< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ محمدعلي البهبهاني

45/10/27

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: كتاب الخمس/ارباح المكاسب /المسألة72؛ المطلب الأول؛ النظریة الأولی

 

المناقشة في إطلاقات الأدلة

قال صاحب المرتقی: ... لا إطلاق لدينا لم يرد فيه تقييد يُتمسَّك به مع إجمال المقيد يرجع إليه في إثبات تعلق الخمس بالربح عند عدم ظهور المقيد في أحد المعنيين، و استفادة ثبوت الخمس في الربح و الفائدة من الروايات إنّما كان باعتبار استفاضتها و كون القدر المتيقن منها ذلك و إلا فلا نص معتبراً يدلّ على ذلك بإطلاقه. و النصوص المعتبرة الواردة في الباب الدالة على ثبوت الخمس لو سلم إطلاقها، فلا يجدي في ما نحن فيه لتقييدها بما هو مجمل، و إجمال القيد المتصل يسري إلى المقيد كما حقّق في محله.

نعم، لو قلنا بعموم الآية للربح و الفائدة و عدم اختصاصها بغنائم الحرب امكن التمسك باطلاقها في اثبات ما ذكر مع اجمال المقيد للنصوص. و لكن استفادة العموم منها مشكلة و محل توقف كما اشرنا اليه، فلا تصلح للتمسك بها على المدعىٰ‌ ...

فلا بد من النظر في كل رواية ورد فيها التقييد أو لم يرد و الحكم بما يوحيه الينا ظاهرها.

[أ:] أما رواية الأشعري، فقد عرفت انه لا اطلاق فيها بالنسبة الى ثبوت الخمس في الفائدة بل يستفاد منها ذلك من سؤال السائل و هو لا اطلاق فيه. و الجواب الوارد في ذيلها، مقيد بالمئونة، و قد تقدم أن ذكرنا أنّ ظاهر لفظ «بعد» في التأخر الزماني [یعني: لفظ «بعد» ظاهر في التأخر الزماني] و مع التشكيك في ذلك فلا أقل من اجمال الكلام و عدم ظهوره في احد المعنيين من التأخر الزماني أو الرتبي، و مع الاجمال لا نستطيع التمسك بها في اثبات المطلوب أعني ارادة البعدية الرتبية.

[ب:] و أما رواية ابن شجاع، فذيلها دالّ‌ على وجوب الخمس في الضيعة لكنه مقيد بما يفضل عن مئونته. و قد عرفت ان صدق الفاضل عن المؤنة انما يكون بعد الصرف فانه أي الفاضل عنوان للمتبقّى، فالكلام ظاهر في كون تعلق الخمس بعد صرف المؤونة. و لا يمكن حمله على ارادة استثناء المقدار الا بتكلف حمل المضارع أعني يفضل على الاستقبال، فيكون المعنى ان الخمس في المقدار الذي يفضل عن المؤونة و بعد الصرف، و بذلك يكون موضوع الخمس فعلياً و هو الزائد على المؤونة و ما يعلم انه سيفضل عن المؤونة. لكن هذا الحمل خلاف الظاهر فلا تحمل عليه الرواية. فهذه الرواية كسابقتها في عدم الاطلاق فيها مستقلا، بل الحكم مقيد بانه بعد المؤنة و مع الاجمال لا اطلاق يرجع اليه.

[ج:] و أما رواية علي بن مهزيار الاولى أعني ما رواه عن ابن راشد، ففيها قوله «يجب عليهم الخمس»، الا ان الظاهر ورود هذا الكلام لبيان اصل وجوب الخمس و ثبوته عليهم بلا نظر الى خصوصيات موضوعه و وقته، و يشهد لذلك تصدي السائل بعد ذلك للسؤال عن بعض الخصوصيات و كان الجواب مقيدا بالقيد المزبور. و الكلام فيه كسابقه من حيث الظهور و الاجمال و عدم نهوضه على المدعىٰ‌، فلا نطيل.

[د:] و أما موثقة سماعة، فهي و ان كانت مطلقة لم يرد فيها تقييد إلا انك عرفت ان النظر فيها إلى تعميم الحكم الى القليل و الكثير من الفائدة، فاطلاقها مقصور على هذه الجهة و لا اطلاق لها بالنسبة الى سائر الجهات لعدم كونه في مقام البيان بالنسبة اليها، فلا دلالة لها على ثبوت الخمس لمجرد الربح و الفائدة.

[هـ:] و أما رواية ابن يزيد، فهي أجنبيه عما نحن بصدده لانها ليست في مقام بيان وجوب الخمس في الربح بل في مقام بيان موضوع الخمس من الفائدة، فلا دلالة لها على نحو ثبوت الخمس و زمانه.

[و:] و أما رواية عبد الله بن سنان و رواية الريان ابن الصلت و رواية ابي بصير، فهي حاوية لإطلاق يدل على تعلق الخمس بالربح الظاهر في فعلية الثبوت بفعلية موضوعه و لم يقيد بشيء. و لكنها ضعيفة السند، فلا يمكن الركون الى اطلاقها مع اجمال الادلة الاخرى باجمال المقيد.

و المتحصل: ان مجموع هذه الروايات لا يمكن الاعتماد عليها في اثبات فعلية الوجوب بظهور الربح.[1]

ملخّص ما أفاده صاحب المرتقى:

إنّه قال في أوّل التعليقة: «قد عرفت فيما تقدم أن المستفاد من الادلة كون تعلق الخمس بعد نهاية السنة لا من حين حصول الربح».

و قال تأييداً لكلامه بما هذا ملخّصه:

إنّه لا يستفاد من الأدلّة الدالّة على الوجوب إطلاق بالنسبة إلى زمان تعلّق الخمس ليفهم منها التعلّق من حين ظهور الربح بل ما ورد من النصوص مقيّد بما بعد مؤونة السنة و لکن التقييد فيها مجمل بین البعدیة الزمانیة و الرتبیة و القید متصل فإجماله يسري إلى المقيَّد و فلا یبقی لنا إطلاقٌ.

أمّا بالنسبة إلى الآية فلا يمكن التمسّك بإطلاقها فإنّها مختصّة بغنائم دار الحرب.

و أمّا بالنسبة إلى الروايات فأيضاً لا إطلاق لها فهي:

أ . رواية الأشعري[2] [3] [4] : يفهم الإطلاق منها من سؤال السائل بالنسبة إلى الفائدة لا زمان تعلّق الخمس، و أمّا جوابه فلفظ (بعد) ظاهر في التأخّر الزماني و لا أقل من كونه مردّد بين الزماني و الرتبي فلا يمكن التمسّك به.

بـ . رواية ابن شجاع[5] : قُيِّد الوجوب فيها بما يفضل عن المؤونة و هو ظاهر في أن الخمس يتعلّق بالفاضل أي المتبقّى و هو يكون بعد الصرف و ليس هو للاستثناء، لما فيه من تكلّف استعمال المضارع في المستقبل.

جـ . رواية علي بن مهزيار عن ابن راشد[6] : الظاهر من قوله: «يَجِبُ عَلَيْهِمُ الْخُمُسُ» بيانٌ لأصل الوجوب، لا لخصوصياته فهي مجملة.

د . موثقة سماعة[7] : فهي مطلقة من جهة تعلّق الخمس بالكثير و القليل و لكنها ليست في مقام البيان من جهة زمان تعلّق الخمس.

هـ . رواية يزيد[8] : فهي ليست لبيان الخصوصيات بل لبيان موضوع الخمس و هو الفائدة.

و . رواية عبد الله بن سنان فهي مطلقة تدلّ على تعلّق وجوب الخمس بالربح الظاهر فهي تدلّ على فعلية ثبوت الخمس بفعلية موضوعه و لكنها ضعيفة و مثلها رواية الريان بن الصلت، و رواية أبي بصير.

و لکن تراجع في آخر عبارته و قال: «نعم، رواية علي بن مهزيار الاخرى ... يمكن الاعتماد عليها في ذلك، و ذلك لورود التعبير فيها بلفظ «بعد المؤونة[9] » بالنسبة الى مؤونة الضيعة و كون الخلاف في اختصاص المستثنى‌ بمؤونة الضيعة و عمومه لمؤونة الشخص. و من الظاهر أن لا معنى لإرادة البعدية الزمانية بالنسبة الى مئونة الضيعة لوضوح كون مئونتها سابقة زمانا على موضوع الخمس، اذ المراد بها ما يصرف في سبيل ظهور الغلة و الزرع فلا يحتاج الى بيان، فالمراد منها التأخر الرتبي و ان الخمس بعد استثناء المؤنة و في المقدار الزائد عليها ... و بالجملة، فرواية علي بن مهزيار ظاهرة في ان المراد بالتعبير ببعد المؤنة هو البعدية الرتبية و ان ذلك مقتضى فهم الاصحاب و تقرير الامام لهم. و بذلك يتجه الالتزام بان وقت تعلق الخمس هو اول ظهور الربح و بمجرده».

فعليه أنّه اختار نظرية المشهور أخيراً و لكنّه قال: «و بالجملة، لا يظهر وجه لجواز التأخير الى آخر السنة، فلاحظ و تدبر».

و سيجيء وجهه في المباحث الآتية.

يلاحظ عليه:

أمّا ما أفاده قبل استدراکه: من اختصاص آية الخمس بغنائم الحرب فلا إطلاق في المقام حتّی نتمسسّک به، فقد ظهر خلافه في أوّل مبحث أرباح المكاسب و قلنا بأنّه يراد من لفظ الغنيمة هنا الفائدة فراجع.

و أمّا الروايات فما أفاده بالنسبة إلى صحيحة الأشعري فمسلّم و لكنّه لا تدل على أنّ وجوب الخمس تكليفاً يكون آخر السنة و هي ساكتة بالنسبة إلى زمان التعلّق.

و أمّا رواية ابن شجاع ففيها أنّه لا تكلّف في استعمال الفعل المضارع في المستقبل بل هو رائج و لكنّها مع ذلك تدلّ على أن الوجوب يأتي بعد احتساب الفاضل عن المؤونة و هو أعمّ عندنا من الصرف و الحاجة و لا تدلّ على كون التعلّق هو آخر السنة.

و ما أفاده من ضعف روایة عبد لله بن سنان و رواية الريان بن الصلت، و رواية أبي بصير، فلا نسلّمه، کما تقدم.

 


[1] المرتقی إلی الفقه الأرقی، ص233-235.
[2] تهذيب الأحكام، شيخ الطائفة، ج4، ص123. مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مَهْزِيَارَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ، قَالَ كَتَبَ‌ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ الثَّانِي.: أَخْبِرْنِي عَنِ الْخُمُسِ أَ عَلَى جَمِيعِ مَا يَسْتَفِيدُ الرَّجُلُ مِنْ قَلِيلٍ وَ كَثِيرٍ مِنْ جَمِيعِ الضُّرُوبِ وَ عَلَى الصُّنَّاعِ وَ كَيْفَ ذَلِكَ، فَكَتَبَ بِخَطِّهِ الْخُمُسُ بَعْدَ الْمَئُونَةِ
[5] سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مَهْزِيَارَ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ شُجَاعٍ النَّيْسَابُورِيُ‌ أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا الْحَسَنِ الثَّالِثَ عَنْ رَجُلٍ أَصَابَ مِنْ ضَيْعَتِهِ مِنَ الْحِنْطَةِ مِائَةَ كُرٍّ مَا يُزَكَّى فَأُخِذَ مِنْهُ الْعُشْرُ عَشَرَةُ أَكْرَارٍ وَ ذَهَبَ مِنْهُ بِسَبَبِ عِمَارَةِ الضَّيْعَةِ ثَلَاثُونَ‌ كُرّاً وَ بَقِيَ فِي يَدِهِ سِتُّونَ كُرّاً مَا الَّذِي يَجِبُ لَكَ مِنْ ذَلِكَ وَ هَلْ يَجِبُ لِأَصْحَابِهِ مِنْ ذَلِكَ عَلَيْهِ شَيْ‌ءٌ فَوَقَّعَ: لِي مِنْهُ الْخُمُسُ مِمَّا يَفْضُلُ مِنْ مَؤُونَتِهِ. وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج9، ص500، أبواب ما یجب فیه الخمس، باب8، ح2، ط آل البيت.
[6] مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَن‌ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مَهْزِيَارَ قَالَ قَالَ لِي أَبُو عَلِيِّ بْنُ رَاشِد: «قُلْتُ لَهُ: أَمَرْتَنِي بِالْقِيَامِ بِأَمْرِكَ وَ أَخْذِ حَقِّكَ فَأَعْلَمْتُ مَوَالِيَكَ بِذَلِكَ فَقَالَ لِي بَعْضُهُمْ: وَ أَيُّ شَيْ‌ءٍ حَقُّهُ فَلَمْ أَدْرِ مَا أُجِيبُهُ. فَقَالَ: يَجِبُ عَلَيْهِمُ الْخُمُسُ؟ فَقُلْتُ: فَفِي أَيِّ شَيْ‌ءٍ؟ فَقَالَ: فِي‌ أَمْتِعَتِهِمْ‌ وَ صَنَائِعِهِمْ. قُلْتُ‌: وَ التَّاجِرُ عَلَيْهِ وَ الصَّانِعُ بِيَدِهِ؟ فَقَالَ‌: إِذَا أَمْكَنَهُمْ بَعْدَ مَئُونَتِهِمْ». وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج9، ص500، أبواب ما یجب فیه الخمس، باب8، ح3، ط آل البيت.
[7] عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ سَمَاعَةَ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ عَنِ الْخُمُسِ فَقَالَ فِي كُلِّ مَا أَفَادَ النَّاسُ‌ مِنْ‌ قَلِيلٍ‌ أَوْ كَثِيرٍ. الكافي- ط الاسلامية، الشيخ الكليني، ج1، ص545.
[8] عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَن [بْنِ] يَزِيدَ قَالَ: كَتَبْتُ جُعِلْتُ لَكَ الْفِدَاءَ تُعَلِّمُنِي مَا الْفَائِدَةُ وَ مَا حَدُّهَا رَأْيَكَ أَبْقَاكَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ تَمُنَّ عَلَيَّ بِبَيَانِ ذَلِكَ لِكَيْلَا أَكُونَ مُقِيماً عَلَى حَرَامٍ لَا صَلَاةَ لِي وَ لَا صَوْمَ. فَكَتَبَ: الْفَائِدَةُ مِمَّا يُفِيدُ إِلَيْكَ‌ فِي‌ تِجَارَةٍ مِنْ‌ رِبْحِهَا وَ حَرْثٍ بَعْدَ الْغَرَامِ أَوْ جَائِزَةٍ. وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج9، ص503، أبواب ما یجب فیه الخمس، باب8، ح7، ط آل البيت.
[9] إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْهَمَذَانِيِ‌، قَالَ: «كَتَبْتُ إِلى‌ أَبِي الْحَسَنِ: ... فَاخْتَلَفَ‌ مَنْ قِبَلَنَا فِي ذلِكَ، فَقَالُوا: يَجِبُ عَلَى الضِّيَاعِ الْخُمُسُ بَعْدَ الْمَؤُونَةِ، مَؤُونَةِ الضَّيْعَةِ و خَرَاجِهَا، لَامَؤُونَةِ الرَّجُلِ و عِيَالِهِ، فَكَتَبَ.: بَعْدَ مَؤُونَتِهِ و مَؤُونَةِ عِيَالِهِ، و بَعْدَ خَرَاجِ السُّلْطَانِ»

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo