< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ محمدعلي پسران البهبهاني

44/08/19

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: الأصول العملية/أصالة التخيير /دوران الأمر بین المحذورین في التعبدیات مع وحدة الواقعة، النظریة الأ ولی

 

النظریة الأُولى: من صاحب الكفایة

إنّ المحقّق الخراساني قال:

لو كانا [أي الوجوب و الحرمة] تعبّدیین أو كان أحدهما المعیّن كذلك لم‌یكن إشكال في عدم جواز طرحهما و الرجوع إلى أصالة الإباحة.[1]

و هذا خلاف ما ذهب إلیه في المقام الأوّل حیث قال فیه بالتخییر بین الترك و الفعل عقلاً - و هذا هو التخییر العملي الفقهي فالتخییر لیس بین الأخذ بالوجوب أو الأخذ بالحرمة حتّی یكون التخییر أُصولیاً - مع الحكم علیه بالإباحة شرعاً.

و الوجه في عدوله عن هذا القول في المقام الثاني هو أنّ الرجوع إلى الإباحة في هذا المقام مستلزم للمخالفة العملیة القطعیة حیث إنّه لو حكمنا بالإباحة یلزم إباحة فعل الصلاة بدون قصد القربة، و حینئذٍ إن أتی المكلّف بها بدون قصد القربة فتتحقّق المخالفة القطعیة العملیة، كما صرّح به الشيخ الأنصاري.[2]

هذا بخلاف المقام الأوّل فإنّ الحكم بالإباحة الظاهریة لایوجب الوقوع في المخالفة القطعیة العملیة بل غایة ما یترتّب علیها هي المخالفة الالتزامیة و صاحب الكفایة یعتقد بعدم وجوب موافقة الأحكام التزاماً.

ثم إنّ هنا محذوراً آخر في جعل الإباحة الظاهریة في المقام الثاني، و قد أشار إلیه السیّد الجزائري[3] و هو أنّ الإباحة حكم لا اقتضائي و المفروض هنا تعبّدیة أحد الحكمین أو كلاهما، مع أنّ التعبدیة تتقوّم بالحكم الاقتضائي و لذا یجب أن یكون الحكم الذي یتّصف به الفعل التعبّدي حكماً اقتضائیاً، فالإباحة الظاهریة تستلزم اجتماع النقیضین: الاقتضائي و اللااقتضائي و هذا محال.

ثمّ قال صاحب الكفایة بأنّ مقتضى القاعدة في دوران الأمر بین الوجوب و الحرمة في هذا المقام (أي المقام الثاني) هو التخییر عقلاً بین إتیانه على وجه قربي، بأن یؤتی به بداعي احتمال طلبه، و بین تركه كذلك أي على وجه قربي، لعدم الترجیح بینهما، و الترجیح بلا مرجّح قبیح.

ملاحظتان على نظریة صاحب الكفایة

الملاحظة الأُولى

إنّ المكلّف في مفروض المثال یتردّد أمره في مقام العمل بین صور ثلاث:

الأوّلى: أن یأتي بالصلاة على وجه قربي.

و الثانية: أن یأتي بالصلاة بلا قصد القربة.

و الثالثة: أن یترك الصلاة مطلقاً و لایأتي بها لا بقصد القربة و لا بدون قصدها.

أمّا الصورة الثانیة فهي تستلزم المخالفة العملیة القطعیة في مثال المرأة المردّد دمها بین دم الحیض و دم الاستحاضة فلابدّ من التخییر بین الصورة الأُولى و الثالثة.

و لكن إن كان متعلّق الوجوب الصلاة بقصد القربة و متعلّق الحرمة أیضاً نفس هذه الصلاة بقصد القربة، فلایتمكّن المكلّف من المخالفة القطعیة العملیة، لأنّ الصورة الثانیة حینئذٍ تعدّ امتثالاً للنهي المتعلّق بالصلاة المقیدة بقصد القربة، لأنّ امتثال الحرمة في هذا المثال إمّا بترك الصلاة رأساً و إمّا بالإتیان بها بدون قصد القربة.

فما أفاده صاحب الكفایة یصحّ في ما إذا كانت الحرمة متعلّقة بذات العمل و أمّا إذا قلنا بتعلّق الحرمة بالعمل الذي أتی به المكلّف مع قصد القربة فلایمكن أن تلزم المخالفة القطعیة العملیة.

فلابدّ من التفصیل بین موارد تعلّق الحرمة بنفس ما تعلّق به الوجوب و بین موارد تعلّق الوجوب بالعمل مع قصد القربة و تعلّق الحرمة بنفس العمل و ذاته، فإنّ في الأخیر یتمكّن المكلّف من المخالفة القطعیة عملاً.

الملاحظة الثانیة

إنّا نقول بأصالة التخییر العقلي و العقلائي بین الأخذ بالوجوب و الأخذ بالحرمة لما تقدّم في المقام الأوّل.


النظریة الثانیة: من المحقّق النائیني[4]

إنّ المحقّق النائیني یری أنّ المكلّف لمّا یتمكّن من المخالفة القطعیة فلابدّ أن یكون العلم الإجمالي بالنسبة إلیها (أي المخالفة القطعیة) موجباً للتأثیر و مقتضیاً للتنجیز و إن لم‌یقتض ذلك بالنسبة إلى الموافقة القطعیة حیث إنّ الموافقة القطعیة غیر ممكنة للمكلّف.

إیضاح المحقّق الخوئي

إنّ العلم الإجمالي على أربعة أقسام:

القسم الأوّل: ما یمكن فیه الموافقة القطعیة و المخالفة القطعیة و هو الغالب كما إذا دار الأمر بین وجوب شيء و حرمة شيء آخر ...

القسم الثاني: ما لایمكن فیه الموافقة القطعیة و لا المخالفة القطعیة كموارد دوران الأمر بین المحذورین في ما لم یكن شيء من الحكمین المحتملین تعبّدیاً و قد تقدّم حكمه في المقام الأوّل.

القسم الثالث: ما یمكن فیه المخالفة القطعیة دون الموافقة القطعیة كالمثال المتقدّم في حق المرأة المردّدة بین الطهر و الحیض ...

القسم الرابع: عكس الثالث بأن یمكن فیه الموافقة القطعیة دون المخالفة القطعیة كما لو علم إجمالاً بحرمة أحد الضدّین اللذین لهما ثالث في وقت واحد.

... إذا عرفت ذلك فاعلم أنّه لا أثر للعلم الإجمالي في القسم الثاني فتجري الأُصول النافیة في أطرافه ... و أمّا غیره من الأقسام الثلاثة فالأُصول في أطراف العلم الإجمالي في مواردها متعارضة متساقطة ... و یترتّب على ذلك تنجیز العلم الإجمالي من حیث حرمة المخالفة القطعیة و وجوب الموافقة [القطعیة] أو من إحدی الجهتین دون الأُخري.

و حیث إنّ المخالفة القطعیة في ما هو محلّ الكلام فعلاً [أي القسم الثالث] ممكنة، كان العلم الإجمالي منجّزاً بالنسبة إلیها، فحرمت علیها المخالفة القطعیة بأن تأتي بالصلاة بدون قصد القربة و حیث إنّ الموافقة القطعیة غیر ممكنة فلا محالة یحكم العقل بالتخییر بین الإتیان بالصلاة برجاء المطلوبیة و بین تركها رأساً.[5]

یلاحظ علیها

قد تقدّم أنّ ما أفاده مبني على مسألة عدم إمكان امتثال العلم الإجمالي و إمكان المخالفة القطعیة، مع أنّ البحث یبتني على إمكان امتثال الحكم الذي یكون في طرف العلم الإجمالي و تنجیز هذا الحكم في نفسه و ابتلاؤه بالمانع في مقام الامتثال، و حیث إنّ الحكمین كلّ منهما في نفسه واصل إلى المكلّف مع تمكّنه من امتثاله في نفسه و مانعیة كلّ منهما عن الآخر في مقام الامتثال فیحكم العقل و العقلاء بالتخییر في الأخذ بكلّ منهما تخییراً أُصولیاً و نتیجة ذلك هو التخییر العملي بین الفعل بقصد القربة و بین ترك الفعل رأساً.

و هذا في ما إذا لم‌یكن أحدهما أهمّ من الآخر أو لم‌یكن أحدهما محتمل الأهمّیة و إلّا فلابدّ من تقدیمه على الآخر، كما ذكرنا سابقاً.


تفریع في المقام: دوران الأمر بین المحذورین في العبادات الضمنیة

قد اختلف الأعلام في حكم دوران الأمر بین المحذورین في العبادات الضمنیة مثل دوران الأمر بین كون الشيء شرطاً لتحقّق واجب عبادي و كونه مانعاً عنه و هكذا دوران الأمر بین كون الشيء جزءً لواجب عبادي و كونه زیادةً مبطلة.

و الأوّل نظیر اشتراط القراءة بالجهر أو الإخفات في الركعتین الأُولیین من صلاة الظهر یوم الجمعة؛ فإنّ بعضهم قالوا بوجوب الجهر و بعضهم قالوا بوجوب الإخفات، فلو فرضنا العلم الإجمالي بوجوب الجهر و شرطیته أو بحرمته و مانعیته فیكون صغریً لدوران الأمر بین المحذورین في العبادت الضمنیة.

و الثاني نظیر ما إذا شككنا بعد القیام في الإتیان بالسجدة الثانیة، فإنّه إن قلنا بأنّ محلّ تداركها فات بالدخول في القیام، فلایجوز حینئذٍ الرجوع إلى حالة السجود و الإتیان بالسجدة الثانیة، لأنّه زیادة مبطلة.

و إن قلنا بأنّ محلّ تداركها لم‌یفت بالدخول في القیام لعدم صدق الدخول في الغیر بصرف الإتیان بالقیام، فیجب حینئذٍ الرجوع إلى حالة السجود و الإتیان بالسجدة الثانیة و إلّا تبطل الصلاة لأنّ عدم الإتیان بالسجدة الثانیة یعدّ تركاً عمدیّاً لجزء الصلاة.

و هكذا الشكّ بین القصر و الإتمام، فإنّ المكلّف حینئذٍ یشكّ في أنّ الركعتین الأخیرتین جزئين للصلاة أو زیادة مبطلة.

نظریة الشيخ الأنصاري

قد نقل[6] عن الشيخ أنّه قال بالتخییر هنا، كما قال به في دوران الأمر بین المحذورین في التكالیف الاستقلالیة.

إیراد المحقّق الخوئي علیها [7]

إنّ محصّل ما أفاده أنّ للمسألة فروض أربعة

الفرض الأوّل

و هو ما یتمكّن فیه من الامتثال التفصیلي، كما إذا قلنا في المثال المتقدّم في من شكّ بعد القیام في إتیانه بالسجدة الثانیة، بأنّه یمكن له إعادة الصلاة و امتثالها صحیحاً و هذا إمّا برفع الید عن هذه الصلاة و إعادتها و إمّا بإتمامها على أحد الاحتمالین ثمّ إعادتها.

و على كلّ تقدیر لا وجه للحكم بالتخییر و جواز الاكتفاء بأحد الاحتمالین في مقام الامتثال و ذلك لأنّ المكلّف متمكّن من الامتثال التفصیلي و الاشتغال الیقیني یستدعي الفراغ الیقیني.

و هذا مبني على عدم حرمة قطع الصلاة الفریضة مطلقاً أو في خصوص المقام من جهة أنّ دلیل الحرمة قاصر عن شمول مثل هذا المقام، لأنّ دلیل الحرمة هو الإجماع و القدر المتیقّن منه هو حرمة قطع الصلاة التي یجوز للمكلّف الاقتصار علیها في مقام الامتثال و أمّا الصلاة المحكوم بوجوب إعادتها فلا دلیل على حرمة قطعها.

الفرض الثاني

و هو ما یتمكّن فیه أیضاً من الامتثال التفصیلي بعین ما ذكرنا في الفرض الأوّل إلّا أنّه یختلف عنه بالبناء على القول بحرمة قطع الصلاة في المثال المتقدّم و حینئذٍ نقول: إنّ ما أفاده الشيخ الأنصاري من التخییر صحیح إلّا أنّه بعد امتثال هذه الصلاة مخیّراً بین الإتیان بالأمر المشكوك و عدم الإتیان به، لابدّ من امتثال آخر بإعادة الصلاة تحصیلاً للفراغ الیقیني.

و ذلك لأنّ هنا علمین إجمالیین:

أحدهما: العلم الإجمالي بثبوت إلزام متعلّق بطبیعي العمل المردّد بین ما یؤتی فیه بالجزء المشكوك فیه و ما یكون فاقداً له و هذا العلم الإجمالي یقتضي إعادة الصلاة لتمكّن المكلّف من الموافقة القطعیة بإعادتها ثانیاً.

ثانیهما: العلم الإجمالي بحرمة الجزء المشكوك فیه أو وجوبه، لدوران الأمر فیه بین الجزئیة الموجبة لوجوبه و المانعیة المقتضیة لحرمته لكونه مبطلاً للعمل، و هذا العلم الإجمالي الثاني غیر منجّز لعدم التمكّن من الموافقة القطعیة و لا من المخالفة القطعیة في الصلاة الأُولى التي صلاّها و شكّ فیها في إتیان السجدة الثانیة مع أنّه یحرم علیه قطع الصلاة، فهذا العلم الإجمالي الثاني یقتضي التخییر العملي بین الإتیان بالمشكوك و تركه في الصلاة الأُولى (و المحقّق الخوئي جعل هذین الفرضین في الصورة الأُولى من الصور التي صوّرها في المقام).

الفرض الثالث

و هو ما یتمكّن فیه من الامتثال الإجمالي بتكرار الجزء أو تكرار أصل العمل مثل الإتیان بصلاة ظهر الجمعة تارةً جهراً و أُخری إخفاتاً و مثل الإتیان بالصلاة تارةً قصراً و أُخری تماماً و لا وجه حینئذٍ للحكم بالتخییر و الاكتفاء بالامتثال الاحتمالي، بل لابدّ من الامتثال الیقیني و إن كان إجمالیاً، لأنّ الاشتغال الیقیني یستدعي الفراغ الیقیني. (و هذا الفرض هي الصورة الثانیة في كلام المحقّق الخوئي).

الفرض الرابع

و هو ما لایتمكّن من الامتثال القطعي في الوقت لا امتثالاً تفصیلیاً كما في الفرضین الأوّلین و لا امتثالاً إجمالیاً كما في الفرض الثالث، و ذلك مثل دوران الأمر بین القصر و الإتمام عند ضیق الوقت، فما أفاده الشيخ الأنصاري في هذا الفرض مما لا مناص منه.

إشكال على حكم الفرض الرابع

إنّ الامتثال الیقیني في داخل الوقت و إن كان غیر ممكن، إلّا أنّه ممكن في خارج الوقت بأن یأتي المكلّف بالمحتمل الآخر في خارج الوقت.

جواب المحقّق الخوئي عن هذا الإشكال

التحقیق عدم وجوب الإتیان بالقضاء في خارج الوقت، إذ القضاء بفرض جدید و تابع لصدق عنوان فوت الفریضة في الوقت و لم‌یحرز الفوت في المقام لأنّ إحرازه یتوقّف على إحراز فعلیة التكلیف الواقعي في الوقت بالعلم الوجداني أو الأمارة أو الأصل و كلّ ذلك غیر موجود في المقام.

فإنّ غایة ما في المقام هو العلم الإجمالي بأحد الأمرین من الجزئیة أو المانعیة و هو لایكون منجزاً إلّا بالنسبة إلى وجوب الموافقة الاحتمالیة و وجوب الأخذ بأحد المحتملین في الوقت، دون المحتمل الآخر لعدم إمكان الموافقة القطعیة، فإذا لم‌یحرز التكلیف بالنسبة إلى المحتمل الآخر في الوقت، لم‌یحرز الفوت كي یجب القضاء.[8]

یلاحظ علیه

إنّ ما أفاده یصحّ في مثل النذر بأداء الصلاة المعیّنة في زمان مخصوص مضیّق مع التردید في أنّ متعلّق النذر مقیّد بالجهر أو بالإخفات، فحینئذٍ یجب التخییر كما تقدّم، لعدم التمكّن من أداء كلا التكلیفین.

أمّا تردید الصلاة بین القصر و الإتمام فلیس من هذا القبیل، لأنّ وقت الصلاة موسّع ثمّ تضیّق في آخر الوقت، فالتكلیف بكلّ من القصر و الإتمام واصل بالعلم الإجمالي، و التمكّن من كلّ منهما في نفسه لولا أنّ الآخر موجود، إلّا أنّه قبل ضیق الوقت كان المكلّف متمكّناً من أداء كلیهما و بعده لایتمكّن إلّا من أحدهما فالتكلیف الظاهري بأداء كلیهما قبل ضیق الوقت یوجب صدق عنوان فوت التكلیف الظاهري فیجب قضاؤها خارج الوقت.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo