< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ محمدعلي البهبهاني

45/06/24

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاستصحاب /المقدمة؛ الأمر الثالث؛ حجیة الاستصحاب القهقري في باب معاني الألفاظ

 

حجّیة الاستصحاب القهقري في باب معاني الألفاظ

إنّ المحقّق الخوئي أشار إلى حجّیة الاستصحاب القهقري في مورد واحد و هو ما إذا كان معنی اللّفظ متیقّناً في العرف و اللّغة فعلاً و شُكّ في أنّه هل كان في اللغة أو عُرف الأئمّة( كذلك أو لا؟ فهنا نقول بحجّیة الاستصحاب القهقري و نسري الیقین إلى زمان الشكّ و نحكم بأنّ المشكوك لابدّ أن یكون على وفق المتیقّن.

و المحقّق الخوئي استدلّ([1] ) على حجّیة الاستصحاب القهقري في خصوص هذا المورد بوجهین:

الأوّل: أصالة عدم النقل حیث أنّها تقتضي أن یكون معنی اللّفظ فیما سبق عین المعنی الذي ثبت فعلاً عند العرف و اللّغة و إلّا یلزم نقل المعنی و الأصل عدم تحقّق النقل. ([2] )

الثاني: بناء العقلاء حیث یبنون على أنّ المعنی العرفي و اللّغوي الموجود كان حاصلاً في الأزمنة السابقة و إلّا لانسدّ باب الاستنباط لاحتمال كون ألفاظ الأخبار في عرفهم( ظاهرة في غیر ما هي ظاهرة فیه في عرفنا الحاضر.

و الوجه في الاستدلال بهذین الوجهین هو ما ادّعي أوّلاً: من عدم الخلاف في جریان الاستصحاب في الأمور العدمیة فهذا یكون وجهاً لاعتبار التمسّك بأصالة عدم النقل و ما أشبهه، و ثانیاً: من استقرار سیرة العلماء على التمسّك بالأصول العدمیة مثل أصالة عدم القرینة و عدم النقل، فقد نقل الشیخ الأنصاريعن الوحید البهبهاني في رسالته الاستصحابیة أنّه قال:

لكن الذي نجد من الجمیع حتّی من المنكر مطلقاً، أنّهم یستدلّون بأصالة عدم النقل فیقولون: الأمر حقیقة في الوجوب عرفاً، فكذا لغةً، لأصالة عدم النقل و یستدلّون بأصالة بقاء المعنی اللغوي فینكرون الحقیقة الشرعیة إلى غیر ذلك كما لایخفی. ([3] )

 

الأمر الرابع: في تقسیمات الاستصحاب

إنّ الشیخ الأنصاري قبل الورود في أدلّة حجّیة الاستصحاب أشار إلى تقسیماته فإنّها إمّا بلحاظ المستصحب و إمّا بلحاظ منشأ الیقین، و إن شئت فقل باعتبار الدلیل الدالّ على اعتبار الاستصحاب و إمّا بلحاظ منشأ الشكّ.

تقسیمات الاستصحاب بلحاظ المستصحَب

و هي من وجوه ثلاثة:

الوجه الأوّل: إنّ المستصحب قد یكون أمراً وجودیاً كوجوب شيء الذي هو حكم تكلیفي أو طهارة شيء التي هي حكم وضعي أو رطوبة ثوب التي هي موضوع خارجي.

و قد یكون أمراً عدمیاً و هو على قسمین: أحدهما: عدم اشتغال الذمّة بتكلیف شرعي و یسمّی عند بعضهم بالبراءة الأصلیة و أصالة النفي، و الثاني: غیره، كعدم نقل اللفظ من معناه و عدم القرینة و عدم موت زید و عدم رطوبة الثوب و عدم حدوث موجب الوضوء أو الغسل و نحو ذلك.

قال صاحب الریاض و شریف العلماء ([4] )بعدم الخلاف في اعتبار الاستصحاب في العدمیات و خالفهما الشیخ الأنصاري فقال بجریان النزاع في العدمیات كما یجري في الأمور الوجودیة، فالاستصحاب العدمي أیضاً داخل في محلّ النزاع، و قد استشهد الشیخ الأنصاري ببعض كلمات الأعلام على عدم الاتّفاق في جریان الاستصحاب في الأمور العدمیة.([5] )

الوجه الثاني: إنّ المستصحب قد یكون حكماً شرعیاً و قد یكون موضوعاً خارجیاً مثل الكرّیة و الرطوبة و أمثالهما.

الوجه الثالث: إنّ المستصحب قد یكون حكماً تكلیفیاً و قد یكون حكماً وضعیاً. ([6] )

تقسیمات الاستصحاب بلحاظ منشأ الیقین

و هي أیضاً من وجوه ثلاثة:

الوجه الأوّل: إنّ دلیل اعتباره إمّا هو الإجماع و إمّا غیره من الكتاب و السنّة.

الوجه الثاني: إنّ دلیل اعتباره إمّا هو الدلیل الشرعي و إمّا هو الدلیل العقلي.

الوجه الثالث: إنّ دلیل اعتباره إمّا أن یدلّ على استمرار الحكم إلى حصول رافع أو غایة و إمّا أن لایدلّ.([7] )

تقسیمات الاستصحاب بلحاظ منشأ الشك

و هي أیضاً من وجوه ثلاثة:

الوجه الأوّل: إنّ منشأ الشكّ إمّا اشتباه الأمر الخارجي و یسمّی بالشبهة الموضوعیة سواء كان المستصحب حكماً شرعیاً جزئیاً كالطهارة عند الشكّ في خروج البول أو موضوعاً للحكم الشرعي مثل الكرّیة، و إمّا اشتباه الحكم الشرعي كالشكّ في بقاء نجاسة الماء المتغیّر بعد زوال تغیّره.

الوجه الثاني: إنّ منشأ الشكّ إمّا هو منشأ للشكّ بمعنی تساوي الطرفین، و إمّا یعمّ تساوي الطرفین و رجحان البقاء و رجحان الارتفاع.

الوجه الثالث: إنّ منشأ الشكّ إمّا موجب للشكّ في المقتضي أي من حیث استعداده و قابلیته للبقاء و إمّا موجب للشكّ في طرو المانع مع القطع بوجود المقتضي.([8] )

و الغرض من ذكر هذه التقسیمات الإشارة إلى التفاصیل التي ذهب الأعلام إلیها، حیث أنّهم قد فصّلوا في حجّیة الاستصحاب من جهة المستصحب و قد فصّلوا فیها تارة من حیث منشأ الیقین و قد فصّلوا فیها أخرى من جهة منشأ الشكّ.

و العلامة الأنصاري فصّل في حجّیة الاستصحاب من جهتین: الأولى: من جهة منشأ الیقین، فقال: إن كان منشأ الیقین هو الدلیل العقلي فلا حجّیة للاستصحاب، و أمّا إن كان منشأه هو الدلیل الشرعي فهو حجّة. الثانیة: من جهة منشأ الشكّ؛ فإن كان الشكّ في المقتضي فلا حجّیة للاستصحاب، و إن كان الشكّ في الرافع فهو حجّة.

و المحقّق الخوئي فصّل([9] ) فیها فقال بحجّیته فیما إذا كان المستصحب من الشبهات الموضوعیة و في بعض الشبهات الحكمیة و أنكر حجّیته في البعض الآخر من الشبهات الحكمیة كما سیأتي إن شاء الله تعالى.

و بعض الأعلام مثل المحقّق النراقي و الأخباریین أنكروا حجّیة الاستصحاب فیما إذا كان المستصحب من الشبهات الحكمیة و ذهبوا إلى حجّیتها فیما إذا كان المستصحب من الشبهات الموضوعیة.([10] )

الفصل الأوّل: أدلّة حجّیة الاستصحاب

الدلیل الأوّل: السیرة العقلائیة

السیرة العقلائیة

قد ادّعی السیّد المحقّق الإصفهاني و المحقّق النائیني و السیّد الصدر([11] ) بناء العقلاء بل بناء ذوي الشعور و الإرادة من الموجودات على العمل على طبق الحالة السابقة، فاستدلّوا به و قرّروا ذلك على وجوه:

وجوه الاستدلال بالسیرة العقلائیة

الوجه الأول

و هو بناء جمیع العقلاء و ذوي الشعور و الإرادة من كافّة أنواع الحیوان على العمل بالحالة السابقة في مطلق أمورهم من غیر تفصیل، و بهذا تتمّ صغری تحقّق السیرة العقلائیة ثم ینضمّ إلى ذلك كبری حجّیة السیرة العقلائیة بأنّ عدم ردع الشارع عن هذه السیرة كافٍ في إمضائها. ([12] )

الوجه الثاني

و هو التفصیل في تحقّق بناء العقلاء بین موارد الشكّ في المقتضي و موارد الشكّ في الرافع فلا‌یتمّ في الشكّ في المقتضي بل القدر المتیقّن منه موارد الشكّ في الرافع، و هذا تفصیل السیّد الإصفهاني ([13] )و هو مختار المحقّق النائیني.

قال المحقّق النائیني: قد استقرّت الطریقة العقلائیة على العمل بالحالة السابقة و عدم الاعتناء بالشك في ارتفاعها، كما یشاهد ذلك في مراسلاتهم و معاملاتهم و محاوراتهم، بل لولا ذلك یلزم اختلال النظام، فإنّ النیل إلى المقاصد و الوصول إلى الأغراض یتوقّف غالباً على البناء على بقاء الحالة السابقة، ضرورة أنّ الشكّ في بقاء الحیاة لو أوجب التوقّف في ترتیب آثار بقاء الحیاة لانسدّت أبواب المراسلات و المواصلات و التجارات بل لم‌یقم للعقلاء سوق.


[1] مصباح الأصول( مباحث حجج و امارات- مكتبة الداوري)، الواعظ الحسيني، السيد محمد؛ تقرير بحث السيد أبو القاسم الخوئي، ج2، ص9.: «هذا الاستصحاب لایكون حجّة إلّا في موضع واحد و هو ما إذا كان معنی اللفظ متیقناً في العرف فعلاً و شك في أنّه هل كان في اللغة أو عرف الأئمة( كذلك أم لا؟ فیحكم بكون اللفظ حقیقة في اللغة و عرف الأئمة(. أیضاً بأصالة عدم النقل و حجیة هذا الاستصحاب في خصوص هذا المورد ثابتة ببناء العقلاء ... »
[2] لایخفی أنّ أصالة عدم النقل ترجع إلى الاستصحاب المتعارف لأنّه كان متیقّن العدم فنشكّ في تحقّقه فنستصحب عدم تحقّقه.
[3] فرائد الأصول، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج3، ص28. و راجع الرسائل الأصولية، الوحيد البهبهاني، محمّد باقر، ج1، ص424..و قال بعض الأساطين. على ما في المغني في الأصول، ج1، ص50: «و حاصل القول فيه: أنّ نصوص الاستصحاب قاصرة الشمول عنه، و لكن بناء الفقهاء على جريانه، و أن اللفظ كما أنه قالب للمعنى في هذا الزمان فهو كذلك في ما مضى؛ لسيرة العقلاء و عملهم القطعي على ذلك، و هذه المسألة محلّ ابتلاء في الأحكام و المواضيع، كالوصايا و الأقاریر، كما لو وجدت قبل ألف سنة و كانت معانيها ظاهرة في زماننا، و يشك في أن هذا الظهور هو نفسه الموجود في الزمان الماضي أو لا.و كيف كان، فالكلام يقع في حجية الاستصحاب في القسمين الأولين [أي الاستصحاب المصطلح و الاستصحاب الاستقبالي دون القسم الثالث الذي هو الاستصحاب القهقري]»
[4] هو من تلاميذ صاحب الرياض و ابنه السيد المجاهد و استاذ الشيخ الأعظم الأنصاري. و توفى سنة 1245هـ في مرض الطاعون بكربلاء
[5] فرائد الأصول، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج3، ص30.: «و ممّن يظهر منه دخول العدميات في محلّ الخلاف الوحيد البهبهاني فيما تقدّم عنه بل لعلّه صريح في ذلك بملاحظة ما ذكره قبل ذلك في تقسيم الاستصحاب.و أصرح من ذلك في عموم محلّ النزاع استدلال النافين في كتب الخاصّة و العامّة بأنّه لو كان الاستصحاب معتبراً لزم ترجيح بيّنة النافي لاعتضاده بالاستصحاب و استدلال المثبتين كما في المنية بأنّه لو لم‌يعتبر الاستصحاب لانسدّ باب استنباط الأحكام من الأدلة لتطرّق احتمالات فيها لا‌تندفع إلا بالاستصحاب.و ممّن أنكر الاستصحاب في العدميات صاحب المدارك حيث أنكر اعتبار استصحاب عدم التذكية الذي تمسّك به الأكثر لنجاسة الجلد المطروح.و بالجملة فالظاهر أنّ التتبّع يشهد بأنّ العدميات ليست خارجة عن محلّ النزاع بل سيجي‌ء عند بيان أدلّة الأقوال أنّ القول بالتفصيل بين العدمي و الوجودي بناء على اعتبار الاستصحاب من باب الظنّ وجوده بين العلماء لا‌يخلو من إشكال فضلاً عن اتفاق النافين عليه إذ ما من استصحاب وجودي إلّا و يمكن معه فرض استصحاب عدمي يلزم من الظنّ به الظنّ بذلك المستصحب الوجودي فيسقط فائدة نفي اعتبار الاستصحابات الوجودية، و انتظر لتمام الكلام.و ممّا يشهد بعدم الاتفاق في العدميات اختلافهم في أنّ النافي يحتاج إلى دليل أم لا فلاحظ ذلك العنوان تجده شاهد صدق على ما ادّعيناه.نعم ربما يظهر من بعضهم خروج بعض الأقسام من العدميات من محلّ النزاع كاستصحاب النفي المسمّى بالبراءة الأصلية فإنّ المصرّح به في كلام جماعة كالمحقّق و العلّامة و الفاضل الجواد الإطباق على العمل عليه و كاستصحاب عدم النسخ فإنّ المصرّح به في كلام غير واحد كالمحدث الأسترآبادي و المحدث البحراني عدم الخلاف فيه بل مال الأوّل إلى كونه من ضروريات الدين و ألحق الثاني بذلك استصحاب عدم التخصيص و التقييد».
[6] فرائد الأصول، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج3، ص26..: «السادس في تقسیم الاستصحاب إلى أقسام لیعرف أنّ الخلاف في مسألة الاستصحاب في كلّها أو في بعضها فنقول: إنّ له تقسیماً باعتبار المستصحب ... أمّا بالاعتبار الأوّل فمن وجوه: الوجه الأوّل: من حیث أنّ المستصحب قد یكون امراً وجودیاً ... و قد یكون عدمیاً ... الوجه الثاني: أنّ المستصحب قد یكون حكماً شرعیاً ... و قد یكون غیره ... الوجه الثالث: من حیث أنّ المستصحب قد یكون حكماً تكلیفیاً و قد یكون وضعیاً شرعیاً ...»
[7] في فرائد الأصول، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج3، ص37..: «و أمّا بالاعتبار الثاني فمن وجوه أیضاً: أحدها: من حیث أنّ الدلیل المثبت للمستصحب إمّا أن یكون هو الإجماع و إمّا أن یكون غیره ... الثاني: من حیث أنّه قد یثبت بالدلیل الشرعي و قد یثبت بالدلیل العقلي ... الثالث: أنّ دلیل المستصحب إمّا أن یدلّ على استمرار الحكم ...»
[8] في فرائد الأصول، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج3، ص43..: «و أمّا باعتبار الشكّ في البقاء فمن وجوه أیضاً: أحدها: من جهة أن الشكّ قد ینشأ من اشتباه الأمر الخارجي ... و قد ینشأ من اشتباه الحكم الشرعي الصادر من الشارع ... الثاني: من حیث أنّ الشكّ بالمعنی الأعم الذي هو المأخوذ في تعریف الاستصحاب قد یكون مع تساوي الطرفین و قد یكون مع رجحان البقاء أو الارتفاع ... الثالث: من حیث أنّ الشك في بقاء المستصحب قد یكون من جهة المقتضي ... و قد یكون من جهة طروّ الرافع مع القطع باستعداده للبقاء ...»
[9] مصباح الأصول( مباحث حجج و امارات- مكتبة الداوري)، الواعظ الحسيني، السيد محمد؛ تقرير بحث السيد أبو القاسم الخوئي، ج2، ص48.: «المختار في جریان الاستصحاب في الشبهات الحكمیة هو التفصیل على ما ذكرنا لا الإنكار المطلق كما علیه الأخباریون و الفاضل النراقي. و لا الإثبات المطلق كما علیه جماعة من العلماء»
[10] توضیح مختار المحقّق النراقي ورد في أربعة من الكتب: في فرائد الأصول، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج3، ص208.: «و ممّا ذكرنا يظهر فساد ما وقع لبعض المعاصرين من تخيّل جريان استصحاب عدم الأمر الوجودي المتيقّن سابقاً و معارضته مع استصحاب وجوده ... قال في تقريب ما ذكره من تعارض الاستصحابين‌: إذا علم أنّ الشارع أمر بالجلوس في يوم الجمعة ... فيستصحب و يستمرّ ذلك إلى وقت الزوال انتهى».و في مطارح الأنظار، الكلانتري الطهراني، الميرزا أبو القاسم، ج4، ص239.: «هداية: زعم بعض‌ أفاضل متأخّري المتأخّرين أنّ استصحاب حال الشرع- يعني الاستصحاب الوجودي- ليس معتبراً، و استصحاب حال العقل- يعني الاستصحاب العدمي- معتبر، و استند في ذلك إلى أنّ استصحاب الوجود دائماً معارض باستصحاب عدمي مسبوق بذلك الوجود، و محصّل تفصيله التفكيك بين ما كان المقتضي محرزاً و شكّ في حصول الرافع و بين ما كان الشكّ من حيث المقتضي؛ إذ في موارد الشكّ الأخير دائماً يتعارض الاستصحابان فيتساقطان و لا‌بدّ من الرجوع إلى أصل عملي آخر كالبراءة و نحوها، بخلاف موارد الشكّ الأوّل فإنّ استصحاب عدم الرافع بعد سقوط الاستصحابين متعيّن.فالأولى نقل كلامه بطوله لتوضيح مرامه، قال- في جملة كلام له في تعارض الاستصحابين: "و التحقيق أنّ تعارض‌ الاستصحابين‌ إن‌ كان‌ في موضوع‌ و حكم واحد ..." ... ثمّ قال: "هذا في الأمور الشرعية، و أمّا الخارجية- كاليوم و الليل و الحياة و الرطوبة و الجفاف و أمثالها ممّا لا دخل لجعل الشارع في وجودها- فاستصحاب الوجود فيها حجة بلا معارض؛ لعدم تحقق استصحاب حال العقل فيها " انتهى كلامه مع تلخيص و تغيير ما مني و ملخصه في تمام ما ذكر هو اعتبار الاستصحاب عند الشك في الرافع أو الرافعية، و عدمه عند الشك من حيث المقتضي».و في إيضاح الفرائد، التنكابني، السيد محمد، ج2، ص717. في التعلیقة على قوله: «و مما ذكرنا يظهر فساد ما وقع لبعض المعاصرين‌»: «هذا البعض هو الفاضل النراقي في المناهج فلنذكر بعض كلماته لتوضيح المقام قال: "أمّا أقسام المستصحب فكثيرة لأنّه إمّا حكم عدمي أو وجودي و الوجودي إمّا حكم شرعي أو وضعي أو موضوع لأحدهما أو متعلّق له ..." إلى أن قال: "و التحقيق أنّ تعارض‌ الاستصحابين‌ إن‌ كان‌ في موضوع و حكم واحد ... فیجب العمل باستصحاب الحكم المزيل دون الآخر" إلى أن قال في الفائدة الأولى: "إعلم أنّ بعد ما عرفت حال تعارض الاستصحابين ... فيبقى الباقي مثلاً إذا علم" إلى آخر ما نقله المصنف».و في منتهى الدراية، المروج الجزائري، السيد محمد جعفر، ج7، ص439.: «ينبغي التعرض لكلام الفاضل النراقي أزيد مما تقدم في توضيح المتن خصوصاً بعد اعتماد بعض الأجلة عليه في إنكار الاستصحاب في الشبهات الحكمية الكلية، و لا بأس بنقل جملة مما أفاده في المناهج أوّلاً ثمّ تحقيق الأمر، قال في محكيها: "و التحقيق أنّ تعارض‌ الاستصحابين‌ إن‌ كان‌ في حكم و موضوع واحد ... مثلاً إذا علم أنّ الشارع أمر بالجلوس يوم الجمعة، و علم أنّه واجب إلى الزوال و لم‌يعلم وجوبه فيما بعده" إلى آخر ما حكاه الشيخ عنه و قد تقدّم في التوضيح.و مقتضى هذا الكلام و إن كان منع حجية الاستصحاب في الشبهات الحكمية الكلية، و لذا نسب إليه القول بالمنع مطلقاً، إلا أنّ صريح كلامه في المستند في استصحاب نجاسة ما جففته الشمس التفصيل بين الأحكام التكليفية و الوضعية، حيث قال في ما أورده بعض على الاستصحاب المذكور ما لفظه: "و تحقيق المقام و توضيحه: أنّ الأمور الشرعية على قسمين: أحدهما: ما يمكن أن يكون المقتضي لثبوته مقتضياً له في الجملة أو إلى وقت كالوجوب و الحرمة و نحوهما، فإنّه يمكن إيجاب شي‌ء أو تحريمه ساعة أو يوماً أو إلى زمان أو مع وصف. و ثانيهما: ما ليس كذلك، بل المقتضي لثبوته يقتضي وجوده في الخارج، فإذا وجد فيه لا‌يرتفع إلا بمزيل ... و ذلك كالملكية ... و شأن النجاسة في الشرعيات من هذا القبيل ... و على هذا فبعد ثبوت النجاسة في الموضع يحتاج دفعه إلى مزيل، و ما لم‌يعلم المزيل يستصحب".و نحوه كلامه في العوائد حيث جعل الأحكام الوضعية كالولاية و القضاوة و نحوهما مما يحتاج رفعها إلى مزيل، فلاحظ.و بهذا يتّضح عدم صحّة ما نسب إلى الفاضل النراقي من إنكار حجية الاستصحاب في الشبهات الحكمية مطلقاً تكليفيةً كانت أم وضعيةً».و إليك عبارة المحقق النراقي في مناهج الأصول، ص237 من نسخة مكتبة الفیضیة قال.: «... و التحقيق أنّ تعارض‌ الاستصحابين‌ إن‌ كان‌ في موضوع و حكم واحد فلا‌يمكن العمل بشي‌ء منهما و يتساقطان فيرجع إلى أصل البراءة و شبهه، و ذلك كما إذا قال الشارع في ليلة الجمعة مثلاً: صم، و قلنا بأنّ الأمر للفور و كنّا متوقّفين في إفادته المرّة أو التكرار فنقطع بوجوب صوم يوم الجمعة و نشكّ في السبت و فيه يتعارض الاستصحابان لأنّا كنّا يوم الخميس متيقّنين بعدم وقوع التكليف بصوم يوم الجمعة و لا السبت و بعد ورود الأمر قطعنا بتكليف صوم الجمعة و شككنا في السبت، و هذا الشك مستمرّ من حين ورود الأمر إلى يوم السبت و لاینقض الیقین بالشك فيستصحب عدم تكليف يوم السبت بالصوم، و كذا نقطع يوم الجمعة بالصوم و يشك في السبت فيستصحب التكليف أي وجوب الصوم فيحصل التعارض. فإن قلت: عدم التكليف المعلوم قبل الأمر إنّما يستصحب لولا الدليل على التكليف و استصحاب الوجوب المتيقن في الجمعة دليل شرعي فيرتفع عدم التكليف و ينقض اليقين باليقين. قلنا: مثله يجري في الطرف الآخر فيقال: وجوب صوم الجمعة إنّما يستصحب لولا الدليل على عدمه و استصحاب عدمه المتيقّن قبل ورود الأمر دليل شرعي فيرتفع الوجوب. لا‌يقال: إنّ العلم بالعدم قد انقطع و حصل الفصل فكيف يستصحب لأنّا نقول: إنّه لم‌يحصل فصل أصلاً بل كنّا قاطعين بعدم إيجاب صوم السبت يوم الخميس و شككنا فيه بعد الأمر و لم‌نقطع بوجوب صومه أصلاً فيجب استصحابه. و إن كان تعارضهما في حكمين من موضوع أو موضوعين و استلزم أحدهما خلاف الآخر فهو على قسمين: أحدهما: أن یكون الحكم الثابت بأحد الاستصحابين مزيلاً للحكم المستصحب بالآخر و بالعكس. و ثانيهما: أن يكون أحدهما كذلك دون الآخر. و أمّا ما لم‌يكن شي‌ء منهما كذلك فهو خارج عن البحث إذ لا تخالف بینهما و المراد بكونه مزيلاً له كونه مما جعله الشارع في الشرعيات أو الواضع في اللغويات أو العادة أو الحس أو العقل سبباً و علة رافعة له بلا واسطة أو بالواسطة بأن يكون سبباً لحكم آخر هو سبب إزالته. فمثال الأوّل كما إذا ورد عام و خاص متنافيا الظاهر فإنّ أصالة عدم القرينة في الخاص سبب للحكم بإرادة الحقيقة و هو سبب لتخصيص العام و أصالة عدم تخصيص العام سبب للحكم بإرادة العموم و هو سبب للتجوّز في الخاص إن قلنا بكون العام خاصاً لقرینة التجوز. و مثال الثاني مسئلة الصيد ... .فإن كان من القسم الأول فيتعارض الاستصحابان و يتساقطان إلا أن يكون لأحدهما مرجّح كما في مثال العام و الخاص على القول بالتعارض حيث أنّ فهم الإجماع و فهم العرف و سائر ما مرّ في مبحثه يرجح بقاء الخاص على حقيقته و إن كان من القسم الثاني‌ فیجب العمل باستصحاب الحكم المزيل دون الآخر ...».و قال في ص240 في الفائدة الأولى: «إعلم أنّ بعد ما عرفت حال تعارض الاستصحابين و أنّهما يتساقطان و لا حجية لأحدهما إذا وردا على حكم واحد أو حكمين مع ثبوت الرافعية من الجانبين و إن الحكم للمزيل مع ثبوت الرفع من أحدهما يظهر لك حال الاستصحاب في الأقسام الثلاثة المذكورة في المقدمة الأولى و يعلم أنّه لا حجية للاستصحاب في القسم الثالث مطلقاً و هو الذي علم ثبوت الحكم في الجملة أو في حال و شك فيما بعده، و ذلك لأنّ بعد ما علم حكم في وقت أو حال و شك فيما بعده و إن كان مقتضى اليقين السابق و استصحاب ذلك الحكم وجوده في الزمان الثاني أو الحالة الثانية و لكن مقتضى استصحاب حال العقل عدمه لأنّ هذا الحكم قبل حدوثه كان معلوم العدم مطلقاً علم ارتفاع عدمه في الزمان الأول فيبقى الباقي مثلاً إذا علم أنّ الشارع أمر بالجلوس في يوم الجمعة و علم أنّه واجب إلى الزوال و لم‌يعلم أنّه یجب بعده أیضاً فنقول: كان عدم التكليف بالجلوس قبل يوم الجمعة و فيه إلى الزوال و بعده معلوماً قبل ورود أمر الشارع و علم بقاء ذلك العدم قبل يوم الجمعة و علم ارتفاعه و التكليف بالجلوس فيه قبل الزوال و صار بعده موضع الشك فلنا شك و يقينان و ليس إبقاء حكم أحد اليقينين بالأخبار المذكورة أولى من إبقاء حكم الآخر بها.فإن قلت: يحكم ببقاء اليقين المتّصل بالشك و هو اليقين بالجلوس، قلنا: إنّ الشك في تكليف ما بعد الزوال حاصل قبل مجي‌ء يوم الجمعة وقت ملاحظة أمر الشارع فشك في يوم الخميس مثلاً في حال ورود الأمر في أنّ الجلوس غداً هل هو المكلف به بعد الزوال أيضاً أم لا و اليقين المتصل به هو عدم التكليف فيستصحب و يستمرّ ذلك إلى وقت الزوال ...»
[11] في بحوث في علم الأصول، الهاشمي الشاهرودي، السيد محمود، ج6، ص20..: «الدليل الثاني: التمسك بالسيرة و بناء العقلاء عملاً على بقاء الحالة السابقة، و قد ناقش في ذلك جملة من المحقّقين ... و لكن الصحيح ثبوت أصل السيرة و البناء العقلائي على العمل على طبق الحالة السابقة في الجملة و لو على أساس الوهم و الأنس الذهني الّذي يميل الإنسان على أساسه إلى افتراض بقاء الحالة السابقة ... هذا و لكن لابدّ من البحث في أنّ هذه السيرة كيف يمكن تصويرها بحيث يكون عدم الردع عنها دليلاً على إمضاء الاستصحاب شرعاً، فنقول بالإمكان تصوير ذلك بأحد أنحاء ثلاثة: 1- دعوى سريان السيرة و الجري العملي الثابت لدى العقلاء في أغراضهم التكوينية إلى موارد الأفعال و الأحكام الشرعية بعد دخولها في محلّ ابتلاء الناس و أنّ هذا حصل في عصر الشارع نفسه. 2- دعوى أنّ تلك السيرة و إن فرض عدم الجزم بسريانها إلى دائرة الأحكام الشرعية إلّا أنّها على أيّة حال تشكل خطراً على أغراض المولى لكونها في معرض أن تسري إليها فلو لم‌يرض الشارع بذلك لردع عنها في هذا المجال. 3- دعوى ثبوت هذه السيرة عند العقلاء في دائرة الأحكام الثابتة بين الموالي العرفية كأوامر الأب لابنه أو السيد لعبده، و هذا أيضاً بنفسه يهدّد الأغراض الشرعية المولوية فلو لم‌يكن الشارع راضياً بذلك لردع عنها. و التحقيق أنّ الدعوى الأولى و الثالثة لا جزم بهما، و قد يستشهد على ذلك بدعوى الأخباريين الإجماع على عدم حجية الاستصحاب إلّا أن التقريب الثاني يكفي لإثبات صغرى السيرة»
[12] اختار هذا الوجه في القواعد الشريفة، الجابلقي، الشيخ محمد شفيع، ج2، ص404.فقال: «و لنشرع في ذكر المقامات: أمّا الأوّل: ففي بيان الحجيّة في الجملة و الأدلّة الدالّة على الحجية اثنا عشر»، و في ص410: «السابع: بناء العقلاء على العمل بالاستصحاب فإنّ العقلاء يسافرون إلى البلاد الواقعة في سواحل البحر الثابتة بقائها يقيناً في زمان مشكوكاً بقائها في زمان لاحق عنه و لا‌يسافرون إلى البلاد التي يكون عدم وجودها يقيناً في زمان مشكوكاً في زمان آخر لاحق عنه»، ثمّ ذكر إیرادات أربعة و أجاب عنها.و في منتهى الأصول، المحقّق البجنوردي، (ط.ج): ج‌2، ص536: «الدليل الأول: بناء العقلاء و تقريره: أنّه لا شك في أنّ سيرة العقلاء و بناءهم كافة- سواء كانوا من ذوي الأديان أو من غيرهم- على العمل و الجري على طبق الحالة السابقة و عدم الاعتناء بالشك في ارتفاعها، و يظهر ذلك بالعيان و الوجدان لمن نظر في أعمالهم و حركاتهم و سكناتهم في معاملاتهم و تجاراتهم و زياراتهم لأصدقائهم و أقربائهم و عياداتهم لمرضاهم، و جميع أمورهم، بل و إن تأمّل في أعمال نفسه و حركاته الارتكازية يرى أنّه يجري على طبق الحالة السابقة مع الشك في ارتفاعها، و لا‌يعتني إلى شكّه أصلاً من حيث الجري العملي، بمعنى أنّ شكّه لا‌يوافقه عن الجري على طبق الحالة السابقة».و في المحاضرات (مباحث أصول الفقه)، المحقٌّق الداماد، ج‌3، ص21: «نحن نجدهم عاملين على طبق الحالة السابقة فيما ليس فيه اطمينان أو ظنّ بثبوت ما كان بل فيما ثبت الظنّ بعدم ثبوته، و كيف كان ليس مدار بنائهم على حصول الاطمينان أو الظنّ الشخصيين ببقاء ما كان. نعم يمكن أن يكون الظنّ بالبقاء حكمة لاستقرار طريقتهم ... و كلامنا هذا في أنّهم يعملون على طبق الحالة السابقة و يحتجّون به عند الاحتجاج مع مواليهم، و هذا ليس مرتبطاً بأمورهم كي يدعى أنّه من باب الاحتياط. و أمّا احتمال الغفلة فهو مدفوع بأنّا نجد العقلاء بانين على طبق الحالة السابقة في موارد الترديد في البقاء و عدمه ...».و في الاستصحاب (السید المحقّق السیستاني.) تقریر السید محمد علي الرباني، ص36: «الدلیل الثالث: بناء العقلاء، و هو بناء العقلاء على الحكم ببقاء ما كان على ما كان معتمداً على الیقین السابق بضمیمة عدم ثبوت الردع من الشارع ... و هذا الدلیل یمكن عدّه من الواضحات في الجملة و ذلك لأنّنا حینما نراجع العقلاء في شؤونهم الفردیة و تعاملهم مع الآخرین و في الحكم بین الناس نراهم معتمدین على الاستصحاب .. و ممّا ذكرنا قد ظهرت علة حكمهم بالبقاء و أنّ سبب ذلك جهتین: إحداهما نفسیة، و الأخری اجتماعیة أي بلحاظ المصالح و المفاسد؛ أمّا الجهة النفسیة فهي عبارة عن رؤیة الشيء على ما رآه سابقاً ... و یمكن التعبیر عنه بالاطمینان الإحساسي أو المظنّة بالتوضیح الذي ذكرناه من الاعتقاد غیر المدعم بالبرهان، و أمّا الجهة الاجتماعیة فإنّه لو لم یحكم الإنسان ببقاء ما كان لاختلّ النظام أو لا أقل من البطء في سیر النظام الاجتماعي»
[13] و في وسيلة الوصول إلى حقائق الأصول، ج‌1، ص714: «الإنصاف أنّ أصل بناء العقلاء و عدم ردع الشارع عنه لا إشكال فيه، و إنّما الإشكال في مقدار هذا البناء، و الحقّ أنّ هذا البناء منهم إنّما هو فيما إذا كان الشكّ في البقاء من جهة وجود الرافع و المزيل و أنّهم لا‌يعتنون بهذا الشكّ، و أمّا إذا كان الشكّ من جهة وجود المقتضي و عدمه فهذا البناء عندهم غير معلوم».في منتهى الوصول إلى غوامض كفاية الأصول، ص20: «الإنصاف صحة التمسك بالسيرة لإثبات حجية الاستصحاب صغرىً و كبرىً؛ أمّا الأولى فلأنّهم يعاملون مع المشكوك معاملة المتيقّن عند الشكّ في بقائه وجداناً، و هذا أمر جبلّي مرتكز في الأذهان مودع في طباعهم من قبل بارئهم لحكم و مصالح، و أمر غريزي جعل طبيعة لهم من غير أن يكون منشؤه الغلبة أو الظنّ بالبقاء حتى يقال بعدم تحقّق الغلبة لاحتياجه إلى الإحاطة بالمقامات و تشخيص أنّ الأغلب في كلّ مورد بقاؤه بعد وجوده، أو تشخيص أنّ المنشأ في بنائهم في جميع المقامات على البقاء هو حصول الظنّ بالبقاء، و كلاهما خلاف الوجدان، و مع تسليم الغلبة أو الظنّ فبالمنع من حجيتهما، فالحقّ ما ذكرناه من أنّه أمر غريزي ارتكازي مودع فيهم من قبل صانعهم لا‌يعلم وجهه إلّا الله تبارك و تعالى، كسائر الغرائز الطبيعية، و دعوى هذا المقدار من السيرة ليست بجزاف و لا خلاف الإنصاف، و لكن ينبغي أن ينظر أنّ البناء منهم على البقاء ثابت فيما إذا تيقّن بوجود شي‌ء و شك في بقائه مطلقاً، أو يكون فيما إذا شك في تحقّق مزيل و رافع فلا‌يعتنون باحتمال وجود المزيل فقط، و أمّا إذا شك في البقاء عن جهة الشك في المقتضي فلا‌يرتّبون أحكام المتيقّن السابق، فلا‌يبعد دعوى تحقق السيرة في خصوص الشك في الرافع و المزيل، دون الشكّ في المقتضي، و ذلك أيضاً بشهادة الوجدان».

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo