< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ محمدعلي پسران البهبهاني

44/04/12

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: الأصول العملية/أصالة البراءة /المقام الأول؛ و أما الحل

 

و أمّا الحلّ:

فبأنّه لاريب في كون كلمة العلم مباينة لكلمة الحجّة مفهوماً، فإنّ العلم [هو] حقيقةٌ في الصفة النفسانية الكاشفة عن الواقع، و الحجّة [هي] حقيقةٌ فيما يحتجّ به، و تكون النسبة بينهما هو العموم و الخصوص المطلق لكون كلّ علم حجّة و عدم كون كلّ حجّة علماً، و مقتضى أصالة الحقيقة حمل كلّ لفظ على معناه الحقيقي، كما أنّ مقتضى أصالة الموضوعية كون العنوان المأخوذ في موضوع الدليل هو الموضوع للحكم و مقتضى السيرة العقلائية حمل ما هو المراد الاستعمالي على كونه هو المراد الجدي، فلا وجه لحمل كلمة العلم على غير معناها الحقيقي و رفع اليد عمّا هي ظاهرة فيه مع عدم القرينة على خلافه بل القرينة على وفاته، و ذلك لكون مبنى الشريعة بمقتضى الأدلّة القطعية على السماحة و السهولة و هذا يوجب و يؤكّد احتمال كون الشارع المقدّس لأجل التسهيل على العباد و الامتنان عليهم جعل خصوص الجهل بالحكم الواقعي موجباً لرفعه في الظاهر و عدم استحقاق العقاب على مخالفته، و على هذا لا وجه لرفع اليد عن ظاهر ما لا يُعلَم و حمله على عدم قيام الحجّة لا في حديث الرفع و لا في غيره من روايات الحلّ و الطهارة و السعة.

و أمّا ما أفاده في وجه تقديم أدلّة الاحتیاط على حديث السعة من كون الموضوع لوجوب الاحتياط هو احتمال التكليف الإلزامي و الموضوع للسعة في الرواية هو عدم الحجّة على الحكم فتكون أدلّة وجوب الاحتیاط حجّة على الحكم و رافعة لموضوع السعة و لاتكون رواية السعة متعرّضة لموضوع أدلّة وجوب الاحتياط و نافية لاحتمال الحكم الإلزامي و إن كان حجّة على السعة في ظرف الجهل بالحكم فتكون أدلّة الاحتياط واردة على الرواية و نافيةً لموضوعها دون العكس.

فيرد عليه: أولاً: بأنّ المناط في الورود و الحكومة هو مقام الإثبات و لسان الدليل كما اعترف به و حيث إنّ الموضوع في لسان أدلّة الاحتیاط هو الشبهة فمع وجود الحجّة على السعة و التعذير ترتفع الشبهة فتكون الرواية و سائر أدلّة البراءة من حديث الرفع و غيره وارداً على دليل الاحتياط كما يقدّم أصل البراءة و غيره من الأصول على دليل القرعة حيث إنّ الموضوع فيها أيضاً هو الشبهة و بالأصل المتضمّن للحكم الظاهري ترتفع الشبهة.

و ثانياً: على فرض كون الموضوع لوجوب الاحتياط هو احتمال الحكم الإلزامي، فالجواب هو أنّ الموضوع في أدلّة البراءة من رواية السعة وغيرها أيضاً هو عدم العلم بالحكم الإلزامي مع احتماله، فإنّه المحتاج إلى جعل السعة لا الحكم الندبي غير المحتاج إلى جعل السعة فلا فرق في هذه الجهة بين الدليلين فكما أنّ رواية السعة غير متعرّضة لنفي احتمال التكليف كذلك دليل الاحتياط غیر متعرّض له فلا وجه لورود أحدهما على الآخر من هذه الجهة و يكون التنافي بينهما على نحو التعارض.

و بالجملة فما أفاده المحقّق الإصفهاني لعدم صحّة الاستدلال بالرواية على البراءة حتّى بناء على كون مدلول أدلّة الاحتياط هو الوجوب الطريقي لكون وزانها مع أدلّة الاحتياط على هذا المبنى أيضاً وزان قاعدة قبح العقاب بلابیان مع أدلّته غير وافٍ لما ادّعاه.([1] )

النظریة الثالثة: لبعض الأساطين (تمامیة دلالته على البراءة)

و التحقيق أنّ مدلول الرواية بحسب مقام الثبوت لا يخلو من أحد احتمالات ثلاثة:

الأوّل: كون مدلول «مَا لَا يَعْلَمُون‌» هو ما لايكون معلوماً عنده من الأحكام الواقعية فيكون في سعة منه.

الثاني: كون المكلّف في سعة بالنسبة إلى ما لم يعلم ما هو وظيفته فيه.

الثالث:كون المكلّف في السعة بالنسبة إلى ما لم يقم حجّة عليه.

و حيث إنّ الظاهر منه في مقام الإثبات هو الاحتمال الأوّل - و كون الأخيرين خلاف الظاهر منه على ما تقرّر في البحث - تكون الرواية تامّة الدلالة على البراءة و السعة في الحكم المجهول قبال دلالة أدلّة الاحتياط على التنجيز و الاحتياط فيتحقّق التعارض بينهما و لابدّ من علاجه.

فالمتحصّل: عدم تمامیة الروایة سنداً، كما أفاده المحقّق الخوئي و تمامیة الاستدلال بحدیث السعة على البراءة وفاقاً لبعض الأساطين و خلافاً للمحقّق النائیني و المحقّق الإصفهاني.

 

الدلیل السابع: حدیث «كلّ شيء مطلق»

محمّد بن علي بن الحسین قال: قَالَ الصَّادِقُ: «كُلُّ‌ شَيْ‌ءٍ مُطْلَقٌ‌ حَتَّى يَرِدَ فِيهِ نَهْيٌ». [2] [3] [4]

أما سند الروایة: فهي ضعیفة سنداً على مبنی بعضهم إلّا أن یقال بانجبارها بالشهرة العملیة أو یقال باعتبار مرسلات الصدوق في ما إذا كانت بلسان «قال المعصوم» فإنّ بعض الأعلام فصّلوا في مرسلاته بین قوله روي عن الإمام فلا اعتبار لها و قوله قال الإمام فإنّها معتبرة عندهم.([5] )

أمّا دلالة الروایة: فهي تامّة بلا إشكال و اختصاصها بالشبهات التحریمیة لایضرّ بها لأنّ الخلاف بین الأُصولیین و الأخباریین في الشبهات التحریمیة و أمّا الشبهات الوجوبیة فلا خلاف بینهم فیها إلّا من شذّ و ندر (مثل المحدث الأسترابادي)

و أوّل من استدلّ بها الشيخ الصدوق، فإنّه استند إلیها في جعل الإباحة لجمیع الأشیاء حتّی یثبت المنع عنها و أیضاً استدلّ بهذه الروایة على جواز القنوت بالفارسیة.[6] [7]

و قال الشيخ الأنصاري:إنّ دلالته على المطلب [أصالة البراءة] أوضح من الكل [كلّ الأدلّة المذكورة] و ظاهره عدم وجوب الاحتیاط، لأنّ الظاهر إرادة ورود النهي في الشيء من حیث هو، لا من حیث كونه مجهول الحكم، فإن تمّ ما سیأتي من أدلّة الاحتیاط دلالة و سنداً وجب ملاحظة التعارض بینها و بین هذه الروایة و أمثالها ممّا یدلّ على عدم وجوب الاحتیاط، ثم الرجوع إلى ما یقتضیه قاعدة التعارض.[8]

مناقشتان في دلالة هذا الحدیث

المناقشة الأُولى: ما أفاده صاحب الكفایة [9]

إنّ مناقشته تبتني على أن یكون المراد من الورود في الروایة في قوله: «حَتَّى يَرِدَ فِيهِ نَهْيٌ» هو صدور الحكم لا وصوله مع أنّ الكلام في وصول الحكم، فلو أُرید من الورود الصدور أو قلنا باحتمال ذلك لم یصحّ الاستدلال بالروایة، لأنّ مفاد الروایة حینئذ هو أنّ كلّ شيء لم‌یصدر فیه نهي من الشارع فهو مطلق فالموضوع لحكم الشارع بأنّه مطلق هو ما لم‌یصدر النهي فیه مع أنّ الكلام في بحث البراءة في الشبهات الحكمیة هو جریانه في ما لم‌یصل النهي إلینا و شككنا في صدوره.

 


[1] تحف العقول في علم الأصول، ج1، ص158.
[5] مضى القول في مرسلات الصدوق. في ص83 و سيأتي جملة منه في هامش ص181
[7] من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق، ج1، ص316. قال الصدوق: «وَ ذَكَرَ شَيْخُنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الْوَلِيدِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: لَايَجُوزُ الدُّعَاءُ فِي الْقُنُوتِ بِالْفَارِسِيَّةِ وَ كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الصَّفَّارُ يَقُولُ: إِنَّهُ يَجُوزُ، وَ الَّذِي أَقُولُ بِهِ أَنَّهُ يَجُوزُ لِقَوْلِ أَبِي جَعْفَرٍ الثَّانِي‌ ... وَ لَوْ لَمْ يَرِدْ هَذَا الْخَبَرُ لَكُنْتُ أُجِيزُهُ بِالْخَبَرِ الَّذِي رُوِيَ عَنِ الصَّادِقِ أَنَّهُ قَالَ: «كُلُ‌ شَيْ‌ءٍ مُطْلَقٌ‌ حَتَّى يَرِدَ فِيهِ نَهْيٌ»‌ وَ النَّهْيُ عَنِ الدُّعَاءِ بِالْفَارِسِيَّةِ فِي الصَّلَاةِ غَيْرُ مَوْجُود». و جاء في اعتقادات الإمامية للصدوق، المطبوع ضمن مصنفات الشيخ المفيد، ص114 «باب الاعتقاد في الحظر و الإباحة قال الشيخ- رضي الله عنه-: اعتقادنا في ذلك أنّ الأشياء كلّها مطلقة حتى يرد في شي‌ء منها نهي».و لم نعثر في أماليه بما يدل على ما نسب إليه في الفرائد.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo