< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ محمدعلي البهبهاني

45/06/10

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاحتياط /الفصل الثاني؛ التنبیه الثالث؛ البحث الدلالي؛ دلالة الروایة الثانیة

 

الجواب الثاني

أجاب المحقّق الخوئي عن إشكال صاحب الكفایة على عدم القول بالفصل فإنّ رجحان الإتیان بالباقي من الأجزاء مستلزم لوجوب الإتیان به لعدم القول بالاستحباب فإنّ الأمر دائر بین كونه واجباً و كونه غیر مشروع، فإذا قلنا برجحانه یبطل احتمال عدم مشروعیته و یتعیّن كونه واجباً.([1] )

یلاحظ علیه

إنّ حجیّة عدم القول بالفصل ترجع إلى حجیة الإجماع و الإجماع لیس بحجّة إلا إذا كان كاشفاً عن رأي المعصوم، و تمامیة كاشفیته في المقام ممّا لم‌یثبت.

و الحاصل أنّ إشكال صاحب الكفایة غیر وارد على دلالة الروایة على قاعدة المیسور؛ أمّا على مبنی المحقّق النائیني و المحقّق الخوئي فواضح، و أمّا على سائر المباني فلما تقدّم([2] ) من جواز استعمال اللفظ في أكثر من معنی واحد.

المناقشة الثانیة: ما أفاده المحقّق الخوئي ([3] )

إنّ أمر الروایة دائر بین حملها على تعذّر الإتیان بمجموع أجزاء المركب مع التمكّن من بعضها لیكون الوجوب المستفاد منها مولویاً و بین حملها على تعذّر بعض أفراد الواجب مع التمكّن من البعض الآخر، لیكون الوجوب إرشاداً إلى حكم العقل بعدم سقوط واجب بتعذّر غیره و حیث أنّه لا جامع بین الوجوب المولوي و الإرشادي لتكون الروایة شاملة لهما و لا قرینة على تعیین أحدهما، تكون الروایة مجملة غیر قابلة للاستدلال بها.

یلاحظ علیها

أوّلاً: بالنقض علیه على مبناه من أنّ الوجوب المولوي لیس داخلاً في مفاد صیغة الأمر كما أنّ الوجوب الإرشادي أیضاً كذلك و لا منافاة بین حكم العقل بالوجوب المولوي في بعض الموارد و كون مفاد الصیغة إرشاداً إلى حكم العقل في موارد أُخر.

و ثانیاً: بالحلّ على سائر المباني، فإنّه على القول بجواز استعمال اللفظ في أكثر من معنی واحد یرتفع المحذور من البین.

دلالة الرواية الثالثة

هي المرسلة المرویة عن مولانا أمیر‌المؤمنین: «المَیسُورُ لَایَسقُط بِالمَعسُور» و لا‌بدّ من البحث حول المحتملات في هذه الروایة، و تعیین ما هو الأظهر منها.

نظریة المحقّق الإصفهاني حول محتملات الروایة الثالثة ([4] )

إنّ المحقّق الإصفهاني أفاد ثلاثة احتمالات في الروایة:

الاحتمال الأوّل: هو كونها خبراً محضاً عن ثبوت الحكم بثبوت ملاكه أو بمرتبة من ملاكه.

و قد أوضحه المحقّق الخوئي بقوله: ([5] )

الجملة خبریة محضة أرید بها الإخبار عن عدم سقوط الواجب و المستحب عند تعذّر بعض أجزاء المركب أو تعذّر بعض أفراد الطبیعة أو عدم سقوط وجوبه أو استحبابه، فإنّ السقوط و الثبوت كما یصحّ إسنادهما إلى الحكم، كذلك یصحّ إسنادهما إلى الواجب و المستحب أیضاً، فكما یقال: سقط الوجوب عن ذمّة المكلّف أو ثبت في ذمته، كذلك یصحّ أن یقال: سقط الواجب أو ثبت في ذمّته.

و كیف كان تدلّ الروایة على هذا الاحتمال على بقاء الحكم أو متعلّقه في ذمة المكلّف عند تعذّر بعض الأجزاء أو بعض الأفراد.

ثم إنّه قد نقل المحقّق الخوئي عن الشیخ جعفر كاشف الغطاء([6] ) أنّه قال بدلالتها على وجوب المرتبة النازلة من الشيء إذا تعذّرت المرتبة العالیة منه، في ما إذا عدّت المرتبة النازلة میسورة من المرتبة العالیة بنظر العرف، فإذا تعذّر الإیماء بالرأس و العین للسجود على ما هو المنصوص یجب الإیماء بالید لقاعدة المیسور، باعتبار أنّ الإیماء بالید مرتبة نازلة من الإیماء بالنسبة إلى الإیماء بالرأس و العین.

الاحتمال الثاني: هو كونها خبریة بداعي البعث نحو المیسور، بعنوان عدم سقوط حكمه الثابت أوّلاً، فالجملة بحسب اللفظ و المعنی خبریة، إلا أنّها أرید بها الإنشاء.

الاحتمال الثالث: هو كونها إنشائیة ابتدائیاً فتكون كلمة «لا» ناهیة، و على هذا الاحتمال یتوجّه هنا إشكال صاحب الكفایة و إشكال المحقّق الخوئي المتقدّم ذكرهما في البحث عن الروایة الثانیة فلا‌تشمل الروایة عندهما أجزاء الكلّ بل یختصّ بالكلّي المتعذّر بعض أفراده.

دلالة الروایة الثالثة علی قاعدة المیسور

قال المحقّق الإصفهاني بإمكان الاحتمال الأوّل و الثاني و لكنّه أورد على الاحتمال الثالث بأنّه غیر معقول و تبعه في ذلك المحقق الخوئي إلا أنّ المحقق الخوئي قال بأنّ الاحتمال الثاني أیضاً یلحق بالاحتمال الثالث في عدم معقولیته.

بیان عدم معقولیة الاحتمال الثالث: إنّ السقوط و عدمه لیسا من أفعال المكلف حتی یؤمر بهما، فإنّ النهي سواء كان مولویاً أم إرشادیاً لا‌بدّ من أن یتعلّق بفعل المكلّف و ما هو تحت قدرته و اختیاره وجوداً و عدماً، و سقوط الواجب عن ذمّة المكلّف كثبوته بید الشارع و لیس مقدوراً للمكلّف، فلا معنی للنهي عنه و لو إرشادیاً.

و بالنتیجة: إنّ الروایة تدلّ على قاعدة المیسور، حیث أنّه على الاحتمال الأوّل تشمل الروایة صورة تعذّر بعض الأجزاء، و صورة تعذّر بعض الأفراد، و الاحتمال الثاني أیضاً یكون كذلك عند المحقّق الإصفهاني، حیث أنّها على هذا الاحتمال جملة خبریة في اللفظ و المعنی، و أمّا كونها بداعي البعث فهو خارج عن المعنی الموضوع له، فلا‌یرد ما أورده صاحب الكفایة و لا ما أورده المحقّق الخوئي (المتقدّم ذكرهما في الروایة الثانیة) مع أنّه لو لم‌نقل بذلك و ألحقناه بالاحتمال الثالث كما ذهب إلیه المحقق الخوئي یكون هذا الاحتمال الثاني أیضاً غیر معقول، فینحصر الأمر في الاحتمال الأوّل، فتثبت قاعدة المیسور.

مناقشة المحقّق الخوئي في الاحتمال الأوّل([7] )

إنّ المحقّق الإصفهاني قد صرّح في عبارته بأنّ السقوط فرع الثبوت، و المحقّق الخوئي یتمسّك بهذا الأصل و على أساسه یستشكل هنا و یقول:

إنّ السقوط فرع الثبوت فالروایة مختصّة بتعذّر بعض أفراد الطبیعة باعتبار أنّ غیر المتعذّر منها كان وجوبه ثابتاً قبل طروّ التعذر، فیصدق أنّه لایسقط بتعذر غیره بخلاف بعض أجزاء المركب، فإنّه كان واجباً بوجوب ضمني قد سقط بتعذر المركب من حیث المجموع، فلو ثبت وجوبه بعد ذلك فهو وجوب استقلالي و هو حادث فلا معنی للإخبار عن عدم سقوطه بتعذر غیره.

ثم أورد على ما نقله عن الشیخ جعفر كاشف الغطاء فقال: و كذلك الحال في المرتبة النازلة، فإنّ وجوبها لو ثبت بعد تعذّر المرتبة العالیة لكان وجوباً حادثاً جدیداً، لا‌یصحّ التعبیر عنه بعدم السقوط.

فإرادة معنی عامٍّ من الروایة شاملٍ لموارد تعذّر بعض الأفراد و موارد تعذّر بعض الأجزاء و موارد تعذّر المرتبة العالیة، تحتاج إلى عنایة لا‌یصار إلیها إلا بالقرینة.

یلاحظ علیه

إنّ ما أفاده من أنّ السقوط فرع الثبوت تامّ و لا إشكال علیه، إلا أنّ هنا یمكن تصویر الثبوت بوجهین:

الوجه الأول: الثبوت بحسب الملاك أو مرتبة منه، بمعنی أنّ هذه الجملة إخبار عن ثبوت الملاك الملزم و عدم سقوطه و هذا یقتضي بقاء سائر الأجزاء و الشرائط على الوجوب السابق أو على الاستحباب السابق، قبل عروض تعذّر بعض الأجزاء و الشرائط.

و لكن الالتزام بهذا الوجه بعید، لأنّ السقوط لم یتعلّق بالملاك، فهذا الوجه خلاف الظاهر.

الوجه الثاني: الثبوت بمعنی ثبوت الموضوعات و على هذا معنی عدم السقوط هو أنّ الموضوعات المركبة لاتسقط عن موضوعیتها للحكم الشرعي بتعذّر بعض أجزائه.

و لذا قال المحقّق الإصفهاني:([8] ) «المیسور من الواجب باق على موضوعیته للوجوب و المیسور من المستحب باق على موضوعیته للاستحباب، و حیث أنّ الظاهر تعلّق عدم السقوط بنفس المیسور الذي له معنی معقول، فلا داعي إلى صرفه عن ظاهره بإرادة عدم سقوط حكمه».

فالمتحصّل هو أنّ دلالة الروایة الأولی و الروایة الثانیة و الروایة الثالثة على قاعدة المیسور تامّة فمع القول باعتبارهما لجبرهما بعمل الأصحاب كما ذهب إلیه المحقّق النائیني تدلّان على حجیة قاعدة المیسور.

 


[2] راجع عيون الأنظار، ج1، ص375.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo