< قائمة الدروس

الأستاذ السيد کمال الحيدري

بحث الفقه

32/06/26

بسم الله الرحمن الرحیم

فيما تفيده الرواية الثالثة والرابعة من روايات التحليل وما يلاحظ عليهما

 كان الكلام في الرواية الثانية من روايات التحليل وقلنا فيما سبق إمكان ملاحظة عدة ملاحظات عليها من أهمها:

 الملاحظة الأولى: غير ظاهرٍ منها أنها تتكلم عن الأرباح الشخصية من التجارات والمكاسب, بل لعل المراد هو الخمس فيما ينتقل الى الامامي من أموال لم يخمسها أصحابها, وهذا المورد هو متعلق التحليل في كلام الامام عليه السلام.

 الملاحظة الثانية: عند التنزل والايمان بأن الخمس المراد فيها هو ما كان من أرباح المكاسب الا ان ذلك لا يكفي للقول بتحليله مطلقا؛ وذلك لوجود قيد في الرواية دال على أن التحليل مختص بزمن صدور الرواية وغير شاملٍ لزمن الغيبة الصغرى, والقيد هو لفظ (اليوم) في قوله «ما أنصفناكم إن كلفناكم ذلك اليوم».

 علما ان صدور الرواية عن الامام الصادق عليه السلام يكشف عن ثبوت هذه الحقيقة بوضوح وذلك للظروف القاهرة آنذاك من الوضع الاقتصادي المتدهور والوضع السياسي الخانق, لذا نجده عليه السلام محللا تارة وواضعاً أخرى ـ كما سيتضح من الروايات القادمة انشاء الله ـ وهذا دليل جلي على ان الخمس في أرباح المكاسب من الاحكام الولائية لا الثابتة.

 وممن أشار الى هذا المعنى المجلسي الاول في روضة المتقين في شرح من لا يحضره الفقيه ص375 إذ يقول: («و روي عن يونس بن يعقوب» الموثق «قال: إلى قوله من القماطين» و هم قوم يعملون بيوت القصب «فقال ما أنصفناكم إن كلفناكم ذلك اليوم» الذي يقع عليكم الغرامات من الظلمة فلأجل ذلك وهبنا حقنا لكم.)

  وكذلك المجلسي الثاني في ملاذ الأخيار في فهم تهذيب الأخبار في الجزء السادس ص395 إذ يقول: «قوله عليه السلام: إن كلفناكم أي. خصوص القماطين لضعف كسبهم، ـ لضعف كسب القماطين وكثرة الغرامات والضغوطات عليهم من السلطات الحاكمةـ أو مطلق الشيعة لتحميل المخالفين عليهم».

 الاحتمال الثالث: لو سلمنا أن الرواية مرتبطة بأرباح المكاسب للشخص نفسه وأنها خالية من القيد المذكور ( اليوم) فلابد من رفع اليد عنها وعدم الاعتماد عليها وذلك إما بالقول بنسخها حين قولنا بأن الخمس من الاحكام الثابتة وإما بتقييدها حين قولنا بأنها حكم ولائي, حيث أننا نرى أن الائمة من بعد الامام الصادق عليه السلام قد أمروا بأخذ الخمس من شيعتهم, ولم يرتضوا لمستحل ذلك من دون الاذن منهم عليهم السلام, وهذا المعنى تشير إليه الرواية المروية عن الشيخ الصدوق رحمه الله حيث ورد في وسائل الشيعة المجلد التاسع ص540 ما نصه: «محمد بن علي بن الحسين في إكمال الدين عن محمد بن احمد السناني أو الشيباني وعلي بن أحمد بن محمد الدقاق والحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المؤدب وعلي بن عبد الله الوراق جميعا, عن أبي الحسين محمد بن جعفر الأسدي قال: كان فيما ورد عليّ من الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان العمري قدس الله روحه في جواب مسائلي إلي صاحب الدار عليه السلام: وأما ما سألت عنه من أمر من يستحل ما في يده من أموالنا ويتصرف فيه تصرفه في ماله من غير أمرنا فمن فعل ذلك فهو ملعون ونحن خصماؤه, فقد قال النبي صلى الله عليه وآله: المستحل من عترتي ما حرم الله ملعون على لساني ولسان كل نبي مجاب, فمن ظلمنا كان من جملة الظالمين لنا, وكانت لعنة الله عليه لقوله عز وجل: ألا لعنة الله على الظالمين إلى أن قال: ـ وأما ما سألت عنه من أمر الضياع التي لناحينا, هل يجوز القيام بعمارتها, وأداء الخراج منها, وصرف ما يفضل من دخلها إلى الناحية احتسابا للأجر وتقربا إليكم؟ فلا يحل لأحد أن يتصرف في مال غيره بغير إذنه, فكيف يحل ذلك في مالنا؟ ! من فعل شيئا من ذلك لغير أمرنا فقد استحل منا ما حرم عليه, ومن أكل من مالنا شيئا فإنما يأكل في بطنه نارا وسيصلى سعيرا »

 ولابد لنا هنا أن نشير الى حقيقة مفادها: أن كل خمس ـ في أرباح المكاسب ـ وجوبه وتحليله منوط بإمام ذلك الزمان بمعنى: لو أن الامام اللاحق يرى وجوب الخمس في زمانه على شيعته وكان ـ الخمس ـ موجبا عليهم من الامام السابق فهنا الامام اللاحق لا يكتفي بالوجوب المتحقق من الامام الذي سبقه بل لابد له من إيجاب آخر بحكم ولائي على ذلك الخمس يحقق فيه الوجوب, والأمر نفسه بالنسبة للتحليل.

 وفائدة هذه النكتة هي: عدم إمكان اجراء الاستصحاب في الحكم المشكوك فيه, أي: أي لو تيقننا وجوب الخمس في زمن الامام الجواد عليه السلام وشككنا في بقائه في زمن الامام الهادي عليه السلام فهل يمكننا في مثل هذه الصورة إجراء الاستصحاب؟

 نقول: إن ذلك غير ممكن وذلك لأن الوجوب المتيقن في زمن الامام السابق يختلف عن حقيقة الوجوب المشكوك عند الامام اللاحق وهذا يعني إختلاف الموضوع الذي معه لا يمكن إجراء الاستصحاب, والنكتة هذه تجري في الاحكام الولائية فقط دون الاحكام الثابتة التي تعد جزءً من الشريعة.

 ومنه يظهر أن جواز البقاء على تقليد الميت هو في دائرة الفتاوى الشرعية فقط دون الاحكام الولائية؛ لانعدامها بموت المجتهد فلابد حينئذٍ في الرجوع فيها الى المجتهد الحي.

 من هنا لا يمكننا الالتزام بالرواية حتى مع فرض تمامية سندها؛ لأننا نجد أن الائمة المتأخرين عن الامام الصادق عليه السلام قد قاموا بأخذ الخمس من شيعتهم.

 أما سند رواية الصدوق الآنفة الذكر هل هو تام أم لا؟ وهل أن شيوخ الصدوق يحتاجون الى توثيق أم لا؟

 وقع الخلاف بين الاعلام في ذلك, والتحقيق هو حاجتهم الى التوثيق, وكونهم مشايخ له لا يلازم القول بوثاقتهم وحسنهم.

 الا أننا يمكن أن نشير الى ملاحظتين مهمتين يمكن من خلالهما القول باعتبار الرواية, وهما:

 أولا: ورود الترضي عنهم من قبل الشيخ الصدوق رحمه الله فهذا يمكن أن يكون سببا للقول باعتبار الرواية حتى مع فرض عدم وجود التوثيق للمشايخ الأربع الذين روى الشيخ عنهم الرواية كل على حدة.

 ثانيا: غير خافٍ ان الشيخ رحمه الله قد روى عن هؤلاء الأربع كل على حدةٍ, وهذا يكشف عن بعد احتمال اتفاقهم على الكذب منهم على الشيخ رحمه الله, وفرض حصول ذلك احتمال ضعيف لا يمكن ان يعتد به.

 الرواية الثالثة: الواردة في وسائل الشيعة المجلد التاسع ص547, الرواية: «بإسناده عن محمد ابن الحسن الصفار ـ معتبرة وتامة من حيث سند الشيخ إليها ـ عن يعقوب ابن يزيد عن الحسن ابن علي الوشاء عن القاسم ابن بريد عن الفضيل عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: من وجد برد حبنا في كبده فليحمد الله على أول النعم قال: قلت: جعلت فداك ما أول النعم؟ قال: طيب الولادة, ثم قال أبو عبد الله الصادق عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام لفاطمة عليها السلام: أحلّي نصيبك من الفيء لآباء شيعتنا؛ ليطيبوا, ثم قال أبو عبد الله الصادق عليه السلام إنّا أحللنا أمهات شيعتنا لآبائهم؛ ليطيبوا».

 الرواية كما ذكرنا من حيث السند تامة ولا محذور فيها.

 أما من حيث الدلالة: فهي مرتبطة بالفيء والحرب والنساء المسبيات, وبهذا يتضح أن الرواية غريبة عن محل الكلام لكون كلامنا في أرباح المكاسب والرواية تتحدث الفيء والأنفال والحروب.

 ومع فرض أن الرواية مطلقة وشاملة للخمس في أرباح المكاسب فهي لا تسلم من الملاحظات الواردة على الرواية الثانية من قبيل أن الرواية مروية عن الامام أمير المؤمنين والتحليل الثابت فيها قد صدر منه عليه السلام الا أن ذلك ينتفي وينعدم بـ:

 أولا: أن التحليل فيها مختص بزمان صدورها.

 ثانيا: بما صدر من الائمة المتأخرين عن الامام الصادق عليهم السلام حيث أن الثابت عنهم أنهم عليهم السلام كانوا يأخذون الخمس من شيعتهم ومحبيهم.

 الرواية الرابعة: الواردة في التهذيب المجلد الرابع ص144: «سعد بن عبد الله عن أبي جعفر عن الحسن بن محبوب عن عمر بن يزيد قال: رأيت أبا سيار مسمع بن عبد الملك بالمدينة، وقد كان حمل إلى أبي عبد الله عليه السلام مالا في تلك السنة فرده عليه فقلت له: لم رد عليك ابو عبد الله عليه السلام المال الذي حملته إليه؟ فقال: إني قلت له حين حملت إليه المال: إني كنت وليت الغوص فأصبت أربعمائة ألف درهم وقد جئت بخمسها ثمانين ألف درهم وكرهت أن احبسها عنك أو اعرض لها وهي حقك الذي جعله الله تعالى لك في أموالنا فقال: وما لنا من الأرض وما اخرج الله منها الا الخمس ! يا أبا سيار الأرض كلها لنا فما اخرج الله منها من شئ فهو لنا قال، قلت له أنا احمل إليك المال كله فقال لي: يا أبا سيار قد طيبناه لك وحللناك منه فضم إليك مالك وكل ما كان في أيدي شيعتنا من الأرض فهم محللون، ويحل لهم ذلك إلى ان يقوم قائمنا فيجبيهم طسق ما كان في أيدي سواهم قل كسبهم من الأرض حرام عليهم حتى يقوم قائمنا فيأخذ الأرض من أيديهم ويخرجهم عنها صغرة.». والرواية هذه قد وردت في أصول الكافي أيضاً الا أن الملاحظ أن هناك عبارة قد وردت في رواية أصول الكافي ولم ترد في رواية التهذيب والعبارة هي: «فقال له إني حين حملت إليه المال إني كنت وليت البحرين الغوص».

 ورواية التهذيب واجدة لمقطعين هما:

 الاول: هو الذي يشير فيه الامام الى ملكيته لكل الأرض لا للخمس المستخرج منها فقط, حيث يقول عليه السلام: «وما لنا من الأرض وما اخرج الله منها الا الخمس ! يا أبا سيار الأرض كلها لنا فما اخرج الله منها من شئ فهو لنا قال، قلت له أنا احمل إليك المال كله فقال لي: يا أبا سيار قد طيبناه لك وحللناك منه فضم إليك مالك ».

 الثاني: الدال منه على التحليل, إذ يقول عليه السلام « وكل ما كان في أيدي شيعتنا من الأرض فهم محللون، ويحل لهم ذلك إلى ان يقوم قائمنا فيجبيهم طسق ما كان في أيدي سواهم قل كسبهم من الأرض حرام عليهم حتى يقوم قائمنا فيأخذ الأرض من أيديهم ويخرجهم عنها صغرة».

  الا أننا حينما نراجع رواية أصول الكافي نجد فيه مقطعا لم يرد في التهذيب, وبهذا المقطع تتضح الرواية وتكون أكثر جلاءً, وحقيقة هذا المقطع هو: « وأما ما كان في أيدي غيرهم فإن كسبهم من الأرض حرامٌ عليهم» وبضم هذا المقطع الى ما كان واردا في التهذيب تكون الرواية كالآتي: « وكل ما في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيها محللون حتى يقوم قائمنا فيجبيهم طسق ما كان في أيديهم ويترك الأرض في أيديهم ـ أي يأخذ الضريبة منهم باعتبار ان الأرض ملك لهم أو لبيت المال كما هو معروف, مبقياً الأرض بأيدي شيعته غير آخذٍ لها ـ وأما ما كان في أيدي غيرهم فإن كسبهم من الأرض حرامٌ عليهم حتى يقوم قائمنا فيأخذ الأرض من أيديهم ويخرجهم صغرةً». والتفصيل هذا ـ بين الأرض التي بيد شيعتهم والتي حللوها وبين الأرض التي بيد أعدائهم والتي حرم الامام الكسب فيها لغير الشيعةـ لم يذكر في التهذيب, بل في أصول الكافي فقط.

 ولنا حينئذٍ أن نتساءل هل أن المقطع الاول دال على التحليل أم لا؟ نقول غير دالٍ على ذلك لسببين:

 الأول: لاحتمال ان هذا الأمر مرتبط بابن سيار فقط, إذ لعل الامام عليه السلام قد وجد مصلحة في إرجاع المال له ففعل.

 الثاني: أن التحليل المذكور في الرواية مرتبط بالأرض وما يخرج منها, أي بالأنفال والفيء وهو غريب عن محل الكلام, إذ أننا نتكلم في خمس أرباح المكاسب.

 أما المقطع الثاني وهو المهم في الكلام إذ يمكن أن يقال باستفادة التحليل منه حتى لعصر الغيبة وذلك من خلال قوله عليه السلام: « فهم فيه محللون حتى يقوم الإمام عليه أفضل الصلاة والسلام فيجبيهم» والنص واضح في التحليل لعصر الغيبة وان الامام قد حلل الخمس الى حين الظهور حيث يكتفي بأخذ الطسق منهم عند ظهوره عليه السلام.

 والحق أن ذلك غير تام على إطلاقه وذلك:

 أولا: أن كلامه عليه السلام مرتبط بأجرة الأرض وما يخرج منها الداخل في الفيء والنفل ولا علاقة له بالخمس في أرباح المكاسب.

 ثانيا: حتى مع التسليم بشمول كلامه عليه السلام لأرباح المكاسب الا أن ذلك لا يكفي للقول بالتحليل؛ لأننا نعلم أن الرواية قد صدرت من الامام الصادق عليه السلام وهذا بحد ذاته غير كافٍ للقول بالتحليل ما لم يعلم حقيقة التكاليف الولائية الصادرة من الائمة المعصومين الذين من بعده, بل الثابت كما ذكرنا فيما سبق أن الامام الثاني عشر عليه السلام قد أخذا الخمس من شيعته عن طريق وكلائه ونوابه, ولم يثبت بدليل أنه قد رفع ذلك الخمس, وهذا يكشف عن استمرارية هذا الخمس لعصر الغيبة. وبذلك يتضح عدم إمكان التمسك بهذه الرواية للقول بالتحليل.

 والحمد لله رب العالمين.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo