< قائمة الدروس

الأستاذ السيد کمال الحيدري

بحث الفقه

32/06/13

بسم الله الرحمن الرحیم

في أهم ما يلاحظ على رواية الحضرمي في المقام

 كان الكلام في حديث الأمس في الرواية الرابعة واتممنا الكلام فيها ووصل بنا المقام الى الرواية الخامسة وقبل الشروع في تفصيلاتها لنا أن نشير الى نكتة مهمة مفادها:

 لعل البعض يتساءل قائلا: إذا كان مسلككم هو الاعتماد على المنهج الدلالي والمضموني فما الحاجة حينئذٍ الى البحث في صحة السند وعدمه؟

 في مقام الجواب على ذلك نقول:

 أولا: عدم وجود التقاطع والتضاد بين المنهجين, وكذلك فأن ثبوت الرواية سندا ومضمونا يضفي لها أهمية عالية من حيث الاستدلال بها, علما أننا قلنا بعدم إسقاط المضمون لضعف السند ولم نقل بعدم ضرورة البحث فيه.

 ثانياً: إن الذي اشرنا إليه من اعتماد المنهج المضموني حتى مع فرض ضعف السند إنما هو في المسائل العقائدية لا الفقهية التعبدية, والبحث في المقام في وجوب خمس أرباح المكاسب الذي قلنا بعدم ثبوته بالدليل القرآني, مما جعلنا نلجأ الى الأدلة الروائية لنرى أن الوجوب المدعى هل هو ثابت أم لا؟ وحينما راجعنا الروايات المختصة بالمقام وجدنا ثبوت ذلك الوجوب لكن بنحو الحكم الولائي لا الثابت.

 أما الرواية الخامسة في محل البحث: فهي واردة في تهذيب الاحكام المجلد الرابع ص122, الحديث 348 من باب الخمس والغنائم حيث تقول: «عنه, عن محمد ابن الحسين ـ أي الشيخ الطوسيـ عن محمد ابن الحسين عن عبد الله ابن القاسم الحضرمي عن عبد الله ابن سنان قال: قال: ابو عبد الله الصادق عليه السلام على كل امرئ غنم أو اكتسب الخمس مما أصاب...». والرواية واضحة في دلالتها على المطلوب ـ حتى مع فرض عدم شمول الغنم لأرباح المكاسب ـ وذلك من خلال قوله عليه السلام «أو اكتسب».

 والمستفاد من الرواية عدة خصوصيات أهمها:

 الأولى: إثبات الرواية للخمس في أرباح المكاسب عن طريق الامام الصادق عليه السلام وهي الرواية الوحيدة عنه في المقام.

 الثانية: أن الرواية واضحة في دلالتها على وجوب الخمس في كل ما اكتسبه الانسان, والاكتساب كما لا يخفى أعم من عنوان الغنيمة.

 الثالثة: أن الرواية كاشفة عن ثبوت الخمس في عهد الامام الصادق عليه السلام.

 نعم, ثبوته قبل الامام الصادق لا يوجد ما يدل عليه.

 الا أن الملاحظ أن الرواية غير كاشفة عن نحو ثبوت ذلك الوجوب هل هو من أنحاء التشريع الثابت أم الولائي, وبهذا سوف تكون رواية علي بن مهزيار الأولى هي المفسرة والمفصلة لهذه الرواية.

 ولنا أن نتساءل هنا هل أن هذه الرواية صحيحة سندا ويمكن الاعتماد عليها أم لا؟

 نقول إن الرواية تواجه اشكالية تتعلق بعبد الله ابن القاسم الحضرمي من حيث ثقته وعدمها واشتراكه في الاسم وعدمه.

 ففيما يتعلق بالحضرمي بحثان:

 البحث الأول: أن اسم عبد الله ابن القاسم الحضرمي هل هو لشخص واحد أم لشخصان؟

 الاتجاه الاول: المشهور بين علماء الرجال أن الاسم المذكور مشتركٌ بين شخصين, وهذا ما يشير إليه صاحب هداية المحدثين ص205 حيث يقول: «باب عبد الله ابن القاسم المشترك بين جماعة لا حظ لهم في التوثيق المشترك الى أن يقول... ويُعرف أنّه ابن القاسم الحارثي ـ أي أن هناك شخصين بهذا الاسم احدهما عبد الله ابن القاسم الحارثي والآخر عبد الله ابن القاسم الحضرمي ـ.» ثم يذکر بعد ذلك القاعدة التي يتم بها التمييز بين هذين الشخصين فيقول: « إن ابن القاسم الحارثي يُعرف برواية محمد ابن خالد البرقي عنه, والحضرمي يُعرف برواية عبد الله ابن عبد الرحمن عنه, ورواية محمد ابن الحسين عنه». ولعل هذا هو المشهور بين علماء الرجال.

 أما السيد الخوئي رحمه الله في معجم رجال الحديث المجلد العاشر ص283 في الترجمة المرقمة 7064 و 7065 فقد ترجم لهما معا موثقا لأحدهما دون الآخر فنجده يقول بعد نقله لكلام النجاشي المفيد لضعف عبد الله ابن القاسم الحارثي لغلوه: «م يظهر من النجاشي ضعف عبدالله في الحديث ، وإنما ضعفه في نفسه من جهة الغلو ، وأما ابن الغضائري فلا اعتماد على ما نسب إليه ، ولكن مع ذلك لا يعتمد على روايته لعدم توثيق له.» فلا تعارض حينئذٍ بين قول النجاشي والسيد الخوئي؛ لأن السيد الخوئي رحمه الله كان يذهب فيما سبق الى وثاقة كل من ورد اسمه في جامع الزيارات من هنا نجده يقول: « فلا تعارض لتوثيق ابن قولويه فلا مناص من الحكم بوثاقته»

 أما فيما يتعلق بالحضرمي الذي هو محل الكلام, فيقول: « إن ما ذكره متين فيُحكم بوثاقة من شهد جعفر ابن محمد ابن قولويه بوثاقته اللهم إلا أن يبتلي بمعارضٍ ـ وهو ما ثبت بمعارضة النجاشي ـ. », فيكون ساقط عن الوثاقة والحجية لا أنه ضعيف؛ لوجود الفرق كما هو معلوم بين أن تكون الرواية ضعيفة وبين أن تكون ساقطة عن الوثاقة والحجية, علما أن السيد الخوئي رحمه الله كان يتبنى الرأي هذا ـ توثيق من جاء اسمه في كامل الزيارت ـ الى أواخر حياته الكريمة.

 فالرأي الاول هو الذي يتبناه السيد الخوئي والذي يرى فيه وثاقة كل من ورد أسمه في كامل الزيارات الأعم من أن يكونوا شيوخه أو من سلسلة السند, ومنه يفهم أن راوي الرواية إن كان هو الحارثي فهو ثقة وان كان الحضرمي فهو ممن لم تثبت وثاقته بسبب التعارض.

 الا أن السيد الخوئي رحمه الله قد رجع عن مبناه هذا وذهب الى القول بأن كل من ثبتت وثاقته بكلام ابن قولويه في مقدمة الكتاب فالثابت وثاقة شيوخه فقط لا غير وذلك تخليصا لكلام ابن قولويه عن اللغوية. وهذا يلازم عدم وثاقة الحارثي والحضرمي, بل يوجد عندنا تضعيف لهما. فتكون الرواية ضعيفة سواء كان الراوي لها الحضرمي أم الحارثي.

 الاتجاه الثاني: يوجد في كلمات أعلامنا الرجاليين ما يفيد أن الحضرمي والحارثي هما شخص واحد لا اثنين وهذا ما اختاره التستري في قاموس الرجال المجلد السادس ص555 حيث يقول: «أقول بل التحقيق اتحادهما وأن الحارثي هو الحضرمي وأن الحضرمي هو الحارثي ولا فرق بينهما, ويشهد للاتحاد أيضاً...» فيذكر مجموعة من القرائن لإثبات أنهما شخصٌ واحد.

 الا أن تعددهما واتحادهما لا يجدي نفعا بناءً على عدم حجية كل ما في كامل الزيارات فسواء كانا اثنين أو واحد فكلاهما ضعيف, وهذا ما أفاده الكاظمي في هداية المحدثين بقوله: «مشترك في عدم التوثيق», أي كلاهما غير ثقة.

 وبهذا يظهر أن الرواية الوحيدة المروية عن الامام الصادق عليه السلام المتعلقة بباب الخمس في أرباح المكاسب غير تامة ومفيدة في المقام. ومنه يظهر أننا لا نستطيع أن نثبت الخمس في أرباح المكاسب في عهد الامام الصادق بل غاية ما يمكن تحصيله هو ثبوته في عهد الامام الجواد والهادي عليهما السلام.

 لذلك نجد أن العلامة المجلسي في ملاذ الأخيار المجلد الثالث ص341 بعد أن ينقل الرواية عن الحضرمي يقول: «الحديث الخامس ضعيف», ضرورة أن يلاحظ أن ضعفه هنا ثابت حتى مع فرض عدم المعارضة؛ لأن التضعيف الثابت بالمعارضة هو من متبنيات السيد الخوئي رحمه الله فحسب.

 ومختارنا في المقام هو ما اختاره السيد الخوئي من أن كل من ثبتت وثاقته بكلام ابن قولويه في مقدمة الكتاب فالثابت وثاقة شيوخه فقط لا غير.

 أما صاحب مدارك الاحكام فيفيد في المجلد الخامس ص382 بما نصه: «وأما الروايات فلا يخلو شيء منها من ضعف في سندٍ أو قصورٍ في دلالة, أما الرواية الأولى ـ رواية الحضرمي ـ فلأن من جملة رجالها عبد الله ابن القاسم الحضرمي...».

 ولي أن أشير الى ما أفاده احد الكتاب المعاصرين ـ حسين الساعدي ـ في هذا المجال حيث ذكر أقوال العلماء المتعلقة بالحضرمي في كتابه الضعاف من الرجال المجلد الثاني ص293: قال: « أقوال العلماء فيه: قال الكشّي في ترجمة المفضّل بن عمر: وعبد اللّه بن القاسم أنّه من أهل الارتفاع.

 وقال النجاشي: عبد اللّه بن القاسم الحضرمي المعروف بالبطل، كذّاب، غالٍ يروي عنه الغلاة، لا خير فيه، ولا يعتدّ بروايته، له كتاب يرويه عنه جماعة.

 وقال ابن الغضائري: عبد اللّه بن القاسم الحضرمي، كوفي ، ضعيف، غالٍ، متهافت، لا ارتفاع به.

 وقال الطوسي في رجاله: واقفي. والظاهر صحّة القول بغلوّه وكذبه وارتفاعه. ولم أقف على شاهد بالقول على وقفه من خلال ما استقصيناه من رواياته.

 وذكره العلاّمة في القسم الثاني من الخلاصة، وابن داوود في الجزء الثاني من رجاله المختصّ بالمجروحين ، والجزائري في القسم الرابع من رجاله المختصّ برواة الضعاف، ومحمّد طه نجف في القسم الثالث من رجاله المختصّ بالضعفاء. وضعّفه المجلسي في رجاله، وحكم على رواياته بالضعف عند دراسته أسانيد الكافي والتهذيب. ودرسه البهبودي في الضعفاء، وأسقط رواياته عند تحقيقه للكافي، ولم يثبتها في كتابه «الصحيح من الكافي» الى أن يقول: له عدّة روايات ، منها ثلاث وستّون رواية في الكتب الأربعة ، وخمس عشرة رواية في بصائر الدرجات، وأربع روايات في المحاسن، وثلاث في الإمامة والتبصرة، وعشر روايات في كامل الزيارات، وأربع روايات في مختصر البصائر. وروى له الصدوق أربع روايات في الخصال ومعاني الأخبار والأمالي، وثلاثاً في علل الشرائع، وروايتين في ثواب الأعمال و كمال الدين، وواحدة في كتاب التوحيد. وروى له محمّد بن جرير الطبري الشيعي أربع روايات في دلائل الإمامة وروايتين في نوادر المعجزات، وروى له المفيد أربع روايات في الإختصاص... ». وبهذا يتبين أن الأقوال مجمعة على ضعف الحضرمي لكذبه وغلوه, نعم يمكن أن يدعى أن التضعيف صادر من القميين بسبب عدم انسجام مبانيه مع ما يعتقدون, الا أن إثبات ذلك يحتاج الى بحث مستقل في نفسه لمعرفة منشأ ضعفه هل هو المباني الكلامية أم أن الضعف ثابت له في نفسه لكذبه وغلوه.

 الا أننا رغم كل ما تقدم من آراءٍ تتعلق بضعف الحضرمي نرى العلامة في المختلف الجزء الثالث ص185 ينسب الرواية الى عبد الله بن سنان يقول: «وما رواه عبد الله ابن سنان», وهو خلاف ما يذكره في التذكرة المجلد الخامس ص421 من نسبة الرواية الى الامام الصادق عليه السلام حيث يقول: « الصنف الخامس: أرباح التجارات و الزراعات و الصنائع و سائر الاكتسابات‌ بعد إخراج مئونة السنة له و لعياله على الاقتصاد من غير إسراف و لا‌ تقتير، عند علمائنا كافة- خلافا للجمهور كافة - لعموم وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ ـ و قوله أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبٰاتِ مٰا كَسَبْتُمْ وَ مِمّٰا أَخْرَجْنٰا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ. و للتواتر المستفاد من الأئمة عليهم السلام. قال الصادق عليه السلام: «على كلّ امرئ غنم أو اكتسب الخمس ممّا أصاب» وهذا يكشف عن ثبوت الرواية المروية عن الامام الصادق عنده لذلك نراه يعبر عنها في منتهى الطالب المجلد الثامن ص537 بالصحيحة فيقولك: «روى الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان» وهذا خلاف التضعيف الذي حصل لها من الاعلام بسبب الحضرمي. وهو يكشف عن أن التعامل مع الرواية هذه لم يكن بحسب الموازين الرجالية, وإلا لو كان كذلك لما نسبها الى الامام الصادق عليه السلام.

 ولنا أن نتساءل حينئذٍ على أي أساس قيل بصحة الرواية؟! في حين أننا نعلم أنها لا تصمد أمام ضوابط وموازين علم الرجال؛ لذلك لم يقل بصحتها أحد.

 أما إن أدعي أن القول بصحتها من باب توثيق ما ورد في كامل الزيارات, فأن ذلك غير ثابت أيضا؛ لإمكان المعارضة بالتضعيف. فلم يبق الا أن نقول أن القول بصحتها والقول بثقة عبد الله بن سنان أيضاً يحتاج الى كثير من التأمل والمراجعة.

 والمثير للإعجاب أن المحقق الاردبيلي قد ذهب الى ما ذهب اليه صاحب التذكرة ولعل ذلك من باب التأثر بقوله ففي مجمع الفائدة والبرهان المجلد الرابع ص311: قال «وبالروايات مثل صحيحة عبد الله ابن سنان قال, قال: أبو عبد الله عليه السلام على كل امرئ غنم أو اكتسب الخمس مما أصاب...». وهو مخالف لما ذهب إليه الاعلام أيضاً

 ولنا في خلاصة القول أن نقول أن الرواية هذه غير تامة؛ لعدم صمودها أمام القواعد والضوابط الرجالية.

 الرواية السادسة: الواردة في أصول الكافي المجلد الثاني ص729: الرواية: «عن علي ابن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن الحسين ابن عثمان عن سماعة سألت أبا الحسن ـ الكاظم عليه السلام ـ عن الخُمس فقال: في كلما أفاد الناس من قليل أو كثير».

 ويمكن أن نستفيد من الرواية عدة أمور:

 أولا: أنها صحيحة السند ولا غبار عليها من هذه الناحية.

 ثانياً: أن الاستفادة من الرواية في خمس أرباح المكاسب مبني على القول بأن لفظ الناس في قوله «ما أفاد الناس» فاعل لا مفعول به.

 ثالثا: أن الرواية هذه من أهم الروايات النافعة والمفيدة في المقام للخمس في مطلق الفائدة, الكثيرة منها والقلية, الحاصل منها بتجارة أو هدية أو أي فائدة أخرى.

 رابعاً: أن الرواية مطلقة وغير مبينة لنوع الحكم الذي ثبت به الخمس هل هو من النوع الثابت في الشريعة أم الولائي المتغير, والحل حينئذٍ لمثل هذا الاطلاق يكون عن طريق تفسير وتفصيل صحيحة علي بن مهزيار الأولى لها. الا أننا سوف نواجه تساؤلاً مفاده: هل يمكن للرواية المتأخرة زماناً أن تكون مفسرة ومفصلة للرواية المتقدمة عليها زماناً أيضا؟ أي: هل يمكن لرواية الامام الجواد المروية عن علي بن مهزيار أن تكون مفسرة لرواية الامام الكاظم عليه السلام؟

 نقول لا محذور في ذلك؛ لأن كلام الائمة مأخوذٌ على أنه كلام واحد بقطع النظر عن قائله, وحاله في ذلك حال التقييد بالنسبة للإطلاق الذي لم يؤخذ فيه حيثية الزمان. الا إذا فرض وجود خصوصية في الكلام المتأخر غير ناظر الى المتقدم, أو وجود خصوصية في المتقدم لا علاقة لها بالمتأخر.

 خامسا: أن الرواية لم تبين أن إعطاء الخمس في أرباح المكاسب هل هو واجب قبل إخراج المؤونة أم يتعلق بالفاضل منها؟ وهل الحال في ذلك هو حال الخمس في المعدن وغنيمة دار الحرب والهدية الكبيرة أم لا؟

 ببيان آخر: أن موضوع وجوب الخمس هل هو في مطلق الفائدة أم فيما زاد على المؤونة؟

 هذا ما يتكفل بيانه روايات أخر متعلقة بالمقام شأنها التفسير والتفصيل لكل مجمل وعام مرتبط بخمس أرباح المكاسب.

 ولي أن أشير هنا الى أن البعض قد قرأ لفظ الناس في قوله «في كل ما أفاد الناسَ» مفعولا به لا فاعلا, أي كل ما يفيد الناس يجب فيه الخمس, وهذه القراءة غير مفيدة بوضوح لوجوب الخمس في أرباح المكاسب, وهي خلاف المتبادر للذهن كما هو واضح.

 والحمد لله رب العالمين.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo