< قائمة الدروس

درس خارج اصول استاد محمدعلی پسران‌بهبهانی

44/08/05

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: الأصول العملية/أصالة البراءة /خاتمة في شرائط جریان أصالة البراءة

الصورة الرابعة

و هي أن ینكشف مطابقة العمل للواقع الذي قامت علیه الحجّة الفعلیة و مخالفته للطریق الذي كان من حقّه الرجوع إلیه حین العمل على تقدیر الفحص، و قد ظهر ممّا تقدّم في الصورة الثالثة حكم هذه الصورة، فإنّ العمل حینئذٍ صحیح بلا إشكال.

ثمّ هنا قد تطلق كلمة الواقع و یراد بها الطریق الذي یجب الرجوع إلیه فعلاً و قامت الحجّة الفعلیة علیه، لأنّ الطریق الفعلي هو محرز للواقع، و لذا یحمل الواقع في كلمات المحقّق النائیني علیه، لأنّه أراد به هذا المعنی، كما صرّح به في عبارته المتقدّمة[1] .

و قد تطلق كلمة الواقع و یراد بها الواقع النفس الأمري، فإنّ الواقع بالمعنی المتقدّم هو الطریق الفعلي الذي قامت علیه الحجّة الفعلیة و هو إمّا یطابق الواقع النفس الأمري و إمّا لایطابقه.

و هنا بحث آخر: و هو أنّ المكلّف العامّي إذا لم‌یستند في عمله إلى الطریق الذي كان من حقّه الرجوع إلیه حین العمل بل كان عمله مخالفاً له و لكن طابق عمله الواقع الذي قامت الحجّة الفعلیة علیه، كما هو مفاد الصورة الرابعة و كان عمله مخالفاً للواقع النفس الأمري، یصحّ عقابه بالنسبة إلى الزمان السابق على الاستناد إلى الطریق الفعلي.

قال المحقّق الخوئي في بیان ذلك:

إنّ ترك الواجب الواقعي في الوقت له عقاب غیر عقاب ترك القضاء، فالاستناد إلى فتوی المجتهد الفعلي بصحّة العمل المأتي به و عدم وجوب القضاء یوجب رفع العقاب على ترك القضاء، لا رفع العقاب على ترك الأداء، إذ تركه كان بلا استناد إلى الحجّة ... نعم لو صلّى بلا تقلید مجتهد، ثم قلّد من أفتی بصحّة صلاته و الوقت باقٍ، و كانت صلاته فاسدة في نفس الأمر، لایصحّ عقابه على ترك الأداء أیضاً، لاستناده حینئذٍ في عدم الإعادة إلى الحجّة الفعلیة[2] .

التنبیه السادس:

قال المحقّق الخوئي - بعد تمامیة تقیید أدلّة البراءة النقلیة في الشبهات الحكمیة بما بعد الفحص -: «بما ذكرناه ظهر اختصاص أدلّة الاستصحاب أیضاً بما بعد الفحص و ظهر أیضاً عدم جواز الرجوع إلى سائر الأُصول العقلیة قبل الفحص كالتخییر العقلي و نحوه.

و ملخّص الكلام في المقام أنّ الأُصول العقلیة في نفسها قاصرة عن الشمول لما قبل الفحص، لأنّ موضوعها عدم البیان و هو لایحرز إلّا بالفحص فلا مقتضي لها قبله.

و أمّا [الاستصحاب و] الأُصول النقلیة فأدلّتها و إن كانت مطلقة في نفسها، إلا أنّها مقیّدة بما بعد الفحص بالقرینة العقلیة المتّصلة و النقلیة المنفصلة»[3]

الشرط الثاني: أن لا يثبت بجريان الأصل حكم شرعي من جهة أخرى

إنّ الفاضل التوني ذكر لجریان البراءة شرطین آخرین مضافاً إلى كونه مشروط بالفحص[4] ، فيكون جريان البراءة مشروط بشروط ثلاثة، فلابدّ أن نبحث هنا عن الشرط الثاني و الثالث، بعد الفراغ عن الشرط الأوّل (و هو لزوم الفحص).

و أما الشرط الثاني فهو أن لایكون إعمال الأصل موجباً لثبوت حكم شرعي من جهة أُخری.

تمثیل الفاضل التوني لذلك بأمثلة ثلاثة

المثال الأوّل: إذا علمنا إجمالاً بنجاسة أحد الإناءین و قلنا بجریان أصالة البراءة بالنسبة إلى أحد الإناءین المشتبهین بمعنی أنّ الأصل یقتضي عدم وجوب الاجتناب عنه، فإنّه یوجب الحكم بوجوب الاجتناب عن الآخر، للعلم الإجمالي بالنجاسة.

المثال الثاني: إذا كان الماء مشكوكاً في كریته ثمّ لاقی النجاسة و قلنا بأنّ الأصل یقتضي عدم بلوغ الملاقي للنجاسة كرّاً فإنّ جریان أصالة عدم الكرّیة یوجب الحكم بنجاسة هذا الماء و وجوب الاجتناب عنه.

المثال الثالث: إذا علمنا بكرّیة الماء و لكن الماء كان قلیلاً في ما سبق و علمنا أیضاً بملاقاة هذا الماء للنجاسة و شككنا أنّ الماء عند الملاقاة هل كان قلیلاً و بلوغه الكرّیة كان بعد ملاقاة النجاسة عند ما كان قلیلاً، حتّی یجب الاجتناب عنه أو كان كرّاً حتّی لایجب الاجتناب عنه، فإنّ أصالة عدم تقدّم كرّیة الماء على الملاقاة توجب الاجتناب عن الماء المذكور[5] .

هذا ما أفاده الفاضل التوني في الشرط الثاني، على ما حكى عنه في رسائل العلّامة الأنصاري[6] .

إشكال المحقّق الخوئي على المثالين الثاني و الثالث

«هذان المثالان لاینطبقان على البراءة، و إنّما هما مثالان للاستصحاب و لم‌یظهر وجه لذكرهما في المقام»[7] .

نعم قد ذكر العلّامة الأنصاري مثالاً آخر بدل المثال الثاني[8] :

إنّ شخصاً وجد مقداراً من المال وافیاً بالحجّ و لكن شككنا في كونه مدیوناً فإنّ الدین مانع عن الاستطاعة، فإنّه بعد جریان أصالة البراءة عن الدین یحكم بوجوب الحجّ بذلك المال، فإنّه نظیر المثال الثاني حیث إنّ أصالة عدم بلوغ الماء الملاقي للنجاسة كرّاً یوجب الحكم بقلّته التي أُنیط بها الانفعال.

بیان المحقّق النائیني لشرط الثاني

هنا أقسام أربعة:

تحقیق الكلام حول هذا الشرط یستدعي ذكر التفصیل الذي ذكره المحقّق النائیني حیث فصّل بذكر شقوق أربعة و المحقّق الخوئي قسّم الشق الرابع إلى قسمین.

إنّ ترتّب ثبوت الحكم الشرعي و الإلزام به على جریان الأصل و إعماله یتصوّر على أقسام خمسة:


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo