< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ محمدعلي پسران البهبهاني

44/03/27

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: الأصول العملية/أصالة البراءة /الأمر الثاني: إشکال علی عموم حدیث الرفع لبعض موارد الشبهات الحکمیة

 

الأمر الثاني: إشكال على عموم حدیث الرفع لبعض موارد الشبهات الحكمیة

إن كلمة الرفع تستعمل في إزالة الشيء الموجود، كما أن كلمة الدفع تستعمل في المنع عن الإیجاد.

فالشكّ في أصل ثبوت التكلیف یقتضي استعمال كلمة الدفع، و لكن الموجود في الروایة هو «الرفع»، و هو ظاهر في ثبوت التكلیف قبلاً، فللحدیث موردان:

المورد الأوّل: ثبوت التكلیف في شریعتنا و عروض الجهل بعد ذلك.

المورد الثاني: ثبوت التكلیف في الشرائع السابقة و الجهل بتشریعه في شریعتنا.

و بما أنّ المورد الأوّل هو مجری الاستصحاب و أدلّة حجّیة الاستصحاب -على هذا- تخصّص حدیث الرفع بالنسبة إلى المورد الأوّل، و تخصيص بالفرد الأكثر لأنّه لا‌یبقی لحدیث الرفع إلّا المورد الثاني و هو فرد نادر، و هو مستهجن، فیقع التعارض بین حدیث الرفع و دلیل حجّیة الاستصحاب في المورد الأوّل لتجنّب الاستهجان.

و اتّجهوا لدفع هذا الإیراد الموهن اتّجاهاتٍ عدیدةً، فبعضهم - كالمحقّق النائیني - قال باستعمال الرفع بدل الدفع من دون عنایة و مجاز، و بعضهم- كالمحقّق الخوئي - التزم بالمجازیة في كلمة الرفع، و سیأتي مقتضى التحقیق إن شاء الله تعالى.

نظریات ثلاث لدفع هذا الإشكال

النظریة الأُولى: من المحقّق النائیني

إنّ اتصاف الشيء بالرافعیة أو الدافعیة لایكون إلّا بعد وجود المقتضي فما لم‌یكن هناك مقتضٍ لوجود الشيء فلا دافع و لا رافع بل یستند العدم إلى عدم المقتضي و كلّ رافع فهو دافع في الحقیقة. [1] [2]

توضیح ذلك:

إنّ الرفع في الحقیقة یمنع و یدفع المقتضي عن التأثیر في الزمان اللاحق أو المرتبة اللاحقة، لأن بقاء الشيء كحدوثه یحتاج إلى علّة البقاء و إفاضة الوجود علیه من المبدأ الفیّاض في كلّ آنٍ، فالرفع في مرتبة وروده على الشيء إنّما یكون دفعاً حقیقة باعتبار علّة البقاء و إن كان رفعاً باعتبار الوجود السابق، فاستعمال الرفع في مقام الدفع لایحتاج إلى علاقة المجاز، بل لایحتاج إلى عنایة أصلاً، بل لایكون خلاف ما یقتضیه ظاهر اللفظ، لأنّ غلبة استعمال الرفع في ما یكون له وجود سابق لایقتضي ظهوره في ذلك.

فلا مانع من جعل الرفع في الحدیث المبارك بمعنی الدفع و لایلزم من ذلك مجاز في الكلمة و لا في الإسناد.

و صرّح في أجود التقریرات بصحّة استعمال كلّ منهما بدل الآخر من دون عنایة. [3]

مناقشتان في النظریة الأُولى

المناقشة الأُولى

إنّ المحقّق الخوئي ناقش في هذه النظریة بقوله: «إنّ احتیاج الممكن إلى المؤثّر حدوثاً و بقاءً و كون إعدام الشيء الموجود أیضاً منعاً عن تأثیر المقتضي لایستلزم اتّحاد مفهوم الرفع و الدفع لغةً، لإمكان أن یكون الرفع موضوعاً لخصوص المنع عن تأثیر المقتضي بقاءً بعد فرض وجود المقتضي و حدوثه و الدفع موضوعاً للمنع عن التأثیر حدوثاً. و بالجملة ما ذكره بحث فلسفي لا ربط له بالبحث اللّغوي و مفهوم اللّفظ».[4]

المناقشة الثانیة

إنّ ما أفاده المحقّق النائیني (لو سلّمت تمامیته) هو أنّ كلّ رفع دفع و لم‌یثبت أنّ كلّ دفع رفع، و ما یلزم ثبوته هنا هو أنّ كلَّ دفع رفع فالمستفاد من كلام المحقّق النائیني هو أنّ للدفع مصداقین:

الأوّل: الدفع الذي هو یمنع عن تأثیر المقتضي حدوثاً.

و الثاني: الدفع الذي یمنع عن تأثیر المقتضي بقاءً بعد تأثیره حدوثاً.

فهذا المصداق الثاني هو الرفع باعتبار إعدامه لما حدث سابقاً و لكن لا مجال لاستعمال الرفع بدل الدفع بالمعنی الأوّل.

فما أفاده في أجود التقریرات من «أنّ استعمال كلّ منهما بدل الآخر صحیح» لا وجه له بل مقتضى نظریته هو أنّ كل رفع دفع و لیس كلّ دفع رفعاً.

و في ما نحن فیه جریان البراءة بالنسبة إلى الحكم الشرعي المشكوك من مصادیق الدفع بالمعنی الأوّل و لا یجوز استعمال الرفع بدله فما أفاده لایجدي في المقام.[5]

النظریة الثانیة: من المحقّق الخوئي

إنّه التزم بأحد الوجهین:

الوجه الأوّل: أنّ إطلاق الرفع هنا حقیقي و استعماله هو باعتبار ثبوت تلك الأحكام في الشرائع السابقة و لو بنحو الموجبة الجزئیة، و یستظهر ذلك من اختصاص الرفع في الحدیث بالأُمّة.[6]

الوجه الثاني: أنّ إطلاق الرفع هنا مجازي، لأنّ الرفع حقیقة إزالة الشيء الموجود إلا أنه صحّ استعماله في ما إذا تحقق المقتضي مع مقدمات قریبة لوجود الشيء فزاحمه مانع عن التأثیر.

مثلاً إذا تحقق المقتضي لقتل شخص و وقع تحت السیف، فعفي عنه أو حدث مانع آخر عن قتله، صحّ أن یقال عرفاً: ارتفع عنه القتل، فیمكن أن یكون استعمال الرفع في الحدیث الشریف من هذا القبیل.[7]

یلاحظ علیها

أمّا الوجه الأوّل فیرد علیه: أنّ ثبوت بعض الأحكام القلیلة بنحو الموجبة الجزئیة في الشرائع السابقة لایوجب ثبوت الحكم المشكوك حتّی یجري فیه حدیث الرفع، فإنّ الرفع یتعلق بنفس الحكم المشكوك فلابدّ من إقامة دلیل على ثبوت شخص ذلك الحكم المشكوك.

أمّا الوجه الثاني فیرد علیه: أنّ هذا خلاف الظاهر، كما اعترف به بمجازیته فلایمكن المصیر إلیه.

النظریة المختارة

إن إطلاق الرفع هنا حقیقي حیث إن موضوع الرفع قد أُخذ مفروض الوجود و لسان حدیث الرفع هو أن الشيء الموجود الذي لاتعلمونه فهو مرفوع ظاهراً.

و الوجه في ذلك هو إطلاق الموصول بالمعنی المرادف للشيء على الأمر المرفوع.

فتحصّل إلى هنا: أن حدیث الرفع یدل على جریان البراءة في جمیع الشبهات الحكمیة و الموضوعیة و لا وجه لاختصاصه بالشبهات الموضوعیة و لا ببعض الشبهات الحكمیة.

 


[3] أجود التقريرات، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج2، ص170. قال فيه: «و يصح استعمال كل منهما في مورد الآخر بلا عناية».

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo