< قائمة الدروس

درس خارج اصول استاد محمدعلی پسران‌بهبهانی

44/07/29

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: الأصول العملية/أصالة البراءة /خاتمة؛ التنبیه الثالث

التنبیه الثالث:
في إطلاق وجوب التعلّم لصورة احتمال الابتلاء

هنا قولان:

إنّ الكلام في هذا التنبیه في موارد وجوب التعلّم من جهة العلم أو الاطمینان أو الشكّ في كونه محلاً للابتلاء، أمّا إذا علم المكلّف بعدم الابتلاء فلا خلاف في أنّه لایجب علیه تعلّم حكم الشارع في تلك الواقعة غیر المبتلى بها، و مورد الخلاف هو الشكّ في الابتلاء و احتماله فلابدّ من التحقیق في مقتضى الأدلّة في هذا المقام، فإنّ الأعلام قد ذهبوا هنا إلى قولین:

القول الأوّل

و هو مختار المشهور -بل ادّعي علیه التسالم و الاتفاق- قالوا بأنّ إطلاق دلیل وجوب التعلّم یشمل جمیع صور العلم بالابتلاء تفصیلیاً كان أم إجمالیاً و صورة الاطمینان بالابتلاء و صورة الشكّ في أنّه هل یبتلى بهذه المسألة أو لا، فیجب التعلّم بمجرد الشكّ و احتمال الابتلاء.

دلیلان على القول الأوّل

الدلیل الأوّل

و هو الإجماع و تسالم الأصحاب على ذلك.

إیراد على الدلیل الأوّل

إنّه على فرض تحقّقه مدركي و منقول.

الدلیل الثاني

و هو إطلاق أدلّة وجوب التعلّم، فإنّ وجوب التعلّم إمّا عقلي و إمّا شرعي، أمّا الوجوب العقلي للتعلّم فهو دلیل لُبّي و لا إطلاق له حتّی یتمسّك به و لكنّه أیضاً یشمل جمیع صور الاحتمالات لأنّ ملاك الوجوب العقلي للتعلّم هو قاعدة دفع الضرر المحتمل و موضوع هذه القاعدة هو احتمال الابتلاء لا واقع الابتلاء و أمّا الوجوب الشرعي للتعلّم المستفاد من روایة «أ فلا تعلمت حتّی تعمل؟ (هلا تعلّمت)»[1] فهو دلیل لفظي یتمسّك به، فیشمل العلم بالابتلاء و الاطمینان به و الاحتمال و الشكّ فیه.

نعم یمكن أن یدّعی أنّ سائر أدلّة وجوب التعلّم لیست في مقام البیان من هذه الجهة مثل آیة: ﴿فَاسأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾[2] [3] و مثل آیة: ﴿فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَ لِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾[4] .

القول الثاني

و هو اختصاص وجوب التعلّم بالعلم أو الاطمینان بالابتلاء، أمّا في صورة الشكّ و احتمال الابتلاء فلایجب التعلّم.

الاستدلال على القول الثاني باستصحاب عدم الابتلاء

و هذا الاستصحاب یحرز عدم ابتلاء المكلّف تعبّداً و حینئذٍ یكون المورد من موارد عدم وجوب التعلّم.

إیرادات ثلاثة على جریان الاستصحاب

الإیراد الأوّل

إنّ الاستصحاب یجري في الأمور الماضیة التي یتعلّق بها الیقین السابق و الشكّ اللّاحق (كما نسب ذلك إلى صاحب الجواهر([5] )) و المقام هو من قبیل الأمور المستقبلة فإنّ عدم الابتلاء في المستقبل خارج عن نطاق أدلّة الاستصحاب.

جواب المحقّق الخوئي عن الإیراد الأوّل

إنّ المیزان في جریان الاستصحاب إنّما هو تقدّم زمان المتیقّن على زمان المشكوك فیه، من دون فرق بین الأمور الماضیة و الاستقبالیة ...

و لذا بنینا على ذلك فروعاً كثیرة منها جواز البدار في أوّل الوقت لذوي الأعذار تمسّكاً باستصحاب بقاء عذره إلى آخر الوقت.[6]

الإیراد الثاني: ما أفاده المحقّق النائیني

إنّه یتوقّف على كون الواقع المشكوك فیه أثراً أو ذا أثر شرعي حتّی یتعبّد به في ظرف الشكّ و أمّا إذا لم‌یكن هناك أثر شرعي أو كان الأثر مترتّباً على نفس الشكّ المحرز وجداناً فلا معنی للتعبّد في مورده و ما نحن فیه من هذا القبیل، فإنّ وجوب دفع الضرر المحتمل مترتّب على نفس احتمال الابتلاء المحرز وجداناً و لیس لواقع الابتلاء بالواقع أثر شرعي حتّی یدفع احتماله بالأصل، فلایبقی مجال لجریان استصحاب عدم الابتلاء بالواقع.

و بالجملة حكم العقل بوجوب التعلّم بملاك دفع العقاب المحتمل یستوي فیه موارد الابتلاء عادة، و القطع أو ما في حكمه بالابتلاء، و الاحتمال العقلائي، فحكم العقل في الجمیع واحد طریقي كما أنّه ربّما یكون له في تمام الموارد حكم واحد واقعي، نظیر استقلاله بقبح التشریع و الكذب حیث إنّه لا یفرق فیه بین العلم بالمخالفة و الشكّ في ذلك و الحكم في الجمیع بملاك واحد.[7]

جوابان عن الإیراد الثاني

الجواب الأوّل: ما أفاده المحقّق الخوئي على مبناه

إنّه لایعتبر في جریان الاستصحاب كون المستصحب أثراً شرعیاً أو ذا أثر شرعي بناء على ما هو التحقیق من أنّ الاستصحاب یقوم مقام القطع الموضوعي أیضاً، فیكفي في جریان الاستصحاب ترتّب الأثر على نفس الاستصحاب و علیه فلا مانع من إجراء الاستصحاب في المقام و إحراز عدم الابتلاء بالتعبّد و یترتّب علیه عدم وجوب التعلّم، فلایبقی موضوع لحكم العقل بوجوب دفع الضرر المحتمل.

نعم بناءً على عدم قیام الاستصحاب مقام القطع الموضوعي و كونه بمنزلة القطع الطریقي فقط -كما علیه صاحب الكفایة- یعتبر في جریان الاستصحاب كون المستصحب أثراً شرعیاً أو ذا أثر شرعي، فلایجري في المقام لما ذكره المحقّق النائیني و لكنّه خلاف ما التزم به في مبحث الاستصحاب، فإنّه اختار فیه كون الاستصحاب بمنزلة القطع الموضوعي أیضاً. [8]

 


[5] أجود التقريرات، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج1، ص158.: «لایخفی أن جریان الاستصحاب في الأمور المستقبلة و إن كان هو الصحیح خلافاً لصاحب الجواهر...».و نذكر هنا كلام المحقّق الخوئي ببیان عدة من المقررین: دراسات في علم الاصول، الهاشمي الشاهرودي، السيد علي، ج4، ص88.: «هل يعتبر في جريان الاستصحاب‌ أن يكون المتيقن ماضياً و المشكوك فعلياً كما هو الغالب، أو يكفي فيه مجرد تأخّر المشكوك عن المتيقّن و لو كان المتيقّن أمراً فعلياً و المشكوك استقبالياً؟ لم نر من تعرّض لجريان هذا الاستصحاب و عدمه سوى أن المحقّق النائيني في بحث المقدمة المفوّتة نسب إلى صاحب الجواهر عدم جريانه من دون تعرّض لدليله. و قد حكي عنه خلافه في مسألة إدراك الجماعة بإدراك الإمام راكعاً، حيث ذكر ما حاصله: عدم إمكان تصحيح صلاة المأموم باستصحاب بقاء الإمام راكعاً، لأنّه مثبت، و لكن يجوز له الاقتداء مع هذا الاحتمال عملاً بالاستصحاب‌».و في غاية المأمول، ج‌2، ص565: «الذي نقله الميرزا النائيني عن صاحب الجواهر أنّه منع عن جريان مثل هذا الاستصحاب‌ بدعوى أن أخبار الاستصحاب غير شاملة له لظهورها في كون اليقين و الشك متعلقين بزمان سابق و حال»‌و قال المقرر: «أقول: يظهر من صاحب الجواهر إجراء مثل هذا الاستصحاب فإنه في المسألة المعروفة و هي شك المأموم في إدراك ركوع الإمام بعد أن منع جريان الاستصحاب لإثبات الإدراك، ذكر أنه يجري الاستصحاب لبقاء الإمام راكعاً فيترتب عليه جواز دخول المأموم في الصلاة، و هذا صريح في جريان هذا الاستصحاب، فافهم (الجواهري) راجع الجواهر، ج13، ص149.»محاضرات في أصول الفقه، الفياض، الشيخ محمد إسحاق، ج2، ص201. «أن مقتضى إطلاق دليل الاستصحاب عدم الفرق في جريانه بين الأمور المتقدّمة و المتأخّرة، فكما يجري في الأولى كذلك في الثانية، فما عن صاحب الجواهر من الفرق‌ بينهما في غير محلّه».مصباح الأصول( مباحث الفاظ- مكتبة الداوري)، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج1، ص454. «و عن صاحب الجواهر رحمه الله المناقشة في هذا الاستصحاب‌، بأنّ دليل الاستصحاب لايشمل إلّا ما كان المتيقّن سابقاً و المشكوك لاحقاً، و المقام ليس كذلك، فإنّ المتيقّن و هو عدم الابتلاء حالي و المشكوك استقبالي، فلايكون مشمولاً لأدلّة الاستصحاب».‌و في الهداية في الأصول، ج‌4، ص82: «كلما كان للمكلف في زمان واحد يقين و شك متحدان في المتعلق ذاتاً دون زماناً، يجري الاستصحاب ... سواء كان اليقين متعلقاً بوجود شي‌ء سابقاً و الشك متعلقا ببقائه إلى الآن أو كان اليقين متعلقاً بشي‌ء كحياة زيد- مثلاً- فعلاً و شك في أنه باق إلى غد أم لا، و ذلك من جهة إطلاق أدلة الاستصحاب، و لم نر أحداً تعرض لذلك. نعم، نسب شيخنا الأستاذ في بحث المقدمات المفوتة لمناسبة إنكار هذا الاستصحاب‌ إلى صاحب الجواهر»و في تحقيق الأصول، ج‌2، ص370: «و قد نوقش في هذا الاستصحاب بوجوه: الوجه الأوّل:عدم شمول أدلة الاستصحاب‌ لهذا القسم من أقسامه ذهب إليه الفقيه صاحب الجواهر».قد ذكر في تعلیقة مصباح الأصول بتحقیق الشیخ جواد القیومي الإصفهاني و تعلیقة بیان الفقه (الاجتهاد و التقلید)، ج3، ص494 مصدر هذا القول جواهر الكلام في ثوبه الجديد، النجفي الجواهري، الشيخ محمد حسن، ج2، ص348. و لكن لم نجد هذا الكلام فیه و لم یذكر في باقي الكتب الستّة المتقدّمة آنفاً مصدر لهذا القول.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo