< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ محمدعلي البهبهاني

45/03/23

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاحتياط /الفصل الأول؛ التنبیه السابع؛ فرعان مترتبان علی القول بعدم وجوب الاجتناب

 

فرعان مترتبان علی القول بعدم وجوب الاجتناب

بعد اختيار القول بعدم تنجيز العلم الإجمالي في أطراف الشبهة غير المحصورة يتفرع فرعان لابدّ أن نتكلم عنهما:

الفرع الأول: جریان حكم الشك في أطراف الشبهة غير المحصورة

بعد القول بعدم تنجيز العلم الإجمالي في الشبهة غير المحصورة و أنّ العلم كلا علم، فما هي القاعدة؟

فهل يكون الشك بمنزلة العدم، لأنّه احتمال موهوم، كما هو مختار الشیخ؟ أو یرجع إلى الاحتیاط و الاشتغال، كما هو مختار المحقق النائیني؟ أو یرجع إلى استصحاب العدم الأزلي، كما هو مختار بعض الأساطین؟

مثّلوا لذلك بما إذا علمنا إجمالًا بوجود إناء فیه ماء مضاف بين ألف إناء من الماء المطلق، فهل يصحّ الوضوء بإناء واحد، مع احتمال كونه مضافاً، لموهومیة احتمال كونه هو الماء المضاف (كما علیه الشیخ الأنصاري) أو لابدّ من تكرار الوضوء احتیاطاً، لشرطیة كون الوضوء من الماء المطلق، فیجري الاشتغال و لابد من تكرار الوضوء حتّی یحرز الوضوء بالماء المطلق، كما علیه المحقق النائیني؟ أو یجري استصحاب العدم الأزلي في كلّ إناء بمعنی أنّه لیس في الأزل ماءً مطلقاً و الآن أیضاً یحكم علیه بذلك في الإناء الأول، فلا‌یصحّ الوضوء بهذا الإناء، و لابد من تكرار الوضوء حتّی یحصل له العلم الإجمالي الیقین بالوضوء من الماء المطلق، كما علیه بعض الأساطین؟

مقتضى التحقيق‌ هو ما أفاده الشيخ الأنصاري من أنّ احتمال مضافیة الماء موهوم لا‌يعتني به العقلاء، فالشك بمنزلة العدم، فیصحّ الوضوء بكلّ إناء من الأنیة.

الفرع الثاني: شبهة الكثير في الكثير

إذا كانت أطراف الشبهة كثيرة، و كان المعلوم بالإجمال في البين أيضاً كثيراً، فهل العلم الإجمالي في مثل ذلك الفرض منجّز؟

مقتضى التحقيق‌ هو أنّ هنا صورتان:

الصورة الأولى: إذا كان احتمال التكليف موهوماً أیضاً، لا‌يعتني به العقلاء، كما لو كانت أطراف الشبهة عشرة آلاف و المعلوم مأة، فإنّ الأطراف في نفسها و إن كانت كثيرة، إلّا أنّ نسبة المعلوم إليها هي نسبة الواحد إلى المأة، فالاحتمال موهوم، فلا‌یتنجّز العلم الإجمالي.

الصورة الثانیة: إذا لم‌یكن الاحتمال موهوماً، كان العلم الإجمالي منجّزاً، كما لو كانت أطراف الشبهة ألفاً و المعلوم مأة، فإنّ الأطراف في نفسها و إن كانت كثيرة، إلّا أنّ نسبة المعلوم إليها هي نسبة عشرة بالمأة، و هذا لا‌يعدّ موهوماً كما هو ظاهر.

نعم المحقق النائيني یلتزم بعدم تنجیز العلم الإجمالي مطلقاً من دون تفصیل، فإنّ المخالفة القطعية بارتكاب جميع الأطراف متعذر أو متعسّر، فلا‌تجب الموافقة القطعية، فالعلم الإجمالي لیس منجّزاً.([1] )

 

التنبیه الثامن:
انحلال العلم الإجمالي بسبب الاضطرار

إنّ موضوع البحث في هذا التنبیه هو ما إذا كان الاضطرار موجباً لرفع جمیع الآثار للحكم المعلوم بالإجمال في الطرف الذي اضطرّ إلیه، و ذلك مثل العلم الإجمالي بنجاسة أحد الحلیبین مع الاضطرار إلى شرب أحدهما معیّناً أو غیر معیّن، فإنّ أثر العلم الإجمالي إنّما هو حرمة الشرب و هذا الأثر یرتفع بالاضطرار.

و أمّا إذا لم‌یكن الاضطرار موجباً لرفع جمیع الآثار بل كان موجباً لرفع بعضها في الطرف الذي اضطرّ إلیه، فلا ‌وجه لانحلال العلم الإجمالي بل هو باق على تنجیزه و مثال ذلك على ما أفاده المحقّق الخوئي([2] ) هو ما إذا علمنا بنجاسة أحد المائعین مثل الماء و الحلیب مع الاضطرار إلى خصوص شرب الماء، فإنّ العلم الإجمالي هو موجب لترتّب أثر تكلیفي في ناحیة الحلیب و هو حرمة شربه و موجب لترتّب أثرین في ناحیة الماء: أحدهما أثر تكلیفي و هو شرب الماء و ثانیهما أثر وضعي و هو عدم صحّة الوضوء بهذا الماء، و الاضطرار إنّما یوجب عدم ترتّب الأثر التكلیفي في ناحیة الماء و أمّا الأثر الوضعي فهو باق بحاله و نتیجة ذلك بقاء العلم الإجمالي بحاله، حیث أنّا بعد تحقّق الاضطرار نعلم إجمالاً بأنّ هذا الماء لایجوز التوضّي به أو أنّ هذا الحلیب لایجوز شربه.

و المثال الآخر هو العلم الإجمالي بنجاسة أحد الماءین مع الاضطرار إلى شرب أحدهما لا بعینه فإنّ الاضطرار یوجب عدم حرمة الشرب، و أمّا الحكم الوضعي و هو عدم صحّة الوضوء بهذا الماء فهو باق بحاله.

و البحث یقع في موضعین:

الموضع الأوّل في الاضطرار إلى ارتكاب بعض أطراف العلم الإجمالي معیّناً.

الموضع الثاني في الاضطرار إلى ارتكاب بعضها لا على التعیین.


الموضع الأوّل: في الاضطرار إلی بعض الأطراف معیّناً

هنا أربع صور:

و ذلك لأنّ الاضطرار قد یكون بعد حدوث التكلیف و بعد العلم به و قد یكون بعد حدوث التكلیف و مقارناً للعلم به و ثالثةً یكون بعد حدوث التكلیف و قبل العلم به و رابعةً قبل حدوث التكلیف و العلم به.

الصورة الأولی: الاضطرار بعد التكلیف و العلم به

هنا نظریات ثلاث:

النظریة الأولی: من الشیخ العلّامة الأنصاري

إن كان الاضطرار إلى البعض المعیّن بعد العلم فالظاهر وجوب الاجتناب عن الطرف الآخر، لأنّ الإذن في ترك بعض المقدّمات العلمیة (أي ما اضطرّ إلیه) بعد ملاحظة وجوب الاجتناب عن الحرام الواقعي یرجع إلى اكتفاء الشارع في امتثال ذلك التكلیف بالاجتناب عن بعض المشتبهات. ([3] )

یلاحظ علیها

إنّ الامتثال الیقیني بالاجتناب عن الحرام الواقعي غیر میسور للمكلّف لتحقّق الاضطرار إلى ارتكاب بعض الأطراف فالأمر یدور بین وجهین: الأوّل اكتفاء الشارع بالامتثال الاحتمالي بالاجتناب عن بعض المشتبهات، الثاني عدم وجوب الامتثال الاحتمالي و جواز ارتكاب الطرف غیر المضطرّ إلیه على فرض انحلال العلم الإجمالي و سقوطه عن التنجیز، فعلى فرض بقاء تنجیز العلم الإجمالي لا‌بدّ للشارع من اكتفائه بالامتثال الاحتمالي و على فرض انحلال العلم الإجمالي لایجب الامتثال الاحتمالي أیضاً.

فما أفاده تعلیلاً لوجوب الاجتناب عن الطرف الآخر لایجدي في المقام، بل لابدّ له من إثبات بقاء العلم الإجمالي و تنجیزه.


[1] مصباح الأصول( مباحث حجج و امارات- مكتبة الداوري)، الواعظ الحسيني، السيد محمد؛ تقرير بحث السيد أبو القاسم الخوئي، ج1، ص379. «أمّا على مسلك المحقق النائيني. من أنّ الوجه في عدم التنجيز عدم حرمة المخالفة القطعية لعدم التمكن منها، و وجوب الموافقة القطعية متفرّع‌ عليها، فلا‌بدّ من الالتزام بعدم التنجيز في المقام أيضاً، فإنّ المخالفة القطعية لا‌تتحقق إلّا بارتكاب جميع الأطراف، و هو متعذر أو متعسّر عادةً، فلا‌تجب الموافقة القطعية أيضاً، فلا‌يكون العلم الإجمالي منجّزاً لا محالة»
[3] فرائد الأصول، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج2، ص425. و في نهاية الدراية، ج‌4، ص258: «و إن كان الاضطرار بعد حصول العلم و تأثيره أثره، فالشيخ الأعظم. في رسالة البراءة على الاحتياط و بقاء العلم بأثره؛ لأنّ وجوب الاجتناب عن كلّ واحد من الطرفين بملاحظة احتمال التكليف المنجّز بالعلم في ذلك الطرف، و هو بعينه موجود هنا، لاحتمال بقاء التكليف المنجز في غير المضطر إليه، كاحتمال ثبوته فيه قبل الاضطرار»

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo