< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ محمدعلي پسران البهبهاني

44/06/28

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: الأصول العملية/أصالة البراءة /التنبیه الثالث، النظریة الرابعة، یلاحظ علی نظریة المحقق الاصفهاني

 

یلاحظ على نظرية المحقّق الإصفهاني

أولاً: إن المدار في الكذب المخبري هو العرف، فالمخبِر عندهم لایتّصف بالكاذب إلّا إذا كان خبره غیر منطبق على الواقع مع علمه بذلك، فمن كان قوله غير منطبق للواقع و لكنّه يحتمل انطباق ما أخبره له لایعدّ كاذباً عند العرف.

فلا‌یتمّ ما ذكره من أنّ ما لا ثبوت له في ظرف وجدان المخبِر كذب.

ثانیاً: إنّ الصدق لیس علّة تامّة للحسن و هكذا الكذب، فإنّه لیس علّة تامّة للقبح بل فیهما اقتضاء الحسن و القبح و لذا نری أنّ الحسن و القبح لیسا ذاتیين لهما فإنّ الصدق إذا اندرج تحت عنوان الظلم على المؤمن لا‌يكون حسناً و هكذا إذا اندرج الكذب تحت عنوان الإحسان إلى المؤمن لا‌يكون قبیحاً.[1] ([2] )

و المحقّق الإصفهاني صرّح بذلك في موارد عدیدة من تعلیقاته فقال:

المراد بذاتیة الحسن و القبح كون الحكمین عرضاً ذاتیاً، بمعنی أنّ العدل بعنوانه و الظلم بعنوانه یحكم علیهما باستحقاق المدح و الذمّ من دون لحاظ اندراجه تحت عنوان آخر.

بخلاف سائر العناوین، فإنّها ربما تكون مع حفظها [أي مع حفظ عنوان الصدق و الكذب] معروضاً لغیر ما یترتّب علیه لو خُلّي و نفسه كالصدق و الكذب، فإنّهما مع حفظ عنوانهما في الصدق المهلك للمؤمن و الكذب المنجي للمؤمن یترتّب استحقاق الذم على الأوّل بلحاظ اندراجه تحت الظلم على المؤمن، و یترتّب استحقاق المدح على الثاني لاندراجه تحت عنوان الإحسان إلى المؤمن، و إن كان لو خُلّي الصدق و الكذب و نفسهما یندرج الأوّل تحت عنوان العدل في القول و الثاني تحت عنوان الجور، فضلاً عن سائر الأفعال التي في نفسها لاتندرج تحت عنوان ممدوح أو مذموم.[3]

فما أفاده هذا المحقّق هنا من أنّ ما لا علم به و لا حجّة علیه تندرج الحكایة عنه في الكذب القبیح عقلاً و المحرّم شرعاً فلایتمّ بإطلاقه، بل القول بغیر العلم إذا اندرج تحت عنوان الظلم فهو قبیح، لأنّ القول بغیر العلم أیضاً لیس علّة تامّة للقبح بل هو في نفسه مقتضٍ له فهو مثل الكذب في هذه الجهة.

النظریة الخامسة: تفصیل بعض الأساطين

إنّ بعض الأساطين فصّل بین الأخبار الضعاف التي حصل الوثوق بصدورها و لو من جهة قوّة المتن و أسلوب الجمل، و بین الأخبار الضعاف التي لیس موثوقاً بها:

أمّا الأخبار الضعاف الموثوق بها: فقال باعتبارها و جواز الإخبار بها.

و أمّا الأخبار الضعاف التي لیس موثوقاً بها: فلیست معتبرة و لكن لا‌یجوز إظهار النظر فيها من القول بكونها خلاف الواقع أو عدم صدورها من الأئمة( بل یردّ علمها إليهم(، و يمكن درك ثواب نشر الفضائل و الإبكاء على المصائب بنقلها من مصادرها الروائيّة (أو على نحو الإرسال) من دون استنادها إلى المعصوم.

و إلیك نصّ كلامه: إنّ الحقّ عدم شمول أخبار من بلغ لنقل الأخبار الضعاف الواردة في الفضائل و المصائب و المواعظ و الأداب و القصص، لكون نقلها مصداقاً للقول بغير العلم. (و هذا مختار المحقّق النائیني).

و لكن مع هذا لا‌يوجب عدم شمولها لهذه الأخبار الضغاف الواردة في تلك الأمور، سقوط هذه الأخبار الكثيرة الواردة في مجاميع الأخبار من كتاب البحار و غيرها من الكتب الروائية بحيث لايجوز نقلها إلّا مستنداً مثلاً إلى الكتاب الذي ينقله عنه، و ذلك لعدم انحصار حجية الخبر بخبر الثقة، بل يكون الوثوق بالصدور أيضاً كافياً في حجيتها، و كان غالب تلك الأخبار من حيث قوة المتن بحيث يطمئن الفقيه العارف بأسلوب كلام الأئمّة( بصدورها عنهم و يقدر على تمییز الصحيح منها من السقيم و تمييز كلام المعصوم عن كلام غيره.

و قد حكي عن المحقّق النائيني([4] ) ما محصّله: أنّ المناقشة في أسناد روايات الكافي و التشكيك في حجّيتها دليل على ضعف الشخص في العلمية و الفقاهة. و من هذا القبيل غالب الأخبار الموجودة في البحار، فإنّها و إن كانت بحسب صناعة علم الرجال ضعيفة السند و لكن قوّة متنها و أسلوب جملها يوجب الوثوق بالصدور لمن كان عارفاً بأسلوب كلامهم. و بعنوان المثال و التيمّن و التبرّك نذكر رواية من رواياتها تكون قوّة متنه شاهدة قطعية على صدورها عن المعصوم و إن كانت مرسلة و هي: «الْعُقُولُ أَئِمَّةُ الْأَفْكَارِ وَ الْأَفْكَارُ أَئِمَّةُ الْقُلُوبِ وَ الْقُلُوبُ أَئِمَّةُ الْحَوَاسِّ وَ الْحَوَاسُّ أَئِمَّةُ الْأَعْضَاءِ»[5] [6] [7] .

ثمّ على فرض عدم حصول الوثوق بالصدور من القرائن الخارجية و الداخلية فلا‌يجوز إظهار النظر فيها من القول بكونها خلاف الواقع أو عدم صدورها من الأئمّة( بل لابدّ من ردّ علمها إليهم صلوات الله عليهم أجمعين، و يمكن درك ثواب نشر الفضائل و الإبكاء على المصائب بنقلها من مصادرها الروائية (أو على نحو الإرسال) من دون استنادها إلى المعصوم بل بعد ملاحظة كلام الشهيدين من نسبة شمول أخبار من بلغ لها إلى أكثر الفقهاء كما عن الشهيد الثاني أو الإجماع كما هو الظاهر من الشهيد الأول و ملاحظة دعوی انعقاد السيرة على النقل من مفاتيح الأصول([8] ) بنحو الإطلاق، هو الإقدام على نشر هذه الأخبار المشتملة على الفضائل و المصائب، و لكن بدون إسنادها عن جزم إلى المعصوم.

و على أيّ تقدير لا‌يجوز القول بطرح الأخبار الواردة عنهم و إن كانت ضعافاً غیر معتبرة، و إن كانت مشتملة على ما تستبعده العقول الناقصة أو غير موافقة لما كان ثابتاً بالعلوم البشرية من الطبيعيات و غيرها، ضرورة أن العقول الناقصة البشرية قاصرةً عن نيل الواقع على ما هو عليه، كما يشهد على ذلك اختلاف آرائهم في المسائل في كلّ عصر، و دعوی انكشاف بطلان ما اتّفق عليه آراء السلف من الحكماء في الطبيعيات من حركة الأرض و مركزیتها للعالم و سكون الكواكب و حركة الفلك المشتمل عليها و غير ذلك مما كان بطلانها مسلّمة عند علماء العلوم التجربية في عصرنا هذا.([9] )

 


[2] و في عمدة الأصول، ج5، ص623: «هذا مضافاً إلى أنّ قبح الكذب و حرمته اقتضائي و لذا يجوز الكذب بعروض مصلحة من المصالح المهمة كالإصلاح بين المؤمنين و عليه فلا مانع من أن يرفع اليد من قبح الكذب بسبب مصلحة أقوى من ذلك فتخصيص المنع عن قبح القول بغير العلم في مثل المقام و هو النشر أو الذكر المذكورين لا مانع منه كما يكون الأمر كذلك في الكذب المنجي على أن نشر الفضيلة أو ذكر المصيبة بعنوان احتمال الصدور أو الوقوع ليس بكذب فتدبر جيداً».
[4] قال المحقق الخوئي معجم رجال الحدیث ج1، ص81، المقدمة الخامسة نظرة في روايات الكتب الأربعة: «و سمعت شیخنا الأستاذ الشیخ محمد حسین النائیني. في مجلس بحثه یقول: "إنّ المناقشة في أسناد روایات الكافي حرفة العاجز"»
[8] مفاتیح الأصول، ص350.
[9] تحف العقول، ج1، ص362.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo