< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ محمدعلي البهبهاني

45/05/18

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاحتياط /الفصل الثاني؛ تنبیه الأول: تقیید جزئیة شیء للواجب أو شرطیته له

 

التنبیه الأوّل: تقیید جزئیة شيء للواجب أو شرطیته له بحال الذكر أو إطلاقه

فیه مقدمة و موضعان:

إنّه إذا ثبتت جزئیة شيء للواجب أو شرطیته له یبطل الواجب بتركه عمداً و هذا ممّا لا خلاف فیه، و إنّما الكلام في أنّه إذا تركه سهواً و نسیاناً فهل تقتضي القاعدة بطلانه أو لا؟ و بعبارة أخری: إنّ جزئیة هذا الشيء أو شرطیته للواجب في حال الذكر ممّا لا خلاف فیه، و الكلام في جزئیته أو شرطیته في حال النسیان و السهو.

مقدمة: في إمكان تعلق الأمر بالعمل الفاقد لبعض الأجزاء و الشرائط

قبل الورود في البحث لابدّ من تمهید مقدّمة:

إنّه إذا قلنا بصحّة العبادة التي ترك بعض أجزائها و شرائطها سهواً و نسیاناً فهل تكون صحّتها من جهة كونها واجدة للملاك أو من جهة تعلّق الأمر بها؟

أمّا كفایة اشتمال الفعل على الملاك فقد تقدّم([1] ) بحثها في الواجب التعبدي و التوصلي و قلنا: إنّ قربیة العمل لاتنحصر بقصد الأمر بل اشتماله على الجهات المحسّنة مع صدوره بإضافته إلى المولى یكفي في كونه قربیاً و أمّا تعلّق الأمر بالعمل الفاقد لبعض الأجزاء و الشرائط فقد اختلف فیه؛ فقال بعضهم بأنّه مستحیل، و قال الأكثر مثل العلامة الأنصاري([2] ) و صاحب الكفایة و المحقّق النائیني و المحقّق الخوئي بإمكانه.

دلیل القائلین بالاستحالة

إنّ الناسي إن التفت إلى كونه ناسیاً انقلب إلى الذاكر فلا‌یكون الأمر المتعلّق بالناسي فعلیاً في حقّه و إن لم‌یلتفت إلى كونه ناسیاً، فلا‌یعقل انبعاثه عنه و ما لم‌یمكن الانبعاث لم‌یمكن البعث بالضرورة فلا‌یتوجّه إلیه الأمر المتعلّق بالناسي.

فعلى تقدیري الالتفات و عدمه یستحیل فعلیة التكلیف في حقّه و مع استحالة الفعلیة یمتنع الجعل بالضرورة.

یلاحظ علیه

أوّلاً: لیس هنا أمر مجعول شرعي مختصّ بالناسي، بل الأمر المتعلّق بالعمل الفاقد لبعض الأجزاء و الشرائط یتوجّه إلى عامّة المكلّفین.

ثانیاً: لا استحالة في تكلیف الناسي بنحو القضیة الحقیقیة باعتبار غیر حالة النسیان، كما إذا نسي القراءة و تذكر في الركوع فهو یری نفسه مأموراً بهذه الصلاة.([3] )

أدلة القائلین بالإمكان

و استدلوا بأدلة ثلاثة:

الدلیل الأوّل: ما أفاده العلّامة الأنصاري
([4]
)

إنّ الأمر بعنوان الناسي و إن لم‌یمكن باعثیته و داعویته له في الخارج، لعدم التفاته إلى انطباق هذا العنوان علیه إلا أنّه لمّا كان قاصداً للأمر التامّ فیصحّ جعل أمر آخر في حقّه حتّی یكون هو الداعي له حقیقةً، و یكون قصده للأمر التامّ من باب الخطأ في التطبیق.([5] )

إیراد المحقّق النائیني
علی الدلیل الأوّل

إنّ الخطأ في التطبیق إنّما یتصوّر في ما إذا أمكن جعل كلّ من الحكمین في حدّ نفسه كما إذا فرض قصد المكلّف للأمر الاستحبابي، مع أنّه كان وجوبیاً في الواقع، أمّا الأمر بعنوان الناسي فإن أمكن جعله، فلا بأس بصحّة عبادته من باب الخطأ في التطبیق، لكنه مستحیل في حدّ نفسه، لما عرفت مراراً من أنّ محركیة كلّ تكلیف تتوقّف على وجود موضوعه خارجاً و إحراز المكلّف له و حیث یستحیل في المقام إحراز المكلّف كونه ناسیاً، فتستحیل محركیة التكلیف المجعول له خارجاً، و من المعلوم أنّ استحالة فعلیة التكلیف و محركیته تستلزم استحالة جعله في حدّ نفسه.([6] )

ملاحظتنا علی هذا الإیراد

یلاحظ علیه بما تقدّم في ذیل كلام القائلین بالاستحالة حیث قلنا: لا استحالة في جعل التكلیف المتعلّق بالعمل الفاقد لبعض الأجزاء و الشرائط نسیاناً بلحاظ غیر حالة النسیان، كما إذا نسي قراءة الحمد و السورة و تذكر في الركوع، فإنّه قد مضی محلّ تدارك القراءة و المكلّف في هذه الحالة یشك في صحة صلاته هذه أو بطلانها و هو عند شروعه في الصلاة قصد امتثال الأمر المتعلّق بجمیع الأجزاء و الشرائط و هذا الأمر یشمل صلاته حدوثاً و لایشمل صلاته بعد عروض النسیان و تجاوز المحل، فلا‌بدّ من وجود أمر آخر متعلّق بهذه الصلاة الفاقدة للقراءة و المخاطب بهذا الأمر هو المكلّف بلحاظ غیر حالة النسیان مثل الناسي المتذكر في أثناء العمل فإنّه یتمّ العمل بقصد هذا الأمر الثاني، مع أنّ الشیخ یری هذا الأمر الثاني هو الداعي الحقیقي لمن لم‌یتذكر في الأثناء و أنّ قصده للأمر التامّ كان خطأ في التطبیق و بهذا البیان ظهر أنّ ما أفاده المحقّق الخوئي (في مقام الدفاع عن نظریة الشیخ و الردّ على المحقّق النائیني)([7] ) من إرجاع ما أفاده الشیخ إلى نظریة صاحب الكفایة «و هي أنّ الأمر المتعلّق بالصلاة الفاقدة لبعض الأجزاء و الشرائط كان متوجهاً إلى عامة المكلّفین» لایمكن الالتزام به.


[1] راجع عیون الأنظار، ج2، ص218.
[2] سیأتي في ص389، أن الشيخ الأنصاري. ممن يرى استحالة تكليف الناسي في منتقی الأصول ج5، ص259و تبعه في ذلك في ص263
[3] قال المحقق الإصفهاني في نهاية الدّراية في شرح الكفاية، الغروي الإصفهاني، الشيخ محمد حسين، ج4، ص340.: «فاعلم: أنه يمكن أن يقال في دفع إشكال الاستحالة بنحو لا‌ينافي ما وصل إلينا من الأدلة: إن ما عدا الأجزاء الأركانية يمكن أن يكون متقيداً بالالتفات إليه، بأن يكون الدخيل في الغرض الجزء الذي التفت إليه المكلف بطبعه، لا الجزء عن التفات، كالصلاة عن طهارة حتى يجب تحصيله بقيده.بل القيد سنخ قيّد بوجوده بطبعه و من باب الاتفاق، أو يكون الجزء بذاته دخيلاً في الغرض، لكنّه لا مصلحة في الإلزام به، إلا إذا التفت إليه، و على أيّ حال فلا جزئية إلا لذات الجزء الملتفت إليه.فالتكليف بنحو القضية الحقيقية متعلق بالمكلف بالاضافة إلى كل جزء من الأجزاء المعلومة بالأدلة مع الالتفات إليه. فمن التفت إلى الجميع فهو مأمور واقعاً بالجميع. و من التفت إلى البعض فهو واقعاً مأمور بالبعض. و ليس في أخذ الالتفات إلى ذات الجزء محذور أخذ النسيان، كما لا‌يلزم منه سائر المحاذير الواردة على سائر الأجوبة.و مع معقولية هذا الاحتمال لا قطع بالأمر الواقعي بالتمام بالإضافة إلى الناسي، حتى يكون الشك فيه راجعاً إلى سقوطه بإتيان ما عدا المنسي لحصول ملاكه به.بل شك في أصل تعلق التكليف به مع عدم الالتفات إليه.هذا كله بالنظر إلى مقام الثبوت، و إمكان الأمر بما عدا المنسي.و أما بالنظر إلى مقام الاثبات: فربما يقال‌ [القائل هو المحقق النائيني]: بأن إطلاق دليل الواجب من حيث قطعات الزمان و منها زمان النسيان، معارض بإطلاق دليل الجزئية، و الترجيح للثاني.بيانه: أن مقتضى إطلاق دليل الواجب لزمان النسيان هو أن الأمر بالصلاة موجود حتى في زمان النسيان، و حيث أن الأمر بالمركب من المنسي و غيره غير معقول، لعدم القدرة على ايجاد المنسي فلا محالة يكون الأمر متعلقاً بما عدا المنسي. و مقتضى إطلاق دليل الجزئية الوضعية لحال النسيان كون المنسي جزء للصلاة حتى حال النسيان. و حيث أن عدم القدرة على الجزء موجب لعدم القدرة على المركب فلا أمر بالمركب، و لا دليل على أمر آخر بما عدا ذلك الجزء، فإطلاق دليل الجزئية لا مانع منه.و فيه: أن الجزئية تارة: تلاحظ بالإضافة إلى الوفاء بالغرض، و هي من الأمور الواقعية التي لا مدخل للعلم و الجهل و الذكر و النسيان فيها.و أخرى: تلاحظ بالإضافة إلى مرحلة الطلب و كون الشي‌ء بعض المطلوب، و هذه حالها حال الأمر بالمركب، لأن مصحح انتزاعها هو الأمر بالمركب، فإذا لم‌يعقل الأمر بالمركب من المنسي و غيره، لم‌يعقل جزئية المنسي بالجزئية الوضعية الجعلية التي بيانها وظيفة الشارع.و حيث إن ظاهر الإرشاد الى الجزئية هي الجزئية شرعاً لا واقعاً، فإنه أجنبي عن الشارع بما هو شارع و جاعل للأحكام، فلا محالة يكون حاله حال الأمر النفسي التحليلي المتعلق بالجزء من حيث اختصاصه بغير صورة النسيان و عدم القدرة.و مما ذكرنا يتبين: أنه لا فرق بين أن يكون لسان دليل الجزء لسان التكليف أو لسان الوضع، و لا فرق بين أن يكون دليل التكليف بالجزء متكفلاً للتكليف الحقيقي الذي هو انحلال الأمر المنبسط على الأجزاء، أو كان إرشاداً إلى الجزئية الوضعية المعدودة من أحكام الوضع، فإما أن لا‌يعقل الكلّ أو يعقل الكل بلا فرق بين الأقسام المزبورة».و في تحقیق الأصول ج8 ص397: «أجاب الأستاذ: صحیح أنّ المولى في مقام بیان أجزاء المأمور به، لكنّ قوله.: «لا صلاة إلاّ بفاتحه الكتاب» المشتمل على النفي والإستثناء ظاهرٌ في دوران الصّلاه وجوداً و عدماً مدار الفاتحة، فإذا انتفت الفاتحة انتفت الصّلاة، و هذا لیس إلاّ الجزئیّة المطلقة للفاتحة بالنسبة إلى الصّلاة»
[5] قال الشیخ الأنصاري في مسألة «نقصان الجزء سهواً»: أما المسألة الأولى و هي بطلان العبادة بترك الجزء سهواً فالأقوى فيها أصالة بطلان العبادة بنقص الجزء سهواً إلا أن يقوم دليل عام أو خاص على الصحّة لأن ما كان جزءاً في حال العمد كان جزءاً في حال الغفلة فإذا انتفى ينتفي المركب فلم‌يكن المأتي به موافقاً للمأمور به و هو معنى فساده، أما عموم جزئيته لحال الغفلة فلأن الغفلة لا‌توجب تغيّر المأمور به فإن المخاطب بالصلاة مع السورة إذا غفل عن السورة في الأثناء لم يتغير الأمر المتوجه إليه قبل الغفلة و لم‌يحدث بالنسبة إليه من الشارع أمر آخر حين الغفلة لأنه غافل عن غفلته فالصلاة المأتي بها من غير سورة غير مأمور بها بأمر أصلاً. غاية الأمر عدم توجّه الأمر الفعلي بالصلاة مع السورة إليه لاستحالة تكليف الغافل فالتكليف ساقط عنه ما دام الغفلة نظير من غفل عن الصلاة رأساً أو نام عنها فإذا التفت إليها و الوقت باق وجب عليه الإتيان به بمقتضى الأمر الأول. فرائد الأصول، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج2، ص363.قال المحقّق الآشتیاني رحمه الله في توضیح كلامه:أمّا عدم إمكانه بحسب الغفلة و الالتفات، فلأنّ الحالة التي يؤخذ موضوعاً لا‌بدّ من أن يكون قابلة لأن يخاطب المكلّف بالفعل في حال الاتّصاف بها مع الالتفات إليها و الغفلة و النسيان و السهو لا‌يكون قابلة لذلك ضرورة أنه بمجرّد التفات المكلّف إلى كونه ناسياً عن السورة يزول نسيانه و غفلته، فينتفي موضوع التكليف المتعلّق بالفعل الناقص من حيث كون المكلّف غافلاً عن التّام و هو أمر ظاهر. بحر الفوائد في شرح الفرائد، الآشتياني، الميرزا محمد حسن، ج2، ص177.و لكن خالف الشیخ الأعظم تلمیذه المحقّق الخراساني في حاشیة الفرائد و ذهب إلى صحّه إیجاب العبادة الخالیة عن الجزء المغفول عنه على الغافل بأحد وجهین الّذین قررّهما المحقّق المذكور و یأتي عن قریب إن شاء الله. درر الفوائد في الحاشية على الفرائد، الآخوند الخراساني، ج1، ص261.و لذا نسب غیر واحد القول بامتناع تكلیف الناسي إلى الشیخ الأعظم رحمة الله علیه كما في نهاية الدّراية في شرح الكفاية، الغروي الإصفهاني، الشيخ محمد حسين، ج4، ص335.، الحاشية على كفاية الأصول، البروجردي، السيد حسين، ج2، ص301.، منتقى الأصول، الحكيم، السيد عبد الصاحب، ج5، ص260.، تهذیب الأصول طبع جدید ج3ص346، زبدة الأصول ج5ص126.
[6] قال المحقّق العراقي في نهاية الافكار، العراقي، آقا ضياء الدين، ج2، ص420..: «من الممكن أن يكون المكلّف به في حقّ كلّ من الذاكر و الناسي هي الطبيعة الجامعة بين الزائد و الناقص التي يتصوّرها القائل بالصحيح في مقام أخذ الجامع بين المصاديق المختلفة، و إن دخل النسيان إنما هو في خصوصية الفرد المتقوّم بها فردية صلاة الناسي للطبيعة المأمور بها على نحوٍ يكون الاختلاف بين الذاكر و الناسي من جهة المصداق محضاً من حيث أن المتمشّي من كل طائفة حسب طروّ الحالات المختلفة مصداق خاص غير ما يتمشّى من الآخر، لا في أصل المأمور به فإنه على هذا البيان لا محذور ثبوتاً في تكليف الناسي بما عدا الجزء المنسي ضرورة إمكان التفات الناسي حينئذ إلى الطبيعة المأمور بها و انبعاثه كالذاكر عن الأمر المتعلق بالطبيعة المأمور بها. غايته أنه من جهة غفلته عن نسيانه يعتقد بأن المصداق المتمشّی من قبله هو المصداق المتمشى من الذاكر و لكنه بعد خروج المصاديق عن حيّز الأمر و التكليف لا‌يضر مثل هذه الغفلة و الخطأ في التطبيق في عالم المصداق بمقام انبعاثه عن الأمر و التكليف‌»
[7] مصباح الأصول( مباحث حجج و امارات- مكتبة الداوري)، الواعظ الحسيني، السيد محمد؛ تقرير بحث السيد أبو القاسم الخوئي، ج1، ص461.: «و لعلّ هذا (أي الوجه الذي ذكره صاحب الكفاية) هو مراد الشيخ‌ فيما أفاده في المقام من إمكان توجيه الخطاب إلى الناسي و الحكم بصحّة عمله، و إن كان مخطئاً في التطبيق، فلا‌يرد عليه ما ذكره المحقق النائيني‌ من أنّ الخطأ في التطبيق إنّما يعقل فيما إذا أمكن جعل كل من الحكمين في نفسه، و كان الواقع أحدهما و تخيّل المكلف أنّه الآخر، كما إذا أتى المكلف بعمل باعتقاد أنّه واجب فبان كونه مستحباً أو بالعكس. و هذا بخلاف المقام لأنّ تكليف الناسي مستحيل في مقام الثبوت، فكيف يمكن إدراجه في كبرى الخطأ في التطبيق»‌.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo