< قائمة الدروس

درس خارج اصول استاد محمدعلی پسران‌بهبهانی

44/10/10

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاحتیاط /المطلب الثالث: مناط حکم العقل بالاحتراز عن مخالفة التکلیف

المطلب الثالث: مناط حكم العقل بالاحتراز عن مخالفة التكلیف

إنّ مخالفة التكلیف المعلوم لاتوجب العلم بالعقاب القطعي لاحتمال شمول عفوه و شفاعته بل هي توجب احتمال العقاب و العقل یحكم حینئذٍ بلزوم الاحتراز عن المخالفة دفعاً للعقاب المحتمل.

و هذا البیان جار في مخالفة التكلیف المحتمل في ما إذا لم‌یحصل للمكلّف مؤمِّن عقلي أو شرعي، فإنّ العقل یحكم بلزوم الاحتراز عن المخالفة أیضاً و لذا تدخل الشبهة البدویة قبل الفحص تحت حكم العقل بلزوم الاجتناب عن مخالفتها، لعدم جریان البراءة العقلیة و الشرعیة إلّا بعد الفحص.

ثمّ إنّه لابدّ من التمایز بین حكم العقل بلزوم الاجتناب عن المخالفة و بین تنجیز التكلیف فإنّ التنجیز من مراتب الحكم و هو متوقّف على وصول الحكم إلى المكلّف و التمكّن من امتثاله عقلاً و شرعاً.

فإنّ حكم العقل بلزوم الاجتناب عن المخالفة في موارد الشبهات البدویة قبل الفحص و الشبهات المقرونة بالعلم الإجمالي ممّا لا إشكال فیه، و أمّا تنجیز التكلیف الواقعي فلا‌یتصوّر في الشبهات البدویة قبل الفحص، بل هو متصوّر في الشبهات المقرونة بالعلم الإجمالي في ما لم‌تجر الأصول العملیة النافیة في أطرافها.

نظریة المحقّق الخوئي

قال: لا فرق بين موارد التكالیف المعلومة و التكالیف المحتملة في أنّ حكم العقل بلزوم الإطاعة ناشئ من احتمال العقاب، ففي كلّ مورد یحتمل فیه التكلیف الإلزامي یستقلّ العقل بلزوم التحرّز عن المخالفة، إلّا أن یثبت فیه مؤمِّن من العقاب عقلاً كقاعدة قبح العقاب بلا‌ بیان أو شرعاً كالأدلّة الشرعیة الدالّة على البراءة من حدیث الرفع و نحوه، و أمّا إذا لم‌یثبت المؤمِّن عقلاً و لا شرعاً، فنفس الاحتمال كاف في تنجیز التكلیف الواقعي.

و یتحصّل من ذلك أنّ تنجیز العلم الإجمالي و عدمه یدور مدار جریان الأصل في أطرافه و عدمه؛ فإن قلنا بجریانه في جمیع الأطراف سقط العلم الإجمالي عن التنجیز مطلقاً، و إن قلنا بعدم جریانه في شيء من الأطراف كان احتمال التكلیف في كلّ طرف بنفسه منجّزاً بلا حاجة إلى البحث عن منجّزیة العلم الإجمالي فتجب الموافقة القطعیة كما تحرم المخالفة القطعیة و إن قلنا بجریانه في بعض الأطراف دون بعض لم‌تجب الموافقة القطعیة و إن حرمت المخالفة القطعیة، و هذا هو الوجه للتفصیل بین وجوب الموافقة القطعیة و حرمة المخالفة القطعیة.[1] [2]

یلاحظ علیه

أوّلاً: أنّ احتمال العقاب یوجب تحقّق موضوع حكم العقل بلزوم الاحتراز عن المخالفة و لا دخل له في تنجیز الحكم الواقعي، كما أنّ احتمال التكلیف الإلزامي أیضاً في ما لم‌یثبت فیه مؤمّن عقلي أو شرعي موضوع لحكم العقل بلزوم الاحتراز عن مخالفته، كما في الشبهة البدویة قبل الفحص، و لایوجب تنجیز الحكم الشرعي، لما تقدّم من أنّ تنجیز الحكم الشرعي متوقّف على أمرین: وصول الحكم إلى المكلّف و التمكّن من امتثاله، و مع عدم وصول الحكم لا وجه لتنجیزه.

و ما أفاده في الشبهة المقرونة بالعلم الإجمالي من أنّ احتمال التكلیف منجّز بلا حاجة إلى البحث عن منجّزیة العلم الإجمالي أیضاً ممنوع.

ثانیاً: أنّ ما أفاده من أنّ تنجیز العلم الإجمالي یدور مدار جریان الأصل في أطرافه فهو مبتنٍ على بعض المباني، فإنّه إن قلنا بأنّ العلم الإجمالي علّة تامّة لوجوب الموافقة القطعیة فلا‌یمكن جریان الأصل في بعض الأطراف، كما أنّه إن قلنا بعلّیته التامّة لحرمة المخالفة القطعیة لایمكن جریان الأصل في جمیع الأطراف.

فعلى هذا یدور جریان الأصل في أطراف العلم الإجمالي مدار تنجیزه بمعنی أنّه إمّا یتنجّز العلم الإجمالي بنحو العلّیة التامّة حتّی یستحیل جریان الأصل -في جمیع أطرافه أو بعضها- أو یتنجّز بنحو الاقتضاء حتّی یمكن جریان الأصل في أطرافه.

المطلب الرابع: في تخصیص البحث هنا بوجوب الموافقة القطعیة

إنّ الأعلام اختلفوا هنا في محلّ البحث من جهة المخالفة القطعیة أو الموافقة القطعیة.

هنا نظریّتان:

النظریة الأُولی: من الشیخ الأنصاري

قال: إنّ اعتبار العلم الإجمالي له مرتبتان: الأولى حرمة المخالفة القطعیة. و الثانیة وجوب الموافقة القطعیة.

و المتكفّل للتكلّم في المرتبة الثانیة (أي وجوب الموافقة القطعیة) هي مسألة البراءة و الاشتغال عند الشكّ في المكلّف به، و المقصود في مباحث القطع التكلّم في المرتبة الأولى (أي حرمة المخالفة القطعیة).[3] [4] [5] [6]

مناقشة المحقّق الإصفهاني في هذه النظریة ([7] )

إنّ تخصیص البحث المتقدّم بحرمة المخالفة القطعیة و تخصیص البحث هنا بوجوب الموافقة القطعیة بلا وجه، لأنّ فعلیة حرمة المخالفة القطعیة متوقّفة على عدم مانعیة الجهل التفصیلي و هو من شؤون هذا البحث، كما أنّ اقتضاء وجوب الموافقة القطعیة من شؤون ذلك البحث.


[2] أجود التقريرات، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج2، ص239. و هو ما ذهب إليه المحقق النائيني في أجود التقريرات: «إن الحرام المردّد إما أن يكون مردداً بين أطراف محصورة أو غير محصورة، فهنا مقامان‌:الأول: في الشبهة المحصورة، و الثاني: في الشبهة الغير المحصورة؛ أمّا المقام الأول: ‌ففيه أقوال: ثالثها: التفصيل بين المخالفة القطعية و الموافقة القطعية فيحرم الأولى و لا‌يجب الثانية و مرجع هذا القول إلى تجويز جريان الأصل في بعض الأطراف دون بعض، و الحقّ هو بتنجيز العلم الإجمالي من الجهتين‌».
[4] حواشي المشكيني علی الكفاية، مشکیني، الميرزا ابوالحسن، ج3، ص129. و في كفاية الأصول مع حواشي المشكيني: «لعلّ وجه ما ذكره أنّه لو لم‌يحرم المخالفة القطعيّة لكان ذلك من جهة أنّ العلم الإجمالي غير حجّة، و المناسب البحث عنها في باب حجّيّة القطع، بخلاف وجوب الموافقة، فإنّه ملحوظ بالنسبة إلى كلّ واحد واحد من الأطراف، و لمّا كان الجهل فيه- الّذي هو موضوع للأصول- موجوداً، ناسب البحث عنه في باب الأصول».
[5] نهاية الدّراية في شرح الكفاية، الغروي الإصفهاني، الشيخ محمد حسين، ج3، ص103. توجیه آخر لكلام الشیخ من المحقق الإصفهاني و دفعه:في نهاية الدراية، ج‌3، ص103: «توجيهه بأنّ البحث عن حرمة المخالفة القطعيّة بحث عن أصل اقتضاء العلم و البحث عن وجوب الموافقة القطعيّة بحث عن مقدار الاقتضاء و كيفيته لا عن أصله غير وجيه، إذ مقدار الاقتضاء و كيفيته لو لم‌يكونا من مقتضيات الشك و الجهل لا وجه للبحث عنهما في ما أعد للبحث عن مقتضيات الجهل و أحكامه.و توهم أنّ وجوب الموافقة القطعيّة من مقتضيات احتمال العقاب و وجوب دفع الضرر المحتمل عقلاً لا من آثار العلم بالتكليف حيث لا علم بالإضافة إلى كلّ واحد من الأطراف فله مساس بالاحتمال لا بالعلم مدفوعٌ بأنّ معنى منجزيّة العلم ترتّب استحقاق العقاب عقلاً على مخالفة التكليف الفعلي المعلوم بملاحظة انطباق عنوان قبيح عليه كعنوان هتك حرمة المولى و نحوه أو من جهة جعل العقاب شرعاً على مخالفة التكليف الواقعي المعلوم و هذا منشأ ترتّب استحقاق العقاب على مخالفة التكليف بارتكاب بعض الأطراف عند المصادفة، لا أنّ استحقاق العقاب من آثار احتماله، و لا من آثار قاعدة دفع الضرر المحتمل، إذ مع عدم استحقاق العقاب على المخالفة الواقعيّة للتكليف المعلوم في البين لا موضوع لقاعدة دفع الضرر، و مع ثبوته لا حاجة إليها، إذ الوقوع في العقاب على تقدير المصادفة من آثار كونه على الفرض مخالفة موجبة للعقاب لا من آثار مخالفة قاعدة دفع الضرر المحتمل، فالاحتمال لا ضرر عليه، و لا أثر له لا عقلاً و لا شرعاً، فتدبّر، و لانعني بحرمة المخالفة القطعيّة و وجوب الموافقة القطعيّة إلا اقتضاء المخالفة مطلقاً لاستحقاق العقاب عقلاً، فتدبر فإنّه حقيق به».
[6] نهاية الدّراية في شرح الكفاية، الغروي الإصفهاني، الشيخ محمد حسين، ج4، ص229. و ذكر هذا التوجیه ثانیاً فقال: «و توهم أنّ البحث عن حرمة المخالفة القطعية راجع إلى البحث عن أصل الاقتضاء، و البحث عن وجوب الموافقة القطعية هنا راجع إلى مقدار الاقتضاء و كيفيته، فاسدٌ؛ لأنّ مبنى الأول على أنّه لا اقتضاء، لو لم‌نقل بحرمة المخالفة القطعية مع أنّك قد عرفت أنّ الاقتضاء محفوظ مع عدم فعلية مقتضاه.و مبنى الثاني على أنّ وجوب الموافقة القطعية من باب دفع احتمال العقاب، و هو من شئون الاحتمال و فيه أولاً: أنّه ليس البحث من حيث مقدار الاقتضاء، و إلّا لكان من شئون المقتضي، و هو العلم، و ثانياً: ما تقدم في مبحث العلم الاجمالي من أنّ وجوب الموافقة القطعية ليس من ناحية احتمال العقاب، و لا من ناحية قاعدة دفع الضرر المحتمل، فراجع، و تدبّر».

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo