< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ محمدعلي پسران البهبهاني

44/10/18

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاحتياط /النظریة الثانیة من المحقق الإصفهاني؛ المقدمة الرابعة

 

المقدّمة الرابعة [1] [2]

إنّ الأفعال بحسب اتّصافها بالحسن و القبح بمعنی استحقاق المدح و الذّم على ثلاثة أقسام:

أحدها: أنّها في حدّ ذاتها لو خلّیت و نفسها، لاتكون محكومة بالحسن و القبح كالمشي و الأكل و الشرب غیر الضروري، فإنّها لیست كالعدل و الظلم حتی تكون بعنوانها محكومة بالحسن و القبح، و لا كالصدق و الكذب حتّی تكون لو خلّیت و نفسها مندرجة تحت عنوان محكوم بذاته بالحسن أو القبح، بل اندراجها تحت عنوان حسن أو قبیح دائماً بواسطة عروض عارض.

ثانیها: أنّها و إن لم‌تكن بعنوانها محكومة بالحسن أو القبح، لكنها لو خلیت و نفسها تندرج تحت أحد عنوانین محكومین بذاتهما بأحد الوصفین كالصدق و الكذب فإنّهما لو خلیا و نفسهما لاندرج الأوّل تحت عنوان العدل في القول و الثاني تحت عنوان الجور في القول، لكنّه إذا عرض الأوّل عنوان إهلاك المؤمن اندرج تحت عنوان الظلم، و إذا عرض الثاني عنوان إنجاء المؤمن اندرج تحت عنوان العدل و الإحسان. (و المحقّق الإصفهاني قد عدل عن التعبیر باقتضاء الحسن و القبح في الصدق و الكذب لما یری أنّ الاقتضاء من أجزاء العلّة التامّة[3] و هنا لا مجال لباب العلّیة مع أنّ المقتضي للحسن لایكفي للاتصاف به إلّا مع انضمام عدم المانع، مع أنّ الصدق و الكذب لو خلّیا و طبعهما یتّصفان بالحسن و القبح لاندراجهما تحت عنوان العدل في القول و الظلم في القول).

ثالثها: أنّها تكون بعنوانها من دون اندراجها تحت عنوان آخر محكومة بأحد الوصفین، كالعدل و الإحسان و الظلم و العدوان فإنّه مع حفظ عنوان العدل لایكون إلّا محكوماً بالحسن و مع حفظ عنوان الظلم لایكون إلّا محكوماً بالقبح، دون الصدق فإنّه مع حفظ عنوانه یعرضه عنوان قبیح و الكذب مع حفظ عنوانه یعرضه عنوان حسن.

و هتك حرمة المولى و الظلم علیه من العناوین القبیحة بالذات و لایمكن تخلّف القبح عنه، لأنّ تخلّف الذاتي عن ذي الذاتي محال.

إذا عرفت هذه الأمور نقول:

إنّ مخالفة التكلیف ما لم‌تقم علیه الحجّة، لیست خروجاً عن العبودیة، لتكون ظلماً حتّی تكون قبیحة مذموماً علیها، و منه تعرف أنّ مخالفة التكلیف بما هي لیست بحیث لو خلّیت و نفسها لاندرجت تحت عنوان الظلم كالكذب، بل اندراجها تحته منوط بعروض عارض و هو قیام الحجّة على التكلیف فمخالفة التكلیف الواصل ظلم قبیح بذاته و بعنوانه و تخلّف الحكم عن موضوعه التام خلف محال، و مخالفة التكلیف بما هي لیست بذاتها مندرجة تحت عنوان الظلم فوصول التكلیف الذي لا فرق في حدّ ذاته بین التفصیلي و الإجمالي موجب لاندراج المخالفة تحت عنوان یستحیل تخلّف القبح عنه فالحكم باستحقاق الذم و العقاب على مخالفة التكلیف المعلوم بالإجمال تنجیزي، لا تعلیقي.

لایقال: لم لاتكون المخالفة مقتضیة لاستحقاق الذمّ و العقاب و وصول التكلیف شرطاً؟ لأنّا نقول: الاقتضاء هنا لیس بمعنی السببیة حتّی یكون قابلاً للاشتراط الذي معناه دخل شيء في فعلیة تأثیره بل نسبة المدح و الذمّ إلى هذه العناوین نسبة الحكم إلى موضوعه، و لیس الموضوع سبباً فاعلیاً لحكمه، بل اقتضاؤه له بنحو اقتضاء الغایة لذیها لا السبب لمسبّبه، و قد عرفت أنّ الاقتضاء -بمعنی كونه لو خلّي و نفسه ممدوحاً علیه و مذموماً علیه- غیر متحقّق في موافقة التكلیف واقعاً و مخالفته واقعاً.

و منه علم أنّه ما لم‌یصل التكلیف لا اقتضاء للذمّ على مخالفته بالمعنیین و مع وصوله یستحیل تخلّف القبح عنها، كما علم أنّ في التعبیر هنا بالعلّیة و الاقتضاء للتنجیز مسامحة واضحة.

فإن قلت: مقتضى عدم تعلّق العلم الإجمالي بالواقع على ما هو علیه، و عدم تعلّقه بأحدهما المصداقي المردّد، بل تعلّقه بما لایخرج عن الطرفین هو تنجیز العلم الإجمالي من حیث حرمة المخالفة القطعیة فقط، دون وجوب الموافقة القطعیة، لأنّ المخالفة الواقعیة للتكلیف الواقعي لیست ظلماً حتّی یكون احتمالها احتمال الظلم القبیح.

و المخالفة الاحتمالیة بما هي مخالفة احتمالیة للتكلیف الواقعي لیست بظلم أیضاً، و المخالفة الاحتمالیة للتكلیف الواصل بنفسه أیضاً لیست ظلماً، و إلّا لاستحق ذمّین و عقابین في صورة المخالفة القطعیة، لتحقّق مخالفتین محتملتین.

كما أنّ المخالفة الواقعیة للتكلیف الواصل لیست ظلماً واقعاً حتّی یكون احتمالها احتمال الظلم المذموم علیه، بداهة أنّه لو صدر بعد العلم بالتكلیف فعل اختیاري مخالف واقعاً للتكلیف الواصل لما كان ظلماً، إذ لیس من زي الرقیة و رسم العبودیة أن لایخالف مولاه واقعاً، لا لأمره الواقعي و لا لأمره الواصل فلا‌یكون احتماله احتمال الظلم، كما أنّه لیس بنفسه ظلماً.

فالمخالفة التي هي مصداق الظلم هي المخالفة في وجدان العقل للتكلیف الواصل فینحصر مصداق الظلم في المخالفة القطعیة للتكلیف المعلوم و الموافقة الاحتمالیة أو القطعیة و إن كانت حسنة، لكنه لیس ترك كلّ حسن قبیحاً، إلّا إذا اندرج تحت عنوان قبیح، و قد عرفت عدم اندراجها بجمیع الوجوه تحت عنوان الظلم القبیح لا قطعاً و لا احتمالاً.

(ثم أفاد تحقیقاً حول حرمة المخالفة القطعیة، و لكنه خارج عن المبحوث عنه فلا‌نطیل الكلام بذكره).

قلت: هذه غایة تقریب الإشكال في عدم اقتضاء العلم الإجمالي لوجوب الموافقة القطعیة و یندفع [4] بأنّ الظلم لاینحصر في مخالفة التكلیف الواصل في وجدان العقل بل عدم المبالاة بأمر المولى و نهیه بعدم الانبعاث ببعثه، و بعدم الانزجار بزجره في وجدان العقل أیضاً خروج عن زي الرقیة و رسم العبودیة، و هذا جامع بین المخالفة القطعیة للتكلیف و ترك الموافقة القطعیة إذ كما أنّ مخالفته في وجدان العقل ظلم، كذلك ترك موافقته في وجدان العقل إذا كان لزومیاً ظلم، فإنّ كلیهما من عدم المبالاة عملاً بالتكلیف المعلوم.

و من المعلوم أنّ المبالاة بالوجوب المتعلّق بما لایخرج عن الطرفین في وجدان العقل لیست إلّا بالانبعاث عنه، و الانبعاث عن المعلوم لا عن الواقع لایكون إلّا بفعلهما معاً، فإنّ الانبعاث عن المعلوم المحكوم بالحسن عقلاً لیس إلّا الانبعاث في وجدان العقل و فعل أحدهما و إن كان یحتمل أن یكون انبعاثاً، لكنه انبعاث عن الواقع المحتمل لا انبعاث عن المعلوم ففعل أحدهما و عدم الفعل مطلقاً كلاهما على حدّ سواء من ناحیة عدم الانبعاث عن المعلوم في وجدان العقل.

و على هذا من فعل أحدهما فهو تارك للمبالاة بأمر المولى في وجدان العقل، فیكون ظالماً مستحقاً للذمّ و العقاب و لازم هذا المبنى استحقاق العقاب على عدم المبالاة بالبعث المعلوم و لو مع فعل أحدهما المصادف للواجب الواقعي، و لا بأس به بعد الالتزام بأنّ ملاك استحقاق العقاب تحقّق الظلم القبیح عقلاً سواء صادف الواقع أم لا. ثم إنّ هذا الجواب مبني على القول بأنّ استحقاق العقاب بحكم العقل.


[2] نهاية الدّراية في شرح الكفاية، الغروي الإصفهاني، الشيخ محمد حسين، ج3، ص28.. و راجع أيضاً نهایة الدرایة، ج3، ص28 – 32: «أن استحقاق العقاب على معصية حكم المولى إمّا بجعل الشارع أو بحكم العقل ... ». و راجع المجلد السادس، من عيون الأنظار، ص157

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo