< قائمة الدروس

درس خارج اصول استاد محمدعلی پسران‌بهبهانی

44/08/20

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: الأصول العملية/أصالة التخيير /دوران الأمر بین المحذورین مع تعدد الواقعة علی قسمین

دوران الأمر بین المحذورین مع تعدّد الواقعة على قسمین

إن دوران الأمر بین المحذورین مع تعدّد الواقعة على قسمین:

القسم الأوّل: أن یكونا عرضیین

القسم الثاني: أن یكونا طولیین.

قبل الورود في البحث لابدّ أن نشیر إلى أنّ صورة تعدّد الواقعة بحسب ظاهر هذا التقسیم لایتفاوت فیه أن یكون كلّ من الواجب و الحرام أو أحدهما تعبّدیاً أو توصلیاً إلّا أنّ المحقّق العراقي[1] عند تقسیم الأبحاث في دوران الأمر بین المحذورین ذهب إلى أنّه في ما كان كلّ من الواجب و الحرام توصّلیاً إمّا أن تكون الواقعة المبتلى بها واحدة كما في المرأة المردّد وطؤها في ساعة معیّنة بین الوجوب و الحرمة لأجل الحلف المردّد تعلّقه بالفعل أو الترك و إمّا أن تكون الواقعة المبتلی بها متعدّدة كالمثال المزبور إذا كان الحلف المردّد تعلّقه بالفعل أو الترك في كلّ لیلة من لیالي الجمعة مثلاً.

و الظاهر عدم اختصاص البحث عن تعدّد الواقعة بالتوصلیین بل البحث فیه أعمّ من الواجب و الحرام التعبّدیین أو التوصلیین أو ما كان أحدهما تعبّدیاً و الآخر توصّلیاً كما أنّ ظاهر عبارة المحقّق النائیني هو تعمیم البحث.[2]


القسم الأوّل: كون المحذورين عرضيين

و هو دوران الأمر بین الواجب و الحرام في ما إذا كانا عرضیین كما إذا علم إجمالاً بصدور حلفین تعلّق أحدهما بفعل أمر و تعلّق الحلف الآخر بترك أمر آخر و لكن اشتبه الأمران خارجاً و حینئذٍ یعلم الحالف بتعلّق الحلف بكلّ من الأمرین و لكن لایدري هل تعلّق الحلف بفعله أم بتركه فیكون كلّ من الأمرین مردّداً بین الوجوب و الحرمة.

هنا نظریتان:

النظریة الأُولى: التخییر العقلي

و هو إمّا تخییر عقلي في المسألة العملیة بمعنی التخییر بین الفعل و الترك كما ذهب إلیه بعض المحقّقین مثل المحقّق النائیني و المحقّق الإصفهاني و غیرهما و إمّا تخییر عقلي في المسألة الأُصولیة بمعنی التخییر بین الأخذ بالوجوب و الأخذ بالحرمة كما تقدّم اختیار ذلك القول في المقام الأوّل و أنّه هو مقتضى السیرة العقلائیة في المقام على التحقیق.

و الوجه في ذلك هو ما تقدّم من عدم تمكّن المكلّف من الموافقة القطعیة للتكلیف المعلوم بالعلم الإجمالي و عدم تمكّنه من المخالفة القطعیة له أیضاً.

فعلى هذا یجوز للمكلّف بالنسبة إلى كلّ من الأمرین أن یأخذ بالوجوب أو بالحرمة و نتیجة ذلك هو أنّه یجوز له الإتیان بكلّ منهما أو تركهما جمیعاً أو فعل أحدهما مع ترك الآخر.

النظریة الثانیة: من المحقّق النائیني و المحقّق الخوئي [3] [4]

إنّ التخییر و إن كان صحیحاً إلّا أنّه بین فعل أحد الأمرین و ترك الأمر الآخر و أمّا التخییر بین فعلهما معاً أو تركهما معاً فهو مستلزم للمخالفة القطعیة.

بیان ذلك:

«أنّ العلم الإجمالي بالإلزام المردّد بین الوجوب و الحرمة في كلّ من الأمرین و إن لم یكن له أثر، لاستحالة الموافقة القطعیة و المخالفة القطعیة في كلّ منهما كما ذكر إلّا أنّه یتولّد في المقام علمان إجمالیان آخران:

أحدهما: العلم الإجمالي بوجوب أحد الفعلین.

ثانیهما: العلم الإجمالي بحرمة أحدهما.

و العلم الإجمالي بالوجوب یقتضي الإتیان بهما تحصیلاً للموافقة القطعیة، كما أنّ العلم الإجمالي بالحرمة یقتضي تركهما معاً كذلك [أي لحصول الموافقة القطعیة] .

و حیث إنّ الجمع بین الفعلین و التركین معاً مستحیل، یسقط العلمان عن التنجیز بالنسبة إلى وجوب الموافقة القطعیة.

و لكن یمكن مخالفتهما القطعیة بإیجاد الفعلین أو بتركهما، فلا مانع من تنجیز كلّ منهما بالنسبة إلى حرمة المخالفة القطعیة، فإنّها المقدار الممكن [من تنجیز العلم الإجمالي و ببیان فقهي إنّ إیجاد الفعلین حرام من جهة حنث الحلف الثاني و تركهما حرام من جهة حنث الحلف الأوّل] على ما تقدّم بیانه و علیه فاللازم هو اختیار أحد الفعلین و ترك الآخر، تحصیلاً للموافقة الاحتمالیة و حذراً من المخالفة القطعیة».

هذا ما أفاده المحقّق النائیني و المحقّق الخوئي و هو في غایة المتانة.


القسم الثاني: كون المحذورين الطوليين

و هو دوران الأمر بین الواجب و الحرام فیما إذا كانا طولیین.

و مثال ذلك هو ما إذا علم أنّه حلف على إتیان فعل في زمان و حلف على ترك نفس هذا الفعل في زمان آخر و بعد ذلك اشتبه علیه الزمانان.

و عليه حكم هذا الفعل في كلّ من الزمانین یدور بین الوجوب و الحرمة.

و مختار بعض الأعلام هنا أیضاً التخییر العقلي إمّا تخییراً عملیاً بین الفعل و الترك بمناط اللاحرجیة العقلیة كما أفاده المحقّق النائیني و المحقّق الإصفهاني و إمّا تخییراً أصولیاً بین الأخذ بالوجوب أو الحرمة لعدم التمكّن من الموافقة القطعیة و لا من المخالفة القطعیة بالنسبة إلى كلّ واقعة.

فالمكلّف یجوز له اختیار إتیان الفعل أو اختیار الأخذ بوجوبه في كلّ من الزمانین كما یجوز له اختیار تركه أو اختیار الأخذ بحرمته في كلّ من الزمانین و كما یجوز له أیضاً اختیار الفعل أو الأخذ بوجوبه في زمان و اختیار تركه أو الأخذ بحرمته في زمان آخر.

هنا أیضاً نظریتان:

النظریة الأُولى: ما أفاده المحقّق الخوئي

إن قلنا بتنجیز العلم الإجمالي في الأمور التدریجیة كغیرها، فلایفرق بین القسمین المذكورین [القسم الأوّل و الثاني] لاتحاد الملاك فیهما حینئذٍ.

و علیه فالعلم الإجمالي منجّز بالنسبة إلى حرمة المخالفة القطعیة، فاللّازم اختیار الفعل في أحد الزمانین و اختیار الترك في الآخر، حذراً من المخالفة القطعیة و تحصیلاً للموافقة الاحتمالیة.

و إن قلنا بعدم تنجیز العلم الإجمالي في التدریجیات، فیحكم بالتخییر بین الفعل و الترك في كلّ زمان، إذ لم‌یبق سوی العلم الإجمالي بالإلزام المردّد بین الوجوب و الحرمة في كلّ من الزمانین و قد عرفت أنّ مثل هذا العلم لایوجب التنجیز لعدم إمكان الموافقة القطعیة و لا المخالفة القطعیة، فیتخیّر المكلّف بین الفعل و الترك في كلّ من الزمانین.[5]

هذا ما أفاده المحقّق الخوئي في المقام و سیجيء إن شاء الله في مبحث أصالة الاحتیاط التنبیه السادس أنّه ذهب إلى تنجیز العلم الإجمالي في التدریجیات تبعاً لأستاذه المحقّق النائیني.[6]

النظریة الثانیة: ما افاده المحقّق النائیني

قد یستفاد من كلمات المحقّق النائیني في فوائد الأصول و أجود التقریرات أنّه لایعتقد في القسم الثاني إلّا بالتخییر العقلي بین الفعل و الترك سواء أتی بالفعل في كلّ من الزمانین أو أتی بالترك في كلّ منهما أو أتی بالفعل في الزمان الأوّل و تركه في الزمان الثاني.

و دلیله على ذلك یستفاد من بیانه حول مسألة التخییر البدوي و التخییر الاستمراري.

فإنّ المحقّق النائیني یفصّل في ذلك بین الواقعة المتكررة الدفعیة و هو القسم الأوّل فیقول بعدم جواز الإتیان بفعلهما أو تركهما لاستلزام ذلك المخالفة القطعیة، و بین الوقایع المتعدّدة التدریجیة فیجوز فیها ذلك.

و لنبحث عن استدلاله على ذلك في مسألة التخییر البدوي و الاستمراري إن شاء الله تعالى.([7] )

التنبیه الأوّل: التخییر بدوي أو استمراري؟

إنّ دوران الأمر بین المحذورین في الأمور الطولیة بالنسبة إلى فعل واحد:

قد ینحصر في زمانین و مثاله هو ما إذا حلف على الفعل في زمان و حلف على الترك في زمان آخر و اشتبه بعد ذلك الزمانان فلم‌یدر أنّ الزمان الأوّل هو الزمان الذي حلف على إتیان الفعل فیه أو هو الزمان الذي حلف على ترك الفعل فیه و هكذا بالنسبة إلى الزمان الثاني فهنا واقعتان و زمانان، قد وقع البحث حول ذلك في القسم الثاني.

و قد لاینحصر في زمانین و واقعتین بل یكون هنا وقایع و أزمنة متعدّدة و ذلك مثل أن یحلف بأنّه في كلّ لیلة من لیالي الجمعة یأتي بعمل مخصوص أو یتركه بأن كان متعلّق الحلف معلوماً حین الحلف و لكن بعد ذلك قد اشتبه علیه متعلّق الحلف فلم‌یدر أنّه حلف على إتیان هذا الفعل، أو حلف على تركه في كلّ لیلة من لیالي الجمعة، ففي كلّ لیلة جمعة یتردّد أمره بین الفعل و الترك و القاعدة هنا التخییر و لكن الكلام في أنّ التخییر بدوي أو استمراری؟

فإنّ الشيخ الأنصاري[8] و المحقّق الإصفهاني[9] و المحقّق العراقي[10] و جمع آخر من المحقّقین قالوا بالتخییر الاستمراري و في قبالهم بعض المحقّقین من الأصولیین قالوا بالتخییر البدوي، و المحقّق الخوئي منهم حیث قال بالتخییر البدوي حذراً من ارتكاب المخالفة القطعیة للعلم الإجمالي.


استدلال القائلین بالتخییر البدوي بأدلة ثلاثة

الدلیل الأوّل

إنّ القائلین بالتخییر البدوي التزموا بأنّ ما اختاره المكلّف في اللیلة الأُولى من الفعل أو الترك لابدّ أن یختاره أیضاً في اللیالي اللاحقة، و لیس له أن یختار في اللّیلة اللّاحقة خلاف ما اختاره في اللّیلة السابقة، فإنّه لو اختلف اختیاره في اللّیالي لزم منه المخالفة القطعیة للتكلیف المعلوم بالإجمال، فإنّه یعلم بتحقّق الحنث إمّا في اللّیلة السابقة، و إمّا في اللیلة التي هو فیها، فلأجل الفرار عن حصول المخالفة القطعیة، لابدّ أن یكون التخییر بدویاً.

قال المحقّق النائيني:

إنّ التخییر البدوي في صورة تعدّد الواقعة یدور مدار وجود أمرین:

[الأمر الأوّل:] إمّا من حرمة المخالفة القطعیة شرعاً، لیجب التجنّب و الفرار عن حصولها و لو بعد ذلك فیجب على المكلّف عدم إیجاد ما یلزم منه المخالفة القطعیة.

[الأمر الثاني:] و إمّا من ملاحظة الوقایع المتعدّدة منضمّاً بعضها إلى بعض في تعلّق التكلیف بها حتّی یتمكّن المكلّف من المخالفة التكلیف بتبعیض الوقایع و اختیاره في البعض ما یخالف اختیاره في الآخر.[11]

و حینئذٍ مع اختیاره التبعیض تتحقّق المخالفة القطعیة، فإنّ الواجب علیه إمّا الفعل في الجمیع و إمّا الترك في الجمیع.

فلابدّ من تحقّق كلا الأمرین حتّی یلزم المخالفة القطعیة التي تحرم على المكلّف فیمنع ذلك عن التخییر الاستمراري و یثبت حینئذٍ التخییر البدوي.

فما أفاده من أنّ التخییر البدوي في صورة تعدّد الواقعة یدور مدار أحد الأمرین المذكورین تسامح في التعبیر.

مناقشتان في الدلیل الأوّل

إنّ الأعلام قد ناقشوا في الدلیل الأوّل من ناحیة كلّ من الأمرین.

المناقشة الأولى: في حرمة المخالفة القطعیة هنا

بیان الشيخ الأنصاري: «إنّ المخالفة القطعیة في مثل ذلك، لا دلیل على حرمتها، كما لو بدا للمجتهد في رأیه أو عدل المقلّد عن مجتهده لعذر من موت أو جنون أو فسق أو اختیاراً على القول بجوازه.[12]

المناقشة الثانیة: في تأثیر هذا العلم الإجمالي في تنجیز مخالفته القطعیة

بیانان للمناقشة الثانیة

البیان الأوّل: من المحقّق النائیني

إنّ كلّ واقعة من تلك الوقایع المتكرّرة واقعة برأسها لم‌یعلم فیها الملاك الملزم لا بالنسبة إلى طرف الفعل و لا بالنسبة إلى طرف الترك.

فعند الواقعة الأُولى لیس المعلوم إلّا الإلزام المردّد بین الوجوب و الترك و كذلك الواقعة الثانیة و الثالثة و هكذا.

فلیس هناك خطاب معلوم قابل للداعویة و لا ملاك محرز في طرف الفعل أو الترك غایة الأمر حصول العلم بالمخالفة عند اختیار المكلّف في الواقعة الثانیة غیر مختاره في الواقعة الأُولى، و هذا لا أثر له بعد عدم سبق منجّز على المخالفة.

و بالجملة التكلیف المردّد بین الوجوب و الحرمة حیث كان انحلالیاً بتعدّد موضوعه في الخارج، فكلّ موضوع له حكم مستقلّ مغایر للحكم الثابت لموضوع آخر.

و من المفروض أنّ كلّ حكم من تلك الأحكام مردّد بین الوجوب و الحرمة و حكمه التخییر العقلي الناشئ من حكمه باستحالة اجتماع النقیضین و ارتفاعهما و ضمّ بعضها إلى بعض لایوجب العلم بتكلیف منجّز على كلّ تقدیر أو وجود ملاك ملزم كذلك.

فحال تكرّر الوقایع في كونها محكومةً بالتخییر حال الواقعة الواحدة بعینها ...

إن قلت: إذا كان ضمّ إحدی الواقعتین إلى الأخری [في الواقعة المتكرّرة الدفعیة كما في القسم الأوّل من القسمین المذكورین في المقام الثالث] موجباً لحدوث علم ثالث موجب لحرمة المخالفة القطعیة، فیكون ضمّ بعض الوقایع إلى بعض في صورة التدریج موجباً لذلك.

فإنّه یعلم إجمالاً بكون الفعل في هذه الواقعة أو الترك في الواقعة الثانیة مخالفاً للتكلیف المعلوم، فیجب فیه الاحتیاط أیضاً بتحصیل الموافقة الاحتمالیة و لازم ذلك هو بدویة التخییر.

قلت: التكلیف المعلوم في الوقایع التدریجیة لیس تكلیفاً فعلیاً، و إنّما هي تكالیف مشروطة بوجود موضوعاتها خطاباً و ملاكاً، ففي حال الابتلاء بالواقعة الأُولى لیس هناك علم بتوجیه خطاب فعلي على كلّ تقدیر و لا [علم] بوجود ملاك ملزم كذلك.

و هذا بخلاف المقام [أي الوقایع المتكرّرة الدفعیة] فإنّه یعلم فیه بتحقّق خطاب فعلي متعلّق بفعل إحداهما و ترك الأخری أو بالعكس، فتجب مراعاته بقدر الإمكان.[13]

ثمّ قال المحقّق النائیني:

إنّ ما ذكرناه من استمراریة التخییر في موارد دوران الأمر بین المحذورین یختصّ بغیر ما إذا كان الدوران من جهة تعارض النصین، لما ستعرف في محلّه من أنّ التخییر فیه شرعي في المسألة الأصولیة و مع الأخذ بأحد الخبرین یكون ذلك حجّة في حقّه و لا دلیل على سقوط حجّیته باختیار الطرف المعارض له، فلامحالة یكون التخییر بدویاً.[14]


[7] سيأتي بيان المحقق النائيني. في ص566 و الكلام فيه في ص570

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo