< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ محمدعلي البهبهاني

44/06/14

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: الأصول العملية/أصالة البراءة /التنبیه الثالث؛ فروع سبعة؛ في الفرع الرابع؛ النظریة الثانیة: شمول أخبار من بلغ و استحباب الإخبار

 

النظریة الثانیة: شمول أخبار من بلغ و استحباب الإخبار

قال به جمع من الأعلام، كالشيخ الأنصاري و الشيخ الأراكي و أستاذنا المحقّق الشيخ البهجت.

إنّ ذكر الفضائل و المصائب من الأمور التي وعد الله تعالى إعطاء الثواب علیها، و أخبار من بلغ تشمل ذكر الفضائل و المصائب، فذكرها مستحبّ شرعاً.([1] )

بیان الشيخ الأنصاري لثبوت الاستحباب

و قال في رسالته حول التسامح في أدلّة السنن:

المراد [بالعمل] بالخبر الضعیف في القصص و المواعظ هو نقلها و استماعها و ضبطها في القلب و ترتیب الآثار علیها، عدا ما یتعلّق بالواجب و الحرام، و الحاصل: أنّ العمل بكلّ شيء على حسب ذلك الشيء و هذا أمر و جداني لاینكر، و یدخل حكایة فضائل أهل البیت و مصائبهم و یدخل في العمل الإخبار بوقوعها من دون نسبة إلى الحكایة على حدّ الإخبار بالأمور الواردة بالطرق المعتبرة بأن یقال: كان أمیرالمؤمنین یصلّي كذا و یبكي كذا و نزل على مولانا سیّد الشهداء كذا و كذا.

و لایجوز ذلك في الأخبار الكاذبة، و إن كان یجوز حكایتها، فإنّ حكایة الخبر الكاذب لیس كذباً، مع أنّه لایبعد عدم الجواز إلّا مع بیان كونها كاذبة.([2] )

و سیأتي في الفرع الآتي ما التزم به الشيخ من ثبوت موضوعات الأحكام المستحبّة بأخبار من بلغ حیث قال: هل يجوز التسامح في الرواية الغير المعتبرة الدالة على تشخيص مصداق المستحب أو فتوى الفقيه بذلك؟ فإذا ذكر بعض الأصحاب أنّ هوداً و صالحاً على نبيّنا و آله و عليهم السلام مدفونان في هذا المقام- المتعارف الآن في وادي السلام- فهل يحكم باستحباب إتيان ذلك المقام لزيارتهما و الحضور عندهما أم لا؟ و كذا لو ورد رواية بدفن رأس مولانا سيّد الشهداء عند أمير المؤمنين صلوات الله و سلامه عليهما فهل يستحبّ زيارته بالخصوص أم لا؟ و كذا لو أخبر عدل واحد بكون هذا المكان مسجداً أو مدفناً لنبيّ أو وليّ.

و التحقيق أن يقال- بعد عدم الإشكال في الاستحباب العقليّ من باب الاحتياط و جلب المنفعة المحتملة-: إنّ الأخبار و إن كانت ظاهرة في الشبهة الحكمية- أعني ما إذا كانت الرواية مثبتة لنفس الاستحباب لا لموضوعه- إلا أن الظاهر جريان الحكم في محل الكلام بتنقيح المناط، إذ من المعلوم أن لا فرق بين أن يعتمد على خبر الشخص في استحباب العمل الفلاني في هذا المكان‌- كبعض أماكن مسجد الكوفة- و بين أن يعتمد عليه في أنّ هذا المكان هو المكان الفلاني الّذي علم أنّه يستحبّ فيه العمل الفلاني. مضافاً إلى إمكان أن يقال: إنّ الإخبار بالموضوع مستلزم للإخبار بالحكم، بل قد يكون الغرض منه هو الإخبار بثبوت الحكم في هذا الموضوع الخاصّ.

و الحاصل: أنّ التسامح أقوى.

نعم، لو ترتّب على الخبر المذكور حكم آخر غير الاستحباب فلا يترتّب عليه، لما عرفت، فلو ثبت كيفيّة خاصّة للزيارة من القريب بحيث لا‌يجوز من البعيد فلا يجوز، لأنّ الثابت من الرواية استحباب حضور هذا المكان، لا كون الشخص مدفوناً فيه، و كذا يستحبّ الصلاة في المكان الذي يقال له: المسجد، و لا يجب إزالة النجاسة عنه، و لا يجوز الاعتكاف فيه، إلى غير ذلك ممّا هو واضح من المطالب المتقدّمة.([3] )

بیان المرجع الفقیه الشيخ الأراكي

قد حكي عن الشيخ الأراكي أنّه قال: «إنّ نشر الفضيلة أو ذكر المصيبة يخرج عن تحت الكذب أيضاً بعد قيام الحجّة و هو أخبار من بلغ على الترغيب إلى النشر أو الذكر فمن أخبر بالفضيلة أو المصيبة أخبر بحجة شرعية و هي أخبار من بلغ و الأخبار بالحجة الشرعية لايكون كذباً انتهى و عليه فالنشر أو الذكر و لو مع عدم العلم بصحّتهما مستند إلى الحجة الشرعية و هي أخبار من بلغ و هو قول بالعلم و ليس بكذب».([4] )

بیان الأستاذ المحقّق الشيخ البهجت

قال الأستاذ الشيخ محمد تقي البهجت: «و أمّا بلوغ موضوعات الأحكام الندبية من القصص و التواريخ، فلا مانع من ندب العمل المترتب على واقعها في ما لم‌يكن معلوم الحرمة أو الكذب، و في محتمل الحرمة يدفع احتمالها بالأصل، فلا شبهة من حيث عدم العلم بالمخبر به إذا أخبر عنه للإبكاء- مثلاً- إذا أراد تحقّق موضوع ندب البكاء... هذا، مع شي‌ء آخر يعرفه المتتبّع المنصف في أحاديث مصائب أهل البيت و بالأخص مصائب سيد الشهداء، و في معجزات الأئمة( و بالأخص معجزات أمير المؤمنين، من أنّ جميع ما ينسب إلى الكذب في تلك الروايات، فهو و إن سلّم أنّها كذلك بحسب خصوصيّاتها و أسمائها الخاصّة بها، إلّا أنه بملاحظة أن الواقع منهم و فيهم أعظم من كل ذلك و أنّها لايوصف حقائقها. فلذا يكون هذه الإخبارات بعد هذه الملاحظة، من الصدق الذي هو أخفّ و أهون من واقعيات تلك الأمور في المعجزات أو المصائب، فتأمّل تعرف».([5] )

 


[1] منتهى الدراية، المروج الجزائري، السيد محمد جعفر، ج5، ص536.. «أنّه بناء على دلالة أخبار من بلغ على حجية الخبر الضعيف في المستحبات أو استحباب نفس العمل لا مانع من الإخبار باستحبابه، لعدم صدق عنوان محرّم كالكذب المخبري و الافتراء و القول بغير العلم عليه و إن صدق عليه الكذب الخبري واقعاً، إذ المدار في الحسن و القبح العقليين على الصدق و الكذب المخبريين لا الخبريين اللذين لا حكم لهما عقلاً، و لا شرعاً.نعم لو لم‌تدلّ أخبار من بلغ على ذلك كان الإخبار قبيحاً، فالفضيلة أو المصيبة التي قام عليها خبر ضعيف لايخرج ذكرهما لضياء القلوب و بكاء العيون عن محذور الافتراء، لعدم قيام الحجّة عليهما حتّى يعتقد ناقلهما بصدقهما، فمحذور القبح العقلي و الحرمة الشرعية مانع عن جواز نقلهما»
[2] رسائل فقهیة، ص158.
[3] رسائل فقهية (للشيخ الأنصاري)، ص172.
[4] عمدة الأصول، ج‌5، ص622.
[5] مباحث الأصول، للشیخ محمد تقي البهجت، ج‌3، ص400.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo