< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ محمدعلي پسران البهبهاني

44/11/04

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاحتياط /الفصل الأول: دوران الأمر بین المتباینین؛ التنبیه الأول؛ الصورة الثانیة

 

الصورة الثانیة:
الأصل الطولي مسبب عن أحد الأصلين غير المتسانخين

هي أن یكون الأصلان غیر متسانخین و أن یكون أحدهما مختصاً بأصل طولي موافق في المؤدّی مع الأصل الجاري في الرتبة السابقة.

ففیها نظریّتان:

النظریة الأولی: من القائلین بتعارض الأصلین العرضیین و تساقطهما

إنّهم منعوا عن الرجوع إلى الأصل الطولي الموافق في المؤدّی للأصل الجاري في الرتبة السابقة.

و مثال ذلك هو العلم الإجمالي بنجاسة أحد الماءین أو غصبیة الآخر، فإنّ الأصل الجاري في ناحیة الماء المحتمل نجاسته أصالة الطهارة و الأصل الجاري في ناحیة الماء المحتمل غصبیّته أصالة الحلّ، أمّا الأصل الطولي فیتصور في ناحیة الماء المحتمل نجاسته فإنّه بعد سقوط أصالة الطهارة فیه تصل النوبة إلى جریان أصالة الحلّ.

قال المحقّق الخوئي: إنّ العلم الإجمالي المذكور منجّز للواقع، لأنّ الأصلین الجاریین في الطرفین و إن كانا مختلفین، إلّا أنّ العلم الإجمالي بوجود الحرام في البین مانع عن الرجوع إلى الأصل، باعتبار أنّ الترخیص في كلا الطرفین ترخیص في مخالفة التكلیف الواصل، و في أحدهما ترجیح بلا مرجح، بلا فرق في ذلك بین أن یكون الأصل من الأصول الحاكمة أو الأصول المحكومة، فكما أنّ أصالة الطهارة المترتب علیها جواز الشرب إذا انضمّت إلى أصالة الحلّ في الطرف الآخر لزم الترخیص في المعصیة، كذلك أصالة الحلّ إذا انضمّت إلیها أصالة الحلّ في الطرف الآخر فإذا علم حرمة أحد الماءین كان الترخیص في كلیهما ترخیصاً في المعصیة و في أحدهما ترجیحاً بلا مرجح، سواء كان الترخیص بلسان الحكم بالطهارة المترتب علیه الحلّیة أم بلسان الحكم بالحلیة من أوّل الأمر. ([1] )

النظریة الثانية: و هی المختار

إنّ مقتضی التحقیق هو جریان أحد الأصلین العرضیین على نحو التخییر العقلي كما تقدّم بیانه في المباحث السابقة([2] )، فلا‌تصل النوبة إلى الأصل الطولي المذكور.


الصورة الثالثة:
الأصل الطولي مسبب عن أحد الأصلين غير المتسانخين غیر موافق له

هي أن یكون الأصلان غیر متسانخین و أن یكون أحدهما مختصّاً بأصل طولي و أن یكون الأصل الطولي مخالفاً في المؤدّی للأصل الجاري في مرتبة سابقة علیه، فإنّ الأصلين العرضيين حینئذٍ يتعارضان بالعلم الإجمالي و يتساقطان فهل یجري حینئذٍ الأصل الطولي أو لا؟

نظریة المحقّق الخوئي: جریان الأصل الطولي

بیّن لذلك مثالین([3] ):

المثال الأوّل

إذا علمنا إجمالاً بوقوع أحد الأمرین إمّا زیادة الركوع في صلاة المغرب و إمّا نقصان الركوع في صلاة العشاء، مع أنّه قد فرغنا عنهما، فالقاعدة في كلّ منهما هي قاعدة الفراغ و نتیجتها صحّة الصلاة، إلّا أنّ العلم الإجمالي أوجب تعارض القاعدتین و تساقطهما و حینئذٍ یجري في كلّ من الطرفین استصحاب عدم الإتیان بالركوع و نتیجة جریان استصحاب عدم الإتیان بالركوع المشكوك في صلاة العشاء هي نقصانها و یحكم حینئذٍ ببطلان صلاة العشاء.

و نتیجة جریان استصحاب عدم الإتیان بالركوع الزائد في صلاة المغرب هي عدم تحقّق الزیادة المبطلة و یحكم حینئذٍ بصحة صلاة المغرب.

ثم قال المحقّق الخوئي: و لایلزم محذور المخالفة العملیة القطعیة. نعم تلزم المخالفة الالتزامیة باعتبار العلم بمخالفة أحد الاستصحابین للواقع و قد عرفت غیر مرّة أنّ الموافقة الالتزامیة غیر واجبة.

یلاحظ علیه

أوّلاً: إنّ هذا المثال لا‌یرتبط بالبحث حیث فرضنا اختصاص أحد الطرفین بالأصل الطولي المخالف لمؤدّی الأصل الجاري في المرتبة السابقة علیه و لكن في المثال المذكور نجد الأصل الطولي في كلا الطرفین أحدهما موافق لمؤدّی الأصل الجاري في الرتبة السابقة و ثانیهما مخالف له، مع أنّ الأصلین العرضیین (قاعدتي الفراغ) متسانخان.

ثانیاً: ما أفاده من العلم بمخالفة أحد الاستصحابین للواقع ممنوع، لجواز أن یكون الواقع موافقاً لكلا الاستصحابین بأن كانت صلاة المغرب غیر مشتملة على الركوع الزائد و كانت صلاة العشاء ناقصة من جهة الركوع في الواقع.

نعم ما أفاده من جریان الاستصحابین صحیح في المثال المذكور.

المثال الثاني

إذا علمنا إجمالاً بوقوع أحد الأمرین: إمّا نقصان ركعة من صلاة المغرب و إمّا عدم إتیان صلاة العصر فإنّ قاعدة الفراغ تقتضي صحّة صلاة المغرب، كما أنّ قاعدة الحیلولة تقتضي عدم وجوب قضاء صلاة العصر، و لكنّهما یتعارضان للعلم الإجمالي ببطلان أحدهما حیث علمنا إمّا ببطلان صلاة المغرب أو بعدم إتیان صلاة العصر، و بعد تعارضهما و تساقطهما تصل النوبة إلى الأصل الطولي و هو في جانب صلاة المغرب استصحاب عدم إتیان الركعة المشكوكة و نتیجته بطلان صلاة المغرب و مفاد هذا الأصل الطولي مخالف لمفاد قاعدة الفراغ، كما أنّ الأصل الطولي في جانب صلاة العصر أصالة البراءة عن وجوب قضاء صلاة العصر، و أمّا استصحاب عدم إتیان صلاة العصر بالنسبة إلى إحراز عنوان «الفوت» الذي هو الموضوع لوجوب القضاء فهو مثبت، فلا‌یجري.

یلاحظ علیه

إنّ هذا المثال أیضاً خارج عن موضوع البحث حیث أنّ البحث في اختصاص أحد الطرفین بالأصل الطولي المخالف و لكن في هذا المثال نجد الأصل الطولي في كلا الطرفین أحدهما موافق و ثانیهما مخالف.

 

التنبیه الثاني:
في وجوب الموافقة القطعیة في مورد لم‌یمكن فیه المخالفة القطعیة

هنا نظریّتان:

قد تقدّم([4] ) أنّه یمكن التفكیك بینهما بالالتزام بحرمة المخالفة القطعیة دون وجوب الموافقة القطعیة، و أمّا الالتزام بوجوب الموافقة القطعیة دون حرمة المخالفة القطعیة فهو محلّ الخلاف بین الأعلام. مثال ذلك هو العلم بحرمة الجلوس في إحدی الغرفتین في زمان معیّن، فإنّ المخالفة القطعیة غیر ممكنة لعدم تمكن المكلّف من الجلوس في كلتیهما و أمّا الموافقة القطعیة فهي ممكنة.


النظریة الأولی: عدم وجوب الموافقة القطعیة([5] [6] )

الوجه لما أفاده المحقّق النائیني هو التخییر العقلي في جریان الأصل بالنسبة إلى أطراف العلم الإجمالي بأن یكون الترخیص في كلّ طرف من الأطراف مقیداً بما إذا لم‌یرتكب الطرف الآخر، و ذلك لعدم المانع من تقیید الترخیص في كلّ طرف من الأطراف بعدم الارتكاب في الطرف الآخر، لأنّ المانع لیس إلّا عدم إمكان إطلاق الأصل بالنسبة إلى كلّ طرف من الأطراف لاستلزامه الترخیص في المخالفة القطعیة و حیث أنّ تقابل الإطلاق و التقیید عنده تقابل الملكة و العدم یلزم من عدم إمكان الإطلاق عدم إمكان التقیید أیضاً، و لكن هذا المحذور منتفٍ في ما نحن فیه، لأنّ إطلاق الأصل بالنسبة إلى كلّ طرف من الأطراف غیر مستلزم للترخیص في المخالفة القطعیة لأنّ المفروض هو عدم التمكن من المخالفة القطعیة و إمكان الإطلاق مستلزم لإمكان التقیید.


[2] تقدّم في المجلد الثامن من عيون الأنظار ص557.
[4] تقدّم في ص25.
[5] فوائد الاُصول، الغروي النّائيني، الميرزا محمد حسين، ج4، ص118. «و مما ذكرنا من الضابط يظهر حكم الشبهة الغير المحصورة، و هو عدم حرمة المخالفة القطعيّة و عدم وجوب الموافقة القطعية. أمّا عدم حرمة المخالفة القطعيّة: فلأنّ المفروض عدم التمكّن العادي منها.و أمّا عدم وجوب الموافقة القطعيّة: فلأنّ وجوبها فرع حرمة المخالفة القطعيّة، لأنّها هي الأصل في باب العلم الإجمالي، لأنّ وجوب الموافقة القطعيّة يتوقّف على تعارض الأصول في الأطراف، و تعارضها فيها يتوقّف على حرمة المخالفة القطعيّة ليلزم من جريانها في جميع الأطراف مخالفة عمليّة للتكليف المعلوم في البين، فإذا لم‌تحرم المخالفة القطعيّة- كما هو المفروض- لم‌يقع التعارض بين الأصول، و مع عدم التعارض لا‌يجب الموافقة القطعيّة.فالتفصيل بين المخالفة القطعيّة و الموافقة القطعيّة بحرمة الأولى و عدم وجوب الثانية- كما يظهر من الشيخ.- ليس في محلّه، لأنّ حرمة المخالفة القطعيّة فرع التمكّن منها، و مع التمكّن لا‌تكون الشبهة غير محصورة»
[6] أجود التقريرات، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج2، ص276.. «و أما الجهة الثانية [في بيان حكم الشبهة الغير المحصورة] فالحقّ فيها عدم تنجيز العلم‌ الإجمالي‌ لا من‌ جهة حرمة المخالفة القطعية و لا من جهة وجوب الموافقة القطعية؛ أما من جهة حرمة المخالفة القطعية فلأنّ المفروض عدم التمكن منها لكثرة الأطراف فلا‌يمكن أن يتّصف بالحرمة عقلاً أو شرعاً، و أما عدم وجوب الموافقة القطعية فلما عرفت مراراً من أنه من فروع حرمة المخالفة القطعية فينتفي مع انتفائها قهراً»

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo