< قائمة الدروس

الأستاذ السيد کمال الحيدري

بحث الفقه

32/06/19

بسم الله الرحمن الرحیم

فيما تفيده الرواية الأولى من روايات التحليل وما يلاحظ عليها

 كان الكلام في حديث الأمس في روايات التحليل واشرنا الى مسألتين لنا ان نشير لهما اليوم بنوع من التفصيل لدفع محذور الوقوع في الخطأ والاشتباه بينهما, حيث تصور البعض ان ما اشرنا إليه هو مسألة واحدة فقط.

 المسألة الأولى: وهي تتعلق بالضابطة والملاك الذي على أساسه يمكن قبول الرواية واعتمادها أو القول بصحتها, وفي المسألة هذه يوجد اتجاهان:

 الاول: الاتجاه الذي يعتمده المتقدمين من الاعلام ومفاده: الاعتماد على الرواية والقول بصحتها مشروط بحصول الاطمئنان بصدور الرواية من المعصوم عليه, واعتبارية السند عند أصحاب هذا الاتجاه يعد أحد القرائن الدالة على الصدور, لا الملاك التام لقبول الرواية واعتمادها.

 الثاني: الاتجاه الذي اعتمده العلامة وابن طاووس ومن بعدهم من الاعلام ومفاده: أن قبول الرواية والقول بصحتها مبتنٍ على أساس صحة السند, فلو كان السند صحيحا فالرواية صحيحة حتى مع فرض إفادتها الظن, أو الظن بالخلاف.

 من هنا فأننا نجد الاعلام المتأخرين قد دخلوا في مسألة الجمع بين الحكم الظاهري والواقعي, فقالوا كيف يمكن للشارع ان يضع حكما ظاهريا يخالف حكمه الواقعي.

 والسائد في حوزاتنا العلمية اليوم هو الاتجاه الثاني فأننا نرى البعض عندما يرجع الى رواية من الروايات فأن حكمه على صحة الرواية وعدمها مبني على صحة السند وعدمه, وهذا بخلاف الاتجاه الاول الذي يرى أن الرواية إذا لم يوجد ما يدل على الاطمئنان بصدورها فهي غير صحيحة وإن كان سندها صحيحاً ومعتبراً. وهذا المعنى قد أشار إليه الفيض الكاشاني كما بينا في البحث السابق في الوافي ص22 بقوله: «وهذا الاصطلاح لم يكن معروفاً بين قدمائنا كما هو ظاهر لمن مارس كلامهم, بل كان المتعارف بينهم إطلاق الصحيح ـ والمراد من الصحيح عند القدماء ليس ما كان في قبال الحسن والموثّق والضعيف ونحو ذلك ـ على كل حديثٍ اعتضد بما يقتضي الاعتماد عليه واقترن بما يوجب الوثوق به والركون إليه...».

 لذلك أشرنا لعدم ورود الاشكال على الشيخ الذي ضعف محمد بن سنان في كتبه الرجالية في حين انه نقل عنه الكثير من الروايات في كتابيه التهذيب والاستبصار وذلك لأن نقله عنه إنما حصل لحصول الاطمئنان لديه بصدور الرواية من المعصوم عليه السلام.

 أما الاسترابادي فيفيد في معنى الصحيح الذي يراه القدماء من الاعلام في كتابه الفوائد المدنية ص107-109 ما نصه: «وأما معنى الصحيح عندهم ـ المتقدمين من الاعلام ـ مغاير لما اصطلح عليه المتأخرون من أصحابنا على وفق اصطلاح العامة وأولهم العلامة على ما سيجيء نقله عن بعض أصحابنا فإنّ معناه عندهم ـ المتقدمين ـ ما عُلم علماً قطعياً وروده عن المعصوم ولو كان من باب التقية».

 هذه هي المسألة الأولى ومختارنا فيها هو جمع القرائن وعدم الاكتفاء بما يراه أصحاب الاتجاه الثاني من ملاكية صحة السند لاعتبار الرواية وقبولها.

 المسألة الثانية: هل أن ما في الكتب الأربعة صحيح تعبدا ويلزمنا التقليد بما أفادوه من صحة الرواية, أي: حينما قالوا عن رواية من الروايات أنها صحيحة فهل لابد لنا من اتباعهم في ذلك أم لا؟

  ذهب الإخباريون الى إلزام الالتزام بما أفاده أصحاب الكتب الأربعة فيما يتعلق بصحة الرواية, فإذا قال الشيخ الطوسي أن الرواية صحيحة فلابد لنا حينئذٍ من القول بصحتها تباعا له.

 أما نحن فنعتقد ان الاطمئنان وجمع القرائن الذي قال به الشيخ الطوسي هو اجتهاد منه رحمه الله وهذا يلازم إمكان الموافقة والمخالفة معه, لا القول بإلزام الموافقة كما يعتقد المذهب الإخباري, فيلزمنا حينئذٍ البحث في الروايات الواردة فيها واحدةً واحدة, وهذا غير ملازم للتشكيك بحجية قول أصحاب الكتب الأربعة في صحة الروايات, بل أننا نقول أنها حجة بالنسبة إليهم فقط لا مطلقا؛ لتوافر القرائن لديهم والتي على أساسها قالوا بالحجية وهي غير متوفرة لنذهب مذهبهم في القول بالحجية.

  وهذا أحد الوجوه الكاشفة عن سبب الاجماعات المتناقضة المتعلقة بخبر الواحد وذلك كما نرى ان الشيخ الطوسي قد قال بالاجماع على حجية خبر الواحد في حين قال السيد المرتضى بالاجماع على عدم حجيته, فالشيخ إنما قال بالاجماع على حجيته لوجود القرائن الدالة لديه على الصدور, أما السيد المرتضى فأنه ادعى الاجماع على عدم الحجية لعدم وجود القرائن الدالة على الصدور. وإلا لا يمكن فرض صدور اجماعين مختلفين من الأستاذ وتلميذه في مسألة ذات أهمية عالية في عملية الاستنباط.

 لذا نجد صاحب الفوائد المدنية يقول: « وأنا أقول: ما أفاده الشيخ قدس سره في غاية الجودة، لأن خبر الثقة في الرواية فرد من أفراد الخبر المحفوف بالقرينة الموجبة للعلم والقطع، وكأن هذه الدقيقة كانت منظورة لقدمائنا في العمل بخبر الواحد الثقة وغفل عنها العلامة الحلي فتحير في تحقيق طريقة قدمائنا ووقع في حيص وبيص حتى نسب إليهم أنهم كانوا يعتمدون في عقائدهم أيضا على مجرد خبر الواحد الظني العدالة» أي أنهم كانوا يقولون بحجية خبر الثقة المحفوف بالقرائن حتى في مسائل العقيدة الفرعية.

 أما حقيقة القرائن المعتمدة للقول بصدور الرواية من المعصوم فقد بينها الفيض الكاشاني في الوافي بقوله: «كوجود الخبر في كثير من الأصول الأربعمائة المشهورة المتداولة بينهم وكتكرره في أكثر من أصل أو أصلين أو على تصحيح ما يصح عنهم أو كاندراجه في أحد الكتب التي عرضت على أحد الأئمة...», هذه هي مجموعة القرائن التي تورث الاطمئنان التي قد نتفق معها وقد نختلف.

 أما بالعودة الى أصل البحث الذي هو روايات التحليل, قلنا ان محل النزاع في هذا البحث يتجسد في أمرين:

 الاول: ان موضوع روايات التحليل يمكن يتصور في عصر الغيبة لا الحضور حيث أن في زمن الحضور الخمس في أرباح المكاسب واجب لا تحليل فيه.

 الثاني: أن الخمس المتكلم عنه في روايات التحليل هو الخمس الحاصل عن الكسب والتجارة الزائد عن المؤونة دون ما وقع في اليد عن طريقٍ آخر الثابت لإمام حق فيه, فهل يجب عليّ إخراج مثل هذا الخمس في عصر الغيبة أم لا؟

 هذا ما ستكشف عنه الروايات التي سوف نعرض لها بالتفصيل. علما أنها إن لم تكن متواترة فهي واصلة الى حد التواتر ادعاءً وهذا ما ستتضح حقيقته في المباحث القادمة.

 الرواية الأولى: الواردة في وسائل الشيعة المجلد التاسع ص543, الحديث12675, الرواية: «محمد ابن الحسن بإسناده عن سعد ابن عبد الله ـ وسند الشيخ إلى سعد ابن عبد الله صحيح ومعتبرـ عن أبي جعفر يعني أحمد ابن محمد ابن عيسى ـ من أصحاب الإجماع ـ عن العباس ابن معروف عن حماد ابن عيسى عن حريز ابن عبد الله عن أبي بصير وزرارة ومحمد ابن مسلم كلهم عن أبي جعفرـ وهذه الرواية معروفة بصحيحة الفضلاء باعتبار أن السند فيها تام وأن الناقل فيها عن الامام ليس واحدا بل مجموعة من الفضلاء, من هنا فأننا حينما نجد في مكانٍ ما أن الناقل عن الامام مجموعة من الرواة ونجد في مكانٍ آخر قد نقل عنه راوٍ واحد حينئذٍ يكون نقل تلك المجموعة أقل خطأً من الناقل الواحد بل وأن سندها أقوى من سند رواية الناقل الواحد وهذا يلازم تقديم الرواية المروية عن المجموع على رواية الواحد عند فرض التعارض؛ لأقوائية سندهاـ قال: قال أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب عليه السلام هلك الناس في بطونهم وفروجهم لأنهم لم يؤدوا إلينا حقنا ألا وأن شيعتنا من ذلك وآبائهم في حل», الرواية واضحة في تحليل الامام حقه لشيعته, وهنا إما ان يقال أن المراد بالحق في الرواية هذه هو الخمس أو أنه مدلول عليه بلفظ الحق؛ لأن من مصاديق حقوقهم عليهم السلام الخمس, فهو مشمول بالاطلاق.

  ولنا هنا أن نبين الجهات التي يقع فيها البحث بالنسبة الى الرواية, وهي:

 الجهة السندية: سند الرواية صحيح أعلائي.

 الجهة التأريخية: الرواية مروية عن الامام أمير المؤمنين والتحليل منه عليه السلام.

 الجهة الدلالية: غير خاف ان الرواية دالة على التحليل, والتحليل هذا سواء قلنا أنه مختص بالخمس أو شامل لغيره فهو شامل لجميع موارد الخمس بما في ذلك موارد غير أرباح المكاسب, وهذا مدلول عليه بالاطلاق كما هو واضح. هذا أولاً.

 ثانيا: أن الخمس المراد هنا هو ما كان حاصل من تجارة وكسب أو من انتقال وغير ذلك.

 ولنا هنا ان نتساءل: هل يمكننا العمل بالاطلاق والعموم الموجود في الرواية أم لا؟

 نقول أن العمل بهذا الاطلاق غير ممكن؛ لأن لازمه رفع الخمس وعدم وجوده الملازم للغوية تشريعه, وبهذا القرينة القطعية نعرف أن التحليل الصادر منه عليه السلام غير باقٍ على إطلاقه بل لابد من وجود مقيد لذلك, وفي المقيد احتمالان:

 الأول: أن نقول أن الامام ناظر في التحليل الى زمن غيبة الامام عليه السلام, أما في حضوره فلا مجال للقول بالتحليل, أي: أن تحليل الخمس مقيد بغيبة الامام عليه السلام. وهذا احتمال لا بأس به في المقام. الا أن هذا الاحتمال لا دليل أو قرينة عليه فيكون ساقطاً عن الاعتبار من الناحية العملية والشرعية.

 الثاني: نقول في هذا الاحتمال أن الامام سلام الله عليه يريد الإشارة الى حقيقة كانت ولازالت محل ابتلاء الشيعة وهي الأموال التي يحصلون عليها من الحكام والطغاة أو المخالفين بل حتى من الشيعة الذين لم يدفعون حق الامام الثابت لهم عليهم السلام سواء من النفل أو الغنيمة أو غير ذلك, فهو عليه السلام يريد أن يقول أنتم في حل عن أداء هذه الأموال التي حصلتم عليها من الغير, فمفاد القيد هو: متى ما كان لنا في الأموال التي تحصلون عليها من الغير حق فأنتم في حل عن إعطاءه وأداءه سواء كان ذلك في زمن الحضور أو الغيبة.

 والاحتمال هذا هو ما نراه ونذهب اليه, ويوجد عليه قرينتان, هما:

 الأولى: أن الامام سلام الله عليه قال في الرواية «هلك الناس», والمراد من الناس هنا غير شيعته الذين لم يؤدوا ذلك الحق, وذلك بدليل قوله «هلك الناس ألا وإن شيعتنا» فاستثنى عليه السلام من ذلك شيعته فقط.

 الثانية: أنه عليه السلام قال «هلك الناس», أي الذين لم يؤمنوا بهذا الوجوب, ثم يبين بعد ذلك سبب هلاك الناس بقوله «لأنهم لم يؤدوا إلينا حقنا» الثابت لهم من الله عز وجل.

 ثم قال بعد ذلك «ألا وأن شيعتنا من ذلك وآبائهم في حل» والملاحظ هنا أن الاعلام قد اختلفوا في مرجع الضمير «ذلك» الى أي شيءٍ يعود, والحق أنه يعود على الحق الثابت لهم عليهم السلام الذي لم يؤدى من غير شيعته مما أدى بهم الى الهلاك, أما شيعته وآبائهم فهم في حل من ذلك, أي أنهم غير مسؤولون عنه, من هنا لابد لنا أن نتوجه الى القاعدة التي أفتى بها المشهور والتي مفادها: لو أن أحدا قد حصل على مالٍ من شخص مخالف لا يعتقد بهذا الحق فهو ليس بضامن له, وبهذا ينكشف:

 أولا: أن المورد هنا غريب عن مورد الخمس في أرباح المكاسب, بل الحديث عن الحق الثابت لهم المنتقل الى شيعتهم ممن لم يؤده.

 بقي لنا أن نشير الى نكتة في كلامه عليه السلام وهو قوله «ألا وإن شيعتنا من ذلك وآبائهم»فما هو السبب الداعي الى شمول آباء الشيعة في التحليل أيضاً؟

 نقول أن ذلك باعتبار أن الآباء قد يكونوا من غير الشيعة فحلل لهم ذلك لكي يطيب مولد الأبناء, وإكراما لشيعته أيضاً.

 ثانيا: لو سلمنا أن مورد التحليل في الرواية هو الخمس في أرباح المكاسب لا الحق الثابت لهم عليهم السلام فأننا نجد أن أمد ذلك الحكم قد انقطع بأخذ الائمة الذين من بعده لذلك الخمس, حيث الثابت بالأدلة القطعية من الروايات المتقدمة أن الامام الصادق والكاظم والرضا والجواد قد أخذوا ذلك الخمس.

 وبهذا يتضح أن الرواية هذه وان كانت تامة سندا الا أنها غير مفيدة في المقام لأن الكلام في أرباح المكاسب في عصر الغيبة وهي غريبة عن ذلك.

 الرواية الثانية: الواردة في تهذيب الاحكام المجلد الرابع ص138, الحديث389, الرواية: «قال: سعد ـ أي سند الشيخ إلى سعد ابن عبد الله الأشعري ـ عن أبي جعفر عن محمد ابن سنان عن يونس ابن يعقوب قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فدخل عليه رجلٌ من القماطين فقال جعلت فداك تقع في أيدينا...». ولنا هنا أن نسير وفقا للمنهج الذي حددناه لقراءة هذه الروايات وهو:

 الجهة السندية: سند الشيخ الى سعد معتبر وتام, لذلك نجده يقول في مشيخته الجزء العاشر ص73: «وما ذكرته في هذا الكتاب عن سعد ابن عبد الله الذي هو سعد ابن عبد الله ابن أبي خلف الأشعري القمي الذي قال عنه شيخ هذه الطائفة وفقيهها ووجهها الى أن يقول: فقد أخبرني به الشيخ أبو عبد الله عن أبي القاسم جعفر ابن محمد ابن قولويه عن أبيه عن سعد ابن عبد الله وأخبرني به أيضاً الشيخ عن أبي جعفر محمد ابن علي الصدوق عن أبيه عن سعد ابن عبد الله...» فالرواية من حيث سند الشيخ إلى سعد ابن عبد الله لا مشكلة فيها.

 نعم تكمن المشكلة في هذه الرواية في محمد بن سنان الواقع في طريق كثير من الروايات التي عندنا, لذا فأننا في بحث الغد سنقف عند هذا الرجل من باب الفتوى لا التحقيق لنرى هل أن هذا الرجل معتمد الوثوق أم لا؟ ولا يخفى أن الوقوف عنده على منهج القدماء من حيث السند ليس مهما جدا وذلك لأن السند عندهم جزء العلة لا كلها. أما على منهج المتأخرين فالرواية غير معتبرة لضعف سندها ولا يمكن الاستفادة منها بشيء.

 علما ان الرواية هذه قد وردت في كتاب من لا يحضره الفقيه أيضاً.

 تتمة الكلام في البحث القادم انشاء الله

 والحمد لله رب العالمين.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo