< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ محمدعلي البهبهاني

45/06/19

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاستصحاب /المقدمة؛ التحقیق في تعریف الاستصحاب؛ المناقشة السابعة من المحقق الإصفهاني علی التعریف الشیخ الأنصاري

 

و إن كان المراد الإبقاء العملي من المكلّف، فهو یدلّ على جعل الحكم الظاهري، إذ لو كان الحكم الواقعي مستمراً حقیقةً لم‌یكن العمل به إبقاء عملیاً للحكم السابق، بل عمل بالحكم الموجود حقیقة في الزمان اللّاحق، إلّا أنّه لایدلّ على اعتبار الیقین في موضوع الاستصحاب، كما لایدلّ على كون الحكم الاستصحابي الظاهري من الأصول العملیة لعدم أخذ الشكّ فیه.

أمّا الأوّل [أي عدم الدلالة على اعتبار الیقین في موضوع الاستصحاب]: فلأنّ الیقین بثبوت الحكم سابقاً و إن كان منجّزاً لحكمه، لكنّه غیر محقّق لموضوعه، فدلالته على اعتبار الیقین في تنجّز الحكم الاستصحابي غیر دلالته على اعتباره [أي اعتبار الیقین] في تحقّق موضوعه [أي موضوع الاستصحاب] فمن الممكن أنّ ما ثبت، یجب إبقاؤه واقعاً. غایة الأمر أنّه لاینجّز هذا إلّا بعد الالتفات إلى موضوعه و حكمه.

و أمّا الثاني [أي عدم الدلالة على أنّ الحكم الاستصحابي الظاهري من الأصول العملیة لعدم أخذ الشكّ فیه] فلأنّ لازم الإبقاء العملي و إن كان عدم الیقین بالحكم في الزمان الثاني، إلّا أنّ هذا لازم أعمّ للحكم الظاهري على طبق الأمارة أو على وفق الأصل و إنّما الفارق بأخذ الشكّ في موضوعه [كما في الأصول العملیة] و عدمه [كما في الأمارات] »([1] ).

ملاحظات على المناقشة السابعة

أوّلاً: إن كان الإبقاء منسوباً إلى الشارع، فهذا التعریف كما یوافق عدم جعل الحكم الظاهري یوافق أیضاً جعل الحكم الظاهري، لاحتمال علّیة الكون السابق لحكم الشارع بالبقاء اهتماماً بالملاكات و المقتضیات و تحفّظاً على الأغراض الواقعیة.

و على هذا فالتعبیر عن الاستصحاب بإبقاء ما كان عنوان جامع یعمّ كلا المسلكین.

ثانیاً: إن كان الإبقاء، إبقاء عملیاً منسوباً إلى المكلّف، فهو یدلّ على جعل الحكم الظاهري مع اعتبار الیقین في موضوع الاستصحاب، لأنّه لا موضوع للاستصحاب إلا إذا كان هناك حكم سابق فعلي، فالاستصحاب یتوقّف على وجود الحكم الشرعي الفعلي سابقاً، و إحراز ذلك یتوقّف على الیقین به، فما أفاده المحقّق الإصفهاني في هذا الفرض من أنّه لایدلّ على اعتبار الیقین في موضوع الاستصحاب لایمكن المساعدة علیه.

ثالثاً: ما أفاده في الفرض الثاني (و هو تفسیر الإبقاء، بالإبقاء العملي المنسوب إلى المكلّف) من عدم دلالته على كونه من الأصول العملیة لعدم أخذ الشك في موضوعه، فلا‌یضرّ بتعریف الاستصحاب بل یوجب جامعیته بالنسبة إلى كلا المسلكین: مسلك القائلین بكونه من الأمارات، و مسلك القائلین بكونه من الأصول العملیة.([2] )

هذه أهمّ المناقشات التي أوردوها على تعریف الشیخ و من تبعه للاستصحاب.

المختار في تعریف الاستصحاب بناء على كونه أصلاً عملیاً

هو ما أفاده المحقّق النائیني في فوائد الأصول من قوله:

الأولى في تعریفه هو أن یقال: إنّ الاستصحاب عبارة عن عدم انتقاض الیقین السابق المتعلّق بالحكم أو الموضوع من حیث الأثر و الجري العملي، بالشكّ في بقاء متعلّق الیقین.([3] )

و یمتاز هذا التعریف عمّا أفاده في أجود التقریرات([4] ) من جهتین:

أوّلاً: من جهة اشتماله على كلا ركني الاستصحاب من الیقین و الشكّ، فلا‌یرد علیه ما أورده صاحب الكفاية في تعلیقة الرسائل([5] )على الشیخ من أنّ قوام الاستصحاب بالشكّ و الیقین فلا‌بدّ من اشتمال التعریف علیهما.

ثانیاً: من جهة تعریفه بعدم انتقاض الیقین بالشكّ حیث أنّه فعل المكلّف، و قد تقدّم([6] ) أنّ الاستصحاب لیس فعل الشارع، و لاینبغي التعبیر بأنّ الشارع یستصحب بل الاستصحاب فعل المكلّف مجتهداً كان أم مقلّداً، فلا‌بدّ من تعریفه بعدم الانتقاض، كما هو المطابق للأخبار الصحیحة التي سیأتي الاستدلال بها على الاستصحاب إن شاء الله تعالى.

و أمّا تعریفه بحكم الشارع بذلك فلا‌یمكن المساعدة علیه و إلّا یلزم أن یكون المستصحب فعل الشارع و هو خلاف العرف و الأخبار، بل الشارع أمر المكلّف بالاستصحاب و نهاه عن نقض الیقین بالشك، و لازم ذلك هو حكم الشارع ببقاء الحكم أو الموضوع.

المناقشة في هذا التعریف

لایخفی أنّ الاستصحاب لو كان عبارة عن حكم الشارع بعدم انتقاض الیقین السابق بالشك اللاحق، لكان حمل الحجّیة علیه من قبیل حمل الحجّیة على المفهوم و لیس كحمل الحجّیة على الخبر الواحد فتأمل جیداً. ([7] )

یلاحظ علیها

إنّ الكلام في الحجّیة یقع في مقامین:

الأوّل: الأدلّة الدالّة على حجّیة الاستصحاب مثل الأخبار، و الموصوف بالحجّیة حینئذٍ نفس تلك الأخبار لا الاستصحاب.

الثاني: الاستدلال بالاستصحاب على الحكم الشرعي بحیث یكون الاستصحاب هو الدلیل و الحجّة على الحكم و الموصوف بهذه الحجّیة و إن كان نفس الاستصحاب إلّا أنّه من جهة اشتماله على الیقین، حیث أنّ مفاده الجري العملي على طبق الیقین السابق، و التعبّد ببقائه، و الموصوف بالحجّیة بحسب الدقّة هذا الیقین التعبّدي لا عدم نقض الیقین بالشكّ إلّا أنّه یتسامح فتطلق علیه، و قد تقدّم ذلك عن المحقّق الإصفهاني عند جوابه عن المناقشة السادسة في تعریف الشیخ الأنصاري للاستصحاب([8] ) فحمل الحجّیة على الاستصحاب یتفاوت مع حملها على خبر الواحد و المفاهیم.

هذا ما یتعلّق بتعریف الاستصحاب و بیان حقیقته و ماهیته. ([9] )

 

الأمر الثاني: في أنّ الاستصحاب مسألة أصولیة أو قاعدة فقهیة

قد اختلف الأعلام في الاستصحاب من جهة كونه مسألة أصولیة یبحث عنه في علم الأصول كما علیه الأكثر، أو كونه قاعدة فقهیة كما علیه بعض الأعلام مثل المحقّق الخوئي، أو التفصیل في ذلك بین الاستصحابات الجاریة في الشبهات الحكمیة و الاستصحابات الجاریة في الشبهات الموضوعیة، ففي الأوّل یكون الاستصحاب من المسائل الأصولیة، و في الثاني یكون من القواعد الفقهیة و هذا مختار بعض الأعلام مثل المحقّق النائیني.([10] )

نظریة المحقّق النائیني

إنّ المحقّق النائیني قبل الورود في البحث بیّن الضابط للمسألة الأصولیة و القاعدة الفقهیة، فقال:

إنّ المسائل الأصولیة عبارة عن الكبریات التي تقع في طریق استنباط الأحكام الكلّیة الشرعیة و بذلك تمتاز عن مسائل سائر العلوم و عن القواعد الفقهیة، فبقولنا: "الكبریات" تخرج مسائل سائر العلوم و بقولنا: "الأحكام الكلّیة" تخرج القواعد الفقهیة؛ أمّا الأوّل فلأنّ ... و أمّا الثاني فلأنّ القاعدة الفقهیة و إن كانت تقع كبریً لقیاس الاستنباط، إلّا أنّ النتیجة فیها إنّما تكون حكماً جزئیاً یتعلّق بعمل آحاد المكلّفین بلا واسطة، أي لایحتاج في تعلّقه بالعمل إلى مؤونة أخری كما هو الشأن في نتیجة المسألة الأصولیة، فإنّها [أي المسألة الأصولیة] لا تعلّق لها بعمل الآحاد ابتداءً إلّا بعد تطبیق النتیجة على الموارد الخاصّة الجزئیة، فإنّ الحكم الكلّي بما هو كلّي لایرتبط بكلّ مكلّف و لایتعلّق بعمله إلّا بتوسّط انطباقه علیه خارجاً ... .


[1] نهاية الدراية في شرح الکفاية - ط قديم، الغروي الإصفهاني، الشيخ محمد حسين، ج3، ص11.و المحقق الإصفهاني ذكر إیرادین على تعریف الشیخ قال: «أحدهما: عدم الجهة الجامعة للاستصحاب، بحسب المباني الثلاثة من الأخبار، و بناء العقلاء و حكم العقل، و ذلك لأنّ المراد إن كان إبقاء المكلّف عملاً- فهو و إن صحّ جعله مورداً لإلزام الشارع، أو لبناء العقلاء فرجع البحث إلى أنّ الإبقاء العملي هل ممّا ألزم الشارع أو ممّا بنی علیه العقلاء أم لا؟ إلّا أنّه لیس بهذا المعنی مورداً لحكم العقل، لأنّ الإذعان العقلي الظنّي إنّما هو ببقاء الحكم، لا بإبقاء الحكم عملاً من المكلّف، و لیس للعقل إلزام إنشائي و شبهه حتّی یصحّ إرادة موردیة الإبقاء العملي للحكم العقلي.و إن كان المراد الإبقاء الغیر المنسوب إلى المكلّف، فمن الواضح أنّه لا جهة جامعة بین الإلزام الشرعي- الذي هو مصداق الإبقاء أو متعلّق بالإبقاء- و البناء العقلائي، و الإدراك العقلي و مع فرض الجامع بین الإلزام الشرعي و الإذعان العقلي- نظراً إلى التعبیر عن الإذعان العقلي بالحكم العقلي- فلا جامع بینهما و بین البناء العملي من العقلاء، إذ الإلزام من العقلاء و لا إذعان منهم.و تصحیحه بإرادة الإلزام الشرعي ابتداء أو إمضاء، لما بنی علیه العقلاء- كما علیه شیخنا الأستاذ في تعلیقته‌- لا‌یجدي، إذ البحث في الاستصحاب- من باب بناء العقلاء- راجع إلى البحث عن ثبوت البناء و عدمه لا عن حجّیته- شرعاً- بعد ثبوته، فإنّ بناء العقلاء إذا ثبت بشرائطه كان ممضى شرعاً كسائر الموارد.مضافاً إلى ما ذكرنا في غیر مقام أنّه لا إلزام من العقلاء باتباع الظاهر أو الجري على وفق الیقین السابق مثلاً- حتّی یكون معنی إمضائه جعل الحكم المماثل على طبقه بل مجرّد بنائهم على مؤاخذة من یخالف الظاهر أو لا‌یجري على وفق الیقین السابق مثلاً فمعنی إمضائه أنّ الشارع كذلك فیصحّ المؤاخذة عنده كما تصحّ عند العقلاء».و أجاب عن هذا الإیراد فقال: «التحقیق أنّ الاستصحاب- كما یناسب المشتقّات منه- هو الإبقاء العملي‌ ... و یندفع محذور الجامع ... بأنّ المراد هو الإبقاء العملي و النزاع في أنّ المستند للإبقاء العملي هل هو أمر مأخوذ من الشارع أو من العقلاء أو من العقل؟ لا أنّ نفس الاستصحاب مأخوذ من أحدهم لأن لا‌یكون له جامع».و أشار إلي هذا الإیراد المحقّق الصدر في بحوث في علم الأصول، الهاشمي الشاهرودي، السيد محمود، ج6، ص13.. أیضاً قال: «قد أثیر حول هذا التعریف إشكالات عدیدة نشیر إلى أهمّها و هو اثنان: ... 2- ما اعترضه المحقق الأصفهاني من أنّ المراد بالإبقاء إن كان هو الإبقاء العملي فهذا لا‌ینسجم مع حكم العقل الذي هو أحد مدارك الاستصحاب لأنّه یدرك البقاء ظنّاً مثلاً و لیس للعقل أحكام عملیة، و إن كان المراد الإبقاء الحكمي التشریعي فهو لا‌ینسجم مع البناء العقلائي الذي هو مدرك آخر من مدارك الاستصحاب فإنّهم إنّما یبنون عملیاً على البقاء و یسیرون علیه»
[2] و قد أجاب المحقّق الصدر عن هذه المناقشة أيضاً فقال: «و الجواب إمكان اختیار الإبقاء العملي و افتراض أنّ العقل یدرك لزوم الإبقاء العملي بمعنی حقّ الطاعة و المولویة في مورد الاستصحاب الإلزامي و إمكان اختیار الإبقاء الحكمي التشریعي و مع ذلك یستدلّ علیه بالبناء العقلائي لأنّ المقصود من بنائهم العملي بناؤهم بما هم موالي فیكون لهم أحكام و تشریعات، على أنّ الحجّة عندنا لیس هو نفس البناء العملي العقلائي بل إمضاؤه من قبل الشارع و هو یستبطن الحكم الشرعي لا‌محالة». بحوث في علم الأصول، الهاشمي الشاهرودي، السيد محمود، ج6، ص14.
[4] تقدم تعریف المحقق النائيني. في أجود التقریرات في ص24
[5] تقدّم إيراد صاحب الكفاية. في درر الفوائد في ص33 بعنوان المناقشة الثانية
[6] تقدّم في ص34 عند ملاحظتنا على المناقشة الرابعة في تعريف الشيخ.
[7] في هامش فوائد الاُصول، الغروي النّائيني، الميرزا محمد حسين، ج4، ص307.، و الظاهر أنّ التعليقة من المحقّق النائيني. نفسه
[8] تقدّم في ص36.
[9] . نذكر هنا مطلبین لاستیفاء البحث:المطلب الأوّل:إنّ المحقّق الخراساني ذكر في سبعة مواضع من الكفایة أنّ تعریفات القوم تعریفات لفظیة من قبیل شرح الإسم:1) في كفاية الأصول - ط آل البيت، الآخوند الخراساني، ج1، ص94.: «الأمر الثالث: في تقسیمات الواجب؛‌ منها تقسیمه إلى المطلق و المشروط» في تعريف الواجب المطلق و المشروط.2) في كفاية الأصول - ط آل البيت، الآخوند الخراساني، ج1، ص181.: « فصلٌ في أن النهي عن الشي‌ء هل يقتضي فساده أم لا؟ الأمر الرابع: ما یتعلّق به النهي»، في تعريف العبادة.3) في كفاية الأصول - ط آل البيت، الآخوند الخراساني، ج1، ص193.: «المقصد الثالث: المفاهیم‌» في تعريف المفهوم. 4) في كفاية الأصول - ط آل البيت، الآخوند الخراساني، ج1، ص215.: «المقصد الرابع: في العامّ و الخاصّ‌» في تعريف العامّ.5) في كفاية الأصول - ط آل البيت، الآخوند الخراساني، ج1، ص243.: «المقصد الخامس: في المطلق و المقید و المجمل و المبیّن» في تعريف المطلق.6) في كفاية الأصول - ط آل البيت، الآخوند الخراساني، ج1، ص384.: «فصلٌ في الاستصحاب» في تعريف الاستصحاب.7) في كفاية الأصول - ط آل البيت، الآخوند الخراساني، ج1، ص463.: « الخاتمة: الاجتهاد و التقليد» في تعريف الاجتهاد.و استشكل المحقّق الإصفهاني كلام أستاذه فقال في نهاية الدراية في شرح الکفاية - ط قديم، الغروي الإصفهاني، الشيخ محمد حسين، ج1، ص326. عند التعلیقة على الموضع الأوّل: «قوله: تعریفات لفظیة لشرح الإسم...‌: قد تكرّر منه في الكتاب و غیره كما عن بعض أهل المعقول مرادفة التعریف اللّفظي لشرح الإسم و مساوقته لمطلب ما الشارحة و مقابلته للحدّ و الرسم، و هو مخالف لاصطلاح الحكماء، و لا مقابلة بینهما، بل الحدّ و الرسم تارةً على نحو الحقیقة و یعبّر عنه بمطلب ما الحقیقیة، و أخری على نحو شرح الإسم و یعبّر عنه بمطلب ما الشارحة، بل المقابلة بین التعریف اللفظي في الحدّ و الرسم.قال الشیخ الرئیس في الإشارات و التنبيهات، ابن سينا، ج1، ص53.‌: و منها مطلب ما هو الشي‌ء و قد یطلب به ماهیة ذات الشي‌ء، و قد یطلب به ماهیة مفهوم الإسم المستعمل. و قال شارحها المحقّق الطوسي في شرح الإشارات و التنبيهات( مع المحاكمات)، الطوسي، الخواجة نصير الدين، ج1، ص309.: ذات الشي‌ء حقیقته و لا‌یطلق على غیر الموجود (إلى أن‌ قال:) و الطالب بما الثاني هو السائل عن ماهیة مفهوم الإسم كقولنا: ما الخلأ؟ و إنّما لم‌یقل عن مفهوم الإسم لأنّ السؤال بذلك یصیر لغویاً بل هو السائل عن تفصیل ما دلّ علیه الإسم إجمالاً. فإن أجیب بجمیع ما دخل في ذلك المفهوم بالذات و دلّ علیه الإسم بالمطابقة و التضمّن كان الجواب حدّاً بحسب الإسم، و إن أجیب بما یشتمل على شي‌ء خارج عن المفهوم دالّ علیه بحسب الالتزام على سبیل التجوّز كان رسماً بحسب الإسم، و قال في شرح كلام الشیخ أیضاً: إنّا إذا قلنا في جواب من یقول: «ما المثلّث المتساوي الأضلاع؟» أنّه شكلٌ یحیط به خطوط ثلاثة متساویة كان حدّاً بحسب الإسم، ثمّ إنّه إذا بیّنّا أنّه الشكل الأوّل من كتاب أقلیدس صار قولنا الأوّل بعینه حدّاً بحسب الذات. انتهی‌ و نحوه ما عن شارح حكمة الإشراق‌.و الفرق حینئذ بین ما الشارحة و ما الحقیقیة أنّ السؤال في الثانیة بعد معرفة وجود المسؤول عنه دون الأولى إذ الحقیقة و الذات اصطلاحاً هي الماهیة الموجودة، و بالجملة المعروف عندهم أنّ الحدود قبل الهلیات البسیطة حدود إسمیة، و هي بأعیانها بعد الهلیات تنقلب حدوداً حقیقیة فلا‌تغفل، و لیس الغرض ممّا ذكرنا أنّ شرح الإسم لا‌یساوق التعریف اللّفظي أحیاناً بل الغرض أنّ شرح الإسم المرادف لمطلب ما الشارحة لا‌یساوق التعریف اللّفظي كما هو صریح الحكیم السبزواري في شرح منظومتي المنطق و الحكمة و كما هو صریح شیخنا العلّامة الأستاذ في أوّل مبحث العامّ و الخاصّ‌ فإنّ كلامهما صریح في مرادفة التعریف اللّفظي و شرح الإسم لمطلب ما الشارحة».و قال في هذا البحث في نهاية الدراية في شرح الکفاية - ط قديم، الغروي الإصفهاني، الشيخ محمد حسين، ج3، ص14.: عند التعلیقة على الموضع السادس: «قوله: بل من قبیل شرح الإسم... تكرّر منه في الكتاب و غیره مساوقة التعریف اللّفظي لشرح الإسم و مطلب ما الشارحة و مقابلته مع الحدّ و الرّسم، و قد تقدّم منّا في حاشیة مبحث مقدّمة الواجب من مباحث الجزء الأوّل من الكتاب‌ أنّ مطلب ما الشارحة یقابل التعریف اللّفظي، و أنّ الحدّ و الرّسم تارة إسمي، و أخرى حقیقي، و أنّه لا فرق بین مطلب ما الشارحة و مطلب ما الحقیقیة، إلّا بكون السؤال في الثاني بعد معرفة وجود المسؤول عن ماهیته، دون الأوّل، و أنّ الحدود الإسمیة بعد معرفة أعیانها تنقلب حدوداً حقیقیة، و أنّ التعریف اللّفظي شأن اللّغوي، لا الحكیم، فراجع». و في عناية الأصول في شرح كفاية الأصول، الفيروز آبادي، السيد مرتضى، ج2، ص233. في التعلیقة على الموضع الرابع: «قوله: (فإنّها تعاریف لفظیة تقع في جواب السؤال عنه بالماء الشارحة...) قد تقدّم في المطلق و المشروط أنّ التعریف اللّفظي الذي یقع في جواب الماء الشارحة عبارة عن التعریف الذي یحصل به المیّز في الجملة كتعریف السعدانة بأنه نبت و التعریف الحقیقي الواقع في جواب الما الحقیقیة عبارة عن تعریف الشي‌ء بحقیقته و كنهه على الضبط و الدقّة فإن كان بالجنس و الفصل أو بالفصل فقط كتعریف الإنسان بالحیوان الناطق أو بالناطق فهو حدٌّ، و إن كان بالجنس و العرض الخاصّ أو بالعرض الخاصّ فقط كتعریف الإنسان بالحیوان الضاحك أو بالضاحك فهو رسمٌ، ثمّ إنّ المصنّف قد استدلّ لكون تعاریف القوم في مقامنا هذا و في كلّ مقام آخر تعاریف لفظیة لا حقیقیة بأمرین قد ذكر أحدهما هاهنا و ثانیهما في صدر الاجتهاد و التقلید.و حاصل الأوّل أنّ المعنی المركوز في الأذهان من العامّ أوضح و أجلی ممّا عرّف به ... و حاصل الأمر الثاني أنّه لا إحاطة لغیر علّام الغیوب بالأشیاء بكنهها أو بخواصّها الموجبة لامتیازها عمّا عداها كي صحّ أن تكون تعاریف القوم حقیقیة بالحدّ أو الرّسم لا لفظیة لحصول المیّز في الجملة. أقول: و في كلا الوجهین ما لا‌یخفی؛ أمّا الأوّل فلأنّ المراد من اعتبار كون التعریف أجلی من المعرّف لیس كونه أجلی منه مفهوماً و إلّا فما من تعریف إلّا و المعرّف أجلی منه مفهوماً كتعریف الإنسان بالحیوان الناطق فإنّ الأوّل أجلی و أوضح بلا كلام بل المراد هو كونه أجلی منه في بیان الحقیقة و شرح الماهیة فالإنسان أجلی من الحیوان الناطق بحسب المفهوم و الحیوان الناطق أجلی منه بحسب شرح الحقیقة و بیان الماهية، و علیه فمجرّد عدم كون التعاریف أجلی مفهوماً من المعرّف ممّا لا‌یكون دلیلاً على كونها تعاریف لفظیة لا حقیقیة و أمّا الثاني فلأنّ عدم الإحاطة لغیر علّام الغیوب بكنه الأشیاء و خواصّها على الضبط و الدقّة ممّا لا‌ینافي كونهم في مقام بیان حقیقة الشي‌ء و كنهه على حسب قدرتهم و طاقتهم كیف و قد یصرّحون بأنّهم بصدد تعریف الحقیقة و الماهیة و أنّ القید الفلاني هو لإخراج كذا أو لإدخال كذا أو للاحتراز عن كذا أو لإدراج كذا كلّ ذلك تحفّظاً على عكس التعریف و طرده فمع هذا التصریح و التعلیل كیف یحمل تعاریفهم على اللّفظیة دون الحقیقیة و أنّهم بصدد شرح الإسم و حصول المیّز في الجملة دون بیان الحدّ أو الرسم و هذا واضح».و تكرّر ذلك في عنایة الأصول، ج‌6، ص164 في التعلیقة على الموضع السابع.وهنا قولان على الظاهر بالنسبة إلى ما الشارحة و ما الحقيقية:القول الأوّل: ما الشارحة هي التي یطلب بها مدلول اللفظ و معناه لغة و ما الحقيقة هي التي يطلب بها حقيقة الشيء و كنهه.القول الثاني: لا فرق بین ما الشارحة و ما الحقیقیة في أنّ المطلوب بهما الماهیة لا المعنی و إنّما الفرق في كون الأولى قبل تبیّن وجود الماهیة و الثانیة بعده.أمّا القول الأوّل فهو ظاهر هذه الكتب:1) في الشفاء (المنطق)، ابن سینا (428)، برهان شفا، ابن سينا، ج1، ص47.، الفصل الخامس في المطالب و ما یتّصل بها: «و أمّا مطلب ما الذي بحسب تحقّق الأمر في نفسه فمتأخّر عن مطلب هل البسیط فإنّ الذي یَطلب ما ذات الحركة و ما الزمان‌ فإنّما یطلب مائیة أمر موجود عنده و أمّا إن طلب أحد هل حركة أو هل زمان أو هل خلاء أو هل إله موجود فیجب أن یكون فَهِمَ أوّلاً ما تدلّ علیه هذه الأسامي، فإنّه یمكن أن یعلم ما یدلّ علیه الاسم و لا‌یعلم هل ذلك المدلول علیه موجود أو غیر موجود و إن كان الحدّ إنّما هو بالحقیقة للموجود، و لكن لا‌یوقف في أوّل الأمر أنّ هذا القول حدّ بحسب الاسم أو بحسب الذات إلّا بعد أن یعرف أنّ الذات موجودة و لذلك یوضع في التعالیم‌ حدود أشیاء یبرهن على وجودها من بعد كالمثلث و المربع و أشكال أخری حدّت في أوّل كتاب أسطقسات الهندسة فكان حدّاً بحسب شرح‌ الاسم‌، ثمّ أثبت وجودها من بعد، فصار الحدّ لیس بحسب الاسم فقط بل بحسب الذات بل صار حدّاً بالحقیقة. و یجب أن یعلم أنّ الفرق بین الذي یفهم من الاسم بالجملة و الذي یفهم من الحدّ بالتفصیل غیر قلیل فكلّ إنسان إذا خوطب‌ باسم فهم فهماً ما و وقف على الشي‌ء الذي یدلّ علیه الاسم إذا كان عالماً باللغة، و أمّا الحدّ فلا‌یقف علیه إلّا المرتاض بصناعة المنطق فیكون أحد الأمرین معرفة و الثاني علماً كما أنّ الحسّ معرفة و العقل‌ علم».2) في شرح عيون الحكمة، الرازي، فخر الدين، ج1، ص220.، الفصل الخامس في أنولوطیقا الثانیة: «أمّا مطلب ما فتارةً یطلب به شرح الاسم و تارةً یطلب به شرح الحقیقة؛ أمّا مطلب شرح الاسم فهو كما اذا سمع الإنسان لفظاً و لا‌یفهم معناه، فإنّه یقول: ما هو؟ و مراده أن یفسّر له ما هو المراد من ذلك اللّفظ؟ و أمّا طلب الحقیقة فهو كما إذا علم مثلاً أنّ الملاك‌ شيء موجود في نفسه فیقول: ما هو؟ و مراده أنّه یذكر على التفصیل مجموع أجزاء ماهیته».3) في الجوهر النضيد، العلامة الحلي، ج1، ص194.: «قال: و المطالب أصول و فروع، و الأصول ثلاثة: مطالب ما و هو إمّا أن یطلب شرح‌ الاسم‌ كقولنا: ما العنقاء؟ أو ماهیة المسمّی كقولنا: ما الحركة؟ أقول: ... مطلب التصوّر هو مطلب ما و هو ینقسم إلى أمرین: أحدهما: مقدّم على التصدیق و هو ما یطلب به شرح الاسم كقولنا: «ما العنقاء؟» فإنّا نرید بهذا الطلب شرح مدلول هذا اللّفظ، و الثاني: یتأخّر عنه و هو ما یطلب به ماهیة المسمّی و حقیقته كقولنا: «ما الحركة؟» نرید به طلب ماهیة الحركة في نفس الأمر».4) في منظومه ملاهادی سبزواری، السبزواري، الملا هادي، ج1، ص183.، المعرّفات: «و كلّ هذي بالحقیقي سم * تعریف اسمي هو شرح‌ الاسم» و في منظومه ملاهادی سبزواری، السبزواري، الملا هادي، ج1، ص189.: «و كل هذي‌ من أقسام التعریف‌ بالحقیقي سم‌ و في مقابله‌ تعریف اسمي هو شرح‌ الاسم‌ و إیضاح حقیقة اللّفظ لا ماهیة الشي‌ء».و في منظومه ملاهادی سبزواری، السبزواري، الملا هادي، ج1، ص183.: «أسّ المطالب ثلاثة علم * مطلب ما مطلب هل مطلب لم فما هو الشارح و الحقیقي * و ذو اشتباك مع هل أنیق» و في منظومه ملاهادی سبزواری، السبزواري، الملا هادي، ج1، ص190.: «أسّ المطالب‌ للناظر في استعلام الشي‌ء ثلاثة علم‌ و كلّ منها اثنان فالكلّ ستة؛ أوّلها مطلب ما و ثانيها مطلب هل‌ و ثالثها مطلب لم، فما قسمان: أحدهما هو الشارح، و ثانیهما هو الحقیقي‌ فیطلب بما الشارحة أوّلاً شرح مفهوم اللّفظ مثل ما الخلاء و ما العنقاء و بما الحقیقیة تعقل ماهیته النفس الأمریة مثل ما الحركة و ما المكان و لذا یقال التعریف للماهیة و بالماهیة و ذو اشتباك مع هل أنیق‌ أي ما و هل‌ ذوا ترتیب حسن فكما أشرنا ما الشارحة مقدّمة على هل البسیطة بل على الكلّ إذ لا‌بدّ أن یفهم مدلول اللّفظ أوّلاً ثمّ هل البسیطة مقدّمة على ما الحقیقیة إذ الوجود مقدّم بالحقیقة على الماهیة و ما لا وجود له لا ماهیة له و الحكیم یبحث عن الحقائق و ما لم‌یعتبر الوجود مع الماهیة لا‌تستحقّ إطلاق لفظ الحقیقة و لهذا فالوجود حقیقة كلّ ذي حقیقة و بعدها هل المركّبة و إنّما كانت بعد لأنّ ثبوت شي‌ء لشي‌ء فرع ثبوت المثبت له».‌ و في منظومه ملاهادی سبزواری، السبزواري، الملا هادي، ج2، ص59.: «معرّف الوجود شرح‌ الاسم * و لیس بالحدّ و لا بالرسم مفهومه من أعرف الأشیاء * و كنهه في غایة الخفاء ... الفریدة الأولى في الوجود و العدم، غرر في بداهة الوجود و أنّه غني عن التعریف الحقیقي و أنّ ما ذكروا له من المعرّفات تعریف لفظي معرف الوجود كالثابت العین أو الذي یمكن أن یخبر عنه أو غیر ذلك‌ شرح الاسم‌ أي مطلب ما الشارحة و هو ما یقال بالفارسیة: «پاسخ پرسش نخستین». قال الشیخ الرئیس في النجاة: إنّ الوجود لا‌یمكن أن یشرح بغیر الاسم لأنّه مبدأ أوّل لكلّ شرح فلا شرح له...».و في منظومه ملاهادی سبزواری، السبزواري، الملا هادي، ج2، ص329.، الفریدة الخامسة في الماهیة و لواحقها، غرر في تعریفها و بعض أحكامها: «ما قیل في جواب ما الحقیقة * ماهیة و الذات و الحقیقة ... ما قیل‌ أي حمل على الشي‌ء فالشي‌ء معلوم من سیاق المقام‌ في جواب ما الحقیقة ماهیة للشي‌ء و قد احترزنا بما الحقیقة عن ما الشارحة فإنّ ما یقال في جوابها لیس ماهیة بل هو شرح‌ الاسم‌، و بالفارسیة: ماهیت: پاسخ پرسش از گوهر شیء است، و شرح اسم: پاسخ پرسش نخستین است».5) في الكفایة و درر الفوائد كما مرّ.و أمّا القول الثاني فیظهر من هذه الكتب: 1) في شرح الإشارات و التنبيهات( مع المحاكمات)، الطوسي، الخواجة نصير الدين، ج1، ص310. و مرّت عبارته في نهایة الدرایة.2) في الجوهر النضيد، العلامة الحلي، ج1، ص222.: «قال: و ربما صار شرح‌ الاسم‌ بعینه بعد الإثبات حدّاً حقیقیاً أقول: الحدّ بحسب الاسم قد یصیر حدّاً بحسب الماهیة بعینه إذا بین ثبوت المحدود و تحقّقه في الخارج كمن یقول: ما المثلث المتساوي الأضلاع؟ فإذا قیل له: «إنّه شكل أحاط به ثلاثة خطوط متساویة» كان حدّاً بحسب الاسم، فإذا برهن على وجوده في الشكل الأوّل من أقلیدس كان المذكور أوّلاً حدّاً بحسب الحقیقة» و مرّت عبارة منه ظاهرةٌ في القول الأوّل.3) في شرح حكمة الإشراق سهروردي، قطب الدين الشيرازي، ج1، ص129.، فصل‌ في بیان المطالب: «و لأنّ العلم ینقسم إلى التصوّر و التصدیق فالمطلب إمّا أن یتوجّه نحو اكتساب التصوّر و هو اثنان: ما و أي، أو التصدیق و هو أیضاً اثنان: لم و هل، و مطلب ما یطلب بها إمّا شرح الاسم كقولنا: ما العنقاء؟ و یجاب بتفصیل ما دلّ الاسم علیه إجمالاً، و هو إمّا حدّ بحسب الاسم و إمّا رسم بحسبه أو ماهیة المسمّی بعد معرفة وجوده كقولنا: ما الحركة؟ و یكون الجواب بأصناف المقول في جواب ما هو؟ و یقع الحدود الحقیقیة في الجواب و ربما أقیمت‌ الرسوم مقامها توسّعاً أو اضطراراً و طلب مفهوم الشي‌ء یشملهما فلهذا قال: و المطالب منها مطلب ما و یطلب بها مفهوم الشيء؛ و لأنّه یجوز وجود الشّي‌ء في ذاته مع الجهل بوجوده كالمثلّث المتساوي الأضلاع عند من لم‌یعرف الشكل من كتاب الأصول فإذا سأل بما عن مفهوم الاسم الدالّ علیه، فقال: ما المثلّث المتساوي الأضلاع؟ كان الجواب «و هو سطح یحیط به ثلاثة خطوط متساویة» حدّاً بحسب الاسم، و إذا عرفت وجوده یصیر ذلك الجواب بعینه حدّاً بحسب الحقیقة و الجواب الواحد یكون حدّاً بحسب الاسم و الحقیقة بالنسبة إلى شخصین أو إلى شخص في وقتین» و مرّت الإشارة إلیه في نهایة الدرایة. 4) في حاشیة الشوارق للمولى إسماعیل الإصفهاني (1277) كما یجيء في تعلیقة المحقّق الآشتیاني.5) في موضعین من نهایة الدرایة كما مرّ.و في تحفة الحكيم، الغروي الإصفهاني، الشيخ محمد حسين، ج1، ص10.، تعریف الوجود: «الحدّ كالرّسم لدی التحقیق * یوصف بالإسمي و الحقیقي و لایقال في جواب الشارحة * إلّا حدود أو رسوم شارحة و لیس للوجود معنی ماهوي * و إنّ شرح اللّفظ شأن اللّغوي».و في تحفة الحكيم، الغروي الإصفهاني، الشيخ محمد حسين، ج1، ص33.، الماهیة و لواحقها: «ماهیة الشيء كما نراه * هو المقول في جواب ما هو و لیس دعوی الحصر في الجواب * عن الحقیقیة بالصواب إذ لیس شرح اللّفظ معنی الشارحة * كما به تقضي النصوص الواضحة».6) في تعلیقة على شرح المنظومة، المیرزا مهدي الآشتیاني (1372)، قسم المنطق، ص203: «قوله: فیطلب بما الشارحة، أقول: المستفاد من هذا أنّ مطلب ما الغیر الحقیقي منحصر في الشارحة الاسمیة مع أنّ المستفاد من كلامهم أنّ مطلب ما الغیر الحقیقي ینقسم إلى مطلب ما اللّفظیة و الاسمیة و أنّ اللّفظیة ما یطلب به مدلول اللّفظ و مفهومه و الاسمیة ما یطلب به مهیة مفهوم الاسم كما صرّح به جمع من المحقّقین منهم خاتمهم المحقّق الطوسي في شرح الإشارات و منهم أستاذ المصنّف المحقّق الإصفهاني في حاشیة الشوارق و قال المحقّق المذكور في شرح قول الشیخ في الإشارات: و منها مطلب ما هو الشيء و قد یطلب به مهیة مفهوم الاسم المستعمل انتهی ... و الطالب بما الثاني هو السائل عن مهیة مفهوم الاسم كقولنا: ما الخلاء؟ و إنّما لم‌یقل عن مفهوم الاسم لأنّ السؤال بذلك یصیر لغویاً بل هو السائل عن تفصیل ما دلّ علیه الاسم إجمالاً ... و المحقّق الإصفهاني في حاشیة الشوارق أیضاً قسم مطلب الشارحة إلى الشارحة اللّفظیة و الشارحة الاسمیة و جعل الأولى داخلة في المباحث اللّغویة و أشبه بالمسائل اللّفظیة و جعل الفرق بین الاسمي و الحقیقي لأنّ المسؤول عنه بالأولى یكون ماهیة مفهوم الاسم قبل تبیّن وجوده و بالثاني حقیقة الشيء و ذاته أي مهیته بعد تبیّن وجوده و تحقّقه، فظهر من هذه الكلمات الصادرة عن أهالي التحقیق و مقدّمي الجماعة و الصناعة أنّ مطلب ما ثلاثة أقسام: الشارحة اللّفظیة و الشارحة الاسمیة و الحقیقیة، و أنّ حصرها في القسمین كما صنعه المصنّف لیس كما ینبغي و لكن یمكن أن یقال ... ».7) في المنطق - ط جماعة المدرسين، المظفر، الشيخ محمد رضا، ج1، ص110.، الباب الثالث: المعرّف، المقدّمة في مطلب ما و أي و هل و لم: «إذا اعترضتك لفظة من أیّة لغة كانت فهنا خمس مراحل متوالیة لابدّ لك من اجتیازها لتحصیل المعرفة في بعضها یطلب العلم التصوّري و في بعضها الآخر العلم التصدیقي المرحلة الأولى تطلب فیها تصوّر معنی اللّفظ تصوّراً إجمالیاً فتسأل عنه سؤالاً لغویاً صرفاً إذا لم‌تكن تدري لأيّ معنی من المعاني قد وضع و الجواب یقع بلفظ آخر یدلّ على ذلك المعنی كما إذا سألت عن معنی لفظ «غضنفر»، فیجاب: أسد، و عن معنی «سمیدع» فیجاب: سید، و هكذا، و یسمّی مثل هذا الجواب التعريف اللّفظي و قوامیس اللّغات هي المتعهّدة بالتعاریف اللّفظیة، و إذا تصوّرت معنی اللّفظ إجمالاً فزعت نفسك إلى المرحلة الثانیة إذ تطلب تصوّر ماهیة المعنی أي تطلب تفصیل ما دلّ علیه الاسم إجمالاً لتمییزه عن غیره في الذهن تمییزاً تامّاً فتسأل عنه بكلمة «ما» فتقول: ما هو؟ و هذه ما تسمّی الشارحة لأنّها یسأل بها عن شرح معنی اللّفظ و الجواب عنه یسمّی شرح الاسم، و بتعبیر آخر التعریف الاسمي، و الأصل في الجواب أن یقع بجنس المعنی و فصله القریبین معاً و یسمّی الحدّ التامّ الاسمي ... و إذا حصل لك العلم بشرح المعنی تفزع نفسك إلى المرحلة الثالثة و هي طلب التصدیق بوجود الشيء فتسأل عنه ب‌هل و تسمّی هل البسیطة فتقول: هل وجد كذا؟ أو هل هو موجود؟ ... و حینئذ إذا كان عالماً بوجود الشيء قبل العلم بتفصیل ما أجمله اللّفظ الدالّ علیه ثمّ سأل عنه ب‌ما فإنّ ما هذه تسمّی الحقیقیة والجواب عنها نفس الجواب عن ما الشارحة بلا فرق بینهما إلّا من جهة تقدّم الشارحة على العلم بوجوده و تأخّر الحقیقیة عنه، و إنّما سمّیت حقیقیة لأنّ السؤال بها عن الحقیقة الثابتة –و الحقیقة باصطلاح المناطقة هي الماهیة الموجودة- و الجواب عنها یسمّی تعریفاً حقیقیاً وهو نفسه الذي كان یسمّی تعریفاً اسمیاً قبل العلم بالوجود و لذا قالوا: الحدود قبل الهلیات البسیطة حدود اسمیة و هي بأعیانها بعد الهلیات تنقلب حدوداً حقیقیة» و راجع أیضاً المنطق، ص113 – 114 و ص116 – 117.و هنا قول ثالث اختاره الشیخ غلامرضا الفیّاضي في التعلیقة على المنطق حیث قال في المنطق - ط جماعة المدرسين، المظفر، الشيخ محمد رضا، ج1، ص111. على «و یسمّی مثل هذا الجواب التعریف اللّفظي»: و شرح الاسم فإنّ هذا المصطلح مشترك بین التعریف اللّفظي و بین التعریف الحقیقي قبل العلم بالوجود».المطلب الثاني: في ذكر سائر الأقوال في تعریف الاستصحابقال بعض الأعلام بعدم كون البحث عن تعریف الاستصحاب مهمّاً:ففي الحاشية على كفاية الأصول، البروجردي، السيد حسين، ج2، ص339.: «إعلم أنّه و إن اختلفوا في تعريف الاستصحاب بحسب الاصطلاح و لكن المهمّ بيان محلّ النزاع و معلوم أنّه حكم الشرع ببقاء ما ثبت في مقام الشكّ في بقائه، و الدليل عليه سواء أ كان بناء العقلاء أم الظنّ الحاصل عن ملاحظة ثبوت الشي‌ء سابقاً أو الأخبار، لا‌يوجب اختلافاً في المدلول».و قال الشیخ مرتضى الحائري في مباني الأحكام في أصول شرائع الإسلام، ج‌3، ص7: «لا‌يخفى أنّ البحث في تعريف الاستصحاب و أنّه الإبقاء أو الحكم بالبقاء أو نفس اليقين المتقدّم و كذا البحث عن وجه كونه من المسائل الأصولية ممّا لا نفع له، و إنّما المهمّ إثبات وجود حكم ظاهري من طرف الشارع يقتضي البقاء على ما كان و سعة ذلك و ضيقه، و المرجع في ذلك الدليل، و عمدته الأخبار».و بعضهم اختار تعریفه بالأخذ بمقتضى المتیقّن:فقال المحقّق الشیخ حسین الحلي في أصول الفقه، الحلي، الشيخ حسين، ج9، ص4. «الأولى تعريفه: بأنّه الأخذ من حيث الأثر العملي بمقتضى المتيقّن السابق من حكم أو موضوع ذي حكم بعد طروّ الشكّ في بقاء ذلك المتيقّن ... نعم إنّ المستند في هذا العمل هو الأخبار أو بناء العقلاء أو الظنّ النوعي أو الشخصي ... كلّ على مسلكه في أدلّة الاستصحاب».و قال جماعة باختلاف تعریف الاستصحاب باختلاف مباني حجّیته:فمنهم من اختار تعریفه بالحكم ببقاء المتیقّن:ففي منتهى الأصول، روحاني، محمد حسین، ج2، ص375.: «و أمّا اصطلاحاً عند الأصوليين فيختلف تعريفه حسب اختلاف الآراء في حقيقته، من أنّه أمارة أو أصل، شرعي أو عقلي، تنزيلي أو غير تنزيلي، و حيث أنّ المختار عندنا و المستفاد من الأخبار أنّه أصل عملي شرعي تنزيلي، و نقل سائر الأقوال و النقض و الإبرام لا فائدة فيها فهو عبارة عن حكم الشارع ببقاء المتيقّن السابق، حكماً كان أو موضوعاً ذي حكم؛ من حيث ترتيب الآثار الشرعية على أنّه متيقّن عند الشكّ في بقائه».و منهم من اختار تعریفه بإبقاء ما كان:ففي موسوعة الإمام الخميني 05 (الاستصحاب)، الخميني، السيد روح الله، ج1، ص3.: «إنّ الاستصحاب إمّا أن يكون أصلاً عملياً كأصالة الحلّ و الطهارة، و يكون وظيفة عملية في مقام الشكّ ... فبناء عليه يكون تعريفه بإبقاء ما كان و أمثاله‌ ممّا لا مانع منه‌ ... و إمّا أن يكون حجّة على الواقع، سواء كان أصلاً اعتبر لأجل التحفّظ على الواقع، كأصالة الاحتياط في الشبهة البدوية، أو طريقاً كاشفاً عنه كسائر الأمارات الكاشفة عن الواقع ... فلا‌بدّ من تعريفه- بناء عليه- إمّا بالكون السابق للشي‌ء الكاشف عن بقائه في زمن الشكّ فيه أو اليقين السابق الكاشف عن متعلّقه في زمن الشكّ أو الشكّ المسبوق باليقين بالشي‌ء».و منهم من اختار تعریفه بالحكم ببقاء الیقین:فقال السید المحقّق الروحاني في زبدة الأصول، الروحاني، السيد محمد صادق، ج5، ص313.: «الحقّ أن يقال في تعريفه بناء على ثبوته ببناء العقلاء: كون الشي‌ء متيقّناً سابقاً مشكوكاً فيه لاحقاً، لأنّه الذي يفيد الظنّ بالحكم و يكون مثبتاً له، فيكون على هذا أحسن التعاريف كما عن المحقّق القمّي، و قد تقدّم.و بناء على كونه بحكم العقل، هو الظنّ ببقاء حكم أو وصف كان يقيني الحصول في الآن السابق مشكوك البقاء في الآن اللّاحق.و على فرض ثبوته بالأخبار [و هو مختار المحقّق الروحاني] فالأحسن أن يعرّف بما هو المستفاد من الأخبار و هو الحكم ببقاء الإحراز السابق في ظرف الشكّ من حيث الجري العملي، و قد عرّفه بذلك المحقّق النائيني».و منهم من اختار تعریفه بوجوب العمل على طبق الیقین السابق:في تحقیق الأصول، ج9، ص16: «التحقیق في المقام هو الرجوع إلى الروایات و جعل مفادها هو التعریف الصحیح للاستصحاب لأنّها هي العمدة في الاستدلال على حجّیته ... و النتیجة أنّ المجعول شرعاً في باب الاستصحاب هو المنع من نقض الیقین و وجوب البناء علیه».و منهم من اختار تعریفه بتنزیل البقاء غیر المعلوم منزلة البقاء المعلوم:تحرير الأصول، النجفي المظاهري، الشيخ مرتضى، ج1، ص5..: «و الذي ينبغي أن يقال بعد عدم الحاجة إلى معرفة معناه اللّغوي: أنّ المعنى الاصطلاحي الذي هو العمدة لترتّب الآثار يختلف حسب الاختلاف الواقع في أنّ الاستصحاب هل هو من الأمارات الشرعية- كالخبر الواحد و نحوه- أو من الأصول العملية المحرزة، فعلى القول بحجّيته من باب الأمارية يكون معناه المصدري عبارة عن جعل الشارع الظنّ بالبقاء الحاصل من ثبوت الشي‌ء سابقاً حجّة على المكلّف ... و أمّا على القول بأنّ حجّيته من باب الأصول العملية- كما هو الحقّ المستفاد من الأدلّة السمعية ... فيكون الاستصحاب بمعناه المصدري عبارة عن تنزيل الشرع البقاء المشكوك أو المظنون مقام البقاء المعلوم في ترتّب الآثار المترتّبة على البقاء واقعاً مع قطع النظر عن جهة الكشف و الإحراز»
[10] و سنذكر كلمات من وافق المحقق النائيني. في آخر هذا الأمر ص59 الهامش 2

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo