< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ محمدعلي البهبهاني

44/11/10

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاحتياط /الفصل الأول؛ التنبیه السادس: تنجیز العلم الإجمالي في التدریجیات

 

التنبیه السادس:
تنجیز العلم الإجمالي في التدریجیات

إنّ الكلام هو في ما إذا تعلّق العلم الإجمالي بالأمور التدریجیة،([1] ) و اختلف الأعلام في تنجیز العلم الإجمالي المذكور، فقال بعضهم بتنجیزه كما قالوا بتنجیزه في ما إذا تعلّق بالأُمور الدفعیّة مثل المحقّق النائیني و المحقّق الخوئي و بعضهم أنكروا تنجیزه مطلقاً أو في بعض أقسامه.

و نبحث عنه في مطلبين:

المطلب الأول: في الأمثلة التي ذكرها العلّامة الأنصاري

المثال الأوّل: إذا كانت زوجة الرجل مضطربة في حیضها بأن تنسى وقتها و إن حفظت عددها، فیعلم إجمالاً أنّها حائض ثلاثة أیّام مثلاً، فهل یجب على الزوج الاجتناب عنها في تمام الشهر و یجب على الزوجة أیضاً الإمساك عن دخول المسجد و قراءةِ العزیمة تمام الشهر أو لا؟

المثال الثاني: إذا علم التاجر إجمالاً بابتلائه في یومه أو شهره بمعاملة ربویة، فهل یجب علیه الإمساك عمّا لایعرف حكمه من المعاملات في یومه أو شهره أو لا؟

المثال الثالث: إذا نذر أو حلف على ترك الوطي في لیلة خاصّة ثم اشتبهت بین لیلتین أو أزید. ([2] )

و قد اختار عدم تنجیز العلم الإجمالي في المثال الأوّل و قال فیه بوجوب الرجوع إلى الأصل العملي النافي، و قال بوجوب الاحتیاط في المثال الثاني و الثالث.([3] )

مناقشة المحقق الخوئي في المثال الثاني([4] )

إنّ المحقّق الخوئي اعترض على جعل المثال الثاني من أمثلة هذا البحث فقال: إنّ محل الكلام في هذا البحث هو ما إذا لم‌تكن أطراف العلم الإجمالي مورداً للاحتیاط في نفسها مع قطع النظر عن العلم الإجمالي، فإنّه لو كانت كذلك كما إذا علم إجمالاً بأنّه یبتلی في هذا الیوم بمعاملة ربویة من جهة الشبهة الحكمیة فلا إشكال في وجوب الاحتیاط سواء قلنا بتنجیز العلم الإجمالي في التدریجیات أم لم‌نقل.

فإنّ الحكم التكلیفي في كلّ معاملة یحتمل فیها الربا مع قطع النظر عن العلم الإجمالي هو الاحتیاط، لأنّ الشبهة حكمیة و لایجوز فیها الرجوع إلى البراءة قبل الفحص.

و الحكم الوضعي في هذه المعاملة هو الفساد لأصالة عدم النقل و الانتقال و قد توهّم صحّة المعاملة من جهة العمومات الدالّة على صحة كلّ معاملة مثل قوله تعالى: ﴿أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾.([5] )

و أجاب عن ذلك بوجهین:

الوجه الأوّل أنّ العمومات مخصّصة بالمعاملة الربویة و التمسك بالعموم فیها یكون من باب التمسك بالعامّ في الشبهة المصداقیة لنفس الدلیل و هو لا‌یجوز عند المشهور لأنّ المصداق حینئذٍ مردّد بین الحجتین،

و الوجه الثاني أنّ التمسك بالعموم أیضاً مشروط بالفحص، كما أنّ الأمر كذلك في الرجوع إلى البراءة.

هذا ما أفاده المحقّق الخوئي في المناقشة في المثال الثاني.

المطلب الثاني: في أقسام أطراف العلم الإجمالي التدریجیة

قال المحقّق النائیني: إنّ الزمان لایخلو من ثلاثة أقسام: إمّا أن لایكون دخیلاً في ملاك الحكم و خطابه و إمّا أن یكون دخیلاً في الخطاب و الملاك و إمّا أن یكون دخیلاً في الخطاب دون الملاك على ما تقدّم في بحث الواجب التعلیقي.([6] )

فلا‌بدّ من بیان هذه الأقسام و تطبیقها على الأقسام التي أفادها المحقّق الخوئي.

القسم الأوّل: أن لا يكون الزمان دخيلاً في ملاك الحكم و خطابه

قال المحقّق النائیني بتنجیز العلم الإجمالي في هذا القسم و المحقّق الخوئي أیضاً التزم بتنجیز العلم الإجمالي في هذا القسم إلّا أنّه قسّمه بقسمین، فالقسم الأوّل و الثاني في بیان المحقّق الخوئي هو بعینه هذا القسم الأوّل.

بیان المحقّق النائیني

لا ریب في وجوب الاجتناب عن أطراف العلم فیه، كما في مثال الابتلاء بالمعاملة الربویة، فإنّ الملاك في تنجیز العلم هو فعلیة الخطاب و إمكان الانبعاث عنه، و لا ریب في أنّ حرمة الربا كحرمة الكذب و الغیبة و نحوهما حكم فعلي قابل للإطاعة و المعصیة و مجرّد اختیار المكلّف إیقاع متعلّقه خارجاً في الزمان المتأخر لا‌یمنع عن فعلیة الحكم و تنجّزه كما هو ظاهر، و هذا هو المراد من عبارته (أي عبارة العلّامة الأنصاري) من فعلیة الابتلاء بالأطراف في مثل المثال فإنّ نظره إلى أنّ الحكم فیه فعليّ على كلّ تقدیر، و التأخیر باختیار المكلّف لایكون مانعاً عن فعلیة الحكم و الابتلاء كما هو ظاهر.([7] )

بیان المحقق الخوئي ([8] )

أمّا المحقّق الخوئي فقد قسّم هذا القسم إلى صورتین و جعلهما القسم الأوّل و الثاني.

و الأوّل: هو أن تكون التدریجیة مستندة إلى اختیار المكلّف مع تمكّنه من الجمع بین أطراف العلم الإجمالي، كما إذا علم بغصبیة أحد الثوبین و كان متمكناً من لبسهما معاً و لكنه اقترح لبس أحدهما في زمان و لبس الآخر في زمان متأخر و الإشكال في خروج هذا القسم عن محل الكلام، فإنّ العلم بالتكلیف الفعلي مع تمكن المكلّف من الموافقة القطعیة و المخالفة القطعیة یوجب التنجّز على ما تقدّم بیانه.

و الثاني: هو أن تكون التدریجیة مستندة إلى عدم تمكن المكلّف من الجمع بین الأطراف مع تمكّنه من ارتكاب كلّ منها بالفعل مع ترك الآخر، كما إذا علم بوجوب صلاة الظهر أو الجمعة، فإنّه و إن لم‌یتمكن من الجمع بینهما في زمان واحد، إلّا أنّه متمكّن من الإتیان بأیّهما شاء و نظیره العلم بحرمة أحد ضدّین لهما ثالث و لاینبغي الإشكال في تنجیز العلم الإجمالي في هذا القسم أیضاً للعلم بالتكلیف الفعلي و سقوط الأصول في الأطراف بالمعارضة.

القسم الثاني: أن یكون الزمان دخیلاً في ملاك الحكم و خطابه

و هو كما إذا علم بوجوب مردّد بین كونه فعلیاً الآن و كونه فعلیاً في الزمان المتأخر في ما إذا كان الواجب مردّداً بین كونه مطلقاً و مشروطاً بشرط یحصل في الزمان المتأخر.

و اختلف الأعلام في تنجیز العلم الإجمالي في هذا القسم؛ فقال الشیخ الأنصاري و صاحب الكفایة بعدم التنجیز، و قال المحقّق النائیني و المحقّق الخوئي بتنجیزه.

نعم قال المحقّق الخوئي([9] )في الوجه الثاني من القسم الثالث في بیانه: إنّ العلّامة الأنصاري قد ذهب إلى التفصیل بین ما إذا كان الملاك في الأمر المتأخر تامّاً من الآن فقال بتنجیز العلم الإجمالي فیه و بین ما إذا لم‌یكن الملاك في الأمر المتأخر تامّاً فعلیاً من الآن فقال بعدم تنجیزه.

و لكن الوجه الثاني من القسم الثالث في بیان المحقّق الخوئي أعمّ من القسم الثاني و القسم الثالث في بیان المحقّق النائیني، فإنّ ما كان ملاك الأمر المتأخر تامّاً فعلیاً فیه هو القسم الثالث فما أفاده العلّامة الأنصاري من التفصیل هو بین القسم الثاني و الثالث في بیان المحقّق النائیني، و لم‌یلتزم بالتفصیل في القسم الثاني الذي هو المبحوث عنه في المقام.

و تطبیق ما أفاده المحقّق الخوئي على تقسیم المحقّق النائیني هو أنّ القسم الثالث في كلام المحقّق الخوئي ما تكون التدریجیة مستندة إلى تقیّد أحد الأطراف بزمان أو زماني متأخر، و المحقّق الخوئي قسّم هذا القسم الثالث إلى وجهین:

 


[1] المراد من الطرفین التدریجیین هو فعلان لايمكن أن يقع أحدهما إلا في الاستقبال قال في نهاية الدراية، ج‌4، ص249 في التعلیقة على قوله: «لو علم فعليّته و لو كان بين أطراف تدريجية»: «ليس المراد من التدريجي الفعل الزماني المنطبق على قطعة من الزمان، في قبال الدفعي الذي هو آنيّ الحصول كالوصولات إلى حدود المسافة كما أنه ليس المراد منهما ما يمكن اجتماعهما في زمان واحد و ما لايمكن، فإن وطأ الإمرأتين كذلك، بل شرب الإناءين غالباً كذلك بل المراد أن الفعلين تارة يكونان حاليين، بحيث يمكن أن يقع كلّ منهما في حدّ ذاته في الحال و أخرى بحيث لايمكن أن يقع أحدهما إلا في الاستقبال».
[3] المصدر السابق، ص427.
[7] المصدر السابق.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo