< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ محمدعلي البهبهاني

45/04/05

بسم الله الرحمن الرحیم

 

ال
موضوع: الأصول العملية/أصالة الاحتياط /الفصل الأول؛ التنبیه التاسع: في اعتبار دخول جمیع الأطراف في محل الابتلاء؛ النظریة الأولی

 

النظریة الأولی: من الشیخ الأنصاري
([1]
)

لو كان ارتكاب الواحد المعیّن ممكناً عقلاً، لكن المكلّف أجنبي عنه و غیر مبتلی به بحسب حاله، كما إذا تردّد النجس بین إنائه و إناء لا دخل للمكلّف فیه أصلاً، فإنّ التكلیف بالاجتناب عن هذا الإناء الآخر الممكن عقلاً غیر منجّز عرفاً، و لهذا لایحسن التكلیف المنجّز بالاجتناب عن الطعام أو الثوب الذي لیس من شأن المكلّف الابتلاء به. نعم یحسن الأمر بالاجتناب عنه مقیّداً بقوله: «إذا اتّفق لك الابتلاء بذلك بعاریة أو تملك أو إباحة فاجتنب عنه».

و استدلّ الشیخ الأنصاري على ذلك بدلیلین:([2] )

الدلیل الأوّل: إنّ الخطاب الشرعي بترك ما لم‌یكن في محل ابتلاء المكلّف المخاطب مستهجن، قال الشیخ: إنّ النواهي المطلوب فیها حمل المكلّف على الترك مختصّة بحكم العقل و العرف بمن یعدّ مبتلی بالواقعة المنهي عنها و لذا یعدّ خطاب غیره بالترك مستهجناً إلّا على وجه التقیید بصورة الابتلاء.([3] )

الدلیل الثاني: إنّ الخطاب الشرعي بترك ما لم‌یكن في محل الابتلاء طلبٌ للحاصل و لغو، لعدم الحاجة إلیه و الشیخ جعل ذلك سرّ الاستهجان المذكور، قال الشیخ الأنصاري: و لعلّ السرّ في ذلك أنّ غیر المبتلى تارك للمنهي عنه بنفس عدم الابتلاء، فلا حاجة إلى نهیه، فعند الاشتباه لایعلم المكلّف تنجّز التكلیف بالاجتناب عن الحرام الواقعي.([4] )


النظریة الثانیة: من صاحب الكفایة
([5]
)

إنّ صاحب الكفایة أیضاً قال بأنّ ما لا ابتلاء به عادةً لیس للنهي عنه موقع أصلاً ضرورة أنّه بلا فائدة و لا طائل، بل یكون من قبیل طلب الحاصل.([6] )

و ما أفاده في متن الكفایة منطبق على نظریة الشیخ طابق النعل بالنعل و لكنّه قال في حاشیة الكفایة بأنّ ذلك لایختصّ بالشبهات التحریمیة بل يعمّ الشبهات الوجوبیة أیضاً (بمعنی أنّه یعتبر فیها أن یكون ترك هذا الفعل المأمور به محلاً للابتلاء، و بعبارة أخری أن ‌یكون الترك متعلّقاً للقدرة عادة بحیث یتمكن المكلّف عادة من ترك الفعل المأمور به).

و ذلك لأنّ ملاك البحث عنده هو أن یكون النهي داعیاً للمكلّف نحو الترك و لایكون ذلك إلّا في ما یمكن عادة ابتلاؤه به و هذا المعنی بعینه موجود في الشبهات الوجوبیة لأنّ الأمر و البعث نحو الشيء لایكون إلّا لإیجاد الداعي إلى فعله، فإذا كان الفعل بحیث لایتركه المكلّف عادةً فالأمر به و البعث نحوه یكون لغواً و مستهجناً و طلباً للحاصل، و لذا قال في حاشية الكفایة: «إذا كان فعل الشيء الذي كان متعلّقاً لغرض المولى ممّا لایكاد عادة أن یتركه العبد و أن لایكون له داع إلیه، لم‌یكن للأمر به و البعث إلیه موقع أصلاً»([7] ).

و نتیجة ذلك: عدم تحقّق العلم الإجمالي في ما إذا كان بعض أطرافه خارجاً عن محل الابتلاء.

إیراد المحقّق النائیني علی نظریة صاحب الكفایة

إنّ المحقّق النائیني بعد اختیار نظریة الشیخ و الالتزام باختصاص ذلك بالشبهات التحریمیة أشار إلى تعمیم صاحب الكفایة ذلك للشبهات الوجوبیة إذا كان بعض الأطراف فيها خارج عن محل الابتلاء بقوله: «إن قلت»([8] )، ثم أجاب عنه فقال:

لما كان المطلوب في التكالیف الإیجابیة حيث أنّه الإیجاد الاختیاري فمع عدم القدرة على الترك عقلاً فلا ‌محالة لایكون هناك بعث و إیجاب، لفرض كون الفعل ضروریاً و خارجاً عن الاختیار، و أمّا مع القدرة علیه عقلاً فالفعل مطلقاً إذا لم‌یكن صادراً عن الغفلة و نحوها، فلا‌محالة یصدر بالاختیار و الإرادة و لو مع عدم القدرة على الترك عادة (حیث أنّ المراد من الخروج عن الابتلاء عادة في الشبهات الوجوبیة هو عدم القدرة على ترك الفعل عادة كما تقدّم ذلك في بیان صاحب الكفایة، و معنی ذلك هو أنّ الفعل الذي لایقدر المكلّف عادة على تركه صادر عنه بالإرادة و الاختیار) و معه یحسن التكلیف به و جعل الداعي إلیه (لأنّه فعل اختیاري إرادي للمكلّف).

و أین ذلك من التكلیف التحریمي المطلوب فیه استمرار العدم؟ (حیث أنّ المطلوب في باب النواهي هو استمرار العدم و عدم انتقاضه بالوجود، فلا‌بدّ في جعل الداعي إلیه من قدرة المكلّف على الانتقاض و مع عدمها (أي عدم القدرة) یكون جعل الداعي إلیه لغواً إلّا على نحو القضیة المشروطة، فمع خروج بعض الأطراف عن مورد الابتلاء یكون التكلیف المعلوم غیر محرز الفعلیة على كلّ تقدیر، فلا‌یكون منجّزاً).

فلابدّ من وقوع الترك عن إرادة و اختیار و هو لایكون إلّا مع القدرة على الفعل عقلاً و عادةً و مع انتفائها یكون الترك حاصلاً بنفسه، فلا معنی لطلبه.([9] )


النظریة الثالثة: من المحقّق الخوئي
و
هو المختار
)

ما أفاده في المقام یشتمل على مطلبین:

المطلب الأول إیراده على الشیخ الأنصاري و المحقّق النائیني حیث قالا بالفرق بین الشبهات التحریمیة و الشبهات الوجوبیة.

و المطلب الثاني إیراده على صاحب الكفایة بل على جمیع الأعلام حیث أنّ المحقّق الخوئي یعتقد بأنّه لایعتبر في تنجیز العلم الإجمالي دخول جمیع الأطراف في محلّ الابتلاء.([11] )

و إلیك بیان المطلبین:

المطلب الأوّل

إنّه لو بنینا على أنّ التكلیف بما هو حاصل عادةً -و إن كان مقدوراً فعله و تركه- یكون لغواً، فلا فرق بین التكلیف الوجوبي و التحریمي فإنّه كما یقال: إنّ النهي عن شيء متروك في نفسه حسب العادة لغو مستهجن كذلك یقال: إنّ البعث نحو شيء حاصلٍ بنفسه لغو مستهجن، فیعتبر حینئذٍ في تنجیز العلم الإجمالي عدم كون بعض الأطراف خارجاً عن محلّ الابتلاء عادة في المقامین كما ذكره صاحب الكفایة.

و إن بنینا على أنّ التكلیف بما هو حاصل عادة لایكون لغواً و لایشترط في صحّة التكلیف أزید من القدرة، فلا فرق بین التكلیفین و لایعتبر في تنجیز العلم الإجمالي عدم خروج بعض الأطراف عن معرض الابتلاء في المقامین.


[2] ذكر المحقق الإصفهاني ثلاثة وجوه لاعتبار الدخول في محلّ الابتلاء من القائلین به ذُكر الأول و الثاني في المتن:قال في نهاية الدّراية في شرح الكفاية، الغروي الإصفهاني، الشيخ محمد حسين، ج4، ص262.: «حيث أنّ النهي الحقيقي هو جعل الداعي إلى الترك، فما كان متروكاً بعدم الابتلاء لا معنى لطلب تركه، كما عن شيخنا العلامة الأنصاري أو هو من قبيل طلب الحاصل، كما عن شيخنا الأستاذ. في المتن، أو من حيث أنّ تعلق التكليف بالمكلف فعلياً، و ارتباطه به بارتباط موضوعه به فعلاً، فما لا شغل له به و ما كان داعيه مصروفاً عنه لا معنى لتعلق التكليف الفعلي به، كما عن آخرين»
[3] في نهاية الدّراية في شرح الكفاية، الغروي الإصفهاني، الشيخ محمد حسين، ج4، ص264..: «لا معنى للاستهجان العرفي، لعدم ارتباط حقيقة التكليف بالعرف بما هم أهل العرف، و ليس الكلام في الخطاب بما هو خطاب حتى يتوهم ارتباطه بنظر العرف»
[4] فرائد الأصول، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج2، ص234.قال المحقق الإصفهاني في مقام بیان دلیل الشیخ على اعتبار الدخول في محل الابتلاء في نهاية الدّراية في شرح الكفاية، الغروي الإصفهاني، الشيخ محمد حسين، ج4، ص262.: «حيث أنّ النهي الحقيقي هو جعل الداعي إلى الترك، فما كان متروكاً بعدم الابتلاء لا معنى لطلب تركه، كما عن شيخنا العلامة الأنصاري».ثم أورد علیه في نهاية الدّراية في شرح الكفاية، الغروي الإصفهاني، الشيخ محمد حسين، ج4، ص263..ببیان مبنیین في معنی التكلیف الحقیقي قائلاً: «إن كان التكليف الحقيقي البعثي و الزجري جعل ما يدعو إلى الفعل أو الترك بالفعل فمع وجود الداعي إلى الفعل أو الترك أو عدم الداعي في نفسه إلى الترك يكون مستحيلاً.و أما إذا كان التكليف الحقيقي جعل ما يمكن أن يكون داعياً، بحيث لو انقاد العبد له لانقدح الداعي في نفسه بدعوة البعث أو الزجر، فيفعل أو يترك بسبب جعل الداعي، فهذه الصفة محفوظة، سواء كان للمكلف داع إلى الفعل كما في التوصلي الذي يأتي به بداعي هواه، أو داع إلى تركه كما في العاصي، أو لم‌يكن له داع إلى الفعل من قبل نفسه كما فيما نحن فيه، و عليه فمجرد كونه متروكاً بعدم الابتلاء ... لايرجع إلى محصل، إلا إذا أريد منه عدم الداعي له إلى فعله، و مجرد عدم الداعي لايمنع من جعل ما يمكن أن يكون داعياً، لأنّه يمنع عن جعل الداعي إلى الترك بالفعل لا بالإمكان، فإنّه يكفيه إمكان حصول الداعي له إلى الفعل ليمنع عنه الداعي إلى الترك من قبل المولى و لذا يصح جعل الداعي بالنسبة إلى العاصي، مع كونه بحيث لا داعي له إلى الفعل، بل كان له الداعي إلى الخلاف.»ثم إنّه یذكر نقضاً على المبنى الأول بقوله: «بل إذا كان عدم الداعي فعلاً مانعاً عن توجه النهي الحقيقي، فلازمه عدم صحة النهي مع الدخول في محلّ الابتلاء، إذا لم‌يكن له داع إلى شربه مثلاً، مع أنّه ليس كذلك جزماً».ثم یقول بعدم معقولیة المبنی الأول بهذا الكلام: «بل التحقيق أنّ حقيقة التكليف الصادر من المولى المتعلق بالفعل الاختياري لايعقل أن يكون إلا جعل الداعي بالإمكان، لا بمعنى البعث الخارجي الموجب لصدور الفعل منه قهراً، فإنّه خلف.إذ المفروض تعلق التكليف بالفعل الاختياري، فلا شأن له إلا الدعوة الموجبة لانقداح الإرادة في نفس المكلف، لكنه لا بحيث يوجب اضطراره إلى إرادة الفعل أيضاً، لأنّه و إن لم‌يكن منافياً لتعلق التكليف بالفعل الاختياري، لفرض توسط الإرادة بين التكليف و فعل المكلف، إلا أنّه خلاف المعهود من التكاليف الشرعية حيث أنّه ليس فيها الاضطرار حتى بهذا المعنى، بل تمام حقيقته جعل ما يمكن أن يكون داعياً، و يصلح أن يكون باعثاً و لا معنى للإمكان إلا الذاتي و الوقوعي، فيجتمع مع الامتناع بالغير أي بسبب حصول العلة فعلاً أو تركاً من قبل نفس المكلف، فإنّ الامتناع بسبب العلة، مع عدم امتناع عدم العلة يجامع الإمكان الذاتي و الوقوعي، و لايعقل الإمكان بالغير حتى ينافي الامتناع بالغير.»و یقول في ختم كلامه: «و من جميع ما ذكرنا تبيّن أنّ الدخول في محل الابتلاء مع فرض تحقق القدرة بدونه لا دليل عليه [أي على اعتباره]»
[6] قال المحقق الإصفهاني في نهاية الدّراية في شرح الكفاية، الغروي الإصفهاني، الشيخ محمد حسين، ج4، ص266.في التعلیقة على قوله.: «بل يكون من قبيل طلب الحاصل» في بیان استدلال صاحب الكفایة: «إن أريد من الطلب نفس الشوق الأكيد النفساني، فطبيعة الشوق كما مرّ مراراً تتعلق بالحاصل من وجه المفقود من وجه آخر، فلا‌يعقل تعلقها بالحاصل من كل وجه، و الشوق إلى حصول الحاصل ثانياً لا‌يعقل، لأنّ الوجود لايعرض الموجود، لأنّ المماثل لايقبل المماثل، فطلبه محال من العاقل و إن أريد منه البعث فحيث أنّه إيجاد تسبيبي من الباعث يرجع إلى إيجاد الموجود و هو محال.»ثم قال في تكملة هذا الاستدلال: «قد يتعلق الطلب بما هو مفروض الحصول بعلته، فالأمر فيه كما مر و قد يتعلق بالشي‌ء في عرض علته المفروضة، فليس لازمه طلب الحاصل، لأنّ طلب الحاصل بنفس الطلب ليس فيه محذور، بل فيه اجتماع علتين مستقلّتين على معلول واحد، و صدور الواحد عن الكثير محال؛ هذا إذا فرض الترك بالداعي.و أما إذا فرض الترك بعدم الداعي فمحذوره أمر آخر، و هو أنّ إبقاء العدم على حاله بالزجر و الردع بملاحظة صيرورته مانعة عن حصول الداعي إلى الفعل، و مع عدمه لا‌يعقل المانعية و الزاجرية، فإنّ الشي‌ء لايتصف بفعلية المانعية إلا مع فعلية المقتضي».ثم أجاب عن هذا الاستدلال بقوله: «و الجواب عن الكل ما مرّ من أنّ العلية و المانعية في النهي الحقيقي بالإمكان لا بالفعلية، كي يلزم منه المحاذير المتقدمة»
[7] . كفاية الأصول - ط آل البيت، الآخوند الخراساني، ج1، ص361.، حاشية ص٣٦١ عند قوله (و أمّا ما لا ابتلاء به بحسبها، فليس للنهي عنه موقع أصلاً).
[8] أجود التقريرات، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج2، ص251..بقوله: «إن قلت: إذا كانت القدرة العادية على الفعل معتبرة في فعلية التكاليف التحريمية فلا‌بدّ و أن يعتبر القدرة على الترك معتبرة في التكاليف الوجوبية أيضاً فإذا كان الترك غير مقدور عليه عادة في بعض‌ أطراف‌ العلم‌ بالتكليف‌ الإيجابي‌ فلا‌بدّ من الالتزام بعدم تنجيز العلم مع أنه بعيد عن الذوق الفقهي غايته»‌
[9] أجود التقريرات، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج2، ص251.النظریة الأولى و الثانیة هما من القائلین باعتبار الابتلاء في التكلیف و هنا بیان آخر لاعتباره ذكره المحقق الإصفهاني: قال في نهاية الدّراية في شرح الكفاية، الغروي الإصفهاني، الشيخ محمد حسين، ج4، ص265.: «غاية ما يمكن أن يقال في وجه اعتبار الابتلاء في خصوص التكليف التحريمي، مع تساوي الفعل و الترك في القدرة المعتبرة في البعث و الزجر هو أنّ البعث حيث أنّه لجعل الداعي نحو الفعل، فلا‌بدّ من أن يكون الفعل بحيث يمكن الانبعاث إليه، فإذا كانت مقدماته موجودة، فلا محالة يكون انقياد المكلف مساوقاً للانبعاث بالبعث نحو الفعل، و إن لم‌يكن مقدماته موجودة، فحيث كان الانبعاث إلى ذيها ممكناً بالانبعاث إليها فلا‌محالة يصحّ البعث نحو الفعل، و نحو مقدماته.و أما الزجر، فهو أيضاً لايصح، إلا إذا أمكن الانزجار عن الفعل، فإذا كانت مقدمات الفعل موجودة ما عدا المقدمة الأخيرة، فلا محالة يصحّ الانزجار عن الفعل بالانزجار عن مقدمته، فيصح الزجر عنه و عن مقدمته المترتب عليهما ترك الفعل، و أما إذا كان ما عدا المقدمة الأخيرة متروكاً أيضاً، فلا‌يترقّب من الزجر عن الفعل ترتب الانزجار عليه عند انقياد المكلف؛ أما بنفسه فواضح، و أما من حيث الانزجار عن مقدماته فلفرض كونها متروكة، و تبدّلها إلى النقيض لا أثر له حتى يكون إمكان الزجر و الانزجار محفوظاً، لأنّ وجود ما عدا المقدمة الأخيرة و عدمه في بقاء الترك على حدّ سواء و لذا لايحرم ما عدا المقدمة الأخيرة على ما هو التحقيق في محله. و عليه فشرطية الابتلاء لاقتضاء الزجر عن الفعل بالخصوص، لا لاقتضاء مطلق التكليف بعثاً أو زجراً، و لا لفقد القدرة و لو بمرتبة منها».و قال في تحقیق الأصول عن بعض الأساطين. في ج8، ص251: «و قد ناقشه الأستاذ أوّلاً بالنظر إلى قیاس ما نحن فیه بالإمكان الذاتي و الوقوعي و الاستعدادي، فقال بأنّه قیاس مع الفارق، لأنّ اجتماع الإمكان بأقسامه مع الامتناع بالغیر أمر منجعل، فإن للنطفة - مثلاً - القابلية لأنْ تصیر إنساناً، و لكنّ ذلك قد یمتنع بعدم تحقّق الشرط له أو وجود المانع عنه. أمّا في ما نحن فیه فإنّ البعث أو الزجر الإمكاني أمر مجعولٌ من قبل المولى، و قیاس المنجعل بالمجعول غیر صحیح. مضافاً إلى أنّ الإمكان الاستعدادي - و إن كان مجعولاً - أمر تكویني كالمثال المذكور، و لا مانع من جعل هذا الإمكان مع الإبتلاء بالمانع، و لكن هل یصحّ جعل البعث و الزجر الإمكاني مع وجود الابتلاء بالمانع؟ثمّ ناقشه - بقطع النظر عن المبنی- بأنّ المفروض على المبنی أنّ للأمر أو النهي إمكان الباعثية، و هذا الإمكان یصل إلى مرحله الفعلية عند خلوّ نفس المكلّف عن المانع عن العبودیّه. و بعبارة أخری: إنّ المبنی هو وجود مرحلتین، مرحله القوّة، و هو وصول الحكم إلى المكلّف، و مرحلة الفعلية، و هو وصوله إلى الفعلية عند حصول الشروط و هو الخلوّ عن الموانع، و حینئذٍ نقول:لو كان أحد الأطراف خارجاً عن محلّ الابتلاء و لیس للمكلّف القدرة العرفية علیه. و أیضاً: لو كان الفعل ممّا لا‌یصدر عن المكلّف بطبعه، فإنّ التكلیف بالاجتناب عن ذلك الفرد أو عن هذا الفعل موجود، لأنّ الأحكام صادرة بنحو القضية الحقیقية، و للحكم إمكان الباعثية و الزاجرية على المبنی، و لكن الحكم لا‌یصل إلى مرحله الفعلية في المثالین مع خلوّ نفس المكلّف عن الموانع، لأنّ المفروض وجود الزاجر الفعلي عن ذاك الفرد أو الفعل و جعل الزاجر الفعل الآخر له یستلزم اجتماع المثلین و لا‌یعقل له تحقّق الباعثية أو الزاجرية الفعلية، فقول الشارع له: «اجتنب عن الخمر في الإناء الموجود في هند» لا أثر له، و كذا اجتنب عن الخبائث.و الحاصل: أنّ للمكلّف في المثالین زاجراً فعلیاً بطبعه في الموردین، و الحكم فیهما لا‌یصل إلى الفعلية مع عدم خلوّ نفس المكلّف عن الموانع، فلیس المحذور في المقام لزوم اللغویّة من الجعل، بل المحذور أنّ جعل ما یصلح لأن یصل إلى الفعلیّه مع تحقّق الفعلیّة بالطبع لغو»
[11] قد سبق من المحقق الإصفهاني عدم الدلیل على اعتبار الابتلاء في التكلیف. ثم إنّه نقل هذا القول عن بعض الأعلام فقال في نهاية الدّراية في شرح الكفاية، الغروي الإصفهاني، الشيخ محمد حسين، ج4، ص265.:«و عن بعض أجلة العصر. أيضاً الالتزام بعدم شرطية الابتلاء في حقيقة التكليف، لكنه بدعوى أنّ حقيقة التكليف ليست بمعنى البعث و الزجر و جعل الداعي، ليتوهّم الاستهجان العقلائي بل حقيقة التكليف هو الإلزام بالفعل و الترك، و ربما يكون نفس هذا الالزام موجباً لتحصيل الابتلاء، فكيف يكون مشروطاً بالابتلاء به».ثم استشكل هذا البیان فقال: «لكنا قد بيّنّا مراراً أنّ حقيقة التكليف الذي يتوسط بين إرادة المولى لفعل العبد و إرادة العبد إياه، هو جعل الداعي له، بحيث يكون ايجاداً تسبيبياً تنزيلياً من المولى، و إن كان لهذا الإيجاد التسبيبي عناوين مختلفة باعتبارات متعددة فمن حيث الإيقاع في كلفة الفعل أو الترك تكليف و من حيث جعله قريناً للمكلف «بحيث لاينفك عنه إلا بالإطاعة أو العصيان» إلزام، فكأنّه جعله لازماً له و من حيث أنّه موجب لحركته نحو الفعل تحريك، و من حيث إثباته على رقبته إيجاب، و هكذا و أما لزوم تحصيل الابتلاء المنافي لشرطية الابتلاء فإنّما يرد إذا أريد شرطيته الابتلاء للأمر و النهي معاً، مع أنّه لخصوص النهي، فإنّه الذي لايحسن مع حصول متعلقه، و هو الترك بنفس عدم الابتلاء»

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo