< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ محمدعلي البهبهاني

45/06/25

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: كتاب الخمس/ارباح المكاسب /المسألة65: احتساب القرض و جبر رأس المال المصروفین في المؤونة من الأرباح

 

احتساب القرض و جبر رأس المال المصروفين في المؤونة من الأرباح

قال صاحب العروة:

المسألة 66: إذا استقرض من ابتداء سنته لمؤونته أو صرف بعض رأس المال فيها قبل حصول الربح يجوز له وضع مقداره من الربح‌.

 

توضیح ذلك:

الکلام هنا في أنه إذا لم یجد الشخص أوّل السنة عنده مالاً ليصرفه في المؤونة فاستقرض للمؤونة أو صرف مقداراً من رأس ماله في مؤونته قبل أن يحصل له ربح، هل یجوز له بعد حصول الربح خصم هذا المقدار و احتسابه من الربح اللاحق أو لا یجوز؟

فینبغي أن نبحث فيه ضمن مطلبین:

المطلب الأول: احتساب القرض إذا حصل قبل الربح و صرف في المؤونة من الربح المتأخر.

المطلب الثاني: جبر مقدار ما صُرف من رأس المال في المؤونة من الربح

ثم إنّ موضوع هذه المسألة هو مؤونة المعاش لا مؤونة تحصیل الربح کما قاله المحقق الخوئي: قد يتحمّل في بعض الموارد مصارف في سبيل تحصيل الربح، كالسفر إلى بلاد بعيدة، كما لو اشترى بضاعة من بغداد بمائة دينار مثلاً و ذهب إلى لندن فباعها بخمسمائة، فإنّ‌ ذلك يتكلّف بطبيعة الحال مصارف مأكله و مسكنه و أُجور الطائرة و نحو ذلك. فإنّ‌ هذا كلّه يخرج عن الربح المتأخّر قطعاً، بل لا ربح حقيقةً‌ إلّا فيما عداه. و لكن هذا خارج عن محلّ‌ الكلام كما مرّ، فإنّ‌ الكلام في مؤونة الشخص و عائلته، لا في مؤونة الربح و التجارة، فإنّه لا كلام في استثنائها، بل لا يصدق الربح إلّا بعد إخراجها كما عرفت.[1]

المطلب الأول: احتساب القرض الحاصل قبل الربح من الربح

مقدمتان لتنقیح موضوع البحث:

بحث صاحب العروة في العروة عن الدين في مسألتين هما المسألة 66 و المسألة 71 و لابدّ من بيان محل البحث في المسألتين ليتّضح موضوع البحث فيها لذلك نذکر مقدّمتین:

المقدمة الأولى:

إن البحث في القرض في كتاب الخمس عند الأعلام یقع في جهتین:

الجهة الأولى: في وجوب الخمس في مقدار المال الذي وفّى به القرض.

الجهة الثانیة: في خصم مقدار ما استقرضه لأداء القرض من الأرباح و عدم تعلّق الخمس فيه.

و إنما الکلام هنا في الجهة الثانیة من الدین و القرض و البحث عن الجهة الأولى سیجيء في المسألة (71).

المقدمة الثانیة:

إن الدین بلحاظ زمن حصوله علی أقسام: الأوّل: أن يُستَقرَض قبل عام التکسّب. الثاني: أن يُستَقرَض في عام التکسّب و بعد حصول الربح. الثالث: أن يُستَقرَض في عام التکسّب و قبل حصول الربح.

فالأقسام ثلاثة:

الأول: الدین الحاصل قبل العام.

الثاني: الدین الحاصل في العام و بعد حصول الربح.

الثالث: الدین الحاصل في العام و قبل حصول الربح.[2]

إن البحث هنا فقط في صورة الثالثة و هي الاستقراض و الاستدانة قبل حصول الربح و البحث في الصورتين الأخريين و غيرهما من الصور سیجيء في المسألة (71).

فالحاصل من المقدّمتين: أنّ البحث في المسألة 66 يقع في أنه إذا استقرض المكلّف شیئاً ابتداء السنة للمؤونة قبل حصول الربح و لم یؤفِّه ثمّ حصل على أرباح قبل تمام السنة، هل یجوز له احتساب ما صرفه من القرض في المؤونة من الأرباح أم لا؟

فهنا نظريات:

النظرية الأولى: جواز الاحتساب مطلقاً

و هو خیرة بعض الأعلام مثل صاحب العروة، و السید أبوالحسن الإصفهاني، و السید البروجردي، و المحقق الحكيم، و بعض الأکابر، و السید عبدالأعلی السبزواري، و الاستاذ المحقق البهجت، و صاحب مباني المنهاج، و السید محمد سعید الحکیم، و صاحب فقه الصادق، و المحقق السید السیستاني.

قال السید أبوالحسن الإصفهاني: إذا استقرض من ابتداء سنته لمؤونته ... قبل حصول الربح، يجوز له وضع مقداره من الربح .[3]

و مثله قال بعض الأکابر[4] ، المحقق البهجت[5] .

قال السید البروجردي: هكذا [أي: لا یعده العرف غنیمة] لو استدان لمؤونة شخصه و لا فرق في ذلك بين ما لو أدى دينه و ما لم يؤده، فما وقع بإزاء دينه لما ذكر يحتسب له و لا يتعلّق به الخمس، و انما يتعلّق بما زاد على ذلك ... .[6]

و قال في رسالته العملية: من استقرض لمؤونته ثمّ حصل على أرباح قبل تمام الحول يجوز أن يخصم مقدار القرض من الأرباح.[7]

مثله صاحب فقه الصادق[8] ، و المحقق السیستاني[9] ، و الشيخ السبحاني[10] .

قال المحقق الحكيم: إذا لم يؤد دينه الى ان انقضت السنة وجب الخمس من دون استثناء مقدار وفاء الدين إلا ان يكون الدين لمئونة السنة فاستثناء مقداره لا يخلو من وجه.[11]

و بعين عبارته عبارة السيد عبد الاعلى السبزواري.

قال صاحب مباني المنهاج: الأمر كما أفاده [صاحب العروة]، إذ المفروض أنّ المقدار المصروف لم يتعلّق به الخمس، فما أفاده على طبق القاعدة.[12]

السید محمد سعید الحکیم: أداء الدين من المؤن المستثناة سواء كانت الاستدانة في سنة الربح أم قبلها. وإذا لم يؤدّ الدين كان مستثنى أيضاً إذا كان ديناً لمؤنة السنة، كما لو استدان لشراء طعام لعياله فتقوتوا به في سنتهم. وكذا إذا كان الدين نفسه معدوداً من المؤنة، كما لو ضمن في تلك السنة دينَ‌ مؤمن مُعسر مثلاً بلا إذنه وكذا إذا كان الدين من اجل التجارة، على ما يأتي في المسألة اللاحقة. وأما في غير ذلك فلا يستثنى مع عدم أدائه، كما لو كان مديناً من سنين سابقة لمؤنة تلك السنين أو لغيرها، فإن الديون المذكورة لا تستثنى من الربح إذا لم يؤدّها.[13]

نکتة مهمّة:

الظاهر أنّ من يقول بجواز الاحتساب يعتقد بأنّ المكلّف إذا استثنى مقدار القرض من الأرباح و لم يخمّسها، ثمّ أدّى قرضه من أرباح السنة الجديدة فلا يسقط الخمس عن المال الذي أدّى به القرض فيجب أن يخمّسه و لا يكون أداء الدين من المؤونة في هذه الصورة، لأنّ المؤونة الواحدة لا تستثنی مرّتین، مرّةً في السنة السابقة یُستثنی ما صرفه من القرض من أرباح السنة السابقة و مرّةً أُخری في السنة الجدیدة یُستثنی ما صرفه في أداء الدین من أرباح السنة الجدیدة.

و لذلک قال المحقق السيستاني: نعم إذا لم يؤد دينه إلى أن انقضت السنة وجب الخمس، من دون استثناء مقدار وفاء الدين إلا أن يكون الدين لمئونة السنة فإن استثناء مقداره من ربحه لا يخلو من وجه، و لا يحسب حينئذ أداؤه في العام اللاحق من مؤونة ذلك العام.[14]

و أوضحه في رسالته: ثم ان ادّى دينه في السنة التالية من نفس هذا الربح المستثنى فهو، و إن اداه من أرباح تلك السنة فان كان بعد تلف هذا المال [الذي استثناه في السنة السابقة من الأرباح]، أو صرفه في مئونته [في السنة الجدیدة] فلا شيء عليه و إن كان هذا المال باقياً بنفسه أو ببدله، كما لو اشترى به بضاعة للبيع فان دفع دينه من ربح غير مخمس عدّ هذا المال من أرباح هذه السنة فيجب تخميسه ان لم يُصرف في مئونتها.[15]

تفاوت تعبیر المحقق السیستاني بین المنهاج و الرسالة:

ما قاله في المنهاج يشير إلى أنّ ما ادّى به الدين من أرباح السنة الجديدة يتعلّق بها الخمس و ما استثناه من أرباح السنة السابقة يكون مؤونة.

و ما قاله في الرسالة عكس ذلك فأداء الدين من أرباح السنة الجديدة من المؤونة و ما استثناه من أرباح السنة السابقة يكون من الأرباح.

أدلة جواز الاحتساب في کلام الأعلام

استدلّ الأعلام على أصل جواز الاحتساب بوجوه و أدلّة:

الدلیل الأول: السیرة

إنّ المحقق الخوئي و إن التزم بالتفصیل و لکن استدلاله یجري هنا، لأنّه هنا غیر ناظر إلی التفصیل الذي سیشیر إلیه.

قال المحقق الخوئي: ... و بالجملة: العادة قاضية و سيرة العقلاء جارية على صرف المؤن المحتاج إليها من الأرباح إمّا من عين الربح أو من مماثله من دين أو مال مخمّس أو ما لا خمس فيه، بحيث يتحفّظ على رأس المال و يصرف من الأرباح عيناً أو مثلاً. و عليه، فلا ربح، و لو سلّمنا فلا فاضل. ففي هذه الصورة لا حاجة إلى الأداء الخارجي، بل مجرّد اشتغال الذمّة بالدين كافٍ‌ في الاستثناء.[16]

و قرّر الشیخ الفیاض هذه السیرة ثم أجاب عنه: الثاني: ان سيرة المتشرعة جارية على استثناء التاجر ما صرفه في مئونة سنته من الدين أو المال الآخر المخمس من الفائدة عنده في نهاية السنة شريطة أن يكون ذلك بعد ظهورها، فيلاحظ مجموع الناتج من عملية تجارية له في نهاية العام و استثناء ما صرف في المؤونة منه، سواء أ كان من نفس الناتج أم كان من مال آخر عنده أو دين و يخمس الباقي.

إیراد المحقق الفیّاض علی الاستدلال بالسیرة:

إنّه لا سيرة من المتشرعة في المسألة على ذلك بنحو تكشف عن ثبوته في زمن المعصومين( و وصوله إلينا طبقة بعد طبقة، ضرورة أن ثبوتها كذلك غير محتمل جزما و إلاّ كانت المسألة قطعية في الفقه، مع أنها خلافية.[17]

ملاحظتنا علی إیراد المحقق الفیّاض:

قد تقدّم في المباحث السابقة [في فروع مسألة 64] أنّ السیرة المتشرّعة علی عدم عزل الربح حتّی یصرف في المؤونة، بل غالباً لا یمکن ذلک و لا أقلّ من کونه حرجیّاً في کثیر من الموارد، فجرت السیرة بین المتشرّعة علی صرف الالمؤونة من مال آخر و إن کان هو مال استقرضه و بنی علی احتسابه و استثنائه من الأرباح و حیث إنّ عزل الربح و صرفه في المؤونة دون مالٍ آخر أمرٌ متعارفٌ بین الناس و خصوصاً التجار منهم، فلابد أن تکون هذه السیرة متصلةً بعصر الأئمّة المعصومین( و إلا لابدّ من أن یغیّر الشارع ما هو المتعارف في عرف الناس و یردع عن ذلک، لئلّا یقع الناس في مخالفة الشرع و لورد في ذلک نصٌّ علی لزوم الصرف من خصوص الربح.


[2] هذا التقسیم مأخوذ من الموسوعة المحقق الخوئي.، فراجع: ج25، ص266
[7] اگر در اول سال براى مخارج خود قرض كند و پيش از تمام شدن سال منفعتى ببرد، مى‌تواند مقدار قرض خود را از آن منفعت كسر نمايد. توضيح المسائل (المحقق البروجردي.) ص359، م1795
[8] توضیح المسائل، ص304، م1785.
[9] توضیح المسائل، ص328، م 1803.
[12] الغایة القصوی، ص211.
[15] المسائل المنتخبة، ص277، م599.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo