< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ محمدعلي البهبهاني

45/06/23

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاستصحاب /المقدمة؛ الامر الثانی: فی ان الاستصحاب مسالة اصولیة او قاعدة فقهیة

 

و بتقریب آخر: نتیجة المسألة الأصولیة إنّما تنفع المجتهد و لا حظّ للمقلّد فیها و من هنا لیس للمجتهد الفتوی بمضمون النتیجة، و لایجوز له أن یفتي في الرسائل العملیة بحجّیة الخبر الواحد القائم على الأحكام الشرعیة مثلاً، لأنّ تطبیق النتیجة على الخارجیات لیس بید المقلّد بل هو من وظیفة المجتهد.

و أمّا النتیجة في القاعدة الفقهیة فهي تنفع المقلّد و یجوز للمجتهد الفتوی بها و یكون أمر تطبیقها بید المقلّد، كما یفتي بقاعدة التجاوز و الفراغ و الضرر و الحرج و ما لایضمن بصحیحه لایضمن بفاسده و بالعكس و غیر ذلك من القواعد الفقهیة ... .

إذا عرفت ذلك فقد ظهر لك أنّ البحث عن حجّیة الاستصحاب الجاري في الشبهات الحكمیة یكون بحثاً عن مسألة أصولیة، فإنّ النتیجة فیه حكم كلّي لایتعلّق بعمل آحاد المكلّفین إلّا بعد تطبیقها على الأفعال أو الموضوعات الخارجیة الجزئیة و لا عبرة بیقین المقلّد و شكّه في ذلك بل العبرة بیقین المجتهد و شكّه، و هو الذي یُجري الاستصحاب و یكون بوحدته بمنزلة كلّ المكلّفین ... .

و أمّا البحث عن حجّیة الاستصحاب في الشبهات الموضوعیة فهو إنّما یكون بحثاً عن قاعدة فقهیة، لأنّ النتیجة فیه حكم عملي، له تعلّق بعمل الآحاد ابتداءً، فإنّ الیقین و الشكّ من كلّ مكلّف، مقلّداً كان أو مجتهداً، یكون موضوعاً مستقلاً لجریان الاستصحاب، كالشكّ المعتبر في قاعدة التجاوز و الفراغ، فالذي یُجري الاستصحاب في الموضوعات الخارجیة إنّما هو آحاد المكلّفین على حسب ما یعرض لهم من الشكّ و الیقین، و لیس للمجتهد إلا الفتوی بحجّیة الاستصحاب في الموضوعات، و أمّا إعماله فهو یدور مدار شكّ المقلّد و یقینه، و النتیجة لاتكون إلّا الحكم الجزئي المتعلّق بعمله الخاصّ الذي لایتعدّاه، كطهارة ثوبه و نجاسة بدنه و غیر ذلك. ([1] )

إیرادان علی نظرية المحقّق النائیني

الإیراد الأوّل

إنّه لایمكن ذلك مع وحدة الدلیل الدالّ على حجّیة الاستصحاب و هو قوله: «لاتَنْقُضِ الْيَقِينَ بِالشَّكِّ» فإنّ نتیجة الدلیل الواحد لایمكن أن تختلف، و تكون تارةً مسألة أصولیة و أخری قاعدة فقهیة.

الجواب عن هذا الإیراد

قال المحقق النائيني: إنّ قوله: «لاتَنْقُضِ الْيَقِينَ بِالشَّكِّ» ینحلّ إلى قضایا متعدّدة حسب تعدّد أفراد الیقین و الشكّ، فلا محذور في اختلاف النتیجة حسب اختلاف مقامات الشكّ و الیقین، و أنّه في مقام الشبهة الحكمیة تكون النتیجة مسألة أصولیة و في مقام الشبهة الموضوعیة تكون النتیجة قاعدة فقهیة، و لایلزم من ذلك استعمال اللفظ في معنیین. ([2] )

الإیراد الثاني

لازم كلامه إدخال قاعدة الطهارة الجاریة في الشبهات الحكمیة و كذا غیرها من القواعد الجاریة في الشبهة الحكمیة في المسائل الأصولیة، مع أنّه لیس كذلك، بل ظاهرهم جعلها من القواعد الفقهیة فتدبّر.

و لَإن قیل بأنّ القواعد ربما تنتج حكماً جزئیاً و أخری كلّیاً، نقول: فالاستصحاب أیضاً منها.([3] )

الجواب عن هذا الإیراد

إنّ المحقّق النائیني یلتزم بذلك و یقول بأنّ قاعدة الطهارة في الشبهات الحكمیة و كذا غیرها من القواعد الجاریة في الشبهة الحكمیة مندرجة في المسائل الأصولیة و لا وجه لاندراجها في القواعد الفقهیة، فهذا النقض في غیر محلّه و لذلك قال:

ما ذكرنا في اختلاف النتیجة لایختصّ بالاستصحاب، بل یطّرد في جمیع الأمارات و الأصول، فالبحث عن حجّیة الظواهر في باب الأوقاف و الأقاریر و الوصایا یرجع إلى البحث عن قاعدة فقهیة، و البحث عن حجّیتها في باب الأحكام یرجع إلى البحث عن مسألة أصولیة و قس على ذلك سائر الطرق و الأصول. ([4] )

و الحاصل أنّ ما أفاده المحقّق النائیني من التفصیل تامّ لا غبار علیه.([5] )

 

الأمر الثالث: في مباینة الاستصحاب لقاعدة المقتضي و المانع و قاعدة الیقین

إنّ الاستصحاب یفترق عن قاعدة المقتضي و المانع و كذا قاعدة الیقین، فلا‌بدّ من بیان مورد هاتین القاعدتین ثمّ توضيح الفرق بین الاستصحاب و بینهما.

مورد قاعدة المقتضي و المانع

أمّا قاعدة المقتضي و المانع فهي تتحقّق فیما إذا اجتمع الیقین و الشكّ لشخص واحد و لكنّهما یختلفان بحسب المتعلّق، فإنّ الیقین فیها إنّما یتعلّق بوجود المقتضي و الشكّ فیها یتعلّق بوجود المانع، و یتولّد من الشكّ في وجود المانع شكّ آخر في تحقّق المقتضى أي المعلول، لأنّ أجزاء العلّة التامّة ثلاثة: وجود المقتضي، وجود الشرط، عدم المانع. فإذا تحقّقت هذه الأجزاء یتحقّق المعلول و إلّا فمع الشكّ في أحدها یشكّ في وجود المعلول و إن تحقّق الآخران، و لذا قد یقال في بیان متعلّق الیقین و الشكّ في قاعدة المقتضي و المانع بأنّ الشكّ یتعلّق بوجود المانع (كما تری ذلك في فوائد الأصول للمحقّق النائیني ([6] )) و قد یقال بأنّ الشكّ یتعلّق بوجود المقتضى.


مورد قاعدة الیقین

و أمّا قاعدة الیقین فهي تتحقّق فیما إذا اتّحد متعلّق الیقین و الشكّ ذاتاً و زماناً بأن یكون المتیقّن عدالة زید یوم الخمیس و المشكوك أیضاً عدالة زید یوم الخمیس، و لكن اختلف زمان الیقین و الشك مع تقدّم زمان الیقین على زمان الشكّ و ذلك مثل أن یحصل الیقین یوم الجمعة بعدالة زید یوم الخمیس، ثمّ یشكّ في یوم السبت في نفس ما تعلّق به الیقین من عدالة زید یوم الخمیس.

و یعبّر عن قاعدة الیقین بالشكّ الساري، و الوجه فیه هو أنّ الشكّ حاصل بعد زمان حصول الیقین فیسري و یرجع بطریق القهقری إلى زمان حصول الیقین و یوجب تخطئة الیقین و تبدّله بالشكّ.

توضيح الفرق

و تفترق قاعدة المقتضي و المانع عن الاستصحاب و قاعدة الیقین بأنّ متعلّق الیقین و الشكّ في قاعدة المقتضي و المانع یختلفان، و أمّا الشكّ في الاستصحاب و قاعدة الیقین، یتعلّق بعین ما هو متعلّق الیقین و لایتفاوت متعلّق الیقین و الشكّ في الاستصحاب و قاعدة الیقین.

و تفترق قاعدة الیقین عن الاستصحاب في أنّ متعلّق الیقین متغایر زماناً مع متعلّق الشكّ في الاستصحاب، و أمّا متعلّق الیقین و الشكّ في قاعدة الیقین متّحد ذاتاً و زماناً.


مورد الاستصحاب

أمّا الاستصحاب فهو یتحقّق فیما إذا اتّحد متعلّق الیقین و الشكّ ذاتاً و اختلف متعلّقهما زماناً، و هذا یتصوّر على وجهین:

الوجه الأوّل: أن یتقدّم زمان متعلّق الیقین على زمان متعلّق الشك فیكون الشكّ طارئاً على الیقین و لذا یسمّی هذا الشكّ بالشكّ الطاري، فیكون الشيء متیقّن الحصول سابقاً و مشكوك البقاء لاحقاً و هذا هو مورد الاستصحاب الذي نبحث عنه في المقام.

ثمّ إنّ الأعلام صرّحوا فیه بأنّ المعتبر اختلاف زمان المتیقّن و زمان المشكوك و اعتبار تقدّم زمان المتیقّن على زمان المشكوك، و أمّا زمان حصول الیقین و الشكّ فلا‌یتفاوت فیه أن یكونا متّحدین أو متغایرین.

فإنّه قد نشكّ في یوم الجمعة في عدالة زید یوم الخمیس مع أنّا نتیقّن بعدالته یوم الأربعاء، فهنا اتّحد زمان الیقین و الشكّ و لكن تقدّم زمان المتیقّن على زمان المشكوك.

و قد نتیقّن یوم الخمیس بعدالة زید یوم الأربعاء و نشكّ یوم الجمعة في عدالته یوم الخمیس، فإنّ زمان حصول الیقین مقدّم على زمان حصول الشكّ، كما أنّ زمان المتیقّن مقدّم على زمان المشكوك.

و قد نشكّ یوم الخمیس في عدالة زید في نفس ذلك الیوم و بعد ذلك نتیقّن یوم الجمعة بعدالته یوم الأربعاء، فإنّ زمان حصول الیقین متأخّر عن زمان حصول الشكّ مع أنّ زمان المتیقّن متقدّم على زمان المشكوك.

الوجه الثاني: أن یتقدّم زمان متعلّق الشكّ على زمان متعلّق الیقین و ذلك بأن یكون الشيء مشكوكاً بالنسبة إلى الأزمنة السابقة و متیقّناً بالنسبة إلى الأزمنة اللّاحقة و یسمّی هذا بالاستصحاب القهقريّ و أدلّة حجّیة الاستصحاب من الأخبار الصحیحة التي سنبحث عنها إن شاء الله تعالى لاتشمل هذا الاستصحاب، لأنّ مضمون الأخبار هو تقدّم زمان المتیقّن على المشكوك حیث ورد فیها: «لِأَنَّكَ كُنْتَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ طَهَارَتِكَ ثُمَّ شَكَكْتَ».([7] )


[1] فوائد الاُصول، الغروي النّائيني، الميرزا محمد حسين، ج4، ص308.، و قال في أجود التقريرات، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج2، ص344..: «الثانیة: في بیان أنّ الاستصحاب هل هو من المسائل الأصولیة أو الفقهیة أو القواعد الفقهیة أو التفصیل بین البحث عن جریانه في الشبهات الحكمیة و البحث عن جریانه في الشبهات الموضوعیة؟ ... »
[5] هنا مطالب ثلاثة:المطلب الأوّل: اختار بعض الأعلام نظریة المحقق النائیني.في كفاية الأصول - ط آل البيت، الآخوند الخراساني، ج1، ص385.: «لا‌یخفی أنّ البحث في حجّیته‌ مسألة أصولیة حیث یبحث فیها لتمهید قاعدة تقع في طریق استنباط الأحكام الفرعیة و لیس مفادها حكم العمل بلا واسطة و إن كان ینتهي إلیه كیف و ربما لا‌یكون مجری الاستصحاب إلّا حكماً أصولیاً كالحجّیة مثلاً هذا لو كان الاستصحاب عبارة عمّا ذكرنا، و أمّا لو كان عبارة عن بناء العقلاء على بقاء ما علم ثبوته أو الظنّ به الناشئ من ملاحظة ثبوته فلا إشكال في كونه مسألة أصولیة.و في حقائق الأصول، الحكيم، السيد محسن، ج2، ص392. في التعلیقة على قوله: «یبحث فیها لتمهید»: «هذا یختصّ بالاستصحاب الجاري لإثبات الحكم الأصولي أو الحكم الفرعي الكلّي دون الجاري في الموضوعات الجزئیة مثل حیاة المفقود و طهارة الإناء و الأحكام الجزئیة مثل حلّیة هذا المائع و حرمته، فإنّ ذلك لا‌یقع في طریق استنباط الأحكام الفرعیة بل هو من الأحكام الفرعیة نظیر قاعدة التجاوز و الفراغ و البناء على الأكثر و الحریة و الید و الصحة و نحوها من الأصول الحكمیة و الموضوعیة فإنّها من المسائل الفرعیة جزماً».و في عناية الأصول في شرح كفاية الأصول، الفيروز آبادي، السيد مرتضى، ج5، ص12.: «قد تقدّم في أوّل الكتاب أنّ علم الأصول هو العلم بالقواعد الممهّدة لاستنباط الأحكام الشرعیة أي الكلّیة و إن أهملوا التقیید بالكلّیة و لعلّه لوضوحه فكلّ مسألة مندرجة تحت غرض الأصول و هو استنباط الأحكام الشرعیة الكلّیة فهي مسألة أصولیة و إلّا فلا، و علیه مسألة الاستصحاب التي هي عبارة أخری عن قولك: كلّ مشكوك البقاء باقٍ حیث تقع في طریق استنباط الأحكام الشرعیة الكلّیة كما في الاستصحابات الجاریة في الشبهات الحكمیة هي من المسائل الأصولیة ... و لیست هي من المسائل الفقهیة إذ لیس مفادها حكم العمل بلا واسطة بأن یكون موضوعها عمل المكلّف و محمولها الحكم الشرعي كما في وجوب الصلاة و الزكاة و حرمة الزنا و القمار و نحو ذلك كي تكون المسألة فقهیة. نعم إذا وقعت مسألة الاستصحاب في طریق استنباط الأحكام الشرعیة الجزئیة كما في الاستصحابات الجاریة في الشبهات الموضوعیة فهي من القواعد الفقهیة نظیر قاعدة الطهارة و قاعدة الحلّ و قاعدة الفراغ و أصالة الصحّة و نحو ذلك من القواعد التي یستنبط بها أحكام شرعیة جزئیة كطهارة هذا و حلّیة ذاك أو صحّة هذا و تمامیة ذاك و هكذا».و في منتهى الدراية، المروج الجزائري، السيد محمد جعفر، ج7، ص23.: «إنّ الاستصحاب یجري تارة في الحكم الأصولي كاستصحاب حجّیة العامّ بعد الفحص عن المخصّص و استصحاب عدم وجود المعارض، و أخری في الحكم الكلّي الفرعي كنجاسة الماء المتغیّر الذي زال تغیّره من قبل نفسه، و حرمة العصیر الزبیبي إذا غلا و اشتدّ قبل ذهاب ثلثیه إذا شكّ في حلّیته و حرمته، و ثالثة في الموضوعات الخارجیة كاستصحاب حیاة زید أو عدالته مثلاً و كالجاري في الأحكام الجزئیة كاستصحاب نجاسة ثوبه ببول بعد غَسله مرّة في الكثیر، للشكّ في اعتبار التعدّد حتّی في الغسل به.أمّا الجاري في الأحكام الجزئیة و الموضوعات الخارجیة فلیس مسألة أصولیة، و یقتضیه قول المصنّف في تعریف علم الأصول في أوّل الكتاب: و مسائل الأصول العملیة في الشبهات الحكمیة، و أمّا الجاري في القسمین الأوّلین فحاصل ما أفاده فیهما هو أنّ الاستصحاب من المسائل الأصولیة سواء أ كان من الأصول العملیة التي هي وظیفة الشاكّ و یكون الشكّ موضوعها أم من الأدلّة الظنّیة؛ أمّا على الأوّل فلانطباق ضابط المسألة الأصولیة علیه، إذ یقال: إنّ نجاسة الماء المتغیّر الذي زال تغیّره بنفسه أو بعلاج ممّا شكّ في بقائه، و كلّما شكّ في بقائه فهو باقٍ، فینتج بقاء نجاسة الماء المزبور و الحكم بنجاسته في هذه الصورة حكم كلّي فرعي یتعلّق بالعمل، فالاستصحاب حینئذٍ قاعدة مهّدت لاستنباط الأحكام الفرعیة، و كلّما كان كذلك فهو مسألة أصولیة، و أمّا الاستصحاب الجاري في المسألة الأصولیة كالحجّیة فكونه من مسائل علم الأصول أظهر، إذ لیس مجراه حكماً فرعیاً حتّی یتوهّم كونه من القواعد الفقهیة، و أمّا على الثاني- و هو كون الاستصحاب بناء العقلاء على ما علم ثبوته سابقاً- فلأنّ البحث عن حجّیته بحث عن ثبوت التلازم بین الحدوث و البقاء عند العقلاء و عدمه، و على تقدیر ثبوته فهل هذا البناء منهم حجّة أم لا؟ و كذا بناء على اعتباره من باب الظنّ بالملازمة، فإنّه یبحث فیه تارة عن وجود هذا الظنّ و أخری عن حجّیته، و من المعلوم أنّ البحث عن دلیلیة الظنّ بالبقاء كالبحث عن حجّیة غیره من سائر الظنون أصولي لا فقهي، لعدم كون مفاده حكم العمل بلا واسطة كالبحث عن حجّیة خبر الواحد».و في نهاية الدراية في شرح الکفاية - ط قديم، الغروي الإصفهاني، الشيخ محمد حسين، ج1، ص20. في التعلیقة على قوله: «في الشبهات الحكمیة»: «لأنّها القابلة للمرجعیة بعد الفحص و الیأس عن الدلیل دون الجاریة في الشبهة الموضوعیة فإنّ مفادها حكم عملي محض و حال المجتهد فیها و المقلّد على السویة».المطلب الثاني: إیراد المحقّق الإصفهاني على نظریة صاحب الكفایةقال: في كلام صاحب الكفایة مواقع للنظر:الأوّل: لیس مفاد حجّیة الاستصحاب حكم العمل بلا واسطة: في نهاية الدراية في شرح الکفاية - ط قديم، الغروي الإصفهاني، الشيخ محمد حسين، ج3، ص17. في التعلیقة علیه: «هذا بناء على ما ذكرنا- من أنّ الحجّیة هي الوساطة في إثبات الحكم الواقعي عنواناً أو الوساطة في إثبات تنجّزه حقیقة- واضح، لأنّها على أيّ حال غیر وجوب الصلاة التي أخبر به العادل أو أیقن به المكلّف إلّا أنّه إنّما یجدي من یجعل الیقین السابق حجّة على الحكم في اللّاحق، إمّا بعنوان إبقاء الكاشف التامّ أو بعنوان إبقاء المنجّز. و أمّا من یجعل الاستصحاب إلزام الشارع بالإبقاء و یری أنّ النزاع في الحجّیة و عدمها نزاع في ثبوت الإلزام المزبور و عدمه- كالنزاع في حجّیة المفاهیم- فلا‌یمكنه دعوی عدم تعلّقه بالعمل بلا واسطة لأنّ كلّیة عنوان نقض الیقین، أو إبقاء الیقین بالإضافة إلى مصادیق النقض و الإبقاء، و كلّیة الإلزام المتعلّق بهما- فعلاً و تركاً- بالإضافة إلى وجوب الصلاة، و حرمة الفعل الكذائي لا‌یحقّق التوسیط، بل هو تطبیق محض فلا‌بدّ حینئذٍ في توجیهه من التشبّث بالتوسیط الكنائي، الذي قدّمناه إلّا أنّ الصحیح ما ذكرناه لعدم المصحّح لانتزاع الحجّیة إلّا ما ذكرنا من جعل إیجاب الإبقاء بعنوان إبقاء الكاشف، أو إبقاء المنجّز، لیفید الوساطة في إثبات الحكم عنواناً أو الوساطة في تنجّزه حقیقة».و في نهاية الدراية في شرح الکفاية - ط قديم، الغروي الإصفهاني، الشيخ محمد حسين، ج2، ص187. (ط.ق): بعد ذكر الإیجاب الكنائي: «و علیه ینبغي تنزیل ما أفاده شیخنا الأستاذ في أوّل الاستصحاب‌ من أنّ البحث عن الحجّیة بحث أصولي حیث لا تعلّق لها بحكم العمل بلا واسطة فإنّ الغرض منه أنّه حكم كنائي للانتقال إلى حكم حقیقي للعمل، و إلّا فلو أرید منه الحكم الحقیقي للعمل، بواسطة انطباق عنوان فهو -مع أنّه یوجب التطبیق المحض دون الاستنباط إن لم‌یكن لذات المعنون حكم یبحث عنه في الفقه و اجتماع الحكمین إن كان لذات المعنون حكم یبحث عنه في الفقه- لا‌یخرج مع ذلك عن كون البحث فقهیاً إذ لا فرق في الحكم المبحوث عنه في الفقه بین أن یترتّب على العمل بلا واسطة كوجوب الصلاة، أو بواسطة عنوان كعنوان الوفاء بالنذر و نحوه و عنوان تصدیق العادل كذلك هذا بناء على انطباق عنوان التصدیق على العمل. و أمّا بناء على كونه متولّداً من العمل فهو حكم شرعي لفعل تولیدي و لا فرق في الحكم المبحوث عنه في الفعل بین أن یتعلّق بفعل تولیدي أو غیر تولیدي فالغرض منه ما ذكرناه، و أحسن من هذا التقریب أنّ الحجّیة لیست بمعنی جعل الحكم المماثل و لا بمعنی جعل المنجّزیة بل بمعنی الوساطة في الإثبات أو التنجّز، فالحكم المماثل مصحّح الحكم على المؤدّی بأنّه الواقع، فوساطة الخبر لإثبات الواقع عنواناً هو معنی حجّیته، فالمبحوث عنه في الأصول وساطة الخبر في الإثبات و المبحوث عنه في الفقه ثبوت الحكم عنواناً أو اعتباراً، و هذا الوجه یجدي في ما كان حجّیته بمعنی جعل الحكم المماثل بلسان وجوب تصدیق العادل أو حرمة نقض الیقین بالشكّ. و أمّا ما كان بمعنی تنجیز الواقع كحجّیة الظواهر فلا».الثاني: البحث عن الاستصحاب مسألة أصولیة إذ ربما لا‌یكون مجری الاستصحاب إلّا حكماً أصولیاً كالحجّیة، و في نهایة الدرایة: «هذا لا‌ینافي كون الحجّیة حكماً عملیاً. غایة الأمر أنّ المستصحب- في مثل وجوب الصلاة- حكم عملي متعلّق بعنوان خاصّ، و في مثل الحجّیة حكم عملي متعلّق بعنوان تامّ، و الحكم المماثل المجعول في الأوّل وجوب الصلاة و في الثاني وجوب تصدیق العادل أو وجوب إبقاء الیقین عملاً، و تسمیة بعض الأحكام العملیة بالحكم الأصولي لا‌تخرج الحكم عن كونه حكماً عملیاً شرعیاً، بعد وضوح أنّ حقیقة الحكم لا‌تخلو من تعلّقها إمّا بفعل الجارحة أو بفعل الجانحة، و الأوّل حكم عملي فرعي و الثاني حكم جناني أصلي ...».الثالث: لو كان الاستصحاب عبارة عن بناء العقلاء على بقاء ما علم ثبوته فلا إشكال في كونه مسألة أصولیة و في نهایة الدرایة: «قد عرفت سابقاً أنّ بناء العقلاء عملاً و إن كان إبقاء عملیاً منهم- و یناسب مشتقّات الاستصحاب- إلّا أنّ الموصوف بالحجّیة ما هو الباعث على بنائهم و هو إمّا الیقین السابق أو الكون السابق أو الظنّ اللّاحق فبناؤهم على المؤاخذة على ترك المتیقّن بسبب أحد الأمور المزبورة هو المصحح لانتزاع الحجّیة و إمضاء بناء العقلاء بمعنی اعتبار الحجّیة شرعاً لما بنی العقلاء على المؤاخذة بسببه و أنّ ما هو المنجّز عندهم منجّز عند الشارع فیجري البحث في كونه من المسائل الأصولیة على أيّ حال؛ إذ بناء على أنّ علم الأُصول ما یبحث عن أحوال الأدلّة الأربعة لیس الموصوف بالحجّیة أحد الأدلّة، و بناء على أنّ علم الأصول ما یبحث فیه عن أحوال مطلق الحجّة فالبحث هنا عن ثبوتها لا عن لواحقها، و بناء على أنّه ما یبحث فیه عن القواعد الممهّدة لاستنباط الحكم لیست الحجّیة- بمعنی المنجّزیة- مما ینتهي إلى حكم شرعي أصلاً فلا‌بدّ من دفع الإشكال بما ذكرناه‌ بناء على اعتباره من باب الأخبار فهو في الإشكال و دفعه كالسابق».الرابع: لو كان الاستصحاب عبارة عن الظنّ ببقاء ما علم ثبوته الناشئ من ملاحظة ثبوته فلا إشكال في كونه مسألة أصولیة و في نهایة الدرایة: «الكلام تارة في ثبوت هذا الظنّ و عدمه و أخری في حجّیته، و ثالثة فیهما معاً و على أيّ حال، فجعله من المسائل الأصولیة لا‌یخلو عن الإشكال، إذ نفس هذا الظنّ و إن كان مصداق الدلیل العقلي المعدود من الأدلّة الأربعة إلّا أنّ الكلام لا‌بدّ في ثبوت شي‌ء له لا في ثبوت نفسه، و قد مرّ في البحث عن مقدّمة الواجب أنّ جعل العقل من الأدلّة- لیكون النزاع في ثبوت الإذعان له- غیر صحیح، لأنّ المهمّ لیس ثبوت الإذعان للعقل حتّی یبحث عنه، بل المهمّ ثبوت ما أذعن به، من غیر فرق بین الحكم العقلي النظري أو العملي كما أنّ البحث عن دلیلیته و حجّیته بحث عن وصفه المقوّم له فیرجع البحث إلى إثبات الموضوع بما هو موضوع، مضافاً إلى أنّ الحجّیة إمّا حكم مستنبط أو ما لا‌ینتهي إلى حكم مستنبط. و یمكن أن یقال- في دفع الإشكال عن الشقّ الثاني- بأنّ حجّیته شرعاً غیر مقوّمة لدلیلیته عقلاً كما یندفع ما بعده بما مرّ من قبل فراجع ... ».نظریة المحقق الإصفهاني:إنّ المحقّق الإصفهاني بیّن كون الاستصحاب مسألة أصولیة بعد تعریف علم الأصول و تنقیح ضابط المسألة الأصولیة فنذكر ما یتعلّق بنظریّته:وجه تبدیل صاحب الكفایة تخصیصَ القواعد بكونها واسطة في الاستنباط كما عن القوم بتعمیمها لما لا‌تقع في طریق الاستنباط بل ینتهي إلیه الأمر في مقام العمل:الوجه الأوّل: في نهایة الدرایة (ط.ق): ج‌1، ص17: «إنّ لازم التخصیص خروج جملة من المسائل المدوّنة في الأصول عن كونها كذلك و لزوم كونها استطرادیة مثل الظنّ الانسدادي على الحكومة لأنّه لا‌ینتهي إلى حكم شرعي بل ظنّ به أبداً و إنّما یستحق العقاب على مخالفته عقلاً كالقطع و مثل الأصول العملیّة في الشبهات الحكمیّة فإنّ مضامینها بأنفسها أحكام شرعیة لا أنّها واسطة في استنباطها في الشرعیة منها، و أمّا العقلیة فلا‌تنتهي إلى حكم شرعي أبداً فهذه المسائل بین ما تكون مضامینها أحكاماً شرعیة و بین ما لا‌ینتهي إلى حكم شرعي و جامعها عدم إمكان وقوعها في طریق الاستنباط، و ما یری من إعمال الأصول الشرعیة في الموارد الخاصّة إنّما هو من باب التطبیق لا التوسیط».الوجه الثاني: «بل یمكن الإشكال في جلّ مسائل الأصول فإنّ الأمارات الغیر العلمیة سنداً أو دلالةً یتطرّق فیها هذا الإشكال و هو أنّ مرجع حجّیتها إمّا إلى الحكم الشرعي أو غیر منتهٍ إلیه أبداً، و على أيّ تقدیر لیس فیها توسیط للاستنباط. توضیحه: أنّ مفاد دلیل اعتبار الأمارات الغیر العلمیة سنداً كخبر الواحد إمّا إنشاء أحكام مماثلة لما أخبر به العادل من إیجاب أو تحریم فنتیجة البحث عن حجّیتها حكم شرعي أو جعلها منجّزة للواقع بحیث یستحقّ العقاب على مخالفتها للواقع فحینئذٍ لا‌ینتهي إلى حكم شرعي أصلاً و مفاد دلیل اعتبار الأمارة الغیر العلمیة دلالة كظواهر الألفاظ كذلك بل یتعیّن فیها الوجه الثاني فإنّ دلیل حجّیة الظواهر بناء العقلاء، و من البیّن أنّ بناءهم في اتباعها على مجرّد الكاشفیة و الطریقیة، فالظاهر حجّة عندهم أي ممّا یصحّ للمولى أن یؤاخذ به عبده على مخالفته لمراده لا أنّ هناك حكماً من العقلاء مماثلاً لما دلّ علیه ظاهر اللّفظ حتّی یكون إمضاء الشارع أیضاً كذلك، و أمّا مباحث الألفاظ فهي و إن كانت نتائجها غیر مربوطة ابتداء بهذا المعنی لكن جعل تلك النتائج في طریق الاستنباط لا‌یكاد یكون إلّا بتوسّط حجّیة الظهور و قد عرفت حالها فلا‌ینتهي الأمر من هذه الجهة إلى حكم شرعي أبداً فلا مناص من التوسعة و التعمیم بحیث یعمّ موضوع فنّ الأصول ما یمكن أن یقع في طریق الاستنباط و ما ینتهي إلیه أمر المجتهد في مقام العمل، و الغرض من تدوین فنّ الأصول لابدّ من أن یجعل أعمّ، لا بأن یجعل الغرض الانتفاع بقواعدها في مقام الاستنباط و في مقام العمل فإنّ تعدّد الغرض یوجب تعدّد العلم في المورد القابل حیث أنّ القواعد التي ینتفع بها في مقام الاستنباط غیر القواعد التي ینتهي إلیها الأمر في مقام العمل بل بأن یجعل الغرض أعمّ من الغرضین لیرتفع التعدّد من البین لئلّا یلزم كون فنّ الأصول علمین».و في نهاية الدراية في شرح الکفاية - ط قديم، الغروي الإصفهاني، الشيخ محمد حسين، ج3، ص15. في التعلیقة على قوله «إنّ البحث في حجّیته مسألة أصولیّة»: «إنّ مفاد دلیل الاعتبار- سواء كان جعل الحكم المماثل أو التنجیز و الإعذار- یأبی عن دخول نتیجة البحث في مسائل علم الأصول، سواء كان فنّ الأصول ما یبحث فیه عن حال الأدلّة، أو كان ما یبحث فیه عن القواعد الممهّدة لاستنباط الأحكام الشرعیة أو كان ذلك مع البحث عن ما ینتهي إلیه أمر الفقیه في مقام العمل، بعد الفحص و الیأس عن الدلیل إذ على الأوّل یكون الحكم المماثل أو تنجیز الواقع مدلول السنة باعتبار و سنة باعتبار آخر، و على أيّ حال لا بحث عن حال السنة و لواحقها بل عن أصل ثبوتها أو ثبوت مدلولها، و على الثاني لیس نتیجة البحث ممّا یقع في طریق استنباط الحكم، بل إمّا بنفسه حكم مستنبط أو لا بنفسه مستنبط و لا‌ینتهي إلى حكم مستنبط و على الثالث و إن كان بالإضافة إلى ما نحن فیه و سائر الأصول العملیة مجدیاً، حیث أنّ نتائجها ممّا ینتهي إلیه أمر الفقیه، بعد الفحص و الیأس عن الدلیل، إلّا أنّه لا‌یجدي في الأمارات الغیر العلمیة- دلالةً و سنداً- حیث أنّها هي الحجّة على حكم العمل، لا أنّها المرجع بعد الفحص و الیأس عن الحجّة على حكم العمل ...».توهّم عدم لزوم التعمیم بالنسبة إلى ما یكون حجّة شرعاً بمعنی المنجّزة للواقع:قال في نهاية الدراية في شرح الکفاية - ط قديم، الغروي الإصفهاني، الشيخ محمد حسين، ج2، ص185. في التعلیقة على قوله: «أنّ الملاك في الأصولیّة صحّة وقوع ...» في بیان هذا التوهّم: «نظراً إلى الإلزام العقلي على طبقه فیكون مجعولاً بجعل الحجّیة شرعاً، و حاله حینئذٍ حال الجزئیّة المجعولة بجعل منشأ انتزاعها فیكون الحجّیة واقعة في طریق استنباط المجعول التبعي و هو الإلزام العقلي، بل هكذا الأمر فیما تكون حجّةً ببناء العقلاء كالظواهر أو كالخبر بناء على حجّیته ببناء العقلاء فإنّه لابدّ من إمضائها شرعاً و لیس إمضاء الاعتبارات العقلائیة إلّا باعتبار الشارع لها على حدّ اعتبار العقلاء إیّاها، فیكون الإلزام العقلي مجعولاً بتبع جعل الحجّیة ابتداء أو إمضاءً».جواب المحقّق الإصفهاني:«لكنّه توهّم فاسد؛ أمّا أوّلاً فبأنّ الإلزام العقلي لا‌یعقل إذ لا بعث و لا زجر من القوّة العاقلة بل شأنها التعقّل و لیس الحكم العقلي العملي إلّا إدراك ما ینبغي أن یؤتی به أو لا‌ینبغي أن یؤتی به، و الأحكام العقلائیة في باب التحسین و التقبیح لیست إلّا بناء العقلاء على مدح فاعل بعض الأفعال و ذمّ فاعل بعضها الآخر.و أمّا ثانیاً فبأنّ الحكم العقلائي المزبور نسبته إلى الحجّیة نسبة الحكم إلى موضوعه لا نسبة الأمر الانتزاعي إلى منشأ انتزاعه حتی یكون مجعولاً بجعله تبعاً كیف و هو مجعول من العقلاء. غایة الأمر أنّه مرتّب على موضوعه المجعول شرعاً.و أمّا ثالثاً فبأنّ الوجوب المتعلّق بالكلّ حیث أنّه مستنبط من الدلیل المتكفّل له فكذلك الجزئیة مستنبطة منه بتبع استنباط منشأ انتزاعها، بخلاف الإلزام العقلي أو الحكم العقلائي فإنّه و إن كان لازماً للحجّیة المستنبطة من دلیلها إلّا أنّه غیر مستنبط من هذا الدلیل بالتبع، و لیس مجرّد ملازمة شي‌ء لشي‌ء ملاك الاستنباط و لا‌ینتقض بما سیجي‌ء من استلزام وجوب تصدیق العادل لوجوب صلاة الجمعة حیث نكتفي به في مرحلة الاستنباط لأنّ الخبر القائم على وجوب صلاة الجمعة لا‌یستنبط منه الوجوب إلّا بواسطة حجّیة الخبر الملازمة لجعل الحكم المماثل بلسان أنّ المؤدّی هو الواقع، فحیث أنّه یجعل المؤدّی واقعاً یقال باستنباط الحكم الواقعي من الخبر بضمیمة دلیل الحجّیة و أین هذا من مجرّد الملازمة بین حكم العقلاء و الحجّیة الشرعیة؟».إیراد المحقّق الإصفهاني على تعمیم صاحب الكفایة:في ج1، ص19: «و أمّا الالتزام بالتعمیم على ما في المتن ففیه محذوران: أحدهما: لزوم فرض غرض جامع بین الغرضین لئلّا یكون فنّ الأصول فنّین. ثانیهما: أنّ مباحث حجّیة الخبر و أمثاله لیست ممّا یرجع إلیها بعد الفحص و الیأس عن الدلیل على حكم العمل إذ لا‌یناط حجّیة الأمارات بالفحص و الیأس عن الدلیل القطعي على حكم الواقعة نظیر حلّیة المشكوك، حیث أنّها لا‌یرجع إلیها إلّا بعد الفحص و الیأس عن الدلیل على حرمة شرب التتن و أمّا جعلها مرجعاً من دون تقیید بالفحص و الیأس فیدخل فیها جمیع القواعد العامّة الفقهیة، فإنّها المرجع في جزئیاتها كما لا‌یخفی.ثمّ لا‌یخفی علیك أنّ الالتزام بأعمّیة الغرض إنّما یجدي بالإضافة إلى ما لا‌یقع في طریق الاستنباط و كان ینتهي إلیه الأمر في مقام العمل لا بالنسبة إلى ما كان بنفسه حكماً مستنبطاً من غیر مرجعیة للمجتهد بعد الفحص و الیأس عن الحجّة على حكم العمل فإنّه داخل في القواعد الفقهیة الباحثة عن عوارض أفعال المكلّفین و اختصاصها أحیاناً بالمجتهد لیس من حیث كونها واسطة في الاستنباط المختصّ بالمجتهد، كیف و المفروض كونها أحكاماً مستنبطة بل من حیث أنّ تطبیق القواعد الكلّیة على مواردها موقوف على الخبرة بالتطبیق» و راجع أیضاً (ط.ق): ج2، ص186.توجیه المحقّق الإصفهاني لكون مباحث الأمارات واسطة في الاستنباط:الوجه الأوّل: في نهاية الدراية في شرح الکفاية - ط قديم، الغروي الإصفهاني، الشيخ محمد حسين، ج1، ص19.: «إلّا أنّ یوجّه مباحث الأمارات الغیر العلمیة بناء على إنشاء الحكم المماثل بأنّ الأمر بتصدیق العادل مثلاً لیس عین وجوب ما أخبر بوجوبه العادل بل لازمه ذلك كما أنّ حرمة نقض الیقین بالشكّ لیست عین وجوب ما أیقن بوجوبه سابقاً بل لازم ذلك و المبحوث عنه في الأصول بیان هذا المعنی الذي لازمه الحكم المماثل، و اللّازم و الملزوم متنافیان و هذا القدر كافٍ في التوسیط في مرحلة الاستنباط».الوجه الثاني: «بل یمكن التوجیه بناء على كون الحجّیة بمعنی تنجیز الواقع بدعوی أنّ الاستنباط لا‌یتوقّف على إحراز الحكم الشرعي بل یكفي الحجّة علیه في الاستنباط إذ لیس حقیقة الاستنباط و الاجتهاد إلّا تحصیل الحجّة على الحكم الشرعي، و من الواضح دخل حجّیة الأمارات بأيّ معنی كان في إقامة الحجّة على حكم العمل في علم الفقه، و علیه فعلم الأصول ما یبحث فیه عن القواعد الممهّدة لتحصیل الحجّة على الحكم الشرعي من دون لزوم التعمیم إلّا بالإضافة إلى ما لا بأس بخروجه كالبراءة الشرعیة التي معناها حلّیة مشكوك الحرمة و الحلّیة لا ملزومها و لا المعذّر عن الحرمة الواقعیة». و راجع أیضاً (ط.ق): ج3، ص16.و في ج2، ص187(ط.ق): بعد ذكر الوجه الثاني: «و علیه فعلم الأصول هو العلم بالقواعد الممهّدة لتحصیل الحجّة على الحكم الشرعي، بل قد ذكرنا في أوّل مبحث الاجتهاد و التقلید شیوع إطلاق العلم على مجرّد الحجّة القاطعة للعذر، و علیه فجمیع مباحث الأمارات سواء كانت حجّیتها بمعنی جعل الحكم المماثل أو تنجیز الواقع داخلٌ في علم الأصول، و هكذا الاستصحاب- سواء كان مفاد دلیل حجّیته جعل الحكم المماثل أو تنجیز الواقع- یدخل البحث عنه في علم الأصول. نعم ما كان مفاده ابتداء هو الحكم الشرعي كقاعدة الحلّ و شبهها من دون جعل الملزوم بجعل اللّازم و لا إثبات المعذّر عن الواقع فهو بحث فقهي و لا بأس بالاستطراد في مثله».و زاد في نهایة الدرایة (ط.ق): ج‌3، ص16: «إنّ تعمیم الاستنباط بالتقریب الأوّل و إن كان مفیداً في مقام التوسیط لكنّه غیر مفید في مقام إثبات الحجّیة، إذ مجرّد جعل الحكم المماثل لبّاً، أو جعل الحكم كنائیاً لا ربط له بالحجّیة بل الحجّیة إمّا بمعنی الوساطة في الإثبات أو الوساطة في التنجّز، و علیه فجعل الحكم المماثل لما أخبر بوجوبه العادل- بعنوان أنّه هو الحكم الواصل بالخبر- جعل موصلیة الخبر و وساطته لإثبات الواقع عنواناً فالواصل بالذات، و إن كان هو الحكم المماثل بنفس دلیل الاعتبار، إلّا أنّه حیث كان بلسان أنّه الواقع الواصل بالخبر، فالحكم الواقعي بالعرض یكون واصلاً و إن لم‌یكن عنواناً كنائياً أیضاً فالمبحوث عنه في الأصول وساطة الخبر لإثبات الواقع عنواناً أو لتنجّزه حقیقة و المبحوث عنه في الفقه نفس حكم العمل الذي یكون الواقع واصلاً عنواناً و بلحاظ اللبّ و الحقیقة یكون واصلاً، لوصول الحكم المماثل الحقیقي، أو المبحوث عنه هو حكم العمل من حیث كونه قامت علیه حجّة منجّزة له فالحجّیة إذا كانت بمعنی الوساطة في الإثبات صحّ إبقاء الاستنباط على ما مرّ من كونه مؤدّیاً إلى العلم بالحكم، لأنّه على التقدیر یؤدّي إلى العلم بالحكم الواقعي عنواناً، و إلى العلم بالحكم الفعلي حقیقة و إذا كانت بمعنی المنجّزیة لزم التعمیم بالتقریب الثاني».المطلب الثالث: تحقيق بعض الأساطين حول الموضوع:و قال بعض الأساطين. كما في المغني في الأصول، ج1، ص37: «التحقيق في المسألة: و التحقيق في المسألة يتّضح بمعرفة الفرق بين المسائل الأصولية، و القواعد الفقهية، و لبيان ذلك نقول: إن منشأ وجوب تحصيل الحجة أمران: العلم الإجمالي بالتكاليف الدينية، و الوجوب العقلي بالفحص في الشبهات الحكمية؛ فإنّ الأول يجعل الأحكام الواقعية في رقبة المكلف، و العقل يحكم بوجوب تحصيل الحجّة لأجل الخروج من العقاب المحتمل؛ فإنه محتمل في كل مورد یحتمل فيه الحكم، و قد أسّس علم الأصول لأجل إيجاد الحجة على الأحكام المنجزة على المكلف، فالمتكفّل لمعرفة الحجة - إثباتاً و نفياً – هو علم الأصول، و لتحصيل الحجة على الأحكام الإلهية مراتب أربع، بل خمس بالنظر الدقيق و هي:المرتبة الأولى: مرتبة القطع بالحكم الشرعي و العلم به، و العلم حجة عقلية.المرتبة الثانية: وهي ما يطلق عليها بالدليل العلمي، و منزلتها بعد فقر المرتبة الأولى، أي العلم، و المجتهد في هذه المرحلة يحتاج إلى بحثین: صغروي و كبروي؛ فالكبروي يبحث في الأصول كالبحث في حجية الظهور، أو حجية ظهور الكتاب، أو حجية خبر الثقة، و أما الصغروي فقسم منه قد بحث في الأصول، كالبحث في تشخيص الظهور، كظهور الأمر في الوجوب، و هيئة النهي في الحرمة، و المفاهيم، و قسم لم‌يبحث في الأصول، كالبحث في إثبات وثاقة الراوي؛ فإنه يبحث في علم الرجال.المرتبة الثالثة: و هي مرتبة فقدان العلم و الدليل العلمي، أو قل: مرتبة فقدان الحجة العقلية و الشرعية، و موضوعها الشك في الحكم الواقعي، و هي مرحلتان:الأولى: مرحلة الحكم الشرعي، أي ما هو حكم الشرع في مثل هذا المورد.الثانية: مرحلة الحكم العقلي، أي ما هو حكم العقل في مثله، و منه تشكّلت مباحث الأصول العقلية، كقاعدة الاشتغال، و قبح العقاب بلا بیان.و لا‌يخفى أن هذه المرحلة من جملة مباحث علم الأصول أيضاً، لأنها حجة على الحكم الشرعي قطعة، إما بالتعذير كقبح العقاب بلا بیان، أو بالتنجيز كقاعدة الاشتغال، و هي متأخرة من حيث الترتيب على سابقتها فلا‌تصل النوبة إليها إلا بعد فقدها؛ فإن النسبة بينهما هي النسبة بين العلم و العلمي.و أما الأولى من الثالثة فهي على قسمين: الأول: الاستصحاب. الثاني: الاحتياط الشرعي، و البراءة الشرعية.و الاستصحاب مقدّم من حيث الترتيب على الأصول الشرعية الأخرى، و الكلام في كون هذين القسمين من مباحث الأصول أو لا، أما الاستصحاب ۔ الذي هو محلّ بحثنا - ففيه أربعة مبان:الأول: أن دليل الاستصحاب عقلي، و بناء عليه يكون الاستصحاب من مباحث علم الأصول كما هو واضح؛ إذ مع تمامية الدليل العقلي يكون الاستصحاب حجةً على الحكم الشرعي، و المسألة الأصولية هي التي يبحث عن حجيتها على الحكم الشرعي.الثاني: أن حجية الاستصحاب من باب الظن بالحكم الشرعي الحاصل من اليقين السابق، و على هذا يكون الاستصحاب من مسائل علم الأصول أيضاً، لأن البحث على هذا المبنى: هل الظن الحاصل من اليقين السابق حجةٌ أو لا؟الثالث: أن مستند الاستصحاب هي الروايات فقط، و في هذا المبنى رأيان أيضاً:1) أن المستفاد من الروايات أمارية اليقين السابق، بمعنى أن الشارع جعل اليقين - الذي كان سابقاً - أمارة على البقاء في ظرف الشك، كما ذهب إليه عدّة من الأعاظم، و على هذا المبنى فالاستصحاب في الشبهات الحكمية مسألة أصولية أيضاً، لأن البحث في أن الشارع هل جعل اليقين السابق حجةً في ظرف الشك أو لا؟ مثله مثل البحث عن حجية الخبر.۲) أن الشارع لم‌يجعل الأمارية للاستصحاب، و إنما عن الوظيفة في ظرف الشك فقط، فيكون الاستصحاب أصلاً عملياً محرزة.و الفرق بين المبنيين: أن الشارع على الأول - جعل الاستصحاب أمارة، و على الثاني حكم ببقاء المتيقّن، و الاستصحاب على هذا المبنى - الحكم ببقاء المتيقّن - من مسائل الأصول أيضاً، لأنّ موضوع الاستصحاب اليقين و الشك، و متعلق الیقین و الشك في الأحكام الكلية هو الحكم الإلهي، فالمتعبّد به في مرتبة المحمول هو بقاء المتيقّن في ظرف الشك، و المتيقن لا‌يخرج عن أحد أمرين: إما أن يكون حكماً إلزامياً، كما لو كان المتيقّن سابقاً وجوباً أو حرمة، أو حكماً ترخيصيةً كما لو كانت الحالة السابقة هي الطهارة، فيكون الاستصحاب منجّزاً للحكم الشرعي على التقدير الأول، و معذرة عنه لو خالف الواقع على التقدير الثاني، فهو حجة شرعية على التقديرين، و هذا شأن المسألة الأصولية، فتثبت أصولية الاستصحاب على جميع المباني.فاتّضح إلى هنا: أن ما يبحث فيه عن الحجة على الأحكام الشرعية الكلية نفياً أو إثباتاً سيكون من مسائل علم الأصول، و بهذا يتّضح أن كلّ حكم فيه تنجيز أو تعذير عن الحكم الواقعي فهو مسألة أصولية، كما ينبغي التفريق - على هذا الأساس - بين الأصول العملية الجارية في الأحكام الشرعية الكلية، و بين القواعد الفقهية»
[6] فوائد الاُصول، الغروي النّائيني، الميرزا محمد حسين، ج4، ص313..: «یعتبر اختلاف متعلّق الشكّ و الیقین في قاعدة المقتضي و المانع و لایمكن أن یتّحد فإنّ الیقین فیها إنّما یتعلّق بوجود المقتضي و الشك یتعلق بوجود المانع فیختلف متعلّق الشكّ و الیقین ...»
[7] هذا المقطع قسم من صحيحة زرارة الثانية التي سيجيء البحث حولها في أدلة الاستصحاب راجع ص199.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo