< قائمة الدروس

الأستاذ السيد کمال الحيدري

بحث الفقه

32/06/18

بسم الله الرحمن الرحیم

الفرق في ملاك الحديث الصحيح عند المتقدمين والمتأخرين من الاعلام

 كان الكلام في حديث الأمس في إمكان وثاقة فاسد العقيدة وعدمه, وقلنا أن ذلك ممكن ولا محذور فيه, الا أن هناك بعض التساؤلات تستفهم عن كيفية حصول ذلك؟ ولنا قبل الدخول في التفصيل أن نبين مقدمة مفادها: أن الحديث ينقسم الى أنواع أربع:

 الاول: الحديث الصحيح, المعبر عنه بالصحيحة.

 الثاني: الحديث الحسن المعبر عنه بالحسنة.

 الثالث: الحديث الموثق المعبر عنه بالموثقة.

 الرابع: الحديث الضعيف المعبر عنه بالضعيفة.

 وتعريف هذه الأنواع قد ذكرها صاحب مقباس الهداية في علم الدراية في الجزء الأول من كتابه هذا ففي ص145 عرف النوع الاول بقوله: «فكيف كان فالنوع الأول هو الصحيح وقد عرفه جمعٌ منهم الشهيد الثاني في البداية بأنه ما اتصل سنده إلى المعصوم بنقل العدل الإمامي عن مثله في جميع الطبقات»

 أما في ص160 فقد عرف الحسن بقوله: «ما اتصل سنده إلى المعصوم عليه السلام بإمامي ممدوحٍ مدحاً مقبولاً معتداً به غير معارضٍ بذمٍ من غير نص على عدالته».

 أما في ص168 فقد عرف الموثق بقوله: «وأما الموثق وهو على ما ذكروه ما اتصل سنده إلى المعصوم بمن نص الأصحاب على توثيقه مع فساد عقيدته». أي أنه عادل في نقل الرواية فقط لا في معتقده وسلوكه.

 أما النوع الرابع ـ الضعيف ـ فقد عرفه بقوله: «وهو ما لم يجتمع فيه شروط أحد الأقسام السابقة بأن اشتمل طريقه على مجروح بالفسق, أو على مجهول الحال, أو ما دون ذلك كالوضّاع ونحو ذلك».

 وهذا التقسيم ـ الرباعي ـ هو ما عليه مدرسة السيد الخوئي رحمه الله.

 ولنا هنا أن نتساءل: هل أن الكتب الأربعة ـ موضع اعتماد الامامية في التحقيق والاستنباط ـ قد كتبت على الأساس الذي بيناه من التقسيم الرباعي أم لا؟

 نقول: أن الكتب الأربعة لم تكن مكتوبة وفقا للمنهج المبين أعلاه؛ لأن المنهج المذكور منشأه إما من العلامة الحلي أو من الذين سبقوه كالسيد بن طاووس, أما ما قبل ذلك فلا وجود يذكر للمنهج المزبور.

 من هنا فأننا حينما نجد رواية قد نعتها القدماء من الاعلام بالصحية فلابد من التوجه الى أن اصطلاح الصحيح عندهم يختلف كليا عنه عند العلامة الحلي والسيد بن طاووس وما بعدهم من الاعلام؛ لاختلاف الملاك والمناط في قبول الرواية وعدمها عند المتقدمين عن المتأخرين. وبذلك يندفع الخلط الذي ربما يقع فيه البعض من أن القدماء قد عبروا عن الحديث بالصحيح في حين عبر عنه المتأخرون بتعبير آخر وذلك لاختلاف المنشأ المؤدي الى ذلك التعبير.

 ببيان آخر: أن تصحيح القدماء للحديث كان قائما على أساس منهج جمع القرائن, فعند اطمئنانهم بصدور الرواية يحكمون عليها وينعتوها بالصحة الباعث لإمكان الاعتماد عليها ومع عدم ذلك يحكمون عليها بالضعف. وهذا بخلاف المعروف من الصحيح عندنا فأنه قد يكون الحديث صحيحا بحسب الموازين التي نعتمدها الا أن القرائن لا تساعد على القول بصدوره من المعصوم, وهو المعبر عنه عندهم بالضعيف.

 علما أن اعتمادهم على جمع القرائن لا يعني عدم اعتنائهم بالسند, بل أنهم لا يجعلونه الملاك والمناط الكلي الذي على أساسه يقال بالصحة والضعف. بخلاف منهج التقسيم الرباعي فهو قائم على ملاك السند ومناطيته.

 ومنشأ التقسيم الرباعي قد أشار إليه جمع من الاعلام, ومن أبرزهم:

 أولا: صاحب الحدائق في المجلد الاول ص14 حيث يقول:«قد صرح جملة من أصحابنا المتأخرين بأن الأصل في تنويع الحديث إلى الأنواع الأربعة المشهورة هو العلامة أو شيخه جمال الدين ابن طاووس وأما المتقدمون فالصحيح عندهم هو ما اعتضد بما يوجب الاعتماد عليه من القرائن والأمارات التي ذكرها الشيخ في كتاب العُدّة وعلى هذا جرى جملة من أصحابنا المحدثين وطائفة من متأخري متأخري المجتهدين كشيخنا المجلسي وجمع ممن تأخر عنه وقد اتسع خرق الخلاف بين المجتهدين من أصحابنا والاخباريين منشأه...».

 ثانياً: صاحب الوسائل في وسائل الشيعة المجلد الثلاثين ص251 حيث يقول: «ويظهر من ذلك ضعف الاصطلاح الجديد على تقسيم الحديث إلى صحيح وحسن وموثق وضعيف الذي تجدد في زمن العلامة وشيخه أحمد ابن طاووس...».

 ثالثاً: الفيض الكاشاني في الوافي المجلد الاول ص22 حيث يقول: «وقد اصطلح متأخروا فقهائنا على تنويع الحديث المعتبر في صحيح وحسن موثق وأول من اصطلح على ذلك وسلك هذا المسلك العلامة الحلي, وهذا الاصطلاح لم يكن معروفاً بين قدمائنا كما هو ظاهر لمن مارس كلامهم بل كان المتعارف بينهم إطلاق الصحيح على كل حديثٍ اعتضد بما يقتضي الاعتماد عليه واقترن بما يوجب الوثوق به كوجوده..».

 من هنا فعلى الفقيه والمحقق أن يحدد في البدء المنهج المختار لديه من المنهجين اللذين أشرنا إليهما, أي: منهج متقدمي علماء الامامية ومنهج العلامة وابن طاووس وما بعدهما من العلماء, ومع عدم ذلك فأن الفقيه سوف لا يصل الى المراد الذي يبتغيه لضلالته الطريق الموصل الى المطلوب بسبب تشابه الطرق واختلاطها عليه.

 وكذلك فأن مشهور الاعلام المتقدمين كالشيخ الطوسي والصدوق الكليني قد ادعوا أن كل روايات الكتب الأربعة واجدة لقرائن إثبات الصدور فنجدهم عندما كتبوا قد راعوا هذه الضابطة, وهذا يلازم أن روايات الكتب الأربعة كلها صحيحة حسب اصطلاحهم.

 من هنا فأن الاشكالية القائلة: بأن القدماء قد وقع في كلماتهم كثير من التناقض والتهافت ـ وذلك لأنهم قالوا بصحة الروايات الموجودة في الكتب الأربعة من جهة, وقالوا بتضعيف رواتها في كتبهم الرجالية من جهة أخرى, ـ مردود وغير صحيح؛ لأن ملاك الحكم على صحة روايات ما ورد في الكتب الأربعة هو الاطمئنان بصدورها عن المعصوم عليه السلام وهو كافٍ للحكم عليها بالصحة حتى مع فرض ضعف رواتها.

 علما أن منشأ الاشكالية المزبورة ناشيء من عدم التفريق المتعلق باصطلاح لفظ (الصحيح) المستخدم بمعنيين مختلفين عند المتقدمين والمتأخرين.

 من هنا حاول بعض الاعلام الاشارة الى أدلة وقرائن تفيد أن ما في الكتب الأربعة من روايات مطمأن بصدورها لا أنها لا يوجد في سندها ضعيف, وهذا ما بينه صاحب الوسائل في المجلد الثاني ص252 بقوله: «والذي يدل على ذلك وجوه» فذكر لذلك اثنان وعشرون وجهاً.

 وأشار الى ذلك أيضا صاحب الحدائق في المجلد الاول ص15,فذكره لذلك اثني عشر قاعدة الى ان قال في ص24 : «إلى غير ذلك من الوجوه التي أنهيناها في كتاب المسائل إلى اثني عشر وجهاً وطالب الحق المنصف تكفيه الإشارة والمكابر المتعسف لا ينتفع ولو بألف عبارة».

 ولنا أن نشير الى نكتة ـ جعلت القائلين بالاصطلاح الحديث يعيشون التخبط والخلط ـ أفادها الفيض الكاشاني في الوافي ص24 مفادها: لماذا تعتمدون التوثيقات والتضعيفات الذي يذكرها الشيخ في كتبه الرجالية دون اعتماد كلامه في ما يتعلق بالروايات في كتبه الحديثية؟

 نقول في مقام الجواب أن ذلك ناشيء من الخلط الحاصل من اصطلاح ( الصحيح) أيضاً, فالسيد الخوئي عندما ناقش الشيخ قال ما مفاده: أن الشيخ قد عبر عن الرواية في الكتب الحديثية بالصحيحة وفي الرجالية بالضعيفة, وهذا وجه صريح في التناقض, الا أن الحق أنه رحمه الله قد خفي عليه أن اصطلاح الصحيح في الكتب الحديثية عند الشيخ رحمه الله هو ما كان مستخدما عند المتقدمين من علماء الامامية المختلف كليا عن اصطلاح الصحيح المستخدم عند العلامة وابن طاووس رحمهما الله. لذا نجد الفيض الكاشاني يقول: «هذا إن صح فهذا الاصطلاح لا يُغني عنه شيئا مع أن مدار الأحكام الشرعية اليوم على هذه الأصول الأربعة وهي المشهود عليها بالصحةـ بملاك المتقدمين ـ من مصنفيها ولا مدخل لما ذكر في ذلك فإن كانوا لا يعتمدون على شهادتهم بصحة كتبهم فلا يعتمدوا على شهادتهم وشهادة أمثالهم في الجرح والتعديل أيضاً وأي فرق بين الأمرين»أي: إما أن تقبلهما معا وإما أن تردهما معا.

 علما أننا عندما نرجع الى الكتب الأربعة نجد أن مؤلفيها قد صرحوا في مقدمتها بصحة ما ورد فيها, نعم يمكن عدم قبول ذلك بدعوى ان ذلك قائم على الاجتهاد, وهذا يلازم القبول أحيانا والرد أخرى.

 ولنا حينئذٍ أن نتساءل لماذا لم يرد القول المزبور ـ أن التصحيح والتضعيف في الكتب الحديثية قائم على الاجتهاد ـ على مصنفاتهم الرجالية أيضاً؟ فإن قلتم أن ذلك مبني على أساس الحس, نقول أن ذلك ممتنع؛ لأن الشيخ رحمه الله قد توفى في سنة 460 من الهجرة وقد صحح روايات القرن الاول والثاني, فأي حس هذا الذي يكون الفاصل فيه عن المحسوس 200 أو 250 سنة؟!, والإشكالية هذه دعت القائلين بالتصحيح عن طريق الحس يلجئون باحثين عن مخرج ملائم لدعواهم فقالوا فی ذلك أن مرادنا هو الحدس القريب من الحس.

 ولذا ينقل السيد الخوئي في معجم رجال الحديث المجلد الأول ص87 عن أستاذه النائيني قوله في مجلس درسه: «إن المناقشة في أسناد روايات الكافي حرفة العاجز».

 والمختار لدينا من المنهجين هو: ما كان قريبا من منهج القدماء, أي منهج جمع القرائن, غير ملتزمين في التوثيق والتضعيف بالمنهج الرياضي الحدي الذي سار عليه العلامة الحلي وابن طاووس وتبعهم على ذلك السيد الخوئي من أن التضعيف ملازم لعدم الأخذ بالحديث, بل أننا إذا تواجدت لدينا القرائن على صحة صدور الرواية من المعصوم فأننا سوف نعتمدها وإن كان الراوي لها ضعيفاً.

 أما النتائج التي تحصلت لدينا من خلال ما مر من الابحاث فهو:

 الأولى: القطع والجزم بأن الخمس في أرباح المكاسب والتجارات قد شرع في زمن الائمة عليهم السلام, من هنا فأننا نجد كثرة الاجماعات المدعاة من المتقدمين بأن الخمس في أرباح المكاسب من الفروض الإلزامية والضرورات المذهبية.

 الثانية: وقوع الاختلاف في نحو هذا الوجوب, فهل وجوبه كوجوب خمس غنائم دار الحرب والزكاة الصلاة والحج, أي: هل أنه جزء ثابت من الشريعة أم أنه حكم ولائي صادر من الائمة المتأخرين عليهم السلام؟

 ذهب المشهور الى أن وجوبه كوجوب الخمس في غنائم دار الحرب والصلاة والزكاة وغير ذلك من الفروض الثابتة في الشريعة والتي لا ينال حريمها التغيير.

 أما نحن فنعتقد أنه حكم ولائي صادر من الائمة عليهم السلام.

 الثالثة: الثابت دون شك أو شبهة استمرارية وجوب الخمس في أرباح المكاسب الى زمن غيبته الصغرى أرواحنا لمقدمه الفداء وذلك واضح من خلال جباية نوابه الأربع الخمس من الناس, بالاضافة الى عدم قيام الدليل الدال على رفعه منه عليه السلام الكاشف عن ثبوته واستمراره للغيبة الكبرى.

 ولنا هنا أن نشير الى نكتة مفادها: أن البعض قد استدل بروايات التحليل على أن وجوب الخمس في أرباح المكاسب هو من النوع الثالث ـ الحكم الولائي ـ. وذلك ببيان: أن الخمس في أرباح المكاسب لو كان من النوع الأول من التشريع الذي هو جزء من الشريعة لما أمكن فيه التحليل أو التخفيف أو التغيير, الا أن ذلك نراه قد حصل وبه يتبين أن الخمس من وضعهم عليهم السلام.

 الا أن هذا الدليل غير صحيح وذلك لأن من يعتقد بأن الخمس في أرباح المكاسب ثابت بالنوع الأول من أنحاء التشريع يقبل روايات التحليل أيضا, فلا ملازمة بين أخبار التحليل وكون الخمس ثابت بالحكم الولائي.

 علما أن مفاد أخبار التحليل هو البحث عن أن هذا الحكم هل هو ثابت في عصر الحضور فقط أم في عصر الغيبة كذلك, ولا علاقة لها بأن هذا الحكم ثابت أم ولائي فمثلا أن الجهاد الابتدائي حكم ثابت في الشريعة وجزء منها, الا أنه وقع البحث هل وجوبه مشروط بعصر الحضور فقط أم أنه ثابت حتى في عصر الغيبة, والأمر نفسه بالنسبة الى صلاة الجمعة وإقامة الحدود وإقامة الحكومة وكذلك الأمر بالنسبة الى الخمس في أرباح المكاسب, فلعل قائلٍ أن يقول أن أخبار التحليل تريد الإشارة الى حقيقة مفادها: أن الخمس في أرباح المكاسب واجب في عصر الحضور فقط دون عصر الغيبة.

  من هنا فلابد لنا أن نبحث في روايات التحليل مفصلا لنرى هل أنها تفيد هذا المضمون أم لا؟ علما أن محل النزاع في أخبار التحليل هو الخمس في أرباح المكاسب لا غير, أي أن الانسان لو تاجر بشيءٍ وربح منه فهل يجب عليه الخمس في ذلك الربح أم أن إخراجه مشروط بحضور الامام؟

 هذا ما سيتضح جوابه من خلال قراءة روايات التحليل التي سوف نقف عندها مفصلا وسوف يكون منهجنا في قراءة الرواية على النحو الآتي:

 أولاً: الوقوف عند سندها, ومنهجنا في ذلك هو جمع القرائن كما بينا, غير ملتفتين الى ضعف الرواية وصحتها, أي: لا نعتمد على منهج المتأخرين في تصحيح الرواية.

 ثانيا: الوقوف عند الدلالة والمتن.

 الأمر الثالث: البحث عن معرفة تأريخ صدور الرواية, أي: علينا أن نعرف أن الرواية عن أي من الائمة قد صدرت وذلك لاختلاف حكمها باختلاف صدورها من المعصوم فلو كانت صادرة عن الامام أمير المؤمنين عليه السلام لها حكم ولو كانت عن الامام العسكري عليه السلام لها حكم آخر. فالإمام أمير المؤمنين حينما قال بالتحليل مثلا فأن الامام الذي بعده قد يقبل التحليل وقد يرفعه وهذا يختلف فيما لو كانت روايات التحليل صادرة عن الامام العسكري عليه السلام.

 والحمد لله رب العالمين.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo