< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ محمدعلي البهبهاني

45/05/28

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاحتياط / الفصل الثانی؛ التنبیه الثالث؛ الجهة الثانیة؛ دلالة الروایة الأولى؛ الاحتمال الثاني

الاحتمال الثاني

و هو أن یكون «ما» في قوله: «مَا استَطَعتُم» موصولة و «من» في قوله: «فَأتُوا مِنهُ» تبعیضیة بمعنی أعم من التبعیض من الأفراد و الأجزاء، و على هذا «الشيء» في قوله «إذَا أمَرتُكُم بِشَيءٍ» أعمّ من الكلّي و الكلّ، فیكون المعنی: «إذا أمرتكم بشيء ذي أجزاء أو ذي أفراد فأتوا من تلك الأجزاء أو الأفراد بقدر ما استطعتم».([1] )

مناقشة المحقّق النائیني في هذا الاحتمال([2] )

إنّ هذا الاحتمال فاسد، إذ لا جامع بینهما، فإنّ لحاظ الأفراد یباین لحاظ الأجزاء و لایصحّ استعمال كلمة «من» في الأعم من الأجزاء و الأفراد و إن صحّ استعمال «الشيء» في الأعم من الكلّ و الكلّي.

یلاحظ علیها

إنّ هذا المعنی یتوقّف على صحّة الاحتمال الأوّل و الثالث و حیث أبطلنا إمكان الأوّل و الثالث لعدم انطباقهما على مورد السؤال أو على جهته لایبقی مجال للاحتمال الثاني، و أمّا استعمال كلمة «من» في الأعم من الأجزاء و الأفراد، فلا محذور فیه بناء على ما ذهبنا إلیه من جواز استعمال اللفظ في أكثر من معنی واحد.

الاحتمال الثالث

و هو أن یكون «ما» في قوله: «مَا استَطَعتُم» موصولة و «من» في قوله: «فَأتُوا مِنهُ» تبعیضیة بمعنی التبعیض من الأفراد فقط، و المعنی حینئذٍ: إذا أمرتكم بطبیعة مأمور بها فأتوا ما استطعتم من أفرادها.

و المحقّق الخوئي قال: إنّ كلمة «من» حینئذٍ بیانیة و مع ذلك أنّ هذه الكلمة مستعملة في معنی التبعیض فإنّ مصادیق التبعیض مختلفة باختلاف الموارد و التبعیض هنا بمعنی التبعیض من الأفراد.([3] )

و لكن ذلك تكلّف في انطباق «من» البیانیة على المقام، فإنّ كلمة «من» إذا كانت بیانیة تتأخّر في الجملة عن الكلمة التي تكون بیاناً عنها و هي في هذه الجملة قوله: «ما استطعتم» فلا‌بدّ أن تقع كلمة «من» بعد قوله: «مَا استَطَعتُم» مع أنّها تتقدّم علیه، و أمّا كلمة «من» إذا كانت تبعیضیة قد تتقدّم على الجملة التي تكون تبعیضاً بالنسبة إلیها و قد تتأخّر عنها.

مضافاً إلى أنّ كلمة «من» البیانیة یمكن أن تجعل مكانها «الذي هو» أو «التي هي» و جعل ذلك هنا بدل كلمة «من» تكلّف في العبارة.

مع أنّ إفادة كلمة «من» البیانیة لمعنی التبعیض ممّا لایمكن المساعدة علیه، لأنّهما معنیان لایمكن الجمع بینهما فإنّه لایمكن إرادة المعنی و إرادة بعض منه في استعمال واحد فمقتضى التحقیق أن یقال: إنّ «من» على هذا المعنی تبعیضیة بمعنی التبعیض من الأفراد لا بیانیة.

مناقشة المحقّق الخوئي في هذا الاحتمال ([4] )

إنّ المحقّق الخوئي و إن كان یری هذا المعنی وجیهاً في نفسه إلا أنّه یری عدم انطباقه على المورد، لعدم وجوب الإتیان بما هو مقدور من أفراد الحجّ في كلّ سنة بلا خلاف بین المسلمین إلا ما شذّ بل إنّ هذا المعنی خلاف ظاهر نفس الروایة، فإنّها ظاهرة أو صریحة في عدم وجوبه في كلّ سنة فلاحظ قوله: «لَو قُلتُ نَعَم لَوَجَبَ، وَ لَما استَطَعتُم»، فلا‌یمكن حمل الروایة على هذا المعنی أیضاً.

الاحتمال الرابع

و هو أن تكون كلمة «ما» مصدریة زمانیة([5] ) و كلمة «من» في قوله: «فَأتُوا مِنهُ» زائدة أو للتعدیة بمعنی الباء، و المعنی حینئذٍ: «إذا أمرتكم بشيء فأتوا به حین استطاعتكم»؛ و على هذا مفاد الروایة اشتراط التكلیف بالقدرة (و هذا المعنی یناسب بعض نسخ الروایة).

و هذا المعنی لاینافي مورد الروایة أو جهة السؤال و لذا قال المحقّق الخوئي([6] ): «و هذا المعنی ممّا لا مناص من الالتزام به بعد عدم إمكان الالتزام بسائر الاحتمالات و علیه فلا مجال للاستدلال بالروایة على قاعدة المیسور» فإنّ الاستدلال بالروایة على قاعدة المیسور متوقّف على الاحتمال الأوّل و هو لایمكن الالتزام به كما أنّ الاحتمال الثاني و الثالث أیضاً ممّا لایمكن المساعدة علیه، فلا‌یبقی إلا الاحتمال الرابع، و حینئذٍ لایمكن الاستدلال بهذه الروایة على قاعدة المیسور.

یلاحظ علیه:

أولاً: هذا الاحتمال یشتمل علی خلاف الظاهر حیث أن حمل کلمة من في قوله فأتوا منه علی أنها زائدة أو للتعدیة خلاف الظاهر.

ثانیاً: قد تقدم إنّ الروایة تشتمل علی فقرتین؛ الفقرة الأولی هي الجواب عن سؤال الرجل عن الحج و الفقرة الثانیة تدلّ علی کیفیة امتثال أوامر الشارع و نواهیه، لا خصوص الأمر بالحج. فعلی هذا کما یمکن تصویر الواجبات المشتملة علی الأجزاء یمکن تصویرها بنحو الکلي حتی تکون له أفراداً متعددة و حینئذ یجب علی المکلف امتثال الأوامر لجمیع أفرادها و بجمیع أجزاء کل فرد منها إلّا ما لایستطیع سواء کان من الأفراد أو الأجزاء.

فحینئذ الاحتمال الأول و الثالث کلاهما صحیحان و لکن الاحتمال الثاني هو الجامع بینهما و حیث أن ما قاله قاعدة کلیة تشمل جمیع الأوامر، فلا بدّ من الالتزام بالاحتمال الثاني حتی تشمل أوامر التي لها أفراد و لکل فرد أجزاء.

نتیجة ذلك هذه الروایة تدلّ علی قاعدة المیسور.


[1] قال المحقق الإصفهاني في نهاية الدّراية في شرح الكفاية، الغروي الإصفهاني، الشيخ محمد حسين، ج4، ص387..: «فالتحقيق: أن كلمة (من) ليست للتبعيض بعنوانه حتى لا‌يلائم الكلي، بل لمجرد اقتطاع مدخولها عن متعلقه، و إن كان يوافق التبعيض أحياناً.و من الواضح أن الفرد متشعّب من الكلي، و أن الكلي الذي ينطبق على ما يستطاع و ما لا‌يستطاع، فما يستطاع منه مقتطع من مثله- و حينئذ- لا‌يتعين إرادة المركب، و المتیقن بحسب مورد الرواية هو الكلي الذي يلائمه لفظ (الشي‌ء) و كلمة (من) و كون (ما) بمعنى الموصول، لا بمعنى المصدرية الزمانية، فتدبر جيّداً»
[5] و أورد الشيخ حسين الحلي على كون (ما) موصولة في أصول الفقه، الحلي، الشيخ حسين، ج8، ص433.: «إنّ لفظة «ما» في قوله صلى اللَّه عليه و آله: «فأتوا منه ما استطعتم» لا‌يمكن حملها على كونها موصولة، لأنّها حينئذ تكون مفعولاً به لقوله: «فأتوا» و هذا الفعل- و هو الإتيان- يتعدّى بنفسه إلى المأتي إليه، و ربما تعدّى إليه بواسطة إلى، أمّا المأتي به فهو إنّما يتعدّى إليه بالباء، سواء كان جوهراً مثل قولك: «أتيت بالكتاب»، أو كان فعلًا من الأفعال مثل قولك: «أتيت بالصلاة أو بالصيام» مثلًا، و لا‌يتعدّى هذا الفعل إلى المأتي به بنفسه، فلا‌یقال: «أتيت الكتاب» أو «أتيت الصيام» بمعنى جئت به، و حينئذٍ يكون المتعيّن في لفظة «ما» أن تكون ظرفية مصدرية، و بذلك يبطل‌ كون لفظة «من» بيانية، و يتعيّن حملها على‌ معنى الباء إن ثبت ذلك أو على التبعيض». قال في تهذيب الأُصول - ط نشر آثار الإمام الخميني، السبحاني، الشيخ جعفر؛ تقرير بحث السيد روح الله الخميني، ج3، ص406..: «مصدرية زمانية: أي إذا أمرتكم بشي‌ء فأتوا منه زمن استطاعتكم، لا موصولة حتى يجب كلّ فرد مستطاع؛ لأنّه خلاف سياق الحديث على ما عرفت‌».و قال في ص405 في معنی (من): «فتلخّص: أنّ كون «من» تبعيضية ليس مانعاً من حمل الرواية على الأعمّ، و أنّ غاية ما يقتضيه التبعيض كون المدخول متقطّعاً ممّا قبلها بنحو من الاقتطاع، أو يكون ما قبلها كالمخزن لما بعدها، كالكلّي بالنسبة إلى أفراده، و هو حاصل في المقام.هذا كلّه مع قطع النظر عمّا قبله.و أمّا مع ملاحظة صدره: فالظاهر منه إرادة الأفراد، لا الأجزاء و لا الأعمّ منهما؛ فإنّ الحديث وارد في حجّة الوداع»

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo