< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ محمدعلي البهبهاني

44/06/18

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: الأصول العملية/أصالة البراءة /فروع سبعة؛ الفرع الرابع؛ في النظریة الرابعة؛ یلاحظ علیه

 

یلاحظ علیه

أولاً: الاعتبار في كلّ علم بحسبه، فإنّ الاعتبار التاریخي غیر الاعتبار الفقهي و يعدّ اعتبار كتب نقل الفضائل و المصائب ها من قبیل الاعتبار التاریخي.

فما يندرج في كتب المقاتل معتبر بالاعتبار التاریخي و لیس معنی ذلك وقوعه قطعاً.

ثانیاً: إذا قلنا بأنّ من بكی من المصیبة التي یحتمل وقوعها، و قد نقل بعنوان التاریخ من دون الإخبار بأنّه هو الواقع الثابت بالطریق المعتبر، یشمله ثواب البكاء على أهل البیت( فلابدّ من أن نقول بأنّ أخبار من بلغ تشمل المقام.

لا أظنّ المحقّق النراقي و المحقّق الخوئي و أمثالهما أن یلتزموا بعدم ترتّب الثواب على البكاء على أهل البیت( باحتمال وقوع المصیبة المنقولة في كتب التاریخ، بل البكاء هنا لاحتمال الوقوع بمحض استماعه في الكتب التاریخیة دلیل على شدّة المحبّة، كما نراه في بكاء الأمّ على ولدها باحتمال وقوع مصیبة علیه.

و لعلّ الخلط وقع هنا من جهة تصوّر إدعاء الوقوع، مع أنّ النقل التاریخي قد تتعدّد فيه الأنظار و الأقوال أيضاً.

ثالثاً: إنّ النقل بعنوان التاریخ من دون الإخبار بعنوان أنّه الواقع الذي ثبت من دلیل معتبر، جائز عقلاً و واقع من العقلاء بلا مذمّة كما نراه من المؤرّخین في كتب التاریخ، و لا یعدّ كذباً قطعاً و قد تقدّم ما نقلناه عن الشيخ الأعظم الأنصاري حیث قال: «یدخل حكایة فضائل أهل البیت و مصائبهم و یدخل في العمل الإخبار بوقوعها من دون نسبة إلى الحكایة على حدّ الإخبار بالأمور الواردة بالطرق المعتبرة.([1] )

النظریة الرابعة: تفصیل المحقّق الإصفهاني ([2] )

إنّ المحقّق الإصفهاني صرّح بأنّ الخبر عن الموضوع بما هو لا‌یُراد منه إلّا العمل إلا أنه فصّل بین القسمین:

القسم الأوّل: ما یكون من غیر مقولة القول، كما في ما إذا قام الخبر على أنّ هذا الموضع الخاصّ مدفن نبي من الأنبیاء( أو مسجد، فإنّ الثابت به استحباب الحضور عنده و زیارته و استحباب الصلاة فیه و هذا في نفسه لا محذور فیه.

القسم الثاني: ما یكون من مقولة القول المتّصف بالصدق و الكذب.

و لابدّ حینئذٍ من تنقیح موضوع الكذب الذي هو قبیح عقلاً و حرام شرعاً فإنّ الصدق و الكذب إمّا صدق و كذب خبري و إمّا صدق و كذب مُخبري.

أمّا الصدق الخبري و الكذب الخبري فلا حكم لهما عقلاً و لا شرعاً و المراد بهما هو نفس القول المطابق للواقع أو غیر المطابق له من دون ملاحظة انتسابه إلى المخبر.

أمّا الصدق المخبري و الكذب المخبري فیقع الكلام في تعریفهما، أمّا القول الموافق للواقع بحسب اعتقاد المخبر فهو الصدق المخبري و الكذب المخبري هو ما یقابله و تعریفه یتوقّف على أن یكون التقابل بینهما تقابل التضادّ أو تقابل العدم و الملكة.

فإن كان التقابل بینهما تقابل التضادّ فیكون الكذب المخبري هو القول الذي یعتقد أنّه خلاف الواقع و إن كان التقابل بینهما تقابل الملكة و العدم فیكون الكذب المخبري هو القول الذي لایعتقد أنّه موافق للواقع، فما لا ثبوت له في ظرف وجدان المخبر كذب و لاینحصر الكذب في ما یعتقد أنّه لیس كذلك في الواقع.

و التحقیق: أنّ التقابل بینهما بنحو العدم و الملكة و هو المعبّر عنه في لسان الشرع بالقول بغیر العلم، فما لا علم به و لا حجّة علیه یندرج الحكایة عنه في الكذب القبیح عقلاً و المحرّم شرعاً.

و لایختصّ قبح الكذب عقلاً و حرمته شرعاً بصورة الإضرار (و هذا تعریض على العلّامة الأنصاري حیث قال في الدلیل الأوّل على الجواز بأنّ العمل بهذا الخبر حسن عقلاً عند الأمن من المضرّة على تقدیر كذبه).

و علیه فنشر الفضیلة التي لا حجّة علیها و ذكر المصیبة التي لا حجّة علیها قبیح عقلاً و محرّم شرعاً فكیف یعمّهما أخبار من بلغ؟ سواء كان مفاد أخبار من بلغ الاستحباب (كما هو مختار المحقّق الإصفهاني و المحقّق النائیني بل المشهور) أم حسن الانقیاد (كما هو مختار العلّامة الأنصاري في الرسائل و المحقّق العراقي)([3] ).

نعم إذا قلنا بأنّ الأخبار المزبورة تثبت حجّیة الخبر الضعیف فلازمه اندراج الفضیلة و المصیبة في ما قامت الحجّة علیه شرعاً، فیخرج عن تحت الكذب المخبري القبیح عقلاً و المحرّم شرعاً.([4] )

مناقشة بعض الأساطين على نظرية المحقّق الإصفهاني

أوّلاً: بأنّ ما ذكره من تقسيم الكذب إلى الكذب الخبري و الكذب المخبري لا أساس له، بداهة أنّ المرجع في تعيين مفاهیم الألفاظ هو العرف العامّ، حيث إنّ الخطابات الشرعيّة ملقاة إليهم، و تكون كلمات أهل اللغة طريقاً لاستخراج المفاهيم العرفيّة من الخطابات من دون أن تكون لها موضوعيّة، و لا ريب في أنّ الكذب لغة و عرفاً هو القول غير المطابق للواقع، كما أنّ الصدق لغة و عرفاً هو القول المطابق للواقع من دون أن يكون لإحراز المطابقة و عدمه دخلاً في مفهومهما، و يشهد على ذلك موافقة الصدق مع الحقّ عرفاً، و موافقة الباطل مع الكذب، مع عدم دخل الإحراز في مفهومهما.

و ثانياً: أنّ ما ذكره من عدم ترتّب الأثر على الكذب و الصدق الخبري لا وجه له، ضرورة أنّ القول غير المطابق للواقع قبيح بالقبح الفعلي و إن لم يكن متّصفاً بالقبح الفاعلي إلّا فيما إذا أحرز المتكلّم مخالفته للواقع كما أنّه محكومٌ بالحرمة شرعاً، و ذلك لعدم خلّو كلّ فعل من أفعال المكلّف من الأحكام التكليفية الخمسة، إذ الأفعال في حدّ نفسها قد تكون متصفةً بالحسن أو القبح الفعلي، فإنّه لا ريب في أنّ قتل ابن المولى قبيحٌ بالقبح الفعلي و إن لم يعلم القاتل بأنّه ابن المولى، و قتل عدوّه حسن بالحسن الفعلي و إن زعمه ابن المولى، فكما أنّ المصالح و المفاسد قائمة بالأفعال من دون دخل للإحراز فيها، كذلك الحسن و القبح الفعلي بالنسبة إلى الأفعال و الأقوال.

نعم القبح و الحسن الفاعلي يدور مدار الالتفات و الإحراز، فإن أحرز المتكلّم مطابقة القول مع الواقع كان صدقاً و متّصفاً بالحسن الفاعلي، كما أنّه لو أحرز مخالفته للواقع كان كذباً و متّصفاً بالقبح الفاعلي، و إذا لم يحرز مخالفته و موافقته لما كان متّصفاً بالكذب و الصدق، بل يكون من الشبهة المصداقية لهما، و لكنه كان متّصفاً للقبح الفاعلي أو الفعلي من حيث كونه قولاً بغير علم لا من حيث كونه كذباً.

 


[1] رسائل فقهیة، الشیخ الأنصاري، ص158.
[2] نهاية الدّراية في شرح الكفاية، الغروي الإصفهاني، الشيخ محمد حسين، ج4، ص192.. «لا‌بدّ من تقديم مقدمة، و هي أن الخبر عن الموضوع بما هو لا يراد منه إلا العمل المتعلق به‌...»
[3] استدل بهذا الوجه عدة من الأعلام: ففي أجود التقريرات، ج‌2، ص212: «و أما بالنسبة إلى الأخبار الحاكية لغير الأحكام من الفضائل و المصائب و غيرها فلا مقتضي لتوهم الشمول أصلاً... و ذلك فإن الكذب كما بينا في بعض المباحث السابقة و إن كان بحسب الوضع اللغوي دائراً مدار مخالفة الواقع إلّا أنّ ما يحكم العقل بقبحه ليس هو ذلك بل القول الغير المحرز مطابقته للواقع سواء كان مطابقاً للواقع أم لم‌يكن فالإخبار عما لم‌يثبت بطريق صحيح يكون قبيحاً عقلاً و أي موجب لثبوت المسامحة فيه خصوصاً فيما إذا كان الخبر متضمناً لإسناد شي‌ء إلى المعصوم.»و في دراسات في علم الأصول: «إنّ القول بغير علم محرم شرعاً، و لايمكن رفع اليد عن دليل الحرمة بالخبر الضعيف على ما ستعرف، فلابد لمن أراد نقل ما لم‌يثبت صحته من أن يكون نقله بعنوان روي و نحوه لئلا يكون من القول بغير العلم المحرم»و في منتقى الأصول، ج‌4، ص540: «إذا كان العمل المتعلق بالموضوع المخبر به من مقولة القول، كنشر الفضيلة و نقل المصيبة و نحوهما. أشكل شمول أخبار من بلغ للإخبار باستحبابه، و ذلك لأنّ النقل و الإخبار بما لايعلم مطابقته للواقع قبيح، لأنّه كذب محرم شرعاً و عقلاً، بناءً على أنّ الكذب هو الإخبار بما لايعتقد مطابقته للواقع لا ما يعتقد مخالفته فيكون التقابل بينه و بين الصدق تقابل العدم و الملكة و أما بناء على أنّ الكذب عدم مطابقة المخبر به للواقع و الصدق هو المطابقة- فيكون التقابل بينهما تقابل التناقض أو التضاد، إن أريد من عدم المطابقة المخالفة للواقع-، فما لايعلم أنّه مطابق لايعلم أنّه صدق أو كذب، فلا‌يحرم شرعاً لأصالة البراءة، لأنّه شبهة موضوعية، و لكنه قد يقال بقبحه عقلاً بدعوى أنّ الإخبار بما لايعلم مطابقته يقبح عقلاً»
[4] و في تحف العقول، ج1، ص361: «و توضيح ما أورده هو: أنّه لا ريب في كون الصدق المخبري هو القول الذي أحرز المخبر مطابقته للواقع، فالكذب المخبري لو كان هو القول الذي أحرز المخبر مخالفته للواقع كان التقابل بینهما هو التضادّ. و أمّا لو كان هو القول الذي لم يحرز المخبر موافقته للواقع كان التقابل بینهما هو تقابل العدم و الملكة، و حيث إن الحقّ هو كون المحرم و القبيح هو الثاني، فإنّ العقل يحكم بقبح القول الذي لم يحرز المخبر مطابقته للواقع و نهي الشارع المقدّس عن القول بغير العلم، فلا يكون نقل الأخبار الضعاف الواردة في الفضائل و المصائب و المواعظ و التاريخ مشمولاً لأخبار من بلغ، حيث إنّ الناقل لم يحرز مطابقتها للواقع، فيكون من الكذب القبيح المحرّم ما لم يقم دليل على حجيتها من إجماع أو غيره حتى تخرج عن الكذب المخبري المحرّم. و وافقه على ذلك المحقّق النائيني لكن لا بما أفاده من كونها من مصادیق الكذب، بل من باب كون نقلها قولاً بغير علم، فيكون موضوعاً لحكم العقل بالقبح و مورداً لنهي الشارع».

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo