< قائمة الدروس

درس خارج اصول استاد محمدعلی پسران‌بهبهانی

44/10/23

بسم الله الرحمن الرحیم

 

موضوع: الأصول العملية/أصالة الاحتياط /الفصل الأول: دوران الأمر بین المحذورین؛ الجهة الثالثة: في شمول دلیل الحکم الظاهري لجمیع أطراف العلم الإجمالي؛ الناحیة الأولی: الأمارات

الناحیة الأولی: الأمارات

و هي البحث عن الأمارات، حیث أنّها تشمل بظاهرها أطراف العلم الإجمالي، مثلاً إذا علمنا نجاسة أحد الإناءین ثمّ قامت بیّنة على طهارة الإناء الأوّل و بعد ذلك قامت بیّنة ثانیة على طهارة الإناء الثاني، فقد تشمل حجّیة البیّنة بظاهرها لكلتا البیّنتین إلّا أنّ بعض الأعلام مثل المحقّق النائیني ناقشوا في ذلك بحسب مقام الإثبات، فلا‌بدّ من طرح النظريات ثمّ التحقیق حول مناقشته.

فهنا نظریّتان:

النظریة الأولی: من المحقّق النائیني [1]

إنّ لكلّ أمارة قائمة على خلاف المعلوم بالإجمال دلالتین:

الدلالة الأولى: هي دلالتها المطابقیة على نفي الحكم المعلوم بالإجمال عن موردها.

الدلالة الثانیة: هي إثبات الحكم المعلوم بالإجمال في الطرف الآخر من أطراف العلم الإجمالي، مثلاً: في المثال المتقدّم أنّ البیّنة الأولى تثبت الطهارة في موردها و تنفي حكم النجاسة عنها بالدلالة المطابقیة و لازم ذلك هو إثبات النجاسة في الطرف الآخر، و حیث أنّ مثبتات الأمارات حجّة لایبقی ریب في دلالتها الالتزامیة (بالمعنی الأعمّ) و حجّیتها بالنسبة إلى الطرف الآخر فیقع التنافي بین الدلالة الالتزامیة للبیّنة الأولى و الدلالة المطابقیة للبیّنة الثانیة، و هكذا الأمر في البیّنة الثانیة حیث أنّها أیضاً بدلالتها الالتزامیة تدلّ على إثبات النجاسة في الطرف الأوّل من أطراف العلم الإجمالي فیقع التنافي بین الدلالة الالتزامیة للبیّنة الثانیة و الدلالة المطابقیة للبیّنة الأولى و القاعدة عند التعارض هي تساقط البيّنتین.

یلاحظ علیها

إنّ التعارض هو بین الدلالة المطابقیة في كلّ منهما و الدلالة الالتزامیة (بالمعنی الأعمّ) في الآخر و لابدّ حینئذٍ من سقوط الدلالة الالتزامیة في كلّ منهما و رفع الید عنها، على ما هو مقتضى القاعدة، حتّی یرتفع التكاذب و التنافي بین الأمارتین و بعد ذلك یبقی التنافي بین الأخذ بالدلالتین المطابقیتین في الأمارتین و بین العلم الإجمالي و حیث أنّه لا مانع عن الأخذ بكلّ منهما منفردة ثبوتاً و إثباتاً من دون ملاحظة الأخرى، تشملها دلیل حجیّة الأمارة، إلّا أنّ الأخذ بكلیهما و الالتزام بهما مخالفة قطعیة للعلم الإجمالي و قد تقدّم عدم جوازها ثبوتاً، فلا‌بدّ من رفع الید عن إحدی الأمارتین.

النظریة الثانیة: من المحقّق الخوئي

قال: أمّا الأمارات فقد عرفت استحالة جعل الحجّیة لها في جمیع الأطراف.[2]

یلاحظ علیه

إنّ الكلام في مقام الإثبات، لا الثبوت حتّی یتمسّك بالاستحالة.

الناحیة الثانیة: الأصول المحرزة

و هي البحث عن الأصول المحرزة، و قد اختلف في شموله لأطراف العلم الإجمالي؛ فقال بعض المحقّقین مثل العلّامة الأنصاري بعدم شموله، و قال بعضهم مثل المحقّق النائیني و المحقّق العراقي و المحقّق الخوئي بشموله لأطراف العلم الإجمالي.

نظریة الشیخ الأنصاري [3] [4]

إنّ الشك المأخوذ في صدر دلیل الاستصحاب أعمّ من الشك البدوي و الشك المقرون بالعلم الإجمالي، و على هذا مقتضی صدر دلیل الاستصحاب هو شموله لجمیع أطراف العلم الإجمالي.

و لكن ذیل دلیل الاستصحاب و هو قوله: «وَ لَكِن انقُضْه بِیَقِینٍ آخَر[5] » یكون غایة لصدره، و هذه الغایة مطلقة من حیث الیقین التفصیلي و الیقین الإجمالي فیلزم حینئذٍ من شمول صدره للشك البدوي و الشك المقرون بالعلم الإجمالي و من شمول ذیله للیقین التفصیلي و الیقین الإجمالي، المناقضة بین الصدر و الذیل.

مناقشة المحقّق النائیني و المحقّق الخوئي فیها [6] [7] [8]

إنّ لسان دلیل حجیة الاستصحاب یقتضي حمل الیقین المذكور في ذیله على الیقین التفصیلي لأنّ الظاهر من الیقین المأخوذ غایة هو كونه متعلّقاً بما تعلّق به الشك و هو لیس إلّا الیقین التفصیلي.

توضیح ذلك ببیان المحقّق الخوئي

إنّ الظاهر من قوله: «و لكن أنقضه بیقین آخر» هو تعلّق الیقین الآخر بعین ما تعلّق به الشك و الیقین الأوّل لیكون نقضاً له و من الواضح أنّ العلم الإجمالي لایكون ناقضاً للشك في كلّ واحد من الأطراف لعدم تعلّقه بما تعلّق به الشك، بل بعنوان جامع بینهما و هو عنوان أحدها فلا مانع من شمول أدلّة الأصول لجمیع الأطراف لولا المانع الثبوتي و لذا نلتزم بجریانها في ما لم‌یلزم منه المخالفة العملیة، كما إذا كان الحكم المعلوم بالإجمال غیر إلزامي و مفاد الأصل حكماً إلزامیاً على ما تقدّم بیانه.

هذا ما أفاده المحقّق الخوئي تبعاً لأستاذه المحقّق النائیني.

ملاحظة علی بیان المحقّق الخوئي

إنّ متعلّق العلم الإجمالي و الشك هو الحكم الشرعي مثل النجاسة أو الحرمة إلّا أنّ متعلّق المتعلّق في الشك هو الإناء مثلاً و متعلّق المتعلّق في العلم الإجمالي هو عنوان «ما لایخرج عن الطرفین» ، لا عنوان «أحدهما».

نعم ما أفاده من أنّ الظاهر هو أنّ الیقین في ذیل دلیل الاستصحاب متعلّق بعین ما تعلّق به الشك صحیح و نتیجة ذلك هو أنّ الیقین في قوله «و لكن أنقضه بیقین آخر» منحصر في الیقین التفصیلي و لایشمل الیقین الإجمالي.

الناحیة الثالثة: الأصول غیر المحرزة

نظریة الشیخ الأنصاري [9] [10]

ذهب الشیخ الأنصاري إلى عدم شمول دلیله لأطراف العلم الإجمالي، لأنّ شموله لها مستلزم للتناقض بین الصدر و الذیل، بعین ما تقدّم في دلیل الاستصحاب حیث أنّ قوله: «كُلُّ شَيْ‌ءٍ هُوَ لَكَ حَلَالٌ حَتَّى تَعْرِف أَنَّهُ حَرَامٌ[11] » یدلّ بصدره على حلیة المشكوك حیث أنّ الشكّ أعمّ من الشك البدوي و الشك المقرون بالعلم الإجمالي، و بذیله یدلّ على حرمة المشكوك لأنّ المعرفة في ذیل هذا الدلیل أعمّ من المعرفة الإجمالیة و التفصیلیة.[12]

أجاب المحقّق النائیني عنها بوجوه ثلاثة [13] [14]

الوجه الأوّل: هو ما تقدّم، حیث قال: إنّ الظاهر هو أنّ العلم و المعرفة في ذیل هذه الأخبار متعلّق بعین ما تعلّق به الشك و هو العلم التفصیلي و المعرفة التفصیلیة.

الوجه الثاني: هو أنّ غایة ما هناك هو سقوط تلك الأدلّة المشتملة على الذیل عن الدلالة، و ذلك لایوجب قصور الدلالة في بقیة الأدلّة ‌غیر المشتملة على الذیل المزبور.

الوجه الثالث: إنّ قوله: «حَتَّى تَعْرِف أَنَّهُ حَرَامٌ بِعَینِه»([15] ) في أدلّة ‌الإباحة، لعلّه صریح في أنّ الغایة للحكم بالحلّیة في المشكوك هو العلم التفصیلي بحرمة الشيء بخصوصه و لا ریب أنّ كلاً من الأطراف یصدق علیه أنّه لیس كذلك فیكون حلالاً.

فتحصّل من ذلك أنّه لولا المانع الثبوتي تشمل أدلّة ‌الأصول بمدلولاتها اللفظیة جمیع أطراف العلم الإجمالي.


[1] أجود التقريرات، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج2، ص240.. (أما بالنسبة) إلى الأمارات فالأمر فيها ظاهر فان الأمارات حيث انها حجة في مداليلها الالتزامية أيضا فكل من الأمارتين القائمتين على خلاف المعلوم بالإجمال كما انه ينفي المعلوم بالإجمال عن موردها فكذلك يثبته في الطرف الآخر فتكون معارضة للأمارة الأخرى النافية للمعلوم بالإجمال بمدلولها المطابقي عن موردها فيتساقطان بالمعارضة
[3] فرائد الأصول، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج3، ص410.. فرائد الأصول، ج2، ص744: «لأن العلم الإجمالي هنا بانتقاض أحد الضدّين يوجب خروجهما عن مدلول لا‌تنقض لأنّ (قوله: لا‌تنقض اليقين بالشك و لكن تنقضه بيقين مثله) يدلّ على حرمة النقض بالشك و وجوب النقض باليقين، فإذا فرض اليقين بارتفاع الحالة السابقة في أحد المستصحبين فلا‌يجوز إبقاء كل منهما تحت عموم حرمة النقض بالشك لأنه مستلزم لطرح الحكم بنقض اليقين بمثله و لا إبقاء أحدهما المعين لاشتراك الآخر معه في مناط الدخول من غير مرجح، و أما أحدهما المخيّر فليس من أفراد العام إذ ليس فرداً ثالثاً غير الفردين المتشخّصين في الخارج فإذا خرجا لم‌يبق شي‌ء»
[5] الفروع من الكافي، الشيخ الكليني، ج3، ص351.. الموجود فی الروایة:« ولكنه ينقض الشك باليقين »
[8] نهاية الدّراية في شرح الكفاية، الغروي الإصفهاني، الشيخ محمد حسين، ج4، ص247. مناقشة المحقق الإصفهاني في نظریة الشیخ و القول بإطلاق الشك و تقیید الیقین بكونه تفصیلیاً:قال في نهاية الدراية، ج‌4، ص247: «قد قدمنا في بعض مباحث دليل الانسداد و سيجي‌ء- إن شاء الله تعالى- في آخر مبحث الاستصحاب ارتفاع المناقضة، سواء قلنا: بأنّ الذيل مؤكد للصدر، فهو تابع سعةً و ضيقاً للصدر، أو قلنا: بأنّه محدد له، فيكون الصدر تابعاً للذيل في السعة و الضيق، و قد برهنا في المقامين بعدم معقولية التحديد، و عدم قابلية اليقين الإجمالي لاعتبار الناقضية لليقين التفصيلي بجميع وجوهه المتصورة.كما أنّه قد بيّنّا في محله أنّ استفادة تمحّض الشك في غير المقرون باليقين الإجمالي- من وقوع قوله.: (و لكنه ينقضه بيقين آخر) موقع الإرشاد إلى حكم العقل، بالجري على وفق اليقين الذي لا فرق فيه بين التفصيلي و الإجمالي- مخدوشة، فإنّ الإرشاد بلسان (تنقضه بيقين آخر) غير الإرشاد إلى الجري على وفق اليقين، فراجع»
[9] فرائد الأصول، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج2، ص200. «و أما الشرع فلم‌يرد فيه ما يصلح للمنع عدا ما ورد من (قولهم(.: كل شي‌ء حلال حتى تعرف أنه حرام بعينه) و (كل شي‌ء فيه حلال و حرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام منه بعينه) و غير ذلك‌ ...»
[12] نهاية الدّراية في شرح الكفاية، الغروي الإصفهاني، الشيخ محمد حسين، ج4، ص246. المحقق الإصفهاني وافق الشیخ في عدم شمول أدلة قاعدة الطهارة -و كذا البراءة- تمام أطراف العلم الإجمالي فقال في نهاية الدراية، ج‌4، ص246: «قوله: (كل شي‌ء يكون فيه حلال و حرام، فهو لك حلال أبداً حتى تعرف أنّه حرام) و شبهه مغيّاً بالعلم و كذلك قوله: (كل شي‌ء لك حلال حتى تعرف أنّه حرام) و ليس المغيّى معنوناً بعنوان المشكوك و المشتبه ليقال بأنّ الشك و الاشتباه أعم من المجامع للعلم الإجمالي و غيره، حتى يتوهم التعارض بين الغاية و المغيّى، بل غاية ما يستفاد من الغاية كون المغيّى ما لم‌يعلم حكمه و حيث أنّ العلم أعم، فكذا ما لم‌يعلم، فلا‌يقتضي مقام الإثبات جريان قاعدة الحلّ في تمام الأطراف، و أوضح منه قوله: (رفع ما لايعلمون) و قوله.: (الناس في سعة ما لايعلمون) و أشباه ذلك»
[15] راجع المجلد الثامن من عيون الأنظار، ص135 لمعرفة الضبط الصحيح لها.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo