< قائمة الدروس

الأستاذ السيد کمال الحيدري

بحث الفقه

32/06/12

بسم الله الرحمن الرحیم

في إفادة رواية محمد بن علي بن شجاع النيسابوري الخمس في أرباح المكاسب وما يلاحظ عليها

 کان الکلام فی حديث الأمس متعلقا بالحسن بن راشد وقلنا أن هذا الاسم من الأسماء المشتركة حاله في ذلك حال الكثير من الأسماء التي من هذا القبيل.

 لا يخفى أن ظاهرة الاشتراك في الاسم كثيرة الانتشار في الوسط الروائي, وهذا ما جعل باب التمييز بين المشتركات من أهم مباحث علم الحديث, ومع عدم معرفة الفقيه لهذا الباب سوف يكون عرضة لكثير من الاشتباهات والاخطاء.

 يعد علم الرجال من العلوم الضرورية للفقيه التي لا يمكن الاستغناء عنها في عملية الاستنباط.

 نعم, هناك جملة من الفقهاء قد ذهبوا الى صحة جميع الروايات ومنشأ هذه الدعوة هو عدم

 اعتمادهم القرآن الكريم وقطعهم الصلة به, وهو ما حتم عليهم القول بصحة كل الروايات, وحالهم في ذلك حال جملة من علماء أهل السنة الذين قالوا بكفاية القرآن وعدم الحاجة الى العترة الطاهرة فدعاهم ذلك الى القول بالقياس والاستحسان وغير ذلك.

 ومن مهم علم الرجال هو العلم بعلل الحديث فالسعي لمعرفة علل الحديث يحل كثيرا من الاشكالات والاثارات التي تواجه الرواية أو الحديث.

 أما أهم المصنفات التي صُنفت لحل اشكالية المشتركات فهي:

 أولا: كتاب هداية المحدثين للكاظمي, حاول المؤلف في هذا الكتاب أن يحصي جميع المشتركات سواء كان ذلك على مستوى الأسماء أو الألقاب أو الكنى.

 ثانيا: كتاب توضيح المقال في علم الرجال للملا علي كني.

 ثالثا: كتاب منتهى المقال في أحوال الرجال للمازندراني.

 وبالعودة الى أصل البحث نقول: كيف يمكن التمييز بين الحسن بن راشد الثقة عن غيره غير الثقة؟

 هناك موارد عديدة قد ذكرت للتمييز بين المشتركات منها: اللقب, والكنية, والزمان.

 ومنها: معرفة من روى عنه, أي عندما يروي فلان عنه ونعلم أنه من طبقته فيرتفع حينئذٍ محذور الاشتراك في الاسم بتلك المعرفة.

 وأخرى يكون النظر متوجه الى نفس الراوي المشترِك في الاسم مع غيره وأنه عن أي من الائمة قد روى لأننا نعلم أن ذلك الاسم إن كان في عهد هذا الامام فهو ثقة وإن كان في عهد ذلك الامام فهو ليس بثقة.

 والأمر هذا يشير اليه العلامة المجلسي الأول ـ المتعلق بتمييز الحسن بن راشد ـ في روضة المتقين الجزء العشرون ص120 بقوله: « ثم اعلم أن الشيخ والعلامة ذكرا الحسن ابن راشد يكنى أبا علي مولى لآل المهلب بغداديٌ ثقة من أصحاب الإمامين الجواد والهادي وهو غير ما ذكره المصنف والتمييز من المرتبة», أي ننظر أن الحسن بن راشد عن أيٍ من الائمة قد روى فإن روى عن الإمامين الصادق والكاظم عليهما السلام فهو الحسن بن راشد الضعيف, وإن كان قد روى عن الإمامين الجواد والهادي عليهما السلام فهو الحسن بن راشد الثقة.

 وهنا لابد من الالتفات الى ضرورة معرفة ألقاب الائمة عليهم السلام لكي لا يقع الخلط بين من اشترك منهم باللقب حيث أننا نعلم أن لقب أبو الحسن مثلا قد استحدم لثلاثة منهم عليهم السلام.

 أما المورد الآخر للتمييز ـ المتعلق بالحسن بن راشد أيضا ـ فهو ما يشير اليه صاحب تنقيح المقال في المجلد التاسع عشر في حاشية الصفحة 181 بقوله: «في جامع المقال الحسن ابن راشد المشترك بين ثقة وغيره ويمكن استعلام أنه أبو علي مولى آل المهلب الثقة من يروي عن الحسن ابن راشد برواية القاسم ابن يحيى عنه وهو جده وروايته هو عن الجواد عليه السلام وفي هداية المحدثين باب الحسن ابن راشد المشترك بين ثقة وغيره ويُعرف أنه ابن علي مولى آل المهلب الثقة برواية علي ابن مهزيار والقاسم ابن يحيى عنه ـ ففي كل مورد نجد أن الرواي عن الحسن ابن راشد هو القاسم ابن يحيى أو علي ابن مهزيار فهو الحسن ابن راشد الثقة الذي أثبتنا وثاقته بطريقين: الخاص و العام الذي هو الوكالة ـ ويقول في المتن: وميزه الطريحي برواية علي ابن مهزيار برواية علي ابن مهزيار عنه وزاد الكاظمي رواية القاسم ابن يحيى عنه قال وهو جده, قلت» والقائل العلامة المامقاني حيث يذهب الى أن هناك غير القاسم بن يحيى وعلي بن مهزيار من ينقل عن الحسن بن راشد الثقة, فيبدأ بمناقشة بعض الاعلام بذلك.

 الرواية الرابعة: ولي أن أشير قبل الدخول في تفصيل هذه الرواية الى أننا سوف لا نقف طويلا عند الروايات القادمة التي فيها نوع من الاجمال, وستكون رواية علي بن مهزيار المفصلة لأنواع الخمس هي المفسرة والمفصلة لها.

 أما الرواية الرابع فهي واردة في تهذيب الاحكام المجلد الرابع ص16 والمعروفة في أبواب الزكاة, الرواية: « عن علي بن مهزيار قال: حدثني محمد بن علي بن شجاع النيسابوري انه سأل أبا الحسن الثالث عليه السلام عن رجل أصاب من ضيعته من الحنطة مائة كر ما يزكى فاخذ منه العشر عشرة اكرار وذهب منه بسبب عمارة الضيعة ثلاثون كرا وبقي في يده ستون كرا ما الذي يجب لك من ذلك؟ وهل يجب لأصحابه من ذلك عليه شئ؟ فوقع عليه السلام لي منه الخمس مما يفضل من مؤنته», وهنا وقع الكلام بين المفسرين في أن المروي في هذه الرواية هل هو مكاتبة أم محادثة وذلك لأن صدر الحديث يقول: «سأل أبا الحسن الثالث» والسؤال إما مشافهة أو مكاتبة, نعم يمكن أن يستفاد من قرينة «فوقع عليه السلام» أن السؤال كان مكاتبة وهو ما يرفع التنافي بين الصدر والذيل.

 والرواية هذه جعلت السيد الخوئي يذهب الى أن الخمس حق شخصيٌ للامام عليه السلام مستفيدا ذلك من قوله عليه السلام «لي منه الخمس مما يفضل من مؤنته».

 الا أن الحق هو كما بينا بأن الخمس حق ثابت لمنصب الامامة لا لشخص الامام عليه السلام.

 ضرورة أن يعلم أن الرواية هذه قد وردت في الاستبصار أيضا, لكن دون ورود لفظ «ما يزكي» فيها, الا أن ذلك غير مضر بالاستدلال كما لا يخفى فلا يستحق الوقوف عنده.

 ولنا حينئذٍ أن نتساءل قائلين: ما هي القاعدة التي من خلالها يمكننا التمييز بين ألقاب الائمة وكناهم المشتركة ككنية أبو الحسن المستخدمة في ثلاثة أئمةٍ؟

 يمكن الوقوف على تفاصيل هذه لقاعدة في كتاب جامع الرواة للأردبيلي ففي الجزء الثاني ص461 يقول: «تشتمل على فوائد: الأولى إذا ورد في الرواية عن أبي جعفر عليه السلام فالظاهر منه الباقر عليه السلام و عن أبي جعفر الثاني عليه السلام فهو الجواد و قد يطلق ويراد منه الجواد عليه السلام فالتميز يظهر من الرجال وكلما ورد عن أبي عبد الله فهو الصادق عليه السلام وكذا كلما ورد عن أبي إسحاق عليه السلام كما صرح به الكشي عند ترجمة إبراهيم بن عبد الحميد وإذا ورد عن أبي الحسن عليه السلام فالظاهر أنه الكاظم عليه السلام و عن أبي الحسن الثاني فهو الرضا عليه السلام و عن أبي الحسن الثالث فهو الهادي عليه السلام وقد يطلق ويراد منه الرضا والهادي عليهما السلام فالتعيين يظهر من رجالهم وكلما ورد عن أحدهما فهو الباقر أو الصادق عليهما السلام وكلما ورد عن أبي إبراهيم أو العبد الصالح أو عن عبد صالح أو عن الفقيه فهو الكاظم عليه السلام وقد يطلق الفقيه ويراد منه القائم عليه السلام كما يظهر من باب حد حرم الحسين عليه السلام وفضل كربلا من التهذيب حيث قال محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري كتبت إلى الفقيه عليه السلام وقد يطلق ويراد منه العسكري عليه السلام كما صرح به في التهذيب في باب صلاة المضطر وكلما ورد عن الرجل فالظاهر أنه العسكري عليه السلام وكلما ورد عن صاحب الناحية فالظاهر أنه القائم عليه السلام ».

 ولنا أن نشير الى نكتة مفادها: أن مرادنا من القول وكيل الناحية هو الوكيل في الناحية لا وكيل عن الناحية بمعنى الوكالة عن الامام عليه السلام, وإن أريد هذا المعنى من الوكالة فإن التعبير يكون وكيل عن الناحية المقدسة للتمييز بين الامرين.

 والمعنى الذي أشار اليه الاردبيلي في جامع الرواة أشار اليه المازندراني أيضاً في منتهى المقال في المقدمة الثالثة ص25 فعلى من أرد الاستزادة أن يراجع هناك.

  والسؤال المطروح في هذه الرواية هو: هل أن علي بن محمد بن شجاع النيسابوري المروي عنه ثقة أم لا؟ فهذا الرجل قد ورد باسم علي بن محمد بن شجاع وأخرى محمد بن علي بن شجاع, وعلى كلا الأمرين فهو مجهول الحال لم يرد فيه توثيق أو تضعيف, وهذا باعث على ضعف الرواية دون شك.

 يقول السيد الخوئي في معجم رجال لحديث المجلد الثاني عشر ص147 عند ترجمته لهذا الرجل بالترجمة المرقمة 8429 : «علي ابن محمد ابن شجاع أو ابنَ الشجاع النيسابوري روى عن أبو الحسن الثالث وروى عنه علي ابن مهزيار... إلى أن يقول: وعلى كل حال فالرجل مجهول الحال لم يرد فيه لا توثيق ولا تضعيف...» إلا أن يبنى على الطريق الذي أشرنا إليه بالأمس شريطة أن تكون الرواية مكاتبة لا مشافهة والظاهر أنها كذلك بدليل قوله «فوقّع عليه السلام».

 علما أن رواية علي بن مهزيار التي قرأناها في الأمس فيها قرينة أخرى دالة على صحتها وهي قوله «وقرأه علي ابن مهزيار» وهي غير موجودة في الرواية التي في المقام, الا إذا قيل بالتوسع بمعنى أن علي بن مهزيار لا ينقل الرواية الا إذا حصل له الاطمئنان عن صدورها من أبي الحسن الثالث الواجدة للفظ قرأه أحيانا وغير الواجدة له أخرى.

 ويمكن أن نذكر قاعدة أخرى لتصحيح هذه الرواية مفادها: أن الروايات التي ورد في شخصها تضعيف لا يمكن الاعتماد عليها.

 أما الروايات التي لم يرد في أشخاصها تضعيف أو توثيق فهنا: تكون رواية الثقات والأجلاء عن شخص, بل والإكثار من الرواية عنه كاشف عن أن ذلك الشخص ثقة وإلا لما روى عنه الثقات, ولما أكثروا عنه الرواية.

 ومن خلال هذا الطريق يمكن توثيق علي بن محمد أو محمد بن علي بن شجاع النيسابوري لرواية علي بن مهزيار عنه.

 وأيد المستدلون بالقاعدة هذه دعواهم بقول وارد في كلام الكشي حيث يقول في المجلد الثاني ص796 بعد نقله الروايات الذامة للنقل عن محمد بن سنان ـ كالرواية القائلة: «سمعت فضل ابن شاذان يقول لا أستحل أن أروي أحاديث محمد ابن سنان»أو قول محمد ابن فضل ابن شاذان «ردوا أحاديث محمد ابن سنان» و«لا أحل لكم أن ترووا أحاديث محمد ابن سنان عني ما دمت حيا» ـ «يقول: قال أبو عمر ـ الكشي ـ, وقد روى عنه الفضل وأبوه ويونس ومحمد ابن عيسى ومحمد ابن الحسين ابن أبي الخطاب ـ وهؤلاء من الأجلاء والفقهاء ـ والحسن والحسين ابنا سعيد الأهوازيان وأيوب ابن نوح وغيرهم من العدول والثقات من أهل العلم» فيدعي هؤلاء ـ المستدلون بقاعدة أن إكثار الثقات من الرواية عن شخص دليل على وثاقته ـ بأن الكشي يريد إثبات وثاقة محمد بن سنان عن طريق رواية الاجلاء عنه.

 الا أن هذه القاعدة غير ثابتة على نحو الموجبة الكلية ؛ لأننا نرى وفي موارد متعددة رواية أن البعض من كبار الاجلاء والفقهاء قد رووا عن أشخاص في حين أن ضعفهم ثابت في الكتب الرجال. وهذا ما ذكره النجاشي في ترجمة صالح بن حكيم النيلي ـ الذي نقل عنه عنه عبد الله ابن بكير, وجميل ابن دراج, وعبد الله ابن سنان وصفوان ابن يحيى وهؤلاء من أجلاء فقهاء أصحاب الأئمة عليهم أفضل الصلاة والسلام ـ في ص200 الترجمة 533 بقوله: «صالح ابن الحكم النيلي الأحول ضعيف روى عن أبي عبد الله روى عنه ابن بكير وجميل ابن درّاج مضافاً إلى صفوان ابن يحيى وغيره, إذن يكفينا هذا عن أنه ليس بالضرورة هناك ملازمة بين نقل الثقات وبين أن يكون المنقول عنه ثقة».

 واعتقادنا في ذلك هو: ينبغي أن يدرس كل مورد بنفسه دراسة مفصلة حيث من الممكن أن يكون البعض الذي ينقل عنه الرواة الاجلاء والذي لم يرد بحقه توثيق أو تضعيف ممدوح غير معروف بالكذب. وهذا يلازم أن القاعدة المزبورة لا يمكن أن تكون ضابطة كلية الا إذا فرض في مرتبة سابقة بأن الاجلاء لا يروون الا عن ثقة.

 وبتمام القاعدة المزبورة يعرف الاختلاف الحاصل في تسمية هذه الرواية حيث أننا نرى أن البعض يسميها رواية النيسابوري والبعض الآخر يسميها صحيحة علي بن مهزيار, فمنشأه هو الاختلاف في اعتماد أحد الطريقين اللذين ذكرناهما: المكاتبة والقاعدة.

 لذا نجد المجلسي رحمه الله في ملاذ الأخيار المجلد السادس ص31 : «الحديث السادس: حدثني محمد ابن علي ابن شجاع النيسابوري الحديث السادس مجهول ـ فلقائل أن يقول أن المجلسي قد عبر عنه بالمجهول فكيف يعبر في كتب الفقه عنه بالصحيح؟ نقول أن الاختلاف حاصل بسبب ما أشرنا اليه من الفرق بين طريق المكاتبة والقاعدة. ـ الى أن يقول: الكُر بالبصرة ستة أوقار وقال الأزهري الكُر ستون قفيزاً والقفيز ثمانية مكاكيك والمكوك صاع ونصف فهو على هذا الحساب اثنا عشر وسقاً وكل وسقٍ ستون صاعاً هذا الذي أشير إليه».

 والحمد لله رب العالمين.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo