بحث الأصول الأستاذ محمدعلي البهبهاني
45/04/23
بسم الله الرحمن الرحیم
إنّ انحلال العلم الإجمالي بالواجب المردّد بین الأقلّ و الأكثر محال، و الوجه في استحالة الانحلال أمران:
الأوّل: لزوم الخلف. و الثاني: أنّه یلزم من الانحلال عدم الانحلال.
الأمر الأوّل (و هو لزوم الخلف):
إنّ الأقلّ واجب عند الشیخ إمّا وجوباً شرعیاً نفسیاً و إمّا وجوباً مقدّمیاً عقلیاً غیریاً و وجوبه المقدّمي متوقّف على وجوب الأكثر و تنجّز العلم الإجمالي بالنسبة إلیه، فلو فرضنا أنّ وجوب الأقلّ مستلزم لعدم تنجّز التكلیف بالنسبة إلى الأكثر یكون هذا خلفاً.
بعبارة أخری وجوب الأقلّ على كلّ تقدیر إمّا نفسي و إمّا غیري متوقّف على تنجّز التكلیف بالنسبة إلى الأكثر، فالمفروض عندنا تنجیز التكلیف بالأكثر و حینئذٍ لو قلنا بأنّ وجوب الأقلّ مستلزم لعدم تنجیز التكلیف بالأكثر یكون هذا خلفاً للفرض.
و من جهة أخری یلزم من وجوب الأقلّ عدم وجوبه، و هذا خلف الفرض لأنّه یلزم من وجوب الأقلّ انحلال العلم الإجمالي و لازمه عدم تنجیز التكلیف بالأكثر و مع عدم تنجیزه یلزم عدم وجوب الأقلّ على كلّ تقدیر لأنّ وجوبه إمّا نفسي و إمّا غیري و وجوبه الغیري متوقّف على وجوب الأكثر نفسیاً و مع البراءة عن وجوب الأكثر نفسیاً لایكون الأقلّ واجباً غیریاً فلایكون واجباً على كلّ حال.
الأمر الثاني (و هو أنّه یلزم من الانحلال عدم الانحلال):
لو قلنا بانحلال العلم الإجمالي بالواجب المردّد بین الأقلّ و الأكثر یلزم من ذلك عدم الانحلال فإنّ ما یوجب الانحلال عند الشیخ الأنصاري هو العلم التفصیلي بوجوب الأقلّ إمّا نفسیاً و إمّا غیریاً في ما إذا كان التكلیف متعلّقاً بالأكثر، فإذا قلنا بانحلال العلم الإجمالي المذكور یلزم عدم تنجیز التكلیف بالأكثر و عدم وجوبه و لازم ذلك هو عدم كون الأقلّ واجباً بالوجوب الغیري و یسقط العلم التفصیلي بوجوب الأقلّ إمّا نفسیاً و إمّا غیریاً و مع سقوط العلم التفصیلي بوجوب الأقلّ لاینحلّ العلم الإجمالي.
إنّ انحلال العلم الإجمالي لایتوقّف على تنجّز التكلیف المعلوم بالإجمال على تقديري تعلّقه بالأقلّ و تعلّقه بالأكثر، بل انحلال العلم الإجمالي و تنجّز التكلیف المعلوم بالإجمال بالنسبة إلى الأكثر متنافیان لایجتمعان، فكیف یكون متوقّفاً علیه؟
فإنّ انحلال العلم الإجمالي مبنيّ على العلم التفصیلي بوجوب الأقلّ و أمّا العلم التفصیلي بوجوب الأقلّ فلایتوقّف على تنجّز التكلیف بالأكثر بل هو متوقّف على العلم الإجمالي بوجوب الأقلّ أو الأكثر و إن لمیكن منجّزاً.
و المغالطة إنّما نشأت من أخذ تنجّز التكلیف بالأكثر شرطاً لحصول العلم التفصیلي بوجوب الأقلّ و هذا العلم التفصیلي هو الموجب للانحلال، و ترتفع بأن نقول: إنّ العلم التفصیلي بوجوب الأقلّ لایتوقّف على تنجّز التكلیف بالأكثر.
فذات الأقلّ معلوم الوجوب على كلّ تقدیر «أي على تقدیر وجوب الأقلّ في الواقع بنحو الإطلاق و على تقدیر وجوبه في الواقع بنحو التقیید» و حیث أنّ الإطلاق لایكون مجریً للأصل في نفسه، یجري الأصل في التقیید بلا معارض و ینحلّ العلم الإجمالي لامحالة.([3] )
إنّ التكلیف[4] المعلوم بالإجمال تكلیف واحد متعلّق بالأجزاء ثبوتاً و سقوطاً إذ المفروض كون الأجزاء ارتباطية و حینئذٍ لو أتینا بالأقلّ لایحصل القطع بسقوط التكلیف، لاحتمال وجوب الأكثر، حیث أنّه لو كان التكلیف المعلوم بالإجمال هو الأكثر فلایجزي الإتیان بالأقلّ من دون انضمام الأجزاء المشكوكة بل یكون الإتیان بالأقلّ حینئذٍ باطلاً.
فیكون المقام من موارد العلم بثبوت التكلیف و الشكّ في سقوطه فیكون مجریً لقاعدة الاشتغال.
إنّ الشكّ في السقوط على وجهین، فإنّه تارةً یكون ناشئاً من الشكّ في صدور الفعل من المكلّف بعد تمامیة البیان من قبل المولى -كما إذا علمنا بوجوب صلاة الظهر و شككنا في إتیاننا بها- فهنا تجري قاعدة الاشتغال حتّی یحصل العلم بالفراغ و أخری یكون ناشئاً من عدم وصول التكلیف إلى المكلّف، فلایعلم العبد بما هو مجعول من قبل المولى كما في المقام، فإنّ الشكّ في سقوط التكلیف بإتیان الأقلّ یكون ناشئاً من الشكّ في جعل المولى ، ففي مثل ذلك كان جعل التكلیف بالنسبة إلى الأكثر مشكوكاً فیه فیرجع إلى الأصل العقلي و هو قاعدة قبح العقاب بلابیان و الأصل النقلي المستفاد من حدیث الرفع، فبعد الإتیان بالأقلّ و إن كان الشكّ في سقوط التكلیف واقعاً موجوداً بالوجدان، لاحتمال وجوب الأكثر، إلّا أنّه ممّا لا بأس به بعد العلم بعدم العقاب على مخالفته لعدم وصوله إلینا و العقل مستقلّ بقبح العقاب بلابیان.([5] )
إنّ المقدار المعلوم في المقام هو وجوب الأقلّ الجامع بین كونه لابشرط بالقیاس إلى المشكوك و كونه بشرط شيء فالأقلّ -بما هو واجب- طبیعة مهملة جامعة بین الإطلاق و التقیید و القضیة المهملة في قوة القضیة الجزئیة لا المطلقة فالمعلوم التفصیلي لیس إلّا نفس الماهیة المهملة لا المطلقة و هذا العلم التفصیلي حاصل في كلّ علم إجمالي، لأنّ كلّ علم إجمالي یكون علماً تفصیلیاً بالنسبة إلى الجامع بین طرفیه أو أطرافه، و هذا العلم التفصیلي لایكون موجباً للانحلال و إلّا للزم أن یكون العلم الإجمالي منحلاً بنفسه و هذا غیر معقول.
و الحاصل أنّ الانحلال في المعلوم بالإجمال إنّما یكون بانقلاب القضیة المهملة إلى المطلقة، كما في موارد الأقلّ و الأكثر غیر الارتباطیین، و أمّا في موارد الارتباطیین فالمعلوم تفصیلاً إنّما هو عین المعلوم بالإجمال و القضیة مهملة إلى الأبد فكیف یتصوّر انحلال العلم الإجمالي مع بقائه على ما هو علیه من التردّد و الإهمال؟