< قائمة الدروس

الأستاذ السيد کمال الحيدري

بحث الفقه

32/06/17

بسم الله الرحمن الرحیم

فيما يمكن الاستدلال به من الروايات: السابعة والثامنة والتاسعة والعاشرة لإثبات الخمس في أرباح المكاسب

 كان الكلام في الأمس في الروايات التي تتحدث عن إثبات الخمس في أرباح المكاسب وسبق أن قلنا ان هذا النوع من الخمس لا يمكن إثباته عندنا بمقتضى آية الغنيمة.

 وغير خافٍ أن القائل بشمول آية الغنيمة لمطلق الفائدة الشاملة للنوع الاول والثاني والثالث هو في غنىٍ عن البحث في الروايات لإثباته في أرباح المكاسب والتجارات.

 بالاضافة الى ذلك فان ثبوت الخمس في أرباح المكاسب بشمول الآية يلازم كونه من الاحكام الثابتة من الشريعة لا الولائية المتغيرة.

 نعم, عدم ثبوته بشمول الآية له يلازم عدة أمور:

 الأول: البحث عن دليل يحقق لنا ثبوت الخمس في أرباح المكاسب.

 الثاني: البحث عن دليل ـ بعد فرض ثبوته في عصر الحضور ـ يثبت لنا استمرارية وجوب الخمس في عصر الغيبة وذلك إنما يكون بعد مناقشة روايات التحليل واثبات أنها غير دالة على رفع حكم الخمس في أرباح المكاسب في عصر الغيبة.

 بعد ثبوت هذين الأمرين يتجه البحث الى تحرير محل النزاع في موضوع وجوب الخمس في أرباح المكاسب فهل هو ثابت قبل إخراج المؤونة أم بعدها.

 أم الكلام الآن فيقع في:

 الرواية السابعة: الواردة في وسائل الشيعة المجلد التاسع ص499, الحديث 12579: «محمد بن الحسن ـ الطوسي بإسناده عن سعد بن عبد الله ـ ولا إشكال في سند الشيخ إلى أبي عبد الله ـ عن أبي جعفر عن علي بن مهزيار عن محمد بن الحسن الأشعري، قال: كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثاني عليه السلام: أخبرني عن الخمس ـ والألف واللام في لفظ الخمس هنا عهدية لا جنسية وهذا مستفاد من جوابه عليه السلام ـ أعلى جميع ما يستفيد الرجل من قليل وكثير من جميع الضروب وعلى الصناع وكيف ذلك؟ فكتب بخطه عليه السلام الخمس بعد المؤونة » والنص من حيث الدلالة واضح في كونه يتكلم عن الخمس في الفائدة, لا خمس غنائم دار الحرب لكونها مرتبطة بالدولة لا بالأصحاب, ولابالغوص والمعدن لكونهما خارجان عن محل الابتلاء.

 والرواية تشير الى أمرين:

 الاول: ثبوت الخمس.

 الثاني: أن تعلق وجوب الخمس كائن في الفائدة القليل منها والكثير بعد إخراج المؤونة, لا قبلها.

 أما سندها: فهي كما هو الواضح مروية عن الامام الجواد عليه السلام وهو من الائمة المتأخرين عن الامام الصادق والكاظم عليه السلام.

 وفي سند الرواية محمد بن الحسن الأشعري ولنا أن نتساءل هنا هل هذا الرجل ثقة أم لا؟

 السيد الخوئي في معجم رجال الحديث المجلد الخامس عشر ق203 يقول: «هو محمد بن الحسن بن أبي خالد القمي الأشعري من أصحاب الرضا، وتقدم عن النجاشي في ترجمة ابن إدريس والمعروف بشنبولة... الى أن يقول وقال الوحيد: يظهر من غير واحد من الأخبار كونه وصي سعد بن سعد الأشعري ـ سعد بن سعد الأشعري من الأجلاء وكان المترجم له وصيه في تنفيذ وصيته من بعده فحاول البعض الاستناد الى ذلك لإثبات عدالته ووثاقته ـ وهو دليل الاعتماد والوثوق وحسن الحال وظاهر في العدالة... ثم يقول السيد الخوئي بعد ذلك: ويدفعه: الوصاية لا تكشف عن العدالة ولا تدل على الاعتماد والوثوق بما هو راوٍ، وإنما يدل على الوثوق بأمانته وعدم خيانته وبين الأمرين عموم من وجه وعليه فالرجل مجهول الحال».

 أما صاحب مستدرك الوسائل في المجلد التاسع ص30 فيعتمد في وثاقة المترجم له على الدليل الذي اشرنا له فيما سبق من الابحاث وهو نقل الأجلاء عنه والذي قلنا فيه أن هذه القاعدة غير تامة على إطلاقها بل أنها صادقة في بعض الموارد دون بعض فيقول في الترجمة المرقمة 2415: «القمي الأشعري ويقال محمد بن الحسن الأشعري ويلقب بشنبولة يروي عنه في الكافي والتهذيب والاستبصار والفهرست الحسين بن سعيد وأحمد بن محمد بن عيسى وعلي بن مهزيار والعباس بن معروف وإدريس بن عبد الله الأشعري وحمزة بن يعلى الأشعري، وظاهر أن رواية هؤلاء الأعلام عن أحد تورث الظن القوي بوثاقته» وبضميمة كونه وصيا لسعد بن سعد الأشعري الثابتة في الرواية القائلة: «قلت لأبي الحسن جعلت فداك إني سألت أصحابنا عما أريد أن أسألك فلم أجد عندهم جواباً وقد اضطررت إلى مسألتك وأن سعد بن سعد أوصى إلي، فأوصى في وصيته حجوا عني...». وبما أنه لم يوجد تصريح بالتضعيف للمترجم له يمكن لنا تحصيل الوثوق به عن طريق جمع القرائن المذكورة. وهذا المنهج يخالف كليا المنهج الرياضي الدقي القائم على صراحة التوثيق الذي بعدمه يكون الراوي إما ضعيف أو مجهول الحال وهذا ما سار عليه السيد الخوئي رحمه الله مما تسبب بإضرار الكثير من الرواة.

 علما ان الظروف والشرائط لها التأثير المباشر أحياناً على اختفاء بعض الروايات أو عدم التوثيق صراحة, ففي المقام تقول الرواية: «عن شنبولة، قال: قلت لأبي جعفر الثاني جعلت فداك أن مشايخنا رووا عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام وكانت التقية شديدة فكتموا كتبهم فلم تروَ عنهم فلما ماتوا صارت الكتب إلينا فقال حدثوا بها فأنها حق». وهذا يحتم علينا اللجوء الى منهج جمع القرائن لمعرفة حال الرجل هل هو ممن يعتمد عليه أم لا.

 أما اعتقادنا في المترجم له في المقام فهو: أننا نظن ظناً قويا بوثاقته, بل القدر المتيقن فيه أنه ممدوح الحال و وبهذا تكون الرواية إما معتبرة و إما حسنة.

 الرواية الثامنة: الواردة في وسائل الشيعة المجلد التاسع ص504 الحديث12587: «وبإسناده ـ الشيخ الطوسي ـ عن الريان بن الصلت قال: كتبت إلى أبي محمد عليه السلام ـ الجواد ـ ما الذي يجب عليّ يا مولاي في غلة رحى أرض في قطيعة لي وفي ثمن سمك وبردي وقصب أبيعه من أجمة هذه القطيعة ـ فكتب: يجب عليك فيه الخمس إن شاء الله تعالى».

 والرواية هذه معتبرة لا كلام فيها من حيث السند.

 أما من حيث المضمون والدلالة: فهي واضحة في إثبات وجوب الخمس, لكنها مهملة من حيث أن الوجوب فيها هل هو متعلق قبل إخراج المؤونة أم بعده, وكذلك لم تحدد نوع الخمس الثابت هل هو النوع الاول: الذي لا يتغير, أم النوع الثاني: الولائي.

 والإشكالية التي تواجه الرواية تتجسد في معرفة المراد من القطيعة, علما أنني عندما راجعت جملة ممن كتبوا في باب الخراج وجدتهم يذهبون الى ان القطيعة هي: الأرض المزروعة ـ البستان ـ المعطاة من الخليفة أو السلطان.

 فإذا كانت القطيعة هي بنفس المعنى الذي أشرنا إليه والذي أثبت الامام فيها الخمس باعتبارها فيئا ونفلاً ـ وهذا النوع من الخمس ثابت بالقرآن كما لا يخفى فيكون حينئذٍ من النوع الاول لا الثاني ـ فلا يكون حينئذٍ مفيدا في المقام؛ لأن الكلام في الخمس من النوع الثاني لا النوع الاول وكذلك لاحتمالية أن الخمس المراد في الرواية هذه هو خمس المال المختلط بالحرام, وذلك لوجود عدة روايات عندنا تشير الى هذا المعنى, وهو أن البعض من الشيعة كان يأتي الى الامام عليه السلام ويخبره بأنه قد حصل على مال أو قطيعة مع علمه بوجود الحق للامام فيها وذلك بمقتضى آية الفيء أو الأنفال, والامام عليه السلام لتزكية هذا المال وتطهيره يأمر بإخراج الخمس منه. وهذا من أهم وجوه بيان مرادات روايات التحليل.

  الرواية التاسعة: الواردة عن محمد بن إدريس في آخر مستطرفات السرائر وهي ذات مقطعين:

 الاول: «نقلاً من كتاب محمد بن علي بن محبوب عن أحمد بن هلال عن ابن أبي عمير عن أبان بن عثمان عن أبي بصير عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام، قال: كتبت إليه في الرجل يهدي إليه مولاه والمنقطع إليه هدية تبلغ ألفي درهم أو أقل أو أكثر، هل عليه فيها الخمس، فكتب عليه السلام: الخمس في ذلك».

 الثاني: «وعن الرجل يكون في داره البستان فيه الفاكهة يأكله العيال إنما يبيع منه الشيء بمئة درهم أو خمسين درهماً، هل عليه الخمس، فكتب: أما ما أكل فلا، وأما البيع فنعم هو كساير الضياع».

 وفيما يتعلق بالرواية بحثان:

 البحث الأول: المتعلق بسند الرواية: ففيما يتعلق بمحمد بن إدريس في المستطرفات وطريقه إلى كتاب محمد بن علي بن محبوب طريق صحيح ولا إشكال فيه.

 أما فيما يتعلق بأحمد بن هلال العبرتائي أو العبرتاني، على الاختلاف الموجود في اللقب، فهل هو ثقة أم لا؟

 السيد الخوئي في معجم رجال الحديث المجلد الثاني ص354 الترجمة رقم 1005 يقول: بعد أن ينقل كلاما طويلا للنجاشي في أحمد بن هلال يبدأ ببيان قاعدة مهمة في علم الرجال فيقول في ذلك في ص358: «أقول: لا ينبغي الإشكال في فساد الرجل من جهة عقيدته ـ لكون الروايات المنقولة عنه بعضها تفيد غلوه والأخرى ناصبيته ـ بل لا يبعد استفادة أنه لم يكن يتدين بشيء ومن ثم كان يظهر الغلو مرة والنصب أخرى ومع ذلك لا يهمنا إثبات ذلك إذ لا أثر لفساد العقيدة أو العمل في سقوط الرواية عن الحجية بعد وثاقة الراوي» وهذا الأصل الذي أشار إليه رحمه الله يعتبر من الاصول المهمة, ونادر الحصول في الاتجاهات الأخرى, حيث قلما نجد اتجاها يعتمد وثاقة الراوي فقط, دون ملاحظة أمره من حيث انتمائه العقيدي, وهذا ما نراه واضحا في بعض المدارس الأخرى فمجرد أن تعلم أنه الراوي شيعي أو رافضي حكمت بضعفه وعدم جواز أخذ الرواية عنه.

 وهذا ما توجه إليه السيد الخوئي رحمه الله فذهب الى ان دليل الوثاقة للراوي كافٍ في اخذ الرواية عنه حتى مع فرض فساد عقيدته وهو ما صرح به بالنسبة الى احمد بن هلال بقوله «فالمتحصل أن الظاهر أن أحمد بن هلال ثقة، غاية الأمر أنه كان فاسد العقيدة وفساد العقيدة لا يضر بصحة روايته على ما نراه من حجية خبر الثقة مطلقاً»علما ان دليل الوثاقة المعتمد لديه رحمه الله هو وروده في كامل الزيارات, وحينئذٍ فمن يعتمد هذا الأصل في التوثيق سوف يكون عنده أحمد بن هلال موثق بالوثاقة العامة.

 وبالاضافة الى التوثيق العام هذا يوجد هناك توثيق خاص للمترجم له قد ذكره النجاشي في ص83 في الترجمة المرقمة 199 حيث يقول: «قال أبو جعفر العبرتائي صالح الرواية يعرف منها وينكر وقد روي فيه ذموم من فلان ولا أعرف له...».

 الا أننا مع ذلك نجد هناك ذما شديدا لهذا الرجل من قبل بعض الاعلام فقد ذكر صاحب كتاب الضعفاء من رجال الحديث أقوال العلماء فيه مفصلا، ففي المجلد الاول ص238 يقول: «أقوال العلماء فيه قال الشيخ الطوسي بان غالياً متهماً في دينه». الا أننا يمكننا أن نلاحظ على ما أفاده الشيخ الطوسي بالقول أن الغلو المنسوب الى المترجم له غير مضر بالوثاقة لعدم وجود الملازمة بين الأمرين لإمكان حصول الوثاقة من الراوي حتى مع فرض فساد عقيدته.

 وذكر صاحب تهذيب الأحكام فيه أيضاً:«أن أحمد بن هلال مشهور بالغلو واللعنة», والصدوق في كمال الدين: «سعد بن سعد ابن عبد الله يقول: ما رأينا ولا سمعنا بمتشيع رجع عن التشيع إلى النصب إلا أحمد بن هلال».

 أما من حكم عليه من الاعلام بالتضعيف فهم: العلامة في المجلد الثاني من الخلاصة, وابن داود في المجلد الثاني, و المجلسي في رجاله، و البهبودي في الضعفاء، والمقدس الأردبيلي في مجمع الفائدة والسيد محمد العاملي في مدارك الأحكام, والشيخ البهائي في الحبل المتين, والسبزواري في ذخيرة المعاد, والشيخ البحراني في الحدائق, والسيد الطباطبائي في رياض المسائل, والشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة, وآقا رضا الهمداني في مصباح الفقيه, وغيرهم.

 أما فيما يتعلق بالرواية من حيث المضمون والدلالة، فالمقطع الأول منها, القائل: «كتبت إليه في الرجل يهدي إليه المولى والمنقطع إليه», فتارة يراد من المولى العبد، وأخرى الحاكم وذلك كما احتمله بعض الفقهاء، فإن كان المراد هو هدية الحاكم إليه فذلك يدخل في الحلال المختلط بالحرام وهو غير مفيد في المقام بشيء.

 أما المقطع الثاني من الرواية القائل: «وعن الرجل» الذي يستكشف منه أن هذان المقطعان من الرواية إما أن يكون أصلهما روايتين قد جمعتا في رواية واحدة أو رواية واحدة تشير الى أمرين, ونحن بينا فيما سبق أن وجود اشكال على مقطع من المقاطع لا يلازم وجود الاشكال على مقاطع الرواية كلها الا إذا فرض وجود الترابط بين مقاطعها.

 وحقيقة المقطع الثاني هو: «وعن الرجل يكون في داره البستان فيه الفاكهة يأكله العيال إنما يبيع منه الشيء بمئة درهم أو خمسين درهماً هل عليه الخمس، فكتب: أما ما أكل فلا وأما البيع فعليه الخمس» وهذا المقطع واضح في أن (باعه) مرتبط بأرباح التجارة والمكاسب. ومنه يظهر تمامية المقطع الثاني عند تمامية السند.

 الرواية العاشرة: الواردة في تهذيب الاحكام المجلد الرابع ص138 الحديث389 الرواية: «عن سعد عن أبي جعفر عن محمد بن سنان عن يونس بن يعقوب قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فدخل عليه رجل من القماطين فقال: جعلت فداك، تقع في أيدينا الأرباح والأموال وتجارات نعرف أن حقك فيها ثابت ـ إشارة الى الحق الثابت لهم من الفيء والنفل لا المرتبط بالتجارة والمكاسب ـ وإنا عن ذلك مقصرون، فقال أبو عبد الله الصادق عليه السلام: ما أنصفناكم إن كلفناكم ذلك اليوم» أي أن الامام سلام الله عليه يريد أن يفيد بأن دفع ذلك الحق مفروض على الحكام لا عليكم فليس من الإنصاف أذا وقع بأيديكم شيء منه تدفعونه لنا جريمة وضريبة وغرم أولئك. وهذا جعل من بعض الاعلام أن يحمل روايات التحليل على مثل هذا المعنى.

 أما سند الرواية: فهي بسند الشيخ فيها محمد بن سنان, وعليه فمن يرى ضعف محمد بن سنان تكون الرواية بسند الشيخ حينئذٍ ضعيفة.

 أما بسند الشيخ الصدوق فهي خالية من محمد بن سنان ففي من لا يحضره الفقيه المجلد الثاني ص23:«وروي عن يونس بن يعقوب» دون أن يوجد محمد بن سنان فيها وعليه تكون الرواية صحيحة عند الصدوق وذلك عند من لم يعتبر محمد بن سنان بخلاف رواية الشيخ.

 أما مضمون الرواية فهو غير مفيد في المقام لكون الرواية تتكلم عن الحق الثابت لهم عليهم السلام من الفيء والنفل لا التجارات والمكاسب.

 ويتحصل لنا من جميع الروايات التي استعرضناها أصول ثلاث:

 الاول: ثبوت أصل الخمس في أرباح المكاسب وهو مما لا محذور فيه.

 الثاني: ان الحكم بالخمس في أرباح المكاسب ولائي صادر من الائمة المتأخرين عليهم السلام.

 الثالث: عدم وجود الدليل الدال على أن القائم عليه السلام رفع هذا الحكم ـ وجوب الخمس في أرباح المكاسب ـ وهذا يلازم استمرارية وجوبه الى يومنا هذا, نعم قد يقال بأن روايات التحليل رافعة له في عصر الغيبة, وهذا ما سنتكلم عنه تفصيلا في قادم الابحاث انشاء الله.

 والحمد لله رب العالمين.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo