< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ محمدعلي البهبهاني

45/04/08

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاحتياط /الفصل الأول؛ التنبیه التاسع؛ مقتضی الأصل اللفظي و العملي؛ البیان الثاني من المحقق النائیني

 

البیان الثاني: من المحقّق النائیني
([1]
)

إنّ المحقّق النائیني قد أفاد وجهین في بیان وجوب الاجتناب عن أطراف العلم الإجمالي عند الشك في خروج بعض الأطراف عن محلّ الابتلاء إلّا أنّ ما أفاده ناظر إلى الصورتين الثانیة و الثالثة أي الشبهة المفهومیة و المصداقیة، لكنّ الوجهین المذكورین وافیان ببیان حكم الصورة الأولى أیضاً.

قال في فوائد الأصول:

إنّ الشك في حصول القدرة العادیة یستتبع الشك في ثبوت التكلیف و عدمه، فإذا كان المشكوك فیه أحد أطراف العلم الإجمالي ففي وجوب الاجتناب عن الطرف الآخر الذي یعلم بحصول القدرة علیه و إمكان الابتلاء به و عدمه قولان أقواهما وجوب الاجتناب عنه لوجهین:

الوجه الأوّل: هو أنّ الشك في ذلك و إن كان یستتبع الشك في ثبوت التكلیف و تحقّق الخطاب، إلّا أنّه لمكان العلم بالملاك و ما هو المناط لانقداح الإرادة المولویة یجري علیه حكم الشك في المسقط.

توضیح ذلك: إنّ القدرة بكلا قسمیها من العقلیة و العادیة لیست من الشرائط التي لها دخل في ثبوت الملاكات نفسِ الأمریة و مناطات الأحكام، بل إنّما هي من شرائط حسن التكلیف و الخطاب، لقبح التكلیف و استهجانه عند عدم القدرة العقلیة و العادیة، فالملاك محفوظ في كلتا صورتي وجود القدرة و عدمها.

و العقل یستقلّ بلزوم رعایة الملاك و عدم جواز تفویته مهما أمكن إذا كان للمولى حكم على طبقه. غایته أنّه عند العلم بعدم القدرة على استیفاء الملاك بكلا قسمیها لایلزم العقل برعایة الملاك، للعلم بأنّه لیس للمولى حكم على طبقه.

و أمّا مع الشك في القدرة فالعقل یلزم برعایة الاحتمال تخلّصاً عن الوقوع في مخالفة الواقع، كما هو الشأن في جمیع المستقلات العقلیة، حیث أنّه للعقل حكم طریقي في موارد الشك على طبق ما استقلّ به و لیس في شيء من الأحكام العقلیة ما یحكم العقل بالبراءة عند الشك في موضوع حكمه، فعند الشك في القدرة (العقلیة أو العادیة) لایحكم العقل بالبراءة و ترتّب آثار عدم القدرة، بل یستقلّ بلزوم رعایة احتمال القدرة.

و لایجوز إجراء البراءة في الطرف الذي هو داخل في مورد الابتلاء، بتوهّم أنّ الشك في ثبوت القدرة العادیة في أحد طرفي العلم الإجمالي یستلزم الشك في التكلیف، فتجري البراءة في الطرف الذي یعلم بإمكان الابتلاء به و ذلك لما عرفت من أنّ العلم بتحقّق الملاك یمنع عن الرجوع إلى البراءة.

الوجه الثاني: هو ما أفاده الشیخ من التمسّك بإطلاقات أدلّة المحرمات و تقریب الاستدلال بها هو أنّه لا إشكال في إطلاق ما دلّ على حرمة شرب الخمر مثلاً و شموله لكلتا صورتي الابتلاء به و عدمه و القدر الثابت من التقیید و الخارج عن الإطلاق عقلاً هو ما إذا كان الخمر خارجاً عن مورد الابتلاء بحیث یلزم استهجان النهي عنه بنظر العرف، فإذا شك في استهجان النهي و عدمه في مورد الشك في إمكان الابتلاء بموضوعه و عدمه، فالمرجع هو إطلاق الدلیل، لما تبیّن في مبحث العام و الخاص من أنّ التخصیص بالمجمل مفهوماً المردّد بین الأقل و الأكثر لایمنع عن التمسّك بالعامّ في ما عدا القدر المتیقن من التخصیص و هو الأقل.

و تقدم([2] ) إیراد صاحب الكفایة على هذا الوجه و جواب المحقق النائیني و المحقق الخوئي عن الإیراد.

فتحصّل من ذلك أنّ التحقیق یقتضي جواز التمسّك بالإطلاق عند الشك في الصورتين الأولى و الثانیة فیجب الاجتناب عن جمیع أطراف العلم الإجمالي فيهما.

الصورة الثالثة

إذا التزمنا باعتبار دخول جمیع الأطراف في محلّ الابتلاء في تنجیز العلم الإجمالي و لكن شككنا بالنسبة إلى بعض أطراف العلم الإجمالي أنّه خارج عن محلّ الابتلاء أو لا، لشبهة مصداقیة، فهل یجوز الرجوع إلى الأصل اللفظي و هو الإطلاق أو لابدّ من الرجوع إلى أصل عملي من الاحتیاط أو البراءة الشرعیة؟

و الظاهر من عبارة صاحب الكفایة ([3] ) تعمیمه بالنسبة إلى الشبهات المصداقیة فهو قائل بجریان البراءة في هذه الصورة و كذلك المحقّق الخوئي إلّا أنّ المحقّق النائيني خالف في ذلك و خروج هذه الصورة عن صورة عدم الابتلاء و بالأوّل نأتي بنظرية المحقّق النائيني و بعد ذلك إيراد المحقّق الخوئي ثمّ نظريته.

نظریة المحقق النائیني

إنّ المحقّق النائیني صرّح بجواز الرجوع إلى إطلاقات أدلّة الأحكام و أیضاً ذهب إلى أنّ العقل یستقلّ بلزوم حفظ الملاك و رعایته و عدم جواز تفویته مهما أمكن.([4] )

إیراد المحقّق الخوئي
علی الرجوع إلی الإطلاق ([5]
)

إنّه لایجوز الرجوع إلى الإطلاق و التمسّك بالعموم في الشبهات المصداقیة و لاسیّما في موارد التخصیصات اللبّیة التي هي من قبیل القرائن المتّصلة الموجبة لعدم انعقاد الظهور من أوّل الأمر إلّا في الأفراد الباقیة و المقام كذلك فإنّ إطلاقات الأدلّة الأوّلیة الدالّة على التكلیف لیس لها ظهور من أوّل الأمر إلّا في المقدور من جهة القرینة القطعیة العقلیة و كذا لیس لها ظهور إلّا في موارد الابتلاء بناء على اعتبار الدخول في محل الابتلاء في صحّة التكلیف.

فتحصل إلى هنا أنّه لایجوز التمسّك بالإطلاق في المقام فما أفاده المحقّق الخوئي موافق لمقتضى القاعدة.

أمّا جریان البراءة: فإنّ البراءة یمكن تصویرها في ناحیتین: الناحیة الأولى: البراءة في الطرف المشكوك في كونه المبتلى به، و الناحیة الثانیة: البراءة في الطرف الآخر و هو الطرف الذي نعلم أنّه داخل في محل الابتلاء.


[2] تقدّم إيراد صاحب الكفاية في ص237 و جواب المحققين. عنه في ص240
[3] كفاية الأصول - ط آل البيت، الآخوند الخراساني، ج1، ص361..: «و منه قد انقدح أن الملاك في الابتلاء المصحح لفعلية الزجر و انقداح طلب تركه في نفس المولى فعلا هو ما إذا صحّ انقداح الداعي إلى فعله في نفس العبد مع اطلاعه على ما هو عليه من الحال و لو شك في ذلك كان المرجع هو البراءة لعدم القطع بالاشتغال لا إطلاق الخطاب‌ ضرورة أنه لا مجال للتشبّث به إلا فيما إذا شك في التقييد بشي‌ء بعد الفراغ عن صحة الإطلاق بدونه لا فيما شك في اعتباره في صحته»‌
[4] أجود التقريرات، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج2، ص253.: «و أما إذا شك في ذلك لأجل الشبهة المصداقية أو المفهومية فحسن التكليف الفعلي و إن كان مشكوكا في مورده لا‌ محالة إلّا أن الإطلاقات تكون رافعة للشك و موجبة لثبوت‌ التكليف‌ الفعلي‌ فيه‌ فإن خروج مورد عن تحت الخطاب لاستقلال العقل بعدم الملاك فيه لا‌يوجب رفع اليد عنها في الموارد المشكوك».قال المحقق الإصفهاني في نهاية الدّراية في شرح الكفاية، الغروي الإصفهاني، الشيخ محمد حسين، ج4، ص272..: «إعلم أنّه «مع الإغماض عما ذكرنا من محذور التمسك بالإطلاق» لا فرق بين أن تكون الشبهة مفهومية أو مصداقية؛ أما الأولى فواضح لدوران الأمر بين الاطلاق و التقييد من رأس، إذا كان أصل قيدية الابتلاء مشكوكاً، و لدوران الأمر بين الأقل و الأكثر و الشك في زيادة التقييد، إذا كان الشك في مقدار الابتلاء المعتبر. و أما الثانية فلأنّ المقيد حيث أنّه لبّي يجوز التمسك فيه بالإطلاق، و لو في الشبهة من حيث المصداق، لما ذكرنا في محله»

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo