< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ محمدعلي پسران البهبهاني

44/05/03

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: الأصول العملية/أصالة البراءة /تتمة: ما القاعدة في لو قلنا بتعارض أذلة الاحتیاط و البرائة؟

 

تتمّة: ما القاعدة في ما لو قلنا بتعارض أدلّة الاحتیاط و البراءة؟

إن قلنا بتمامیة أدلّة الاحتیاط - الأعمّ من أخبار التوقّف و الاحتیاط و التثلیث و غیرها- فهل یمكن القول بتعارضها مع أخبار البراءة أو لا؟

أوجه ثلاثة لتقدیم أدلّة البراءة على أدلّة الاحتیاط

الوجه الأوّل: رفع موضوع أدلة الاحتیاط باستصحاب عدم جعل الحرمة

إنّ استصحاب عدم جعل الحرمة بناء على جریانه، و هو الصحیح على ما تقدّم بیانه یكون رافعاً لموضوع هذه الأخبار [أي أدلّة الاحتیاط و هي أخبار التوقّف و الاحتیاط و التثلیث] إذ به یحرز عدم التكلیف و عدم العقاب، فیتقدّم علیها لامحالة.[1]

الوجه الثاني: أخصّیة أخبار البراءة من أخبار الاحتیاط [2]

أخصّیة أخبار البراءة من أخبار الاحتیاط، و بیان ذلك: أنّ أخبار التوقّف و أخبار الاحتیاط تشمل جمیع الشبهات و أمّا أخبار البراءة فلاتشمل الشبهة الحكمیة قبل الفحص و لا الشبهة المقرونة بالعلم الإجمالي و الوجه في عدم شمول أخبار البراءة لهذه الشبهات إمّا عدم اقتضائها لشمول تلك الشبهات و إمّا تخصیصها بها بالإجماع أو حكم العقل، فإنّ حكم العقل باستحالة شمول أدلّة البراءة لهذه الشبهات كالمخصّص المتّصل فهو یمنع عن انعقاد الظهور من أوّل الأمر و الإجماع كالمخصّص المنفصل فیمنع عن حجیة الظهور بعد انعقاده (و أدلّة البراءة بعد تخصیصها بالإجماع یكون حینئذٍ أخصّ من أدلّة الاحتیاط بناء على انقلاب النسبة).

و بالنتیجة: إنّ أدلّة البراءة تتقدّم على أخبار الاحتیاط لكونها أخصّ منها.

بیان بعض الأساطين لمخصّصیة أدلّة البراءة لأدلّة الاحتیاط

إنّه على فرض تماميّة دلالة روايات الاحتياط أو دلالة بعضها مع اعتبار سندها على لزوم الاحتياط في الشبهة الحكمیّة فلابدّ من ملاحظة النسبة بينها وبين حديث الرفع، فإنها هي العمدة في الأدلّة الدالّة على البراءة و لمّا كان الحديث غير شامل للشبهة قبل الفحص و الشبهات المقرونة بالعلم الإجمالي بل يكون مختصّاً بالشبهة الحكمية البدويّة بعد الفحص، و تكون أدلّة الاحتياط على فرض تماميّة دلالتها شاملة لجميع الشبهات من الشبهة الحكميّة البدوية قبل الفحص و بعده و الشبهات المقرونة بالعلم الإجمالي تكون النسبة بينها و بين حديث الرفع هي العموم والخصوص المطلق، فمقتضى القاعدة هوتخصيص أدلّة الاحتياط بحديث الرفع من دون أن يكونا متعارضين. فاتّضح عدم تماميّة أدلّة الاحتياط على لزوم الاحتياط في الشبهة الحكميّة البدويّة بعد الفحص لا من حيث الاقتضاء و لا من ناحية عدم المانع على فرض تماميّة الدلالة.([3] )

ملاحظة على الوجه الثاني

إنّ المحقّق الخوئي التزم في الجواب عن أخبار التوقّف بعدم شمولها للشبهات الوجوبیة و الشبهات الموضوعیة مع أنّه ادّعی – هنا - شمول أخبار التوقّف لجمیع الشبهات.

نعم أخبار الاحتیاط شاملة لجمیع الشبهات على مبناه و لذا قال بلزوم حمل الأمر بالاحتیاط فیها على الاستحباب أو على مطلق الرجحان.

الوجه الثالث: تقدیمُ نصّ أخبار البراءة على ظهور أخبار الاحتیاط [4]

و هو كون أخبار البراءة نصّاً و تقدیمُها على ظهور أخبار الاحتیاط في الوجوب و الجمع العرفي یقتضي رفع الید عن ظهور الأمر في الوجوب بسبب النصّ و حمله على الرجحان الجامع بین الوجوب و الندب.

و هذا الوجه لایجري عند المحقّق الخوئي بالنسبة إلى أخبار التوقّف، لأنّه یری أنّ العلّة المذكورة فیها و هي الوقوع في الهلكة نصّ في عدم جواز الارتكاب خلافاً لما تقدّم عن المحقّق النائیني حیث استظهر منها استحباب عدم الارتكاب.


نظريّة المحقّق الإصفهاني في الجمع بين أدلّة البراءة وأخبار الاحتياط

و قد جعل المحقّق الإصفهاني،[5] في مقام الجمع بين أدلّة البراءة و أخبار الاحتياط أدلّة البراءة على ثلاث طوائف: من حديث الرفع، و روايات الحلّ، و حديث السعة.

و الجواب عنها يظهر بملاحظة نسبتها مع أدلّة البراءة، فنقول هنا ثلاث جهات:

الجهة الأولى: بالنسبة إلى حديث الرفع

مجمل القول فيها أن المراد من الرفع: إن كان عدم فعلية التكليف فقط فأدلّة الاحتياط المثبتة لفعلية التكليف الواقعي حقيقة، أو عرضاً على الوجهين المتقدّمين معارضة للدليل النافي لفعليته.

و إن كان المراد جعل عدم التكليف الواقعي فعلياً ظاهراً، كما اخترناه و حقّقناه، نظراً إلى أنّ عدم فعلية التكليف بعدم المقتضي أو لوجود المانع غير مجعول، بل المجعول الذي له رفع و وضع شرعاً هو الإيجاب إنشاء، و عدمه إنشاء، فقوله: «رفع ما لايعلمون» بمنزلة لا‌يجب ما لا‌يعلم وجوبه، و لا‌يحرم ما لا‌يعلم حرمته بنحو الجعل و الانشاء، فهو وارد على أخبار الاحتياط؛ لأنّ موضوع أخبار الاحتياط هو التكليف المجهول، و دليل الرفع دليل على عدمه الواقعي فعلاً، فلا موضوع كي يصير فعلياً بالذات أو بالعرض.

فلا‌يبقى مجال لملاحظة النسبة بين الدليلين من حيث العموم و الخصوص.

الجهة الثانية: بالنسبة إلى أخبار الحلّ

و أما بالنسبة إلى قوله: (كُلُّ شَيْ‌ءٍ لَكَ حَلَالٌ‌...) الخبر، فدليل الاحتياط و إن لم يكن وارداً عليه بلحاظ كونه مغياً بالعلم بالحرام([6] ) إلّا أنّه معارض له، لكن خبر «كُلُّ شَيْ‌ءٍ لَكَ حَلَالٌ» نصّ في الحلّية، و دليل الاحتياط ظاهر في الوجوب، فيقدّم النصّ الذي لا‌يقبل التصرّف فيه على الظاهر القابل للتصرّف بحمله على رجحان الاحتياط، أو الأمر الإرشادي.

الجهة الثالثة: بالنسبة إلى أخبار السعة

و أمّا بالنسبة إلى قوله: «[إٍنَّ] النَّاسَ فِي سَعَةٍ مَا لَمْ يَعْلَمُوا»، فالكلام فيه كما في سابقه من كونه نصاً في التوسعة، و دليل الاحتياط ظاهر في التضييق، و لا ورود لدليل الاحتياط عليه لما مرّ([7] ) خصوصاً بناء على كون كلمة (ما) زمانية، أي في سعة ما دام لم يعلموا، فإنّ ظاهره حينئذ البراءة إلى أن يتحقق العلم بالتكليف.

 


[3] تحف العقول، ج1، ص229.
[5] نهاية الدّراية في شرح الكفاية، الغروي الإصفهاني، الشيخ محمد حسين، ج4، ص109. إلی 111و ببيان تحف العقول، ج1، ص229: أمّا بالنسبة إلى حديث الرفع فذهب إلى أنّ مدلوله لو كان رفع فعليّة حكم المجهول كان النسبة بينه و بين أخبار الاحتياط هو التعارض حيث يكون مرجع أخبار الاحتياط إلى فعليّة الحكم الواقعي المجهول، فيقع التنافي بين مدلولها و مدلول حديث الرفع و إن كان مدلول حديث الرفع، هو جعل عدم التكليف في ظرف الجهل بالحكم الواقعي، كما هو مقتضى التحفظ على ما هو ظاهر الحديث كان النسبة بينه و بين أخبار الاحتياط هو الورود، ضرورة أنّ الموضوع لأدلّة الاحتباط هو الجهل بالحكم الواقعي، و مع جعل عدم الحكم الواقعي في ظرف الجهل يرتفع موضوع أدلّة الاحتياط لحصول العلم بعدمه في ظرف الجهل.
[6] و العلم لا‌يقبل التوسعة للاحتمال المنجز شرعاً.
[7] من عدم شمول العلم للاحتمال المنجز فلا‌يتبدل الجهل بالعلم بسبب الاحتمال المزبور عند الالتفات اليه.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo