< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ محمدعلي البهبهاني

45/05/19

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاحتياط /الفصل الثاني؛ المقدمة؛ الدلیل الثاني: ما أفاده صاحب الکفایة

 

الدلیل الثاني: ما أفاده صاحب الكفایة ([1] )

إنّه یمكن توجیه الخطاب نحو المكلّفین على نحو یعمّ الذاكر و الناسي بأن یتعلّق الأمر بأصل العمل بما أنّه مشتمل على الأركان و الأجزاء و الشرائط التي یبطل العمل بفقدانها و لو نسیاناً، ثم یتوجه خطاب آخر إلى خصوص الذاكرین بالنسبة إلى سائر الأجزاء و الشرائط التي لایبطل العمل بفقدانها نسیاناً فإنّ هذه الأجزاء و الشرائط تكالیف بالنسبة إلى خصوص الذاكرین.

و تعلّق الخطاب بهذا النحو لا محذور فیه ثبوتاً و یدلّ علیه بعض الأدلّة في مقام الإثبات فلولا مثل حدیث الرفع مطلقاً و لاتعاد في الصلاة، لحكم عقلاً بلزوم إعادة ما أخلّ بجزئه أو شرطه نسیاناً، كما هو الحال في ما ثبت شرعاً جزئیته أو شرطیته مطلقاً نصّاً أو إجماعاً.

فتحصّل من ذلك إمكان تعلّق الأمر بالعمل الفاقد للجزء أو الشرط نسیاناً و ما أفاده صاحب الكفایة لا محذور فیه ثبوتاً كما یدلّ علیه الدلیل في بعض الموارد إثباتاً.([2] )

الدلیل الثالث: ما أفاده صاحب الكفایة أیضاً

إنّه یمكن توجیه الأمر إلى الناسي بالعمل الفاقد لبعض الأجزاء و الشرائط بعنوان عامّ أو خاصّ، لا بعنوان الناسي كي یلزم استحالة إیجاب ذلك علیه بهذا العنوان. ([3] )

إیراد المحقّق الخوئي علی الدلیل الثالث([4] )

إنّ هذا مجرّد وهم لا واقع له مضافاً إلى أنّ النسیان لیس له میزان مضبوط لیفرض له عنوان ملازم، فإنّه یختلف باختلاف الأشخاص و الأزمان و اختلاف متعلّقه من حیث الأجزاء و الشرائط فكیف یمكن فرض عنوان یكون ملازماً للنسیان أینما تحقّق و لا‌سیّما إذا اعتبر فیه عدم كون الناسي ملتفتاً إلى الملازمة بینهما.([5] )

إذا عرفت إمكان تعلّق الأمر بالعمل الفاقد لبعض أجزائه و شرائطه نسیاناً فنقول: إنّ الكلام في تقیید الجزئیة أو الشرطیة بحال الذكر أو إطلاقه في جمیع الأحوال، یقتضي البحث في موضعین:

الأوّل: مقتضى الأصل اللفظي.

الثاني: مقتضى الأصل العملي.

الموضع الأوّل: مقتضی الأصل اللفظي

قبل الورود في البحث عن مقتضى الأصول اللفظیة، لا‌بدّ أن نشیر إلى الإطلاق الذي یمكن التمسّك به في مقام الإثبات، فإنّ هنا إطلاقین: إطلاق دلیل الجزئیة أو الشرطیة، و إطلاق دلیل الواجب.

فإنّ دلیل الجزئیة قد یكون مطلقاً یشمل حال النسیان كما یشمل حال الذكر مثل قوله: «لَا صَلَاةَ إِلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَاب‌» و قوله: «لَا صَلَاةَ إِلَّا بِطَهُور»([6] )، و قد لایكون مطلقاً مثل دلیل الاستقرار في الصلاة و دلیل جعل البیت على الیسار في جمیع حالات الطواف، و السرّ في ذلك هو عدم ورود دلیل لفظي معتبر على ذلك بل الدلیل علیه هو الإجماع و الإجماع دلیل لبّي و الدلیل اللبّي لا إطلاق له بل یؤخذ بالمقدار المتیقّن منه، و القدر المتیقّن من الجزئیة أو الشرطیة هو حال الذكر.

و دلیل الواجب أیضاً قد یكون مطلقاً یشمل جمیع حالات المكلّف سواء كان ذاكراً لجمیع الأجزاء و الشرائط أم كان تاركاً لبعضها نسیاناً و ذلك مثل الصلوات الیومیة فإنّ ما دلّ على أنّ الصلاة لاتترك بحال یدلّ على وجوبه في جمیع الحالات بل نفس دلیل الأمر بالصلاة مطلق، و قد لایكون مطلقاً و هو في ما إذا كان أصل دلیل الوجوب دلیلاً لبّیاً مثل الإجماع.

و المتحصّل من وجود الإطلاق في ناحیة دلیل الجزئیة أو الشرطیة و في ناحیة دلیل أصل الواجب و عدم الإطلاق فیهما، صور أربع:

الصورة الأولی

و هي أن یكون لدلیل الجزئیة أو الشرطیة، و أیضاً لدلیل أصل الوجوب إطلاق فهنا إطلاقان كلّ منهما في قبال الآخر، فإنّ إطلاق دلیل الجزئیة أو الشرطیة یقتضي جزئیة الجزء و لو في حال النسیان و نتیجة ذلك بطلان العمل الفاقد للجزء أو الشرط في حال تركهما نسیاناً، و في قبال ذلك إطلاق دلیل أصل الواجب یقتضي وجوب العمل في جمیع الحالات و لو كان في حالة ترك الجزء أو الشرط نسیاناً، و على هذا العمل الفاقد للجزء أو الشرط نسیاناً یكون صحیحاً.

و القاعدة هنا تقدیم إطلاق دلیل الجزئیة أو الشرطیة على إطلاق دلیل أصل الواجب لأنّ دلیل أصل الواجب بالنسبة إلى خصوصیة الجزء أو الشرط مطلق و أمّا دلیل الجزئیة أو الشرطیة بالنسبة إلى خصوصیة الجزء أو الشرط فصریح و حینئذٍ یتقدّم إطلاق الدلیل المقید على إطلاق الدلیل المطلق و لا‌تصل النوبة إلى الأصل العملي و جریان البراءة عن الجزئیة أو الشرطیة في حالة النسیان بل إطلاق دلیل الجزئیة أو الشرطیة یقتضي بطلان العمل الفاقد للجزء أو الشرط نسیاناً.([7] )

استدلال علی تقیید دلیل الجزئیة أو الشرطیة بحال الذكر

إنّ دلیل الجزئیة هو الأمر المتعلّق بالمركب أو المقیّد، لأنّ الجزئیة أو الشرطیة منتزعتان من الأمر، و الأمر بالشيء سواء كان نفسیاً أم غیریاً مشروط بالقدرة، و لذا تعلّق الأمر بالمركب أو المقیّد في حال نسیان جزئه أو شرطه مستحیل، لأنّه یكون أمراً بغیر المقدور، و مع استحالة الأمر لاتنتزع الجزئیة أو الشرطیة، فیلزم من ذلك عدم جزئیة الجزء و عدم شرطیة الشرط عند النسیان، فتختصّ جزئیته أو شرطیته بحال الذكر.([8] )

جواب المحقّق النائیني عن هذا الاستدلال([9] )

أوّلاً: إنّ دلیل الجزئیة إذا كان هو الأمر، فحیث یستحیل كونه نفسیاً ضرورة عدم تعقّل استتباعه للتقیید «بل غایته هو كون متعلّقه واجباً في واجب» یتمحّض لا‌محالة في كونه غیریاً، و لما كان سیاق الأوامر و النواهي الواردة في العبادات متّحداً مع سیاقها في باب المعاملات فالظاهر من وحدة السیاق كونها إرشادیةً إلى بیان الجزئیة و الشرطیة و المانعیة، و منسلخة عن الطلب بالكلّیة فلا موجب لاختصاصها بحال القدرة، بل یكون مفادها هي الجزئیة المطلقة.

ثانیاً: إنّ الأمر المتعلّق بالجزء أو الشرط حیثما لایكون أمراً استقلالیاً بل هو قطعة من الأمر النفسي المتعلّق بالمركب، فاشتراطه بالقدرة على متعلّقه بعینه متّحد مع اشتراط الأمر بالمركب بها، و لازم ذلك هو سقوط الأمر بالمركب حین العجز عن بعض أجزائه و هذا ممّا لا ریب فیه.

و أین ذلك من اختصاص الجزئیة بحال القدرة الموجب لتعلّق الأمر ببقیة الأجزاء و الشرائط؟ ([10] )

الصورة الثانیة

و هي أن یكون لدلیل الجزئیة أو الشرطیة إطلاق و لایكون إطلاق لدلیل أصل الواجب و حكم هذه الصورة أیضاً هو الجزئیة المطلقة أو الشرطیة المطلقة، لأنّ الأصل اللفظي هنا إطلاق دلیل الجزئیة أو الشرطیة بالنسبة إلى حالة النسیان و الذكر فلا‌تتقیّد الجزئیة أو الشرطیة بحال الذكر.([11] )

الصورة الثالثة

و هي أن یكون لدلیل أصل الواجب إطلاق دون دلیل الجزئیة و الشرطیة فالقاعدة في هذه الصورة هي أن یؤخذ بإطلاق دلیل الواجب و یحكم بصحّة العمل الذي ترك جزؤه أو شرطه نسیاناً و معنی ذلك هو أنّ الجزئیة أو الشرطیة مقیّدتان بحال الذكر، و أمّا في حالة نسیان الجزء أو الشرط فلا جزئیة للجزء و لا شرطیة للشرط.

الصورة الرابعة

و هي أن لایكون لدلیل الجزئیة أو الشرطیة و لا لدلیل أصل الواجب إطلاق لفظي، و هنا لابدّ من الرجوع إلى مقتضى الأصول العملیة، فلا‌بدّ من البحث عن هذه الصورة في الموضع الثاني.


[2] و في مصباح الأصول( مباحث حجج و امارات- مكتبة الداوري)، الواعظ الحسيني، السيد محمد؛ تقرير بحث السيد أبو القاسم الخوئي، ج1، ص460.: «و هذا الوجه ممّا لا بأس به في مقام الثبوت، إلّا أنّه يحتاج في مقام الاثبات إلى الدليل، و قد ثبت ذلك في الصلاة، فإنّ الأمر بالأركان فيها مطلق بالنسبة إلى عامّة المكلفين، و أمّا بقية الأجزاء و الشرائط فالأمر بها مختصّ بحال الذكر بمقتضى حديث «لا‌تعاد الصلاة إلّا من خمسة» و غيره من النصوص الواردة في موارد خاصّة. و عليه فالناسي و إن كان غير ملتفت إلى نسيانه إلّا أنّه ملتفت إلى أنّ ما يأتي به هو المأمور به، فيأتي به بما أنّه المأمور به. غاية الأمر أنّه يتخيّل أنّ ما يأتي به مماثل لما يأتي به غيره من الذاكرين، و أنّ الأمر المتوجه إليه هو الأمر المتوجه إليهم، و هذا التخيّل ممّا لا‌يضرّ بصحّة العمل بعد وجود الأمر الفعلي في حقّه و مطابقة المأتي به للمأمور به، و إن لم‌يكن الناسي ملتفتاً إلى كيفية الأمر». و قال في منتقى الأصول، الحكيم، السيد عبد الصاحب، ج5، ص260.: «و يرد عليه. أن التكليف المتعلق بالناقص بكلا نحويه لا‌يكون هو الداعي لإتيان المركب الناقص، بل المكلف الناسي يأتي بالفاقد على كلّ حال ثبت هناك أمر في الواقع أو لم‌يثبت، و الشاهد على ذلك هو أنه قد يأتي بالعمل الفاقد الباطل الّذي لا أمر به كفاقد الركن، بنفس النحو الّذي يأتي به ‌بالعمل الفاقد الصحيح أو ما يتكلم في صحّته.و السرّ فيه: هو أنه ينبعث عن الأمر المتعلق بالتامّ لغفلته عن نقصان العمل و عن ارتفاع الأمر، بل هو يرى نفسه كالذاكر، فالأمر بالناقص لا‌يترتب عليه التحريك و الانبعاث بالنسبة إلى الناسي فيكون لغواً»
[4] مصباح الأصول( مباحث حجج و امارات- مكتبة الداوري)، الواعظ الحسيني، السيد محمد؛ تقرير بحث السيد أبو القاسم الخوئي، ج1، ص460.و قال في نهاية الدّراية في شرح الكفاية، الغروي الإصفهاني، الشيخ محمد حسين، ج4، ص339. ردّاً على دليل صاحب الكفایة: «فيه أيضاً عدم تعيّن المنسي حتّى يؤمر بما عداه بعنوان ملازم، مضافاً إلى أنّ وجود ذلك العنوان الملازم للنّسيان عموماً أو في خصوص الصّلاة مع أنّه أمر وهمي لا‌يكون الحكم عليه فعليّاً إلّا بوصوله، و لم‌يصل إلى أحد من المكلّفين مثل هذا العنوان، و مع فرض وصوله لا‌بدّ أن لا‌يكون ملازمته عند النّاسي معلومة و إلّا فيلازم الالتفات إلى النّسيان فيعود المحذور المتقدّم». و قال المحقّق البروجردي في الحاشية على كفاية الأصول، البروجردي، السيد حسين، ج2، ص302. ردّاً على صاحب الكفاية:. «و لكن هذا الجواب ليس بوجيه، فإنّ مثل ذاك الخطاب و إن كان ممكناً باعتبار عدم توجّهه إليه بعنوان لكنّه لغوٌ، و ذلك لأنّ الداعي إلى الخطاب انبعاث المكلّف نحو الفعل بذلك الخطاب، و الناسي مع غفلته عن النسيان ليس ملتفتاً إلى الخطاب، و مع عدم الالتفات إلى الخطاب لا‌يصير منبعثاً عنه فيكون الخطاب لغواً.و بعبارة أخرى: عمدة الإشكال في المقام هي أنّ غاية الخطاب انبعاث المكلف نحو الفعل بذاك الخطاب، و الناسي حال غفلته عن نسيانه إنّما يأتي بالفعل بداعي الأمر المتعلق بجميع أجزاء المركب مع أنّه ليس مأموراً به في حقّه، و الأمر الآخر المتعلق بالخالي عن المنسيّ لا‌يمكن أن يصير داعياً له في حال غفلته. و بالجملة قيام الحجة بأيّ لسان كانت في مقام الإثبات لا‌يوجب تصحيح‌ الأمر بحسب مقام الثبوت، فإن مع فرض وجود أمر آخر لا‌يمكن أن يكون داعياً له، فهذا الأمر باعتبار عدم ترتّب الأثر عليه يقع لغواً قطعاً فافهم»
[5] قال المحقّق العراقي في نهاية الافكار، العراقي، آقا ضياء الدين، ج2، ص421.، تصحیحاً لكلام الآخوند و ردّاً على إشكال المحقّق النائیني: «اللهم إلّا أن يدفع ذلك بإمكان توجيه الأمر إلى الناسي حينئذ و لو بتوسيط عنوان عام أو خاص ملازم لعنوان الناسي للجزء الملائم له مما يمكن الالتفات إليه حال نسيان الجزء كعنوان المتذكر لمقدار من الأجزاء الجامع بين البعض و التمام، فإن الناسي و إن لم‌يلتفت إلى نسيانه، لكنّه بعد التفاته إلى العنوان المزبور، بل و إمكان التفاته إلى أن المرئي بهذا العنوان كان هو الناسي أيضاً (أمكن) ثبوتاً تخصيص الناسي بخطابٍ يخصّه بمثل هذا العنوان المزبور بجعله مرآتاً للناسي و يقصد الناسي أيضاً بالتفاته إلى العنوان المزبور الّذي هو واجد له الأمر المتوجه إليه و إلى ذلك يكون نظر المحقق الخراساني فيما أفاد في كفايته في الجواب الثاني عن الإشكال، فلا‌يرد عليه حينئذ بأن ذلك مجرّد فرض لا واقع له، لأنه ليس في البين عنوان يلازم نسيان جزء من الصلاة دائماً خصوصاً مع تبدّل النسيان في الأجزاء بحسب الموارد و الأوقات من كون المنسي تارة هي السورة و أخرى التشهد و ثالثة الفاتحة، و هكذا بقية الأجزاء».و استدلّ بعض الأعلام ببيان آخر لنصرة القول بالإمكان:و في بحوث في علم الأصول، الهاشمي الشاهرودي، السيد محمود، ج5، ص369.: «و الصحيح إمكانه بأحد نحوين:الأول: أن يكون التكليف بالجامع بين الصلاة الناقصة المقرونة بالنسيان و الصلاة التامة و هو التكليف موجه إلى طبيعي المكلف فلا‌يلزم منه عدم إمكان وصوله إلى الناسي لأن موضوعه كل مكلف. غاية الأمر أن الناسي يرى نفسه متذكراً دائماً و آتياً بأفضل الحصّتين من هذا الجامع مع أنه إنما تقع منه أقلّهما قيمةً و لا محذور في ذلك بل هذا من قبيل أن يأمر المولى بالجامع بين الصلاة في المسجد و الصلاة في البيت و يصلي المكلف في البيت بتصوّر أنه مسجد فإنه على كل حال منبعث عن شخص ذلك الأمر بالجامع.الثاني: أن يجعل على كلّ مكلف الإتيان بما يتذكّر من الأجزاء فيتحرك كل مكلف نحو المقدار الملتفت إليه و الّذي يختلف من شخص إلى آخر بمقدار تذكره و كل‌ مكلف يتخيل أنه تام التذكر و الالتفات، و على كل حال يكون الانبعاث أيضاً من الأمر الواحد المتعلق بالجامع، و الوجهان يرجعان روحاً إلى أمر واحد و هو الخطاب بالجامع و إنما يختلفان في كيفية صياغة الجامع المتعلق به الأمر، و هذا هو الجواب الفنّي على الشبهة».و في تهذيب الأُصول - ط نشر آثار الإمام الخميني، السبحاني، الشيخ جعفر؛ تقرير بحث السيد روح الله الخميني، ج3، ص348.: «إنّ من الممكن أن يكون الغرض المطلوب في حقّ الذاكر قائماً بالصلاة التامّة، و في حقّ الناسي بالناقصة منها، و هذا أمر ممكن ليس بمستحيل ثبوتاً. و لك أن تقول: إنّ الصلاة التامّة في حقّ الذاكر ما يأتي به من الأجزاء، كما أنّ الصلاة التامّة للناسي هي الأجزاء ما عدا المنسي، فكلّ منهما صلاة تامّة في حالتين.ثمّ إنّ الأمر المتعلّق بالمركّب داعٍ كلّ فريق من العامد و الذاكر و الساهي و الغافل إلى العنوان الذي تعلّق به الأمر، و مقتضى الإرادة الاستعمالية كون المأمور به أمراً واحداً في حقّ الجميع، غير مختلف من حيث الكيفية و الكمّية إلّا أنّه لمّا كانت الجدّية على خلافها، و كان الناسي في أفق الإرادة الجدّية محكوماً بما عدا المنسي وجب على المولى توضيح ما هو الواجب في حقّ الناسي بدليل عقلي أو نقلي، و تخصيص جزئية المنسي بحال الذكر- كما هو الحال في سائر المواضع، فحينئذٍ ينحصر داعوية الأمر المتعلّق بالمركّب إلى ما عدا المنسي، من دون حاجة إلى الأمرين، مع حصول الغرض بأمر واحد.... هذا كلّه على مباني القوم، و أمّا إذا قلنا بأنّ النسيان و الغفلة كالجهل و العجز أعذار عقلية، مع بقاء التكليف على ما كان عليه، فمع ترك الجزء نسياناً يجب الإعادة إذا كان لدليل الجزء إطلاق؛ لعدم الإتيان بالمأمور به بجميع أجزائه، و مع عدم الإطلاق فالبراءة محكّمة؛ لرجوع الشكّ إلى الأقلّ و الأكثر».
[6] راجع المجلد الثالث من كتابنا هذا (عيون الأنظار) ص277.
[7] و بیان نهاية الدّراية في شرح الكفاية، الغروي الإصفهاني، الشيخ محمد حسين، ج4، ص341..: «و أمّا بالنّظر إلى مقام الإثبات فربما يقال بأنّ إطلاق دليل الواجب من حيث قطعات الزّمان و منها زمان النّسيان معارض بإطلاق دليل الجزئيّة و التّرجيح للثّاني. بيانه أنّ مقتضى إطلاق دليل الواجب لزمان النسيان هو أنّ الأمر بالصلاة موجود حتّى في زمان النسيان، و حيث أن الأمر بالمركب من المنسي و غيره غير معقول لعدم القدرة على إيجاد المنسي فلا محالة يكون الأمر متعلّقاً بما عدا المنسي. و مقتضى إطلاق دليل الجزئيّة الوضعية لحال النسيان كون المنسي جزء للصلاة حتّى حال النسيان، و حيث أنّ عدم القدرة على الجزء موجب لعدم القدرة على المركب فلا أمر بالمركّب و لا دليل على أمر آخر بما عدا ذلك الجزء، فإطلاق دليل الجزئيّة لا مانع منه»
[8] و قال المحقّق الإصفهاني في نهاية الدّراية في شرح الكفاية، الغروي الإصفهاني، الشيخ محمد حسين، ج4، ص342.، في ردّ القاعدة: «و فيه: أنّ الجزئيّة تارةً تلاحظ بالإضافة إلى الوفاء بالغرض و هي من الأمور الواقعيّة التي لا مدخل للعلم و الجهل و الذّكر و النسيان فيها، و أخرى تلاحظ بالإضافة إلى مرحلة الطلب و كون الشي‌ء بعض المطلوب و هذه حالها حال الأمر بالمركّب، لأنّ مصحّح انتزاعها هو الأمر بالمركّب، فإذا لم‌يعقل الأمر بالمركّب من المنسي و غيره لم‌يعقل جزئية المنسي بالجزئية الوضعية الجعلية التي بيانها وظيفة الشارع و حيث أن ظاهر الإرشاد إلى الجزئية هي الجزئية شرعاً لا واقعاً فإنّه أجنبي عن الشارع بما هو شارع و جاعل للأحكام، فلا محالة يكون حاله حال الأمر النفسي التحليلي و المتعلّق بالجزء من حيث اختصاصه بغير صورة النسيان و عدم القدرة.و ممّا ذكرنا يتبيّن أنّه لا فرق بين أن يكون لسان دليل الجزء لسان التكليف أو لسان الوضع، و لا فرق بين أن يكون دليل التكليف بالجزء متكفّلًا للتكليف الحقيقي الذي هو انحلال الأمر المنبسط على الأجزاء، أو كان إرشاداً إلى الجزئية الوضعية المعدودة من أحكام الوضع فإمّا أن لا‌يعقل الكلّ أو يعقل الكلّ بلا فرق بين الأقسام المزبورة».قال في بحوث في علم الأصول، الهاشمي الشاهرودي، السيد محمود، ج5، ص376.. معترضاً عليه: «و قد أجيب عن هذه الشبهة بأن الأمر بالجزء أو الشرط لو كان أمراً مولوياً لاختصّ بالقادر و لكنه ليس كذلك بل يفهم منه الإرشاد إلى الجزئية و الشرطية فيكون مفاده ممكناً في حقّ العاجز أيضاً فيتمسك بإطلاقه.و التحقيق: أن فرضية انسلاخ الأمر بالقيد عن المولوية بذلك ممنوعة، و لذا ترى الاستهجان عرفاً إذا صرّح بالإطلاق بأن قال: «إقرأ السورة في الصلاة و لو كنت عاجزاً» فهذا الأمر لا‌يزال مولوياً. غاية الأمر أنه ليس بداعي ملاك نفسي ضمني أو استقلالي بل بداعي الجزئية أو الشرطية و لهذا يكون مشروطاً دائماً بفرض الإتيان بالصلاة إما صريحاً كقوله تعالى: (إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) أو بحسب المتفاهم العرفي من منصرف الكلام كما إذا قال: «إقرأ السورة في الصلاة» فإن العرف يفهم من ذلك: «إذا صلّيت فاقرأ السورة». و لكون الداعي من ورائه الجزئية صحّ هذا الأمر المولوي بلحاظ الصلاة الاستحبابية أيضاً مع أن الأمر الضمني المتعلق بها في الصلاة الاستحبابية ليس إلزامياً.فالحاصل ما أفيد من أن هذا الأمر للإرشاد إلى الجزئية و ليس مولوياً لا‌يجدي في المقام لدفع الإشكال لأن الجزئية هو الداعي من وراء الأمر من دون انسلاخ الأمر عن المولوية و لهذا يكون الاستهجان محفوظاً لو صرّح بالإطلاق»
[10] قال المحقّق الخوئي في مصباح الأصول( مباحث حجج و امارات- مكتبة الداوري)، الواعظ الحسيني، السيد محمد؛ تقرير بحث السيد أبو القاسم الخوئي، ج1، ص462.: «و توهّم- أنه لا‌يعقل الإطلاق في دليل الجزئية أو الشرطية لأنهما تنتزعان من الأمر بالمركب و الأمر بالمقيد، و من الظاهر ان الأمر بما هو مركب من المنسي أو مقيد به مستحيل، لأنه تكليف بغير المقدور، فلا‌يعقل الجزئية أو الشرطية المطلقة مدفوع بأنه ليس المراد بإطلاق دليل الجزئية أو الشرطية ثبوت الجزئية و الشرطية حال النسيان ليقال أنه مستحيل، بل المراد بثبوتهما في جميع حالات الأمر بالمركب و المقيد و لازم الإطلاق المذكور سقوط الأمر بالمركب أو المقيد عند نسيان الجزء أو الشرط لا ثبوته متعلقا بما يشتمل على المنسي من الجزء أو الشرط، فيكون العمل الفاقد لبعض الأجزاء أو الشرائط حال النسيان باطلاً من هذه الجهة».قال في بحوث في علم الأصول، الهاشمي الشاهرودي، السيد محمود، ج5، ص377.: «أنه قد يفرض أن المولى بصدد بيان أن وجوب السورة ملازم مع وجوب الصلاة بحيث كلما وجبت الصلاة وجبت السورة و لازمه سقوط وجوب الصلاة عند سقوط وجوب السورة بالعجز و نحوه، و هذا المطلب كما يمكن للمولى بيانه بأدوات العموم فيقول: «كلما وجبت الصلاة وجبت السورة كذلك» يمكن أن يعوض عنه بالإطلاق و مقدمات الحكمة بأن يقول: «إذا قمت للصلاة فاقرأ السورة فيها» و حينئذ يقال بأن الأمر بالجزء المشروط صريحاً أو ضمناً بفرض الإتيان بالكلّ ظاهر بحسب المتفاهم العرفي في بيان الملازمة المطلقة بين وجوب الكلّ و وجوب ذلك الجزء و لهذا كان الفقهاء (قدس الله أسرارهم) لا‌يزالون يستفيدون من الأمر بالجزء أو الشرط الجزئية و الشرطية حتى لحال العجز إلى أن أورد عليهم المتأخرون بإشكال اختصاص الطلب و الأمر بالقادر فاضطرّوا في مقام التوفيق بين الصناعة و الفنّ و بين الفهم العرفي الواضح إلى تجشّم الجواب بأن هذه الأوامر ليست مولوية بل إرشاد إلى الجزئية و الشرطية و بذلك حاولوا سلخها عن المولوية رأساً ليمكن إطلاقها للعاجز مع أن الصحيح بقائها على المولوية و الطلب و لكن إطلاقها لبيان الملازمة بين وجوب الكلّ و وجوب الجزء بحيث كلما سقط وجوب الجزء بالعذر سقط وجوب الكل أيضاً». و راجع نهاية الأفكار، ج‌3، ص424-425.
[11] قال المحقّق العراقي: «و لكن دعوى ثبوت الإطلاق لدليل المركب ساقطة عن الاعتبار، لوضوح أن هذا مثل هذه الخطابات إنما كانت مسوقة لبيان مجرّد تشريع المركب بنحو الإجمال، لا لبيان ما يعتبر فيه حتى يكون مرجعاً عند الشك في جزئية شي‌ء أو شرطيته للمركب، و أما دليل المثبت للجزئية فلا‌يبعد دعوى اقتضائه للركنية لقوّة ظهوره في الإطلاق و الشمول لحال النسيان، من غير فرق بين أن يكون بلسان الوضع كقوله: «لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب، و لا صلاة إلّا بطهور» و بين أن يكون بلسان الأمر و التكليف كقوله: «إركع في الصلاة و اسجد فيها» و نحو ذلك من الأوامر المتعلقة بأجزاء المركب. نهاية الافكار، العراقي، آقا ضياء الدين، ج2، ص423.و هنا توهّم مانع خارجي و ذكره المحقّق الخوئي في مصباح الأصول( مباحث حجج و امارات- مكتبة الداوري)، الواعظ الحسيني، السيد محمد؛ تقرير بحث السيد أبو القاسم الخوئي، ج1، ص462.: «إنّ حديث الرفع رافع لجزئية المنسي أو شرطيته، لما عرفت سابقاً من أنّ الرفع بالإضافة إلى غير ما لا‌يعلمون واقعي، فيكون الحديث حاكماً على إطلاقات الأدلة المثبتة للأحكام في ظرف الخطأ و النسيان و غيرهما ممّا هو في الحديث الشريف، و بذلك تثبت صحّة العمل المأتي به حال النسيان، و كونه مطابقاً لما أمر به فعلاً».أورد عليه بنفسه: «رفع الخطأ و النسيان لا‌يترتب عليه فيما نحن فيه إلّا نفي الإلزام عن المركب من المنسي أو المقيد به، ضرورة أنّ نفي الجزئية أو الشرطية لا‌يكون إلّا برفع منشأ انتزاعهما من الأمر بالمركب أو المقيّد، و لا‌يترتب عليه ثبوت الأمر بغير المنسي كما هو المدعى. مضافاً إلى ما ذكرناه عند البحث عن حديث الرفع من أنّ نسيان جزء أو شرط في فرد من أفراد الواجب لا‌يكون مشمولًا لحديث الرفع أصلًا فراجع»‌. و أورد على هذا التوهّم المحقّق الصدر في بحوث في علم الأصول، الهاشمي الشاهرودي، السيد محمود، ج5، ص378.: «إن أريد تطبيق ذلك على مورد النسيان في جزء الوقت من دون استمراره إلى آخره فمن الواضح أن المنسي في خصوص ذلك الوقت ليس موضوعاً لحكم شرعي حتى يرفع و إنما الموجود في لوح التشريع السورة في تمام الوقت، و إن أريد تطبيقه على مورد النسيان المستمرّ إلى آخر الوقت فحديث الرفع و إن كان يرفع حكمه و لزومه إلّا أنه من الواضح أن رفع حكم السورة لا‌يعني إيجاب الصلاة عليه بلا سورة بل لعلّ هذا الرفع يكون برفع أصل وجوب الصلاة. و بتعبير آخر: حديث الرفع غايته رفع الأمر بالجزء المنسي لا رفع الجزئية التي هي حكم وضعي منتزع من الأمر بالجزء فالملازمة بين إيجاب الكل و إيجاب الجزء التي تقدّمت الإشارة إليها لا‌يمكن نفيها بحديث الرفع ليثبت وجوب الأقل على الناسي».و أورد عليه في منتقى الأصول، الحكيم، السيد عبد الصاحب، ج5، ص264..: «و أما «رفع النسيان»، فهو بلحاظ حال النسيان لا مجال لجريانه لأجل الغفلة عن موضوعه فلا‌يكون الرفع فعلياً، كما لا‌يصحّ الوضع في حال الغفلة.و أما بعد زوال النسيان، فقد يتمسّك به في إثبات الرفع الواقعي في حال العمل، إذ هو حال النسيان و إن التفت إليه متأخراً، فليس الحال فيه كرفع الجهل، إذ الجهل متأخر عن العمل.لكن يشكل التمسك بحديث رفع النسيان أيضاً: بأنك قد عرفت فيما تقدم من مباحث الانحلال أن الحكم السابق لا معنى لتنجيزه في الزمان اللاحق، و لا معنى لإثباته أو نفيه بلحاظ كونه حكماً شرعياً مجعولاً يترتب عليه الداعوية و التحريك، لفوات ظرف التحريك»

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo