< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ مصطفي الأشرفي‌شاهرودي

44/11/08

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: فقه الطهارة- المطهرات- الشمس- مباشرة إشراق الشمس- تطهير الباطن.

و يشترط في تطهيرها أن يكون في المذكورات رطوبة مسرية و أن تجفّفها بالإشراق عليها، بلا حجاب عليها كالغيم و نحوه و لا على المذكورات، فلو جفّت بها من دون إشراقها و لو بإشراقها على ما يجاورها أو لم تجفّ‌ أو كان الجفاف بمعونة الريح لم تطهر. نعم الظاهر أنّ‌ الغيم الرقيق أو الريح اليسير على وجه يستند التجفيف إلى الشمس و إشراقها لا يضرّ، و في كفاية إشراقها على المرآة مع وقوع عكسه على الأرض إشكال.

مسألة 1: كما تطهّر ظاهر الأرض كذلك باطنها المتّصل بالظاهر النجس بإشراقها عليه و جفافه بذلك، بخلاف ما إذا كان الباطن فقط نجساً، أو لم يكن متّصلاً بالظاهر بأن يكون بينهما فصل بهواء أو بمقدار طاهر أو لم يجفّ‌ أو جفّ‌ بغير الإشراق على الظاهر، أو كان فصل بين تجفيفها للظاهر و تجفيفها للباطن، كأن يكون أحدهما في يوم و الآخر في يوم آخر، فإنّه لا يطهر في هذه الصور.[1]

لا بأس بتكرار الكلام في الشرط الثالث لمطهرية الشمس و هو ما أشار إليه الماتن قدس سره بقوله: «و أن تجفّفها بالإشراق عليها، بلا حجاب عليها كالغيم و نحوه و لا على المذكورات، فلو جفّت بها من دون إشراقها و لو بإشراقها على ما يجاورها أو لم تجفّ‌ أو كان الجفاف بمعونة الريح لم تطهر. نعم الظاهر أنّ‌ الغيم الرقيق أو الريح اليسير على وجه يستند التجفيف إلى الشمس و إشراقها لا يضرّ»

أما اعتبار إسناد التجفيف إلى الشمس فقط لا غيرها كالريح و نحوه فيدل عليه قوله عليه السلام في صحيحة زرارة «إِذَا جَفَّفَتْهُ‌ الشَّمْسُ‌ فَصَلِّ‌ عَلَيْهِ‌ فَهُوَ طَاهِرٌ.»[2] حيث أن إسناد الفعل إلى شيء، ظاهر في استقلاله و تفرده في الفعل كما يقال: «قتل زيد عمرواً» و من جانب آخر يدل على اشتراط إشراق الشمس على الشيء مستقيماً دون حصول الجفاف بحرارة الشمس بالمجاورة، ما في موثقة عمار «إِذَا كَانَ‌ الْمَوْضِعُ‌ قَذِراً مِنَ‌ الْبَوْلِ‌ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ‌ فَأَصَابَتْهُ‌ الشَّمْسُ‌ ثُمَّ‌ يَبِسَ‌ الْمَوْضِعُ‌ فَالصَّلاَةُ‌ عَلَى الْمَوْضِعِ‌ جَائِزَةٌ‌»[3] فمقتضى الجمع بين تلك الصحيحة و تاك الموثقة هو اعتبار الاستقلال و الإصابة معاً. و هذا مقتضى اصالة عدم رفع النجاسة عند الشك بشبب المشاركة في المطهرية.

لكن ذكر في المستمسك عن المدارك و جماعة، الحكم بالطهارة و لو بمعونة الريح، و لا سيما مع كون الغالب ذلك. و عليه فلا يشترط الاستقلال بل يكفي الاشتراك مع غير الشمس.

و يرده: أن ظاهر النسبة الكلامية في قوله عليه السلام : «إِذَا جَفَّفَتْهُ‌ الشَّمْسُ‌» ‌هو الاستقلال، لا ما يعم الاشتراك، و قد عرفت الفرق بين الأفعال و النسب في مثل قولنا: «جاء زيد» و قولنا: «قتل زيد عمرواً». نعم لا يضر الريح العادي المقارن مع إشراق الشمس في إسناد الجفاف إلى الشمس. هذا و لكن قد يقال بأن مقتضى بعض الروايات في المقام عدم شرطية الاستقلال في التجفيف بالشمس؛

منها: صحيحة زرارة و حديد المتقدمة في السؤال عن السطح يصيبه البول أو يبال عليه يصلى في ذلك المكان. فقال عليه السلام: «إِنْ‌ كَانَ‌ تُصِيبُهُ‌ الشَّمْسُ‌ وَ الرِّيحُ‌ وَ كَانَ‌ جَافّاً فَلاَ بَأْسَ‌ بِهِ‌»[4] حيث أن الظاهر منه كفاية مطلق الجفاف و لو كان بغير الشمس بل بالريح وحده إن كان المراد بكلمة «أو» العطف بالواو، و لو أريد بها ظاهر العطف فتدل الجملة في هذه الصحيحة على كفاية الجمع و اشتراك الريح مع الشمس في الجفاف.

و يردّه: الاتفاق على عدم كفاية الجفاف بالريح في الطهارة. نعم يكفي ذلك في جواز الصلاة على المحل دون مسجد الجبهة مع ما تقدم من إمكان الحمل على الريح المتعارف مع الشمس سيما في الأمكنة المرتفعة كالسطح.

و منها: موثقة عمار المتقدمة في قوله عليه السلام «فَأَصَابَتْهُ‌ الشَّمْسُ‌ ثُمَّ‌ يَبِسَ‌ الْمَوْضِعُ‌ فَالصَّلاَةُ‌ عَلَى الْمَوْضِعِ‌ جَائِزَةٌ‌» حيث أنها تدل على كفاية مجرد إصابة الشمس و إن حصلت اليبوسة بإعانة غيرها، و ذلك لمكان العطف بكلمة «ثم» الظاهر من حصول الجفاف و لو بغير الشمس في حصول الطهارة. هذا مما لم نلتزم به لمخالفته لما تقدم من الأدلة الظاهرة في لزوم إصابة الشمس و تجفيف المحل بها، بل إطلاقها شامل لما إذا حصل الجفاف بغير الشمس و هو خلاف الإجماع و مخالف لظاهر قوله عليه السلام في صحيحة زرارة المتقدمة «إِذَا جَفَّفَتْهُ‌ الشَّمْسُ‌ فَصَلِّ‌ عَلَيْهِ‌» الظاهر في الانحصار.

قال الماتن: «نعم الظاهر أنّ‌ الغيم الرقيق أو الريح اليسير على وجه يستند التجفيف إلى الشمس و إشراقها لا يضرّ»

و قد علم صحة هذا الاستناد مما تقدم من الصدق العرفي بإصابة الشمس.

قال الماتن: «و في كفاية إشراقها على المرآة مع وقوع عكسه على الأرض إشكال»

ذكر سيدنا الحكيم: إن منشأ الإشكال ظهور الإشراق و الإصابة في وقوع نفس الضوء على الأرض، و من احتمال أن يراد به ما يعم الانعكاس. انتهى.[5]

لكن مقتضى مفهوم قوله عليه السلام في موثقة عمار «إِذَا كَانَ‌ الْمَوْضِعُ‌ قَذِراً مِنَ‌ الْبَوْلِ‌ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ‌ فَأَصَابَتْهُ‌ الشَّمْسُ‌ ثُمَّ‌ يَبِسَ‌ الْمَوْضِعُ‌ فَالصَّلاَةُ‌ عَلَى الْمَوْضِعِ‌ جَائِزَةٌ‌» عدم كفاية غير الإصابة الظاهرة في إشراق الشمس بلا واسطة.

و أورد سيدنا الأستاد على ما أفاده الحكيم من منشأ الإشكال: إن ما أفاده في الإشكال من وقوع نفس الضوء دون الانعكاس، مذكور في رواية الحضرمي التي لا نقول باعتبارها، مضافاً إلى أن صحيحة زرارة دالة على كفاية مجرد الجفاف بالشمس، لقوله عليه السلام: «إِذَا جَفَّفَتْهُ‌ الشَّمْسُ‌ فَصَلِّ‌ عَلَيْهِ‌ فَهُوَ طَاهِرٌ» حيث أنه يكفي في صدق الجفاف بالشمس، الجفاف بحرارتها و لو بالمجاورة، أو انعكاس المرآة، أو من وراء زجاج، إلا أن مفهوم موثقة عمار عدم كفاية غير الإصابة، حيث قال: «إِذَا كَانَ‌ الْمَوْضِعُ‌ قَذِراً مِنَ‌ الْبَوْلِ‌ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ‌ فَأَصَابَتْهُ‌ الشَّمْسُ‌ ثُمَّ‌ يَبِسَ‌ الْمَوْضِعُ‌ فَالصَّلاَةُ‌ عَلَى الْمَوْضِعِ‌ جَائِزَةٌ‌» و في رواية الحضرمي «كُلُّ‌ مَا أَشْرَقَتْ‌ عَلَيْهِ‌ الشَّمْسُ‌»[6] فلا يكفي في الطهارة ما لم تصبه الشمس و لا أشرقت عليه.

مسألة 1: كما تطهّر ظاهر الأرض كذلك باطنها المتّصل بالظاهر النجس بإشراقها عليه و جفافه بذلك.

أفاد السيد الحكيم بعد نسبته الطهارة في الباطن إلى جمع من الفقهاء العظام: إنه الظاهر من روايات عمار‌ و الحضرمي‌ و ابن بزيع‌، بل صحيح زرارة‌ فإن الظاهر من قوله عليه السلام: «فَهُوَ طَاهِرٌ» طهارة تمام ما جففته الشمس و ما أصابته، و لا يقدح اختصاص الصلاة بالسطح الظاهر إذ السكوت عن خصوص الظاهر كاشف عن عمومها للباطن لموافقته للارتكاز.

المصادر

العروة الوثقی (عدة من الفقهاء، جامعة المدرسين)، الطب‌اطب‌ای‌ي الی‌زدي، الس‌ی‌د م‌ح‌م‌د ک‌اظم‌ بن عبد العظیم، المتوفي: ۱۳۳۷ ه.ق. جماعة المدرسين في الحوزة العلمیة بقم المقدسة، مؤسسة النشر الإسلامي، ۱۴۲۱ ه.ق. عدد الأجزاء: 6.

    1. تفصیل وسائل الشیعة إلی تحصیل مسائل الشریعة، حر العاملي ال‌م‌ش‌غ‌ري، محمد بن الحسن، المتوفي: ۱۱۰۴ ه.ق. مؤسسة آل البیت عليهم السلام لإحیاء التراث بقم المقدسة، ۱۴۱۶ ه.ق. عدد الأجزاء: 30.

    2. مستمسك العروة الوثقی، الطباطبايي الحکیم السید محسن، المتوفي: ۱۳۹۰ ه.ق. دار التفسير بقم المقدسة، ۱۳۷۴ ه.ش. عدد الأجزاء: 14.


[2] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج3، ص451، أبواب النجاسات و الاوانی و الجلود، باب29، ح1، ط آل البيت. مُحَمَّدُ بْنُ‌ عَلِيِّ‌ بْنِ‌ الْحُسَيْنِ‌ بِإِسْنَادِهِ‌ عَنْ‌ زُرَارَةَ‌ قَالَ‌: سَأَلْتُ‌ أَبَا جَعْفَرٍ عَلَيْهِمَا‌ السَّلاَمُ‌ عَنِ‌ الْبَوْلِ‌ يَكُونُ‌ عَلَى السَّطْحِ‌ أَوْ فِي الْمَكَانِ‌ الَّذِي يُصَلَّى فِيهِ‌. فَقَالَ:‌ إِذَا جَفَّفَتْهُ‌ الشَّمْسُ‌ فَصَلِّ‌ عَلَيْهِ‌ فَهُوَ طَاهِرٌ.
[3] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج3، ص452، أبواب النجاسات و الاوانی و الجلود، باب29، ح4، ط آل البيت. مُحَمَّدُ بْنُ‌ يَعْقُوب بِإِسْنَادِهِ‌ عَنْ‌ مُحَمَّدِ بْنِ‌ أَحْمَدَ بْنِ‌ يَحْيَى عَنْ‌ أَحْمَدَ بْنِ‌ الْحَسَنِ‌ بْنِ‌ عَلِيِّ‌ بْنِ‌ فَضَّالٍ‌ عَنْ‌ عَمْرِو بْنِ‌ سَعِيدٍ عَنْ‌ مُصَدِّقِ‌ بْنِ‌ صَدَقَةَ‌ عَنْ‌ عَمَّارٍ السَّابَاطِيِّ‌ عَنْ‌ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ‌ عَلَيْهِ‌ السَّلاَمُ‌ فِي حَدِيثٍ‌ قَالَ‌: سُئِلَ‌ عَنِ‌ الْمَوْضِعِ‌ الْقَذِرِ يَكُونُ‌ فِي الْبَيْتِ‌ أَوْ غَيْرِهِ‌ فَلاَ تُصِيبُهُ‌ الشَّمْسُ‌ وَ لَكِنَّهُ‌ قَدْ يَبِسَ‌ الْمَوْضِعُ‌ الْقَذِرُ. قَالَ:‌ لاَ يُصَلَّى عَلَيْهِ‌ وَ أَعْلِمْ‌ مَوْضِعَهُ‌ حَتَّى تَغْسِلَهُ‌. وَ عَنِ‌ الشَّمْسِ‌ هَلْ‌ تُطَهِّرُ الْأَرْضَ‌؟ قَالَ:‌ إِذَا كَانَ‌ الْمَوْضِعُ‌ قَذِراً مِنَ‌ الْبَوْلِ‌ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ‌ فَأَصَابَتْهُ‌ الشَّمْسُ‌ ثُمَّ‌ يَبِسَ‌ الْمَوْضِعُ‌ فَالصَّلاَةُ‌ عَلَى الْمَوْضِعِ‌ جَائِزَةٌ‌ وَ إِنْ‌ أَصَابَتْهُ‌ الشَّمْسُ‌ وَ لَمْ‌ يَيْبَسِ‌ الْمَوْضِعُ‌ الْقَذِرُ وَ كَانَ‌ رَطْباً فَلاَ تَجُوزُ الصَّلاَةُ‌ عَلَيْهِ‌ حَتَّى يَيْبَسَ‌ وَ إِنْ‌ كَانَتْ‌ رِجْلُكَ‌ رَطْبَةً‌ أَوْ جَبْهَتُكَ‌ رَطْبَةً‌ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ‌ مِنْكَ‌ مَا يُصِيبُ‌ ذَلِكَ‌ الْمَوْضِعَ‌ الْقَذِرَ فَلاَ تُصَلِّ‌ عَلَى ذَلِكَ‌ الْمَوْضِعِ‌ حَتَّى يَيْبَسَ‌، وَ إِنْ‌ كَانَ‌ غَيْرُ الشَّمْسِ‌ أَصَابَهُ‌ حَتَّى يَبِسَ‌ فَإِنَّهُ‌ لاَ يَجُوزُ ذَلِكَ‌.
[4] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج3، ص451، أبواب النجاسات و الاوانی و الجلود، باب29، ح2، ط آل البيت. مُحَمَّدُ بْنُ‌ يَعْقُوبَ‌ عَنْ‌ مُحَمَّدِ بْنِ‌ يَحْيَى عَنْ‌ أَحْمَدَ بْنِ‌ مُحَمَّدٍ عَنْ‌ حَمَّادٍ عَنْ‌ حَرِيزٍ عَنْ‌ زُرَارَةَ‌ وَ حَدِيدِ بْنِ‌ حَكِيمٍ‌ الْأَزْدِيِّ‌ جَمِيعاً قَالاَ: قُلْنَا لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ‌ عَلَيْهِ‌ السَّلاَمُ‌: السَّطْحُ‌ يُصِيبُهُ‌ الْبَوْلُ‌ أَوْ يُبَالُ‌ عَلَيْهِ‌، أَ يُصَلَّى فِي ذَلِكَ‌ الْمَكَانِ‌؟ فَقَالَ‌: إِنْ‌ كَانَ‌ تُصِيبُهُ‌ الشَّمْسُ‌ وَ الرِّيحُ‌ وَ كَانَ‌ جَافّاً فَلاَ بَأْسَ‌ بِهِ‌ إِلاَّ أَنْ‌ يَكُونَ‌ يُتَّخَذُ مَبَالاً. مُحَمَّدُ بْنُ‌ الْحَسَنِ‌ بِإِسْنَادِهِ‌ عَنْ‌ أَحْمَدَ بْنِ‌ مُحَمَّدٍ، مِثْلَهُ‌.
[6] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج3، ص453، أبواب النجاسات و الاوانی و الجلود، باب29، ح6، ط آل البيت. مُحَمَّدُ بْنُ‌ يَعْقُوب بِإِسْنَادِهِ‌ عَنْ‌ أَحْمَدَ بْنِ‌ مُحَمَّدٍ عَنْ‌ عَلِيِّ‌ بْنِ‌ الْحَكَمِ‌ عَنْ‌ عُثْمَانَ‌ بْنِ‌ عَبْدِ الْمَلِكِ‌ الْحَضْرَمِيِّ‌ عَنْ‌ أَبِي بَكْرٍ الْحَضْرَمِيِّ‌ عَنْ‌ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ‌ قَالَ‌: كُلُّ‌ مَا أَشْرَقَتْ‌ عَلَيْهِ‌ الشَّمْسُ‌ فَهُوَ طَاهِرٌ.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo