< قائمة الدروس

الأستاذ السيد کمال الحيدري

بحث الفقه

32/06/25

بسم الله الرحمن الرحیم

فيما تفيده الرواية الثانية من روايات التحليل وما يلاحظ عليها ق2

 كان الكلام في توثيق الحكم بن مسكين وقلنا أن هذا الرجل لا يوجد بحقه توثيق خاص بل ان ما ثبت له من توثيق هو من نحو التوثيقات العامة والتي من أبرزها:

 التوثيق الأول: هو (القاعدة والأصل والشهادة) الذي ذكره الشيخ الطوسي في العُدة ففي طبعة بستان كتاب ص230 يقول: «وإذا كان أحد الراوين مسنداًـ روايته مسندةـ والآخر مرسلاً» أي: روايته مرسلة, ولي هنا أن أشير أنّ الشيخ رحمه الله يتكلم في باب تعارض الأدلة وهذا ما لم يلتفت إليه السيد الخوئي حين اعتقد بأن كلام الشيخ الطوسي غير خالٍ من التناقض, والحق أن هذا ليس بصحيح وذلك لأن الشيخ رحمه الله إنما يذهب الى ذلك في غير موارد التعارض فقط لا غير, أما في باب التعارض فهناك أحكام أخرى.

 علما ان السيد الخوئي قد صور التناقض الذي يعتقده في كلام الشيخ الطوسي على النحو الآتي: أنه رحمه الله يقول من جهة أن القاعدة تامة ويشهد لها بذلك, ويقول أخرى بأن الرواية ضعيفة بسبب إرسالها.

 نقول: إن الذي يعتقده الشيخ رحمه الله هو تقديم المسند على المرسل عند التعارض فقط ولأسبابٍ معينة لا مطلقا.

 لذا نجده رحمه الله يقول: «نظر في حال المرسل فإن كان ممن يُعلم أنّه لا يُرسل إلا عن ثقةٍ موثوقٍ به فلا ترجيح لخبر غيره على خبره ولأجل ذلك سوت الطائفة ـ أي أن الأمر ليس مختصا بالشيخ رحمه الله ليقال أن ذلك حصل منه بالاجتهاد بل أن الأمر منسوب الى الطائفة الكاشف عن أنه شهادة لا اجتهاد ـ بين ما يرويه محمد ابن أبي عمير وصفوان ابن يحيى وأحمد ابن محمد ابن أبي نصر وغيرهم من الثقات الذين عُرفوا أنهم لا يروون ولا يرسلون إلا عمن يوثق به وبينما أسنده غيرهم ولذلك عملوا بمراسليهم إذا انفردوا عن رواية غيرهم, فأما إذا لم يكن كذلك ويكون المرسل ممن يرسل عن ثقة وعن غير ثقةٍ فإنّه يقدم خبر غيره عليه».

 الا ان السيد الخوئي رحمه الله لا يقبل هذا من الشيخ رحمه الله فنراه يعترض على ذلك قائلا في معجم رجال الحديث الجزء الاول ص50 « ولكن هذه الدعوى باطلة ، فإنها إجتهاد من الشيخ قد استنبطه من اعتقاده تسوية الاصحاب بين مراسيل هؤلاء ومسانيد غيرهم».

 التوثيق الثاني: وهو قاعدة: «أن هؤلاء الثلاثة لا يروون ولا يُرسلون إلّا عن ثقة» وهذا القاعدة تحتاج الى كثير من التفصيل فنترك الحديث عنها الى مباحث السنة القادمة انشاء الله.

 التوثيق الثالث: وهو الاستناد الى قاعدة: «الإجماع تصحيح ما يصح عن نفرٍ من الأصحاب ـ الذين أشير إليهم سابقاـ » وهذا الطريق مهم وأساسي لما يترتب عليه من الثمرات الكثيرة وذلك لأن هؤلاء الثمانية عشر يروون عن كثير من الرواة, أما منشأ هذا الاجماع فهو كما يرى الكشي في كتابه اختيار معرفة الرجال ص507, في تسمية الفقهاء من أصحاب أبي جعفر وأبي عبد الله عليه السلام, إذ يقول «اجمعت العصابة على تصديق هؤلاء الأولين من أصحاب أبي جعفر الباقر وأبي عبد الله الصادق عليهما السلام وانقادوا لهم بالفقه, فقالوا أفقه الأولين ستة: زرارة ومعروف ابن خربوذ وبريد وأبو بصير الأسدي والفضيل ابن يسار, ومحمد ابن مسلم الطائفي, قالوا وأفقه الستة زرارة وقال بعضهم مكان أبي بصير الأسدي أبو بصير المرادي وهو ليث ابن البختري» هذا هو المورد الاول المتعلق بالستة الأولى.

 المورد الثاني: والمتعلق بالستة الثانية ففي الجزء الثاني من رجال الكشي ص673 في تسمية الفقهاء من أصحاب أبي عبد الله يقول: «تسمية الفقهاء من أصحاب أبي عبد الله أجمعت العُصابة على تصحيح ما يصح من هؤلاء وتصديقهم لما يقولون وأقروا لهم بالفقه وهم ستة نفر: جميل ابن دراج وعبد الله ابن مسكان وعبد الله ابن بكير وحماد ابن عيسى وحماد ابن عثمان وأبان ابن عثمان, قالوا وزعم أبو إسحاق الفقيه أن أفقه هؤلاء جميل ابن دراج»

 المورد الثالث: والمتعلق بالستة الثالثة ففي ص830 في تسمية الفقهاء من أصحاب أبي إبراهيم وأبي الحسن الرضا عليهما السلام: «أجمع أصحابنا على تصحيح ما يصح عن هؤلاء وتصديقهم وأقروا لهم بالفقه والعلم وهم ستة نفر آخر دون الستة نفر الذين ذكرناهم وهو: يونس ابن عبد الرحمن وصفوان ابن يحيى ومحمد ابن أبي عمير وعبد الله ابن مغير والحسن ابن محبوب وأحمد ابن محمد ابن أبي نصر البزنطي». من هنا يمكن تصحيح رواية الحكم بن مسكين لرواية البعض من هؤلاء عنه.

 ولنا هنا أن نتساءل قائلين ما هو المراد من هذه القاعدة ـ التي نقلناها عن كلام الكشي ـ ؟

 الجواب: يوجد هناك اتجاهان لفهم هذه القاعدة, وهما:

 الأول: الاتجاه المشهور الذي يعتقد ان مفاد كلام الكشي هو الدلالة على صحة الرواية حينما تصح عن واحد من هؤلاء الثمانية عشر, أي: حينما يكون السند صحيحا الى محمد بن أبي عمير فلا حاجة حينئذٍ للبحث في وثاقة وعدم وثاقة عما هو بعده من الرواة.

 الثاني: الاتجاه الذي يعتقد أن مفاد كلام الكشي هو دلالته على أن هؤلاء الثمانية عشر من الأجلاء والثقاة والعلماء وكونهم على مستوى عالي علميا وفقهيا, ولا علاقة لكلامه لما بعدهم من الرواة في أنهم يوثقون أم لا. بل يتعامل مع رواياتهم عين التعامل مع الروايات الأخرى, نعم الروايات المنقولة عنهم لها شأن يختلف عن شأن الروايات المنقولة عن غيرهم.

 ولنا أن نشير الى أن الاتجاه الاول ينقسم الى قسمين أيضاً ومنشأ هذا التقسيم يتضح من خلال التساؤل هذا: ان هؤلاء الثمانية عشر عندما يسندون الى شخص ما بعدهم فهل يدل هذا الاسناد على وثاقة من اُسند إليه أم لا؟ علما ان ارسالاتهم غير مفيدة للتوثيق لعدم معرفة عمن أرسل لكي يتم توثيقه. وفيما يخص الاسناد فيوجد رأيان:

 الاول: أنّ نقل واحد من هؤلاء الاعلام شهادة كاشفة عن وثاقة المنقول عنه.

 الثاني: ان نقل واحد من هؤلاء الاعلام غير مفيدٍ لثقة المنقول عنه, بل غاية ما يستفاد من ذلك ان الرواية التي فيها احد الاعلام المذكورين كاشف عن صحتها وإمكان الاعتماد عليها حتى لو كان ما بعد احدهم ضعيف في مكان آخر.

  والأثر المترتب على هذين الرأيين كبير ومهم, فعلى الرأي الاول حينما يروي أحد هؤلاء الاعلام عن شخص يكون دليل شهادة لوثاقة المروي عنه في هذا الرواية وغيرها من الروايات. أما على الرأي الثاني فأن رواية أحد هؤلاء يكشف عن صحة الرواية وإمكان الاحتجاج بها حتى مع فرض كون المروي عنه ضعيفاً.

 وعدم الالتفات الى هذا التفريق جعل البعض من الاعلام يقول مسشكلاً: كيف يمكن الاعتماد على روايات من تم تضعيفه؟

 نقول أن الأخذ بالرواية لم يكن مبني على وثاقة من تم تضعيفه بل لصحتها لوجود أحد الثمانية عشر فيها.

 وهذا المعنى قد أشار إليه:

 أولا: المازندراني في منتهى المقال ص50 إذ يقول: « فائدة: اختلف في قولهم: أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه‌. فالمشهور أنّ المراد صحة ما رواه حيث تصح الرواية إليه، فلا يلاحظ ما بعده إلى المعصوم عليه السلام، و إن كان فيه ضعيف، و هذا هو الظاهر من العبارة » ومعنى ذلك أن الرواية صحيحة قابلة للاحتجاج بها بغض النظر عن الرواة الذين بينه وبين المعصوم ثقة كانوا ام لا. ثم يقول رحمه الله « وأمّا معنى الكلام المزبور فالظاهر المنساق إلى الذهن هو ما اختاره الأستاذ العلامة وعزاه إلى المشهور وصرح به وصرح بعض أجلاء العصر أيضاً بأن عليه الشهرة بل نَسب ذلك المحقق الداماد ـ صاحب القبسات ـ إلى الأصحاب مؤذناً بدعوى الإجماع حيث قال في الرواشح السماوية وبالجملة هؤلاء على اعتبار أقوال مختلفة... إلى أن يقول: وذهب إلى ما قلناه العلامة المجلسي على ما نقل ونسبه إلى جماعة من المحققين منهم والده المقدس التقي واستدل في الفوائد النجفية على صحة خبرٍ ضعيفٍ بأن في سنده واحد من هؤلاء الثمانية عشر».

 ثانيا: صاحب الوافي في مقدمة كتابه هذا حيث يقول في ص27 ما نصه: «وقد فهم جماعة من المتأخرين من قوله أجمعت العصابة الحكم بصحة الحديث المنقول عنهم ونسبته إلى أهل البيت بمجرد صحته عنهم من دون اعتبار العدالة فيمن يروون عنه حتى لو رووا عن المعروف بالفسق أو بالوضع فضلاً عما لو أرسلوا الحديث كان ما نقلوه صحيحاً محكوماً على نسبته إلى أهل العصمة, وأنت خبيرٌ بأن هذه العبارة ليست صريحة في ذلك ولا ظاهرة فيه, فإنّ ما يصح عنهم إنما هو الرواية لا المروي, بل كما يحتمل ـ هذا إشارة الى الرأي القائل بصحة الرواية وإمكان الاحتجاج بها وهذا رأي السيد الخوئي رحمه الله ومن باب الاشتبهاه قد عبرنا فيما سبق أنه ليس رأيه ـ ثم يشير بعد ذلك الى الرأي القائل بان ذلك توثيق للثمانية عشر فقط لا غير, إذ يقول: «بل كما يحتمل ذلك يحتمل كونها كناية ـ إشارة إلى ما ذكره السيد الخوئي ـ عن الإجماع على عدالتهم وصدقهم بخلاف غيرهم ممن لم ينقل الإجماع على عدالته ـ هذا الأمر الثاني الذي يتبناه السيد الخوئي فيعبر عنه: «بل كما يحتمل ذلك ـ» أي: الذي أشرنا إليه وهو تصحيح الرواية لا توثيق المروي.

 ثالثا: صاحب الوسائل في خاتمة الوسائل المجلد الثلاثين ص224, إذ يقول: «وناهيك بهذا الإجماع الشريف ـ الذي قد ثبت نقله وسنده ـ قرينة قطعية على ثبوت كل حديث رواه واحد من المذكورين ، مرسلا ، أو مسندا ، عن ثقة ، أو ضعيف ، أو مجهول ، لإطلاق النص والإجماع ، كما ترى.»

 رابعاًَ: السيد الخوئي في معجم رجال الحديث ص59- 62, إذ يقول: « وأنت خبير بأن هذه العبارة ليست صريحة في ذلك ولا ظاهرة فيه ، فإن مايصح عنهم إنما هو الرواية لا المروي. بل كما يحتمل ذلك يحتمل كونها كناية عن الاجماع على عدالتهم وصدقهم ، بخلاف غيرهم ممن لم بنقل الاجماع على عدالته ».

 أقول: ما ذكره متين لا غبار عليه ـ السيد الخوئي رحمه الله لم يلتفت الى أن التفصيل الذي ذكره صاحب الوافي هو نفس الرأي الذي يتبناه قدس سره, أي: هو الرأي الذاهب الى أن المستفاد من ذلك هو جلالة قدر الرواة الثمانية عشر وأنهم على مستوى عالي علميا علما انه رحمه الله قد نقل عبارة الوافي كلها لا الدال منها على الاتجاه الثاني فقط ـ ثم إنا لو تنزلنا عن ذلك وفرضنا أن عبارة الكشي صريحة في ما نسب إلى جماعة واختاره صاحب الوسائل، فغاية ذلك دعوى الاجماع على حجية رواية هؤلاء عن المعصومين عليهم السلام تعبدا»

 وعلى كل حال فالمسالة فيها اتجاهان أعيدهما على نحو الاجمال رفعا للاشتباه الذي حصل منا فنقول:

 الاتجاه الاول: الذي يرى تصحيح الرواة الثمانية عشر ببيان جلالة قدرهم ومستواهم العلمي والفقهي ولا علاقة له بتصحيح الرواية أو المروي عنه, وهذا هو الاتجاه الاقلي.

 الاتجاه الثاني: الذي يعتقد أن ذلك دليل على صحة الرواية, بل ذهب البعض الى أن ذلك دليل على توثيق المروي عنه أيضا في حين ذهب البعض الآخر الى عدم ذلك ـ توثيق المروي عنهم ـ.

 علما اننا نقبل القاعدة هذه لكن ضمن شروط محددة سوف نعرض لها لاحقا انشاء الله وهي ليست على النحو الذي يراه السيد الخوئي من تحقق الوثاقة دون شيءٍ آخر, ولا على النحو الذي يراه صاحب الوسائل من توثيق كل من كان بعد الرواة الثمانية عشر.

 هذا تمام الكلام في سند الرواية سواء كان من طريق الشيخ الطوسي او الصدوق.

 أما متنها: قال: «عن الشيخ الطوسي عن أبي جعفر عن محمد ابن سنان عن يونس ابن يعقوب قال كنت عند أبي عبد الله الصادق عليه السلام فدخل عليه رجل من القناطين فقال جعلت فداك تقع في أيدينا الأرباح والأموال وتجارات نعلم أن حقك فيها ثابت, وإنّا عن ذلك مقصرون, فقال أبو عبد الله الصادق عليه السلام ما أنصفناكم إن كلفناكم ذلك».

 الواضح من الرواية عدم وجود عنوان الخمس فيها, والموجود فيها هو عنوان الحق وقلنا فيما سبق أن الحق إما ان يراد به الخمس على وجه الخصوص وإما أن يكون الخمس مدلول عليه بلفظ الحق الشامل له, الشامل بدوره لخمس أرباح المكاسب.

 يدعي القائلون بالتحليل أن قوله عليه السلام «أنه ما أنصفناكم إن كلفناكم ذلك» أي: لا نريد أن نكلفكم بدفع هذا الحق إلينا.

 ولنا هنا أن نتساءل: هل أن هذه الرواية دالة على التحليل أم لا؟

 في البدء نقول: ان محل النزاع في المقام هو أرباح المكاسب بعد إخراج المؤونة للشخص نفسه في عصر الغيبة.

 من هنا فأننا نرى الرواية تتكلم عن الأموال الحاصلة من الغير ـ الذي لا يعتقد بثبوت ذلك الحق للامام ـ والتي ثبت فيها الحق للامام سلام الله عليه, وهذا يكشف عن أن الرواية غريبة عن المقام ولا يمكن الاستدلال بها لإثبات التحليل في أرباح المكاسب. هذا الاشكال الاول.

 الإشكال الثاني: أن ذيل الرواية يتوافر على قيدٍ يكشف عن أن كلامه عليه السلام مختص بعصره وزمانه وغير شامل للأزمنة الأخرى فنراه عليه السلام يقول «إن كلفناكم ذلك اليوم» فتقييد الرواية بلفظ (اليوم) يجعل منها مختصة بعهده وغير شامل لعصر الغيبة, علما أن المراد من اللفظ اليوم هو كناية عن الوضع الاقتصادي المتدهور والوضع السياسي المشوب بالحذر والخوف والمضايقة من الحكام والغاصبين, من هنا فأن الامام يعبر أن في أخذ الحق منكم في مثل هذه الظروف تكلفة عليكم ومشقة.

 وهذا دون شكٍ يكشف عن أن الخمس في أرباح المكاسب موضوع منهم عليهم السلام, ومضمون كلامه هنا عين مضمون كلام الامام الجواد عليه السلام الذي يقول فيه «تخفيفاً منا لشيعتنا لما ينتابهم» لاشتراكهما في التخفيف عن شيعتهم بسبب الظروف الحاكمة آنذاك.

 وقد أشرنا غير مرةٍ أن التخفيف الذي قام به الامام الجواد والتحليل الذي قام به الامام الصادق ليس هو تنازل عن حقهم الثابت لهم شخصيا, بل تنازل عن الحق الثابت لمنصب الامامة.

 و ينبغي أن أشير كذلك أنه لا تناقض بين فعلي الامام حينما يحلل تارة ويوجب أخرى, ولا بين فعلين قد يصدرا من إمامين يختلف زمان أحدهما عن الآخر بأن يحلل الاول ويوجب الآخر؛ وذلك لأن التحليل والإيجاب خاضع وتابع لطبيعة الظروف آنذاك وهذا هو معنى الحكم الولائي الصادر من الامام سلام الله عليه التابع في وجوده الى الشرائط والظروف والضرورة.

 والحمد لله رب العالمين.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo