< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ محمدعلي البهبهاني

45/06/11

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاحتياط /الفصل الثاني؛ التنبیه الرابع: دوران الأمر بین الجزئیة و مبطلیته و بین شرطیة الشیء و مانعیته

 

التنبیه الرابع: دوران الأمر بین جزئیة الشيء و مبطلیته و بین شرطیة الشيء و مانعیته

إذا دار الأمر بین أن یكون الشيء جزءاً و أن یكون مبطلاً یتحقّق علم إجمالي إمّا بوجوب إتیانه و إمّا بوجوب تركه، و هكذا الأمر عند دوران الأمر بین شرطیة الشيء و مانعیته.

و البحث هنا یقع في صورتین:

الصورة الأولی

و هي أن لایكون للواجب المردّد في جزئیة الشيء له أو مبطلیته أو في شرطیته له أو مانعیته أفراد طولیة أو عرضیة، كما في الصوم المنذور في یوم معیّن إذا دار الأمر بین شرطیة شيء له و مانعیته، فإنّ للصوم فرداً واحداً و لایمكن الاحتیاط فیه بتكرار العمل و حینئذٍ لایمكن تحصیل الموافقة القطعیة كما أنّه لاتجوز المخالفة القطعیة أیضاً فلا مناص له من التخییر و الموافقة الاحتمالیة.

و الواجب الذي لا أفراد طولیة و لا عرضیة له قد یكون واحداً في ضمن واقعة واحدة مثل الصوم المنذور في یوم معیّن، و قد یكون متعدداً ضمن وقائع متعدّدة مثل نذر الصوم في أوّل كلّ شهر من شهور السنة و لا فرق في ذلك، فإنّ الحكم هو التخییر في كلّ من المثالین.

و قد یمثّل لذلك بالصلاة في من كان له ثوب واحد متنجّس و لایتمكن من تطهیره فیدور أمره بین إتیان الصلاة عاریاً لمانعیة النجاسة عن صحّة الصلاة و إتیانها في الثوب المتنجّس لشرطیة الساتر في صحّتها، ثمّ إنّ الصلاة المردّد أمرها بین إتیانه مع الثوب و إتیانه بدونه قد تكون صلاةً واحدةً و هي في ما إذا تمكن بعد أدائها من تطهیر الثوب، و قد تكون متعدّدةً و هي في ما إذا لم‌یتمكّن من تبديل الثوب أو تطهیره مثل المحبوس في السجن الممنوع من الماء للتطهیر.

ثم إنّ الواجب في ما إذا كان متعدّداً في الفرض المذكور هل یكون التخییر فیه تخییراً بدویاً أو تخییراً استمراریاً؟

قال بعض الأعلام مثل المحقّق الخوئي([1] ) بأنّ التخییر بدوي، فله أن یختار الفعل في جمیع الأیام أو یختار تركه كذلك و لایجوز له أن یأتي به في یوم و یتركه في یوم آخر لكونه موجباً للقطع بالمخالفة القطعیة و العقل حاكم بقبحها و لو كانت تدریجیة.

و لكن تقدّم([2] ) المناقشة في ذلك و قلنا بأنّ التخییر استمراري و لا محذور فیه في الوقائع المتعدّدة التدریجیة.

الصورة الثانیة

و هي أن یكون للواجب الذي تردّد أمره بین جزئیة شيء له و مبطلیته أو بین شرطیة شيء له و مانعیته، أفراد طولیة و حینئذٍ یتمكّن المكلّف من تكرار العمل و الاحتیاط. و بعبارة أخری: یتمكّن المكلّف حینئذٍ من العلم بالموافقة القطعیة بإتیان الواجب فإنّه یأتي به تارةً مع وجود هذا الشيء و أخری بدونه.

قد اختلف الأعلام في هذه المسألة؛ فقال بعضهم مثل العلامة الأنصاري بعدم لزوم تكرار العمل بل یكفي إتیان الواجب بدون هذا الشيء كما أنّه یكفي إتیانه معه و معنی ذلك هو التخییر، و قال بعضهم مثل المحقق الخراساني و المحقق النائیني و المحقق الخوئي بلزوم تكرار العمل من باب الاحتیاط.

فهنا نظریّتان:

النظریة الأولی: من العلامة الأنصاري([3] )

إنّ العلامة الأنصاري قال بأنّ مثال ذلك هو الجهر بالقراءة في ظهر الجمعة حیث قیل بوجوبه و قیل بوجوب الإخفات و إبطال الجهر، و أیضاً كالجهر بالبسملة في الركعتین الأخیرتین من الرباعية و أیضاً كتدارك الحمد عند الشك فیه بعد الدخول في السورة و قال: إنّ في هذه المسألة وجهین و وجّه القول بالتخییر الذي هو مختاره تارة بناء على ما ذهب إلیه من جریان البراءة عند دوران الأمر بین الأقلّ و الأكثر و أخری بناءً على ما ذهب إلیه بعض الأعلام من وجوب الاحتیاط في مسألة دوران الأمر بین الأقلّ و الأكثر، فقال:

أمّا بناء على ما اخترناه من أصالة البراءة مع الشك في الشرطیة و الجزئیة، فلأنّ المانع من إجراء البراءة عن اللزوم الغیري في كلّ من الفعل و الترك لیس إلا لزوم المخالفة القطعیة و هي غیر قادحة، لأنّها لاتتعلّق بالعمل، لأنّ واحداً من فعل ذلك الشيء و تركه ضروريّ مع العبادة، فلا‌یلزم من العمل بالأصل في كلیهما معصیة متیقّنة، كما كان یلزم في طرح المتباینین كالظهر و الجمعة.

و بتقریر آخر: إذا أتی بالعبادة مع واحد منهما قَبُح العقاب من جهة اعتبار الآخر في الواقع لو كان معتبراً، لعدم الدلیل علیه و قبح المؤاخذة من دون بیان فالأجزاء المعلومة ممّا یعلم كون تركها منشأ للعقاب، و أمّا هذا المردّد بین الفعل و الترك فلا‌یصحّ استناد العقاب إلیه لعدم العلم به.

و أمّا بناء على القول بوجوب الاحتیاط عند دوران الأمر بین الأقلّ و الأكثر، فلأنّ وجوب الاحتیاط فرع بقاء وجوب الشرط الواقعي المردّد بین الفعل و الترك و إیجابه مع الجهل مستلزم لإلقاء شرطیة الجزم بالنیّة و اقتران الواجب الواقعي بنیّة الإطاعة به بالخصوص مع التمكّن، فیدور الأمر بین مراعاة ذلك الشرط المردّد و بین مراعاة شرط الجزم بالنیة.

النظریة الثانیة: من المحقّق النائیني[4] و المحقّق الخوئي([5] )

إنّ الأمر في شخص الصلاة المأتي بها و إن كان دائراً بین المحذورین إلا أنّ الأمر لم‌یتعلّق به بالخصوص بل المتعلّق له هي طبیعة الصلاة بما لها من الأجزاء و الشرائط و المفروض تمكّن المكلّف من إیجادها كذلك و لما كان انطباقها على إحدی الصلاتین معلوماً إجمالاً و على كلّ منهما مشكوكاً فلا‌بدّ من الجمع بینهما.

و بعبارة أخری: إنّ المأمور به هو الطبیعي و له أفراد طولیة، فالمكلّف متمكن من الموافقة القطعیة بتكرار العمل و من المخالفة القطعیة بترك العمل رأساً، فیكون العلم الإجمالي منجّزاً للتكلیف لا محالة، فیجب الاحتیاط و أمّا عدم التمكّن من المخالفة القطعیة في الفرد الخارجي لاستحالة ارتفاع النقیضین فهو لاینافي تنجیز العلم الإجمالي بعد تمكّن المكلّف من المخالفة القطعیة في أصل المأمور به و هو الطبیعة، إذ الاعتبار إنّما هو بما تعلّق به التكلیف لا بالفرد الخارجي.

فالمتحصّل أنّه إذا دار الأمر بین جزئیة شيء و مبطلیته أو دار الأمر بین شرطیته و مانعیته و تمكّن المكلّف من التكرار یجب علیه الاحتیاط حتّی یحصل القطع بالموافقة القطعیة.

هذا تمام الكلام في باب الأقلّ و الأكثر الارتباطیین.


[2] تقدّم في المجلد الثامن، ص577 ذيل كلام المحقق الإصفهاني.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo