< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ محمدعلي البهبهاني

45/07/09

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاستصحاب /الفصل الاول؛ الدلیل الرابع؛ القسم الأول؛الاحتمال الثاني للروایة الأولی

 

الاحتمال الثاني

الاحتمال الثاني هو أنّ الجزاء نفس قوله: «فَإِنَّهُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ وُضُوئِهِ» بتأویل الجملة الخبریة إلى الجملة الإنشائیة حتّی یكون المعنی هو أنّه یجب البناء و العمل على طبق الیقین بالوضوء، لأنّ هذه الجملة قابلة بنفسها لكونها جزاء، و مجرّد حذف الجزاء في بعض الموارد كما في الآیات التي ذكرها الشیخ الأنصاري، لایكون قرینةً على الحذف في المورد القابل لكونه جزاء. و هذا الوجه مختار المحقّق النائیني كما تقدّم.

تقریب المحقّق الإصفهاني لهذا الاحتمال

قال ذیل الاحتمال الثاني: قد حكم الشیخ الأعظم بأنّه تكلّف و جعله شیخنا الأستاذ ([1] )بعیداً إلى الغایة. مع أنّه كسائر الموارد لا تكلّف فیه و لیس بعیداً إلى الغایة.

و قد ذكرنا في محلّه أنّ إفادة البعث بالجملة الخبریة الحاكیة عن وقوع المبعوث إلیه بعنوان الكنایة [إنّما یكون لوجهین:] إمّا إظهاراً للمقتضي بإظهار مقتضاه نظراً إلى أنّ البعث علّة لوجود المبعوث إلیه خارجاً، لأنّه بمعنی جعل الداعي، الذي به تنقدح الإرادة في نفس المبعوث لتحرّك عضلاته نحو المبعوث إلیه، فالفعل المبعوث إلیه موجود مباشري من المبعوث و موجود تسبیبي من الباعث.

و إمّا بلحاظ أنّ المولى لشدّة طلبه للفعل، جعل وقوعه من العبد مفروغاً عنه، فأظهر شدّة طلبه بإظهار وجود مطلوبه في الخارج ... و من الواضح أنّ الإخبار عن الكون على یقینه بالوضوء في مقام البعث إلى كونه باقیاً على یقینه و ثابتاً علیه، حقیقة إبقاء الیقین، و عدم رفع الید عنه و هو معنی معقول كسائر موارد الجملة الخبریة، المراد منها البعث إلى ما أخبر عن وقوعه. ([2] )

مناقشتان من المحقّق الإصفهاني في الاحتمال الثاني

أوّلاً: لایتعیّن الحمل [على الإنشائیة] إلا إذا لم‌یمكن التحفّظ على ظهوره في الحكایة الجدّیة و إلا فالحكایة الكنائیة محفوظة.

ثانیاً: إنّ قوله: «وَ لَا‌يَنْقُضُ الْيَقِينَ بِالشَّكِّ» یكون حینئذٍ تأكیداً للأمر بالكون على یقینه نظیر كون عدم وجوب الوضوء في الاحتمال الأوّل تأكیداً لما یستفاد من قوله: «لَا حَتَّى يَسْتَيْقِنَ أَنَّهُ [قَدْ] نَامَ» فتدبّر. ([3] )

ملاحظة على المناقشة الثانیة التي أفادها المحقّق الإصفهاني

إنّ في هذه الروایة لم‌نجد أمراً بالكون على یقینه السابق حتّی یكون تكراراً مستهجناً. نعم إنّ النهي عن النقض في قوله: «لَا‌يَنْقُضُ الْيَقِينَ أَبَداً بِالشَّكِّ» تأكید للأمر بالعمل على طبق الیقین السابق كما أفاده المحقّق الإصفهاني و هذا التأكید لیس تكراراً، لأنّ لسان الجملة الأولى الأمر و لسان الجملة الثانیة النهي.

هذا بخلاف الجزاء المحذوف بناءً على الاحتمال الأوّل، فإنّه عین مفاد قوله: «لَا حَتَّى يَسْتَيْقِنَ أَنَّهُ قَدْ نَامَ»، فإنّ مفاد كلیهما هو «إنّه لایجب الوضوء علیه».

نعم قد تقدّم النقاش في ذلك بأنّ الجزاء المحذوف لایعدّ تكراراً لفظیاً و تأكیداً زائداً حتّی یكون مستهجناً فما أفاده المحقّق الإصفهاني من أنّه یلزم التكرار بناء على الاحتمال الثاني نظیر التأكید الذي یلزم بناء على الاحتمال الأوّل، و هذا ممّا لایمكن المساعدة علیه.

مناقشة المحقّق الخوئي في الاحتمال الثاني

أوّلاً: الظاهر عدم صحّته أیضاً لأنّا لم‌نعثر على استعمال الجملة الاسمیة في مقام الطلب، بأن یقال: «زید قائم» مثلاً و یراد به "یجب علیه القیام".

نعم الجمل الخبریة الفعلیة استعملت في مقام الطلب كثیراً مثل: أعاد أو یعید أو من زاد في صلاته استقبل استقبالاً.

و أمّا الجملة الاسمیة فلم‌یعهد استعمالها في مقام إنشاء الطلب. نعم الجملة الاسمیة تستعمل لإنشاء المحمول كما یقال: أنتِ طالق أو أنتَ حرّ في مقام إنشاء الطلاق و إنشاء الحرّیة، و كذا غیرهما من الإنشاءات غیر الطلبیة.

ثانیاً:] مضافاً إلى أنّا لو سلّمنا كونها في مقام الطلب، لایستفاد منها وجوب المضي و الجري العملي على طبق الیقین، بل تكون طلباً للمادة أي الیقین بالوضوء، كما أنّ الجملة الفعلیة في مقام الطلب تكون طلباً للمادة، فإنّ قوله: «أعاد» أو «یعید» طلب للإعادة فیكون قوله: «فَإِنَّهُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ وُضُوئِهِ» طلباً للیقین بالوضوء و لا معنی له، لكونه متیقّناً بالوضوء على الفرض.([4] )

یلاحظ علیها

أوّلاً: إنّ الجملة الاسمیة هنا أیضاً لإنشاء المحمول تعبّداً، و المحمول هنا الكون على الیقین السابق، فاستعمالها في مقام إنشاء المحمول هو بمعنی تأویلها بطلب الكون على الیقین السابق أو التعبّد ببقاء الیقین السابق. هذا بالنسبة إلى المناقشة الأولى.

ثانیاً: ما أفاده في المناقشة الثانیة أیضاً لایمكن المساعدة علیه، لأنّ الطلب لایتعلّق بالیقین كما أفاده و لكن المادّة في محمول هذه الجملة الاسمیة لیست هي الیقین بل المادة في المحمول الكون على الیقین، لأنّ المحمول في قوله: «فَإِنَّهُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ وُضُوئِهِ» هو قوله: «عَلَى يَقِينٍ مِنْ وُضُوئِهِ»، و الجار و المجرور متعلّق بفعل «كان» الذي هو من أفعال العموم في الاصطلاح الأدبي، فتكون المادة في المحمول هي «الكون على یقین من وضوئه» و الطلب یتعلّق بالكون على الیقین، لا بنفس الیقین، و معنی طلب الكون على الیقین، هو استمرار كونه على الیقین تعبّداً. و بعبارة أخری معناه هو طلب كونه على الیقین من وضوئه تعبّداً في الآن الحاضر.

فتحصّل إلى هنا أنّ الاحتمال الثاني مخدوش بالمناقشة الأولى التي أفادها المحقّق الإصفهاني. أمّا المناقشة الثانیة التي ذكرها المحقّق الإصفهاني و المناقشتان اللتان أفادهما المحقّق الخوئي فلا‌یمكن المساعدة علیها.

 


[4] مصباح الأصول( مباحث حجج و امارات- مكتبة الداوري)، الواعظ الحسيني، السيد محمد؛ تقرير بحث السيد أبو القاسم الخوئي، ج2، ص17.: «أمّا الكلام في الموضع الأوّل فالظاهر عدم صحّة كون الجواب أحد المذكورین؛ أمّا قوله: ... و أما قوله: «فإنّه على یقین من وضوئه» فلأنّه إن بنی على ظاهره من كونه جملة خبریة ... و إن بنی على كونه جواباً و كونه انشاء في المعنی أي یجب علیه المضي على یقینه من حیث العمل كما ذكره المحقق النائیني. فالظاهر عدم صحّته أیضاً لأنّا لم‌نعثر ...»

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo