< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ محمدعلي البهبهاني

45/05/04

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاحتياط /الفصل الثاني؛ المقام الأول؛ المقام الثاني؛ المطلب الثاني: التحقیق حول النظریة المحقق النائینی؛ النحو الأول: الدوران في الأحکام الواقعیة في مرحلة الجعل

 

النحو الأوّل: الدوران في الأحكام الواقعیة في مرحلة الجعل

فهنا صور ثلاث:

و هذا مثل الشك في أنّ صلاة الجمعة في عصر الغیبة واجبة تعییناً أو واجبة تخییراً.

الصورة الأولی

و هي أن یعلم وجوب كلّ من الفعلین إمّا تعییناً و إمّا تخییراً و لا ثمرة هنا في ما إذا لم‌یتمكن المكلّف إلا من أحدهما و إنّما الثمرة في ما إذا تمكن من الإتیان بهما معاً، فحینئذٍ یدور الأمر بین الإتیان بكلّ منهما من جهة أنّهما واجبان تعیینیان و الإتیان بواحد منهما من جهة أنّه واجب تخییري.

مختار المحقّق الخوئي
([1]
)

إنّه یقول بالتخییر و جواز الاكتفاء بأحدهما، لأنّ تعلّق التكلیف بالجامع بینهما متیقّن و تعلّقه بخصوص كلّ منهما مجهول و حینئذٍ تجري أصالة البراءة.

یلاحظ علیه

إنّ المحقّق النائیني یدّعي عدم إمكان تعلّق الأمر بالجامع في التخییر العقلي لأنّه جنس، و لایتعلّق التكلیف بالجنس، فما أفاده المحقّق الخوئي من أنّ تعلّق التكلیف بالجامع متیقّن هو صرف ادّعاء لابدّ من إثباته، و المحقّق الخوئي لم‌یأت بما یدلّ على جواز تعلّق التكلیف بالجامع بالنسبة إلى مقامنا هذا مع أنّ وجود الجامع في التخییر الشرعي غیر ثابت كما سیأتي([2] ).

مقتضى التحقیق:

هو جواز تعلّق التكلیف بالجامع الجنسي، فإنّ الطبیعة الجنسیة طبیعة من الطبائع یتعلّق الطلب بها إلا أنّ تحقّقها و إیجادها في الخارج یتوقّف على انضمام الفصل إلیها كما أنّه لابدّ من التشخّصات الوجودیة أیضاً و الأمر كذلك في الطبیعة النوعیة فإنّ الطبیعة بما هي طبیعة لیست موجودة إلا بالوجود الشخصي و هذا لایمنع عن تعلّق التكلیف بالطبیعة الجنسیة بل حالها و حال الطبیعة النوعیة واحدة، فإذا تعلّق التكلیف بالطبیعة الجنسیة یكون المراد منه هو إیجادها في الخارج في ضمن أيّ فصل من الفصول كما أنّ المراد هو إیجادها في ضمن أيّ فرد من أفرادها، سواء قلنا بتعلّق التكلیف بنفس الطبائع بما أنّها فانیة في أفرادها كما ذهب إلیه المحقّق النائیني و الأستاذ المحقّق العلامة الشاه آبادي أم بالطبیعة بوجودها السعي كما ذهب إلیه صاحب الكفایة أم بالطبیعة بما هي خارجیة بحیث لایری مغایرتها للخارج كما ذهب إلیه المحقّق العراقي أم بالفرد بمعنی وجود الطبیعة بوجودها الفرضي بما هو آلة لملاحظة وجودها الحقیقي كما هو مقتضى التحقیق و مختار المحقّق الإصفهاني.([3] )

و بالنتیجة: إذا قلنا بإمكان تعلّق التكلیف بالجامع و الطبیعة إذا كانت جنساً من الأجناس فینحلّ العلم الإجمالي بالأقلّ و هو «الجنس اللا‌بشرط بالنسبة إلى انضمام خصوص فصل الناطق مثلاً» أو بالأكثر و هو «الجنس بشرط انضمام خصوص فصل الناطق» فإنّ العلم التفصیلي بالأقلّ موجود و اعتبار اللا‌بشرطیة لیس ضیقاً حتّی تجري البراءة عنه، و أمّا اعتبار انضمام فصل خاصّ مثل الناطق فغیر معلوم و لم‌یصل بیانه إلى المكلّف فالبراءة الشرعیة و العقلیة جاریتان بالنسبة إلیه و لیس المقام من صغریات دوران الأمر بین التعیین و التخییر.

نعم ما أفاده المحقّق الخوئي تامّ بالنسبة إلى الصورة الأولى من صور دوران الأمر بین التعیین و التخییر في ما إذا كان التخییر عقلیاً، و أمّا إذا كان التخییر شرعیاً فالتحقیق هو القول بالتعیین كما ذهب إلیه المحقّق النائیني لأنّ وجوب كلّ من الفعلین معلوم و لم‌تثبت بدلیة كلّ منهما عن الآخر و الأصل عدم بدلیة كلّ منهما عن الآخر و عدم الترخیص بالنسبة إلى كلّ منهما عند الإتیان بالآخر.

الصورة الثانیة

و هي أن یعلم وجوب فعل مثل القراءة في الصلاة و علم أیضاً بسقوط وجوب هذا الفعل عند الإتیان بالفعل الثاني و هو الائتمام في صلاة الجماعة و لكن الفعل الثاني مردّدٌ بین أن یكون عدلاً للفعل الأوّل حتّی یكون الوجوب بالنسبة إلى كلا الفعلین وجوباً تخییریاً و أن یكون عدمه شرطاً لوجوب الفعل الأوّل، و حینئذٍ إتیان الفعل الثاني یكون مسقطاً لوجوب الفعل الأوّل على كلا التقدیرین لأنّ الفعل الثاني و هو الائتمام إمّا واجب تخییري و عدل لوجوب القراءة فالإتیان به موجب لسقوط وجوب الفعل الأوّل و إمّا عدمه شرط لوجوب الفعل الأوّل فالإتیان به أیضاً مسقط لوجوب الفعل الأوّل، و على هذا مسقطیة الفعل الثاني متیقّنة على كلا التقدیرین.

و ثمرة هذه الصورة تظهر في ما إذا عجزنا عن الفعل الأوّل أي القراءة فإنّه إن قلنا بالوجوب التخییري فیجب الائتمام و لایعدّ العاجز معذوراً عن أداء التكلیف و امتثاله، و أمّا إن قلنا بأنّ عدم الإتیان بالفعل الثاني شرط لوجوب الفعل الأوّل تعییناً فمع العجز عن القراءة یعدّ المكلّف معذوراً عن تكلیفه و لا عدل له، فلا‌یجب على المكلّف الائتمام، لأنّه لیس واجباً تخییریاً و نتیجة ذلك عدم جواز نیابة هذا الشخص في الحجّ، لأنّه معذور و لا‌تصحّ نیابة المعذور إلا في العذر الطاري.

و أمّا حكم هذه الصورة فإنّ المحقّق النائیني ذهب إلى التعیین و تبعه في ذلك المحقّق الخوئي إلا أنّ الوجه في القول بالتعیین عند دوران الأمر بین التعیین و التخییر لیس هو الاحتیاط بل لو قلنا بجریان أصالة الاحتیاط في المقام یلزم الائتمام، حیث أنّ المفروض العجز عن القراءة فیحتمل أن یكون الائتمام بدلاً عنه و عدلاً له فالاحتیاط یقتضي الائتمام، بل الوجه في القول بالتعیین هو البراءة.

توضیح ذلك: إنّ الشك في التعیین و التخییر (في ما إذا تعذّر الفعل الأوّل الذي علم وجوبه مثل القراءة) یرجع إلى الشك في الوجوب التخییري للفعل الثاني و حیث أنّ وجوب الفعل الثاني و هو الائتمام غیر معلوم و لم‌یصل بیان من الشارع على وجوبه فتجري أصالة البراءة الشرعیة و العقلیة و نتیجة ذلك هو الوجوب التعییني للفعل الأوّل أي القراءة.

 


[2] سيأتي عند نقل عبارة المحقق الإصفهاني. في ص372 و ما يليها
[3] راجع عيون الأنظار، ج2، ص281 لتفصيل الأقوال و راجع: ج5، ص203 لخلاصة الأقوال.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo