< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ محمدعلي البهبهاني

45/03/15

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: الفقه الإقتصادي/الربا و البنوک /الفصل الثاني عشر؛ الطریق الثاني و العشرون

 

المناقشة الثانیة: من جهة الكبرى

إنا لو افترضنا أن المتعاملين (الدائن و المدين) تحرّرا من ذلك الارتكاز العقلائي و اتّجهت إرادة المدين حقيقة إلى جعل الدرهم بإزاء نفس عملية الإقراض، فهل هذه الجعالة صحيحة أو لا؟

لكي نعرف جواب ذلك لا بد أن نعرف حقيقة الجعالة ، فإنه يمكن القول فيها أن استحقاق الجعل المحدّد في الجعالة ليس في الحقيقة إلا بملاك ضمان عمل الغير بأمره به لا على وجه التبرع، فأنت حين تأمر الخيّاط الخاصّ بأن يخيط لك الثوب فيمتثل لأمرك تضمن قيمة عمله وتشتغل ذمتك بأجرة المثل.

هذا نحو من ضمان الغرامة في الأعمال على حدّ ضمان الغرامة في الأموال، وبإمكانك في هذه الحالة أن تحوّل أجرة المثل منذ البدء إلى مقدار محدّد فتقول: من خاط الثوب فله درهم أو إذا خطت الثوب فلك درهم، فيكون الضمان بمقدار ما حدّد في هذا الجعل، و يسمى هذا جعالة.

فالجعالة بحسب الارتكاز العقلائي تنحل إلى جزئين: أحدهما الأمر الخاص أو العام بالعمل أي بالخياطة مثلاً. والآخر تعيين مبلغ معين بإزاء ذلك . والجزء الأول من الجعالة هو ملاك الضمان ، والضمان هنا من قبيل ضمان الغرامة لا الضمان المعاوضي و الجزء الثاني يحدّد قيمة العمل المضمونة بضمان الغرامة حيث إن أجرة المثل هي الأصل في الضمان ما لم يحصل الاتفاق على الضمان بغيرها.

و إذا تحقق هذا فيترتب عليه أن الجعالة لا تتصور إلا على عمل تكون له أجرة المثل في نفسه وقابل للضمان بالأمر به كالخياطة و الحلاقة. و أما ما لا ضمان له في نفسه و لا تشمله أدلة ضمان الغرامة فلا تصحّ الجعالة بشأنه، لأن فرض الجعل في الجعالة ليس هو الذي ينشئ أصل الضمان، و انما يحدّد مقداره و على هذا الأساس لاتصح الجعالة على الإقراض بما هو عمل، لأن ماليّة الإقراض في نظر العقلاء إنّما هي مالية المال المقترض و ليس لنفس العمل بما هو، مالية زائدة و مع فرض كون مالية المال المقترض مضمونة بالقرض فلا يتصوّر عقلائياً ضمان آخر لمالية نفس عملية الإقراض.

و بتعبير واضح: ليس عندنا في نظر العقلاء إلا ماليّة واحدة و هي مالية المال المقترض، و تضاف إلى نفس عملية الإقراض باعتبار ذلك المال. فليس هناك إلا ضمان غرامة واحد، و لا يتصور في الارتكاز العقلائي ضمانان من ضمانات الغرامة أحدهما للعمل، و الآخر للمال المقترض، لأنّ المفروض أن المال المقترض مضمون بعقد القرض، و الضمان الحاصل بعقد القرض هو من نوع ضمان الغرامة و ليس ضماناً معاوضياً، و معه فلا مجال لفرض ضمان غرامة آخر لنفس عملية الإقراض.

و بناء على ذلك لا تصح الجعالة على الإقراض؛ لأنّ الجعالة دائماً تقع في طول شمول أدلة ضمان الغرامة للعمل المفروض له الجعل. ففي مورد لا تشمله أدلة ضمان الغرامة و لا يكون العمل فيه مضموناً بالأمر على الآمر لا تصحّ فيه الجعالة.([1] )

ملاحظتنا على المناقشة الثانیة:

إنّ ما أفاده لا یصحّ على إطلاقه بل لابدّ من التفصیل في المقام بین صورتین:

الصورة الأُولى: ما إذا لم تکن لتلك العملیة مؤونة، فإنّ ما أفاده یتصوّر في هذه الصورة.

الصورة الثانیة: ما إذا کانت عملیة الإقراض متوقّفة على تأسیس مؤسّسة و إجارة مکان موسوم بقرض الحسنة و إعطاء الراتب الشهري للموظّفین لتلك المؤسّسة، فحینئذٍ عملیة الإقراض تعدّ ذا مالیة، فیضع في قبال العملیة المذکورة جعلاً معیّناً.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo