< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ محمدعلي البهبهاني

45/05/19

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: كتاب الخمس/ارباح المكاسب /المسألة63؛ دلیل الثاني لعدم الخمس للصنف الأول

 

الدلیل الثاني: استعمال الأعیان إستهلاك في نظر العرف

قال السيد الهاشمي الشاهرودي: العرف يرى أنّ‌ وجدان نفس تلك الأعيان مؤونته و أنّ‌ استعمالها استهلاك و انتفاع بها أيضاً، فيجوز شراؤها من أرباح تلك السنة و استثناؤها ممّا فيه الخمس.[1]

یلاحظ علیه:

هذا الاستهلاک جزئيٌ و لیس استهلاکاً کلیاً فلذا بعد الاستعمال یری العرف لها قیمة و إن کانت أقلّ من قیمتها قبل الاستعمال.

بل الحقّ هو أنّ الاستهلاک لیس شرطاً في صدق المؤونة، سواء کان الاستهلاک کلیاً أو جزئیّاً.

دلیل عدم الخمس في الصنف الثاني: عدم صدق الفائدة لعدم إفادة جدیدة

و یمکن أن یستدلّ بهذا الدلیل في الصنف الأول أیضاً.

قال المحقق الخوئي: إنّ موضوع الخمس و هو الفائدة و الغنيمة بالمعنى الأعمّ ظاهر في الحدوث، بل لا بقاء لها و إنّما الباقي المال. و أمّا الإفادة فهي أمر حادث تقع في كلّ ربح مرّة واحدة من غير تكرّر. فإذا بقيت العين بعد السنة و خرجت عن الحاجة و المؤنيّة كالحليّ للنسوان أو بعض الكتب لأهل العلم فليست هناك إفادة جديدة و لم تحدث فائدة ثانية ليتعلّق بها الخمس، فحينما حدثت الإفادة لم يجب الخمس على الفرض، لأنّها كانت آن ذاك من المؤونة و لا خمس إلّا بعد المؤونة ، و بعد زوال الحاجة و الخروج عن المؤنيّة لم تتحقّق فائدة ثانية ليتعلّق بها الخمس.

و من هنا ذكرنا في محلّه عدم وجوب الخمس على الصبي الذي ربح باتّجار وليّه، لا حال صباه و لا بعد البلوغ. أمّا الأوّل فلحديث رفع القلم عنه تكليفاً و وضعاً. و أمّا الثاني فلعدم حصول فائدة جديدة. فحين حدوث الفائدة لا وجوب لعدم البلوغ، و بعده لم تتحقّق فائدة أُخرى ليتعلّق بها الخم و من المعلوم أنّ تلك الفائدة لا بقاء لها و إنّما الباقي المال لا الاستفادة التي هي الموضوع للحكم.

و هذا هو الميزان الكلّي، و ضابطه: أنّه في كلّ مورد لم يتعلّق الخمس من الأوّل لجهة من الجهات إمّا لكون الربح من المؤونة، أو لعدم استجماع شرائط التكليف، أو لمانع آخر لم يتعلّق ثانياً، لأنّ موضوع الحكم هي الفائدة و لم تتحقّق فائدة جديدة.[2]

و قال السيد الخلخالي: قصور أدلة الخمس عن شمول المؤونات الباقية بعد انقضاء سنة الربح؛ لأن موضوعها الفائدة و الغنيمة، و لم تحدث فائدة جديدة بعد انقضاء السنة؛ لأن الباقي هو ذات المال، لا حدوث الفائدة. و بعبارة اخرى: أن هذه الفائدة لم تشملها أدلة الخمس حين حدوثها، لأنها كانت مؤونة، و لا تشملها بعد السنة، لعدم كونها فائدة جديدة.[3]

 

المسألة 64: جواز إخراج المؤونة من الربح مع وجود مال لا خمس فیه

قال صاحب العروة:

يجوز إخراج المؤونة من الربح و إن كان عنده مال لا خمس فيه بأن لم يتعلق به أو تعلق و أخرجه فلا يجب إخراجها من ذلك بتمامها و لا التوزيع و إن كان الأحوط التوزيع و أحوط منه إخراجها بتمامها من المال الذي لا خمس فيه...

توضیح ذﻟﻚ:

البحث هنا في أنّ الشخص إذا كان عنده مال تعلّق به الخمس و قد أدّاه أو لم يكن متعلّقاً للخمس فهل يجب أن يخرج المؤونة منه أم لا؟

المطلب الأول: ما يعدّ للصرف في المؤونة عادة و لیس من جنسها

ذکر بعض الأعلام في هذا الموضع احتمالات ثلاثة فقال الشهید الأول في الدروس: «و المؤونة مأخوذة من تلاد المال في وجه و من طارفه[4] في وجه و منهما بالنسبة في وجه»[5] .

و الشهيد الثاني في المسالك: «و لو كان له مال آخر لا خمس فيه إما لكونه مخمساً أو لانتقاله إليه بسبب لا يوجب الخمس - كالميراث و الهبة و الهدية و المهر و عوض الخلع - فالمؤونة مأخوذة منه في وجه و من الأرباح في آخر و الأول أحوط و الأعدل احتسابها منهما بالنسبة ...»[6] .

صاحب الرياض: لو كان له مال لا خمس فيه ففي احتساب المؤونة منه أو من الربح المكتسب أو بالنسبة بينهما. أوجه، أحوطها الأوّل ثم الثالث.[7]

و قال الشیخ الأنصاري: لو كان للشخص مال لا يتعلّق به الخمس، ففي وجوب إخراج المؤونة منه أو من الربح أو منهما، أوجه، بل قيل: أقوال ... .[8]

النظرية الأولى: جواز إخراج المؤونة من الربح

قال الشهید الثاني: لو كان له مال آخر لا خمس فيه ففي أخذ المئونة منه أو من الكسب أو منهما بالنسبة أوجه و في الأول احتياط و في الأخير عدل و في الأوسط قوة.[9]

و قال في حاشية الإرشاد: لو كان له مال [آخر] لا خمس فيه ففي اعتبار المئونة منه أو ممّا فيه الخمس أو منهما أوجه، و ظاهر الفتاوى و الأخبار الأوسط، و الأوّل أحوط.[10]

و قال في رسائله: الأقوى أنّ‌ المؤونة تُؤخَذُ من الربح و النماء خاصّةً‌ لا من أصل المال و لا منهما، و إن كان التوزيع أحوط.[11]

و قال المحقق الثاني: و هي [أي: المؤونة] من الأرباح كما دلّ‌ عليه ظاهر الأخبار و التقسيط عليها و على ما عنده من المال أعدل و أحوط.[12]

و قال في جواب سؤال من سأل عن جعل المؤونة من الربح هرباً من الخمس، بأنه: الأصح أن المؤونة من الربح المتجدّد و تخميس ما يفضل.[13]

و قال صاحب المدارك: لو كان له مال آخر لا خمس فيه ففي احتساب المؤونة منه أو من الكسب أو منهما بالنسبة أوجه، أحوطها الأول، و أجودها الثاني.[14]

و قال بمثل عبارته المحقق السبزواري[15] ، العلّامة المجلسي[16] ، و المحقق البحراني[17] ، و الوحيد البهبهاني[18] باختلاف يسير.

و قال كاشف الغطاء: و يَحتسب [المكلّف] المؤونة من الربح المكتسب دون غيره على أصح الأقوال.[19]

المحقق النراقي: صرّح جماعة من المتأخّرين بأنّ‌ الأحوط: الأول [احتساب المؤونة من مال لا خمس فیه] و الأعدل: الثالث [التوزیع] و الأظهر: الثاني[احتسابها من الربح المکتسب]. بل في كلام المحقّق [الثاني] الشيخ عليّ [الکرکي]‌ و الشهيد الثاني في شرح الإرشاد: أنّه [احتسابها من الربح] الظاهر من الأخبار. و الظاهر - كما ذكروه - هو الثاني.[20]

قال صاحب الجواهر في نجاة العباد: لو كان عنده مال آخر لا خمس فيه فالأقوى اخراج المؤونة من الرّبح دونه خاصّة او مع التّوزيع و ان كان هو الأحوط سيّما الأوّل [الأول هو إخراج المؤونة من مال لا خمس فیه].[21] و بمثله قال في جواهر الکلام.[22]

 

قال الشیخ الأنصاري:

«لو كان للمكتسب مال لا يتعلّق به خمس، ففي إخراج المؤونة منه أو من الربح، أو منهما بالنسبة، أوجه، أقواها: أوسطها، وفاقا للمحقّق و الشهيد الثانيين و صاحبي المدارك و الذخيرة، بل هو ظاهر كلّ‌ من عنون مورد هذا الخمس في فتواه أو معقد إجماعه بما يفضل عن مؤونة السنة من الأرباح، لإطلاق ما تقدّم من المستفيضة و لظاهر قوله في مكاتبة ابن مهزيار الطويلة: «و من كانت ضيعته لا تقوم بمؤونته، فليس عليهم نصف السدس».[23]

و المحقق الخراساني قال في حاشیته علی مجمع الرسائل: عدم وجوب صرف المؤونة من غیر الأرباح [أي: من مال لا خمس فیه] لیس ببعید.[24]

و قال بها صاحب العروة[25] [26] .

و قال المحقق الخوئي: فتحصّل: أنّ الأظهر صحّة القول الأوّل، فلا يجب التوزيع و لا الإخراج من مال آخر و إن كان أحوط.[27]

و قال: يجوز إخراج المؤنة من الربح، و إن كان له مال غير مال التجارة فلا يجب إخراجها من ذلك المال، و لا التوزيع عليهما.[28]

و مثله المحقق الحکیم[29] ، و المحقق الميلاني[30] ، بعض الأکابر[31] و بعض الأساطين[32] ، صاحب فقه الصادق [33] ، و السيد السيستاني[34] ، و المحقق الفياض [35] .

أدلة القائلين بالنظرية الأولى:

الدلیل الأول: إطلاق «الخمس بعد المؤونة»

و هنا بیانان للإطلاق:

البیان الأول: إطلاق المؤونة الشامل لمؤونة تحصیل الربح و مؤونة المعاش

المؤونة مطلقة تشمل مؤونة تحصیل الربح و مؤونة المعاش و حیث إنّ مؤونة تحصیل الربح تستثنی من الربح فکذلک لابدّ من استثناء مؤونة المعاش أیضاً منه.

قال الشیخ الأنصاري: ... لإطلاق ما تقدّم من المستفيضة ... .[36]

و قال في موضع آخر: ... لأنّه الظاهر من قوله: «الخمس بعد المؤونة » بل هو مقتضى إطلاق المؤونة الشامل لمؤونة التحصيل، إذ لا خلاف ظاهرا في أنّ‌ مئونة التحصيل مستثنى من الربح لا غير ... .[37]

البیان الثاني: إطلاق المؤونة شامل لصورتي وجود مال آخر و عدمه

قال المحقق البروجردي: إنّ‌ اطلاق المؤونة يشملها عرفاً، و لم يفرّق العرف في صحة اطلاقها بين ما صرفه الإنسان مما يتعلّق به الخمس أو من غيره.[38]

بیان المحقق الحكيم: «قوّاه ... شيخنا الأعظم للأصل و إطلاق ما تضمن: أن الخمس بعد المؤونة الشامل لصورتي وجود مال آخر و عدمه.[39]

بیان المحقق الخوئي: «مقتضاها[مقتضی الإطلاقات] أنّه لدی الحاجة إلی الصرف یجوز الصرف من الربح و استثناء المؤونة منه، سواء أکان عنده مال آخر أو لا ... إن تمّ الإطلاق و هو تامّ حسبما عرفت، جاز الإخراج من الربح و إلّا لأجل المناقشة في السند أو الدلالة لزم الإخراج من مال آخر و وجب الخمس في تمام الربح، فالعمدة ثبوت الإطلاق اللفظي و عدمه ... .[40]

قال المحقق الميلاني: «... أقول: ان كان المنصرف من لفظ المئونة ما يتوقف عليه المعاش، فلا بدّ من الأول [إخراج المؤونة من المال الآخر] حيث أن عموم (الخمس في كل فائدة) محكّم، و إلا فبمقتضى إطلاق المؤونة يحكم بالثاني [إخراج المؤونة من الربح]، و لا مجال للثالث [التوزیع و التقسیط] ... .

و على ذلك فمقتضی إطلاق اللفظ جواز إخراج المؤونة من خصوص الأرباح، لكن لو أخرجها من المال الآخر ليس له أن يستثني مقدارها منها.

و الحاصل: أن ما ذكره [المحقق الأردبيلي] أحوط، لكنه ليس بأظهر. ثم إن العادة المتعارفة على ما قدّمناه[من كونها قاضية بأن من له مال آخر يصرف المؤونة من المال الموجود في يده و هو من كليهما] و إن أوجبت الشك في استثناء ما زاد على النسبة في بدو النظر لكن إطلاق لفظ المؤونة حجّة محكمة، فليتدبر.[41]


[4] «التلاد و التليد و التالد: كلّ‌ مال قديم، و خلافه الطارف و الطريف». المصباح المنير، ج١، ص٧٦، «تلد».
[13] «مسألة: لو كان عنده من المال ما يكفيه لمؤنة لما يجب فيه خمس له و لغيره ما يمون به عياله أيضا زيادة مثلا مما يثبت فيه الخمس، هل يجوز له أن يجعل ما يتعلق به الخمس مؤونته هربا من الخمس، أم يجب عليه إخراج الخمس، لكونه بقدر ما يمونه من غيره‌؟» رسائل المحقق الكركي، المحقق الثاني (المحقق الكركي)، ج2، ص294.
[18] مصابیح الظلام في شرح مفاتیح الشرائع، ج11، ص68.
[24] . عدم لزوم وضع از غير منافع بعيد نيست. مجمع الرسائل، نجفی، محمد حسن، ج1، ص517.، م1597.
[26] إن صاحب العروة في تعلیقته علی رسالة مجمع الرسائل تأمل في هذا الجواز فهو ذیل کلام صاحب الجواهر: «... فيجب عليه أن ينفق مصاريفه من غير الربح»، قال: «على الأحوط، وإن كان حكم هذه المسألة محلاً للتأمل.» مجمع الرسائل، نجفی، محمد حسن، ج1، ص517..، مسألة1597
[30] محاضرات في فقه الإمامیة (الخمس)، ص87 – 89.
[41] محاضرات في فقه الإمامیة (الخمس)، ص87 – 89.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo