآل المهلب بغداديٌ ثقة ـ علما أن الاسم هذه مشترك بين ثلاثة أشخاص هم: الحسن ابن راشد مولى آل العباس, الحسن ابن راشد مولى آل المهلب, الحسن ابن راشد الطوفاوي ـ وأخرى عدّه في أصحاب الهادي عليه السلام قائلاً الحسن ابن راشد يكنى أبا علي بغداديٌ وقال العلامة في القسم الأول من الخلاصة الحسن ابن راشد يكنى أبا علي مولى آل المهلب بغداديٌ روى عن أبي جعفر الجواد عليه السلام ثقة وقد وثق الرجل في الوجيزة والبُلغة والمشتركتين والحاوي وغيرها»

 أما السيد الخوئي في معجم رجال الحديث المجلد الرابع ص324 يقول: « يكنى أبا علي مولى لآل المهلب بغداديٌ ثقة من أصحاب الجواد عليه السلام وعدّه الشيخ المفيد في رسالته العددية من الفقهاء الأعلام والرؤساء المأخوذ عنهم الحلال والحرام الذين لا يُطعن عليهم بشيء ولا طريق لذم واحدٍ منهم » وهذا يكشف عن أنه من طبقة الأجلاء الثابت حجية اضمارهم. فالرواية بهذا النحو خالية من الاشكال والمحذور.

 الثاني: والطريق هذا وأن لم يشر إليه صريحا الا انه من المتفق عليه فيما بينهم وهو أن أبا علي ابن راشد «الحسن بن راشد » البغدادي الثقة كان وكيلا من قبل الناحية المقدسة في الأمور العامة ومما يدل على ذلك بعض من الروايات ـ وان كانت ضعيفة على مبنى السيد الخوئي الا أن فيها واحدة صحيحة السند ـ والتي هي: ما ورد في المجلد الرابع من معجم رجال الحديث ص 325 و326 الترجمة 2813 يقول: « ذكر الشيخ في كتاب الغيبة في فصل ذكر طرف من أخبار السفراء في جملة من الممدوحين من وكلاء الأئمة والمتولين لأمورهم عليهم السلام قال: ومنهم أبو علي ابن راشد» الا أنه يقول في ص236 « وهذه الروايات فيها دلالة إلى أنها ضعيفة فالمعتمد عليه هو رواية الشيخ في كتاب الغيبة لأنها صحيحة ومعتبرة «ورواية الشيخ هي: «قال كتب أبو الحسن العسكري عليه السلام إلى الموالي ببغداد والمدائن والسواد وما يليها قد أقمت أبا علي ابن راشد مقام علي ابن الحسين ابن عبد ربه ومن قبله من وكلائي وقد أوجبت في طاعته طاعتي وفي عصيانه الخروج إلى عصياني».

 الرواية الثانية: « إني أقمت أبا علي مقام الحسين وائتمنته على ذلك بالمعرفة بما عنده الذي لا يقدمه أحد وقد أعلم أنك شيخ ناحيتك ـ الكلام موجه بكتاب خاص الى أحد وكلاء الامام ـ فأحببت إفرادك وإكرامك بالكتاب بذلك فعليك بالطاعة له والتسليم إليه جميع الحق قبلك وأن تحظ مواليّ على ذلك, وتعرفهم ما يصير سبباً إلى عونه وكفايته فذلك موفورٌ ومحبوب لدينا...الخ».

 الرواية الثالثة: «إلى أيوب ابن نوح قال: وأنا آمرك يا أيوب ابن نوح أن تقطع الإكثار بينك وبين أبي علي وأن يلزم كل واحدٍ منكما ما وكل به وأمر بالقيام فيه بأمر ناحيته وآمرك يا أبا علي بمثل ما أمرت به أيوب أن لا تقبل من أحد من أهل بغداد والمدائن شيئاً يحملونه إليك ومر من أتاك بشيء من غير أهل ناحيتك أن يصيّره إلى الموَكل بناحيته, وآمرك يا أبا علي في ذلك بمثل ما أمرت به أيوب وليعمل كل واحد منكما مثل ما أمرته به» ويستفاد من الرواية هذه بالاضافة الى الاستشهاد الذي في المقام النظام الدقيق الذي كان عليه الائمة عليم السلام المتعلق بتقسيم الأدوار بين الوكلاء والحث على عدم تداخل المسؤوليات.

 الرواية الرابعة:: «كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام أسأله عن أبي علي ابن راشد وعيسى ابن جعفر ابن عاصم, فكتب إليّ ذكرت ابن راشد رحمه الله فإنه عاش سعيدا ومات شهيدا».

 ويظهر من خلال ما ذكرنا من الروايات بغض النظر عن ضعيفها ـ لأنه باعث على عدم صحة الاحتجاج بها لا كذبها وعدم صدورها ـ أن ابو علي كان وكيلا للامام بالوكالة العامة, وهوا ملازم وكاشف عن الوثاقة كما بينا, وهذا ـ أنه وكيل للامام ـ ما تبينه لنا رواية الشيخ الصحيحة.

 الا أن ذلك كما لا يخفى غير مسوغ لشرعية العمل بالرواية ما لم يتم التمييز بين المتحدث عنه وبين المشترك معه في الاسم من غير الثقات.

 والطريق الى ذلك يتم من خلال معرفة الراوي عنه والامام المروي عنه ـ وهذا يكشف بوضوح عن أهمية التأريخ ومعرفته بالنسبة للفقيه ـ ليتسنى معرفة الشخص ذاته وعدم الوقوع في الخلط بسبب تشابه الأسماء.

 ففي روضة المتقين للعلامة المجلسي الاول الجزء العشرون من الطبعة الأخيرة ص120 يقول: «ثم اعلم أن الشيخ والعلامة ذكرا الحسن ابن راشد يُكنى أبا علي مولى لآل المهلب بغدادي من أصحاب الجواد والهادي وهو غير ما ذكره المصنف والتمييز من المرتبة فإن روى عن الصادق والكاظم عليهما السلام فهو, وإن روى عن الجواد والهادي عليهما السلام أو من كان في مرتبتهما فهو الثقة», علما أن المشكلة لازمة حين ذكر الاسم المشترك مجردا عن القرينة المبينة له, أما مع وجود القرينة المبينة كذكر اللقب مع الاسم كالبغداي مثلا فأن المحذور حينئذٍ يكون منتفٍ ولا محل له.

 لذلك نجد السيد الخوئي في معجم رجال الحديث الترجمة2810 يقول: « وقع بهذا العنوان ـ الحسن بن راشد ـ في أسناد عدّة من الروايات تبلغ مائة وثلاثة وعشرين مورداً».

 هذا فيما يتعلق بالمروي عنه, أما ما يتعلق بالراوي ففي البحث القادم انشاء الله.

 والحمد لله رب العالمين

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo