< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ محمدعلي البهبهاني

45/07/12

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاستصحاب /الفصل الأول؛ الدلیل الرابع؛ الوجه الثانی لالغاء الخصوصیة من الروایة الإولی من القسم الأول

 

الوجه الثاني: من جهة كلمة الیقین

قد تقدّم هذا الوجه و هو أنّ الیقین و الشك من الصفات ذات الإضافة، فلا‌بدّ من ذكر المتعلّق عند ذكرهما، فالتقیید بالوضوء في الصحیحة من جهة الموردیة لا من جهة مقوّمیة الخصوصیة.([1] )

یلاحظ علیه

أوّلاً: إنّ هذا الوجه لایثبت عدم دخل الخصوصیة بل یدلّ على عدم إثبات دخل الخصوصیة، و إلغاء الخصوصیة متوقّف على إثبات عدم دخل الخصوصیة، و أمّا مع عدم إثبات دخل الخصوصیة فلا‌بدّ من الرجوع إلى مقتضى القاعدة فهذا الوجه بنفسه لایتمّ، إلا أن یدلّ مقتضى القاعدة عند التردید بین الموردیة و المقوّمیة على إلغاء الخصوصیة، و سیجيء الكلام حوله إن شاء الله تعالى([2] ).

ثانیاً: إنّ الیقین و إن كان من الصفات ذات الإضافة إلا أنّ احتیاجها إلى المتعلّق هو عند تحقّقها الخارجي لا تحقّقها المفهومي. و بعبارة أخری ما یحتاج إلى المتعلّق هو الیقین بالحمل الشائع لا الیقین بالحمل الأوّلي، و لذلك نری كثیراً استعمال الیقین و الشك من دون ذكر متعلّقهما، و من تلك الموارد هو استعمال الیقین و الشك في بعض الروایات مثل روایة الخصال([3] ) و أیضاً مثل استعمالها عند ذكر القاعدة الكلّیة حیث نقول قاعدة لاتنقض الیقین بالشك.

الوجه الثالث: من جهة كلمة «النقض»

و قد تقدّم هذا الوجه و هو أنّ كلمة النقض تستعمل فیما كان متعلّقه أمراً مبرماً مستحكماً، فإنّ الیقین أمر مبرم و الشك أمر غیر مبرم، و لایجوز نقض الأمر المبرم مثل الیقین بالأمر غیر المبرم مثل الشك، و هذه كقاعدة كلّیة لاتختصّ بباب الوضوء.

یلاحظ علیه

إنّ ذلك لایتمّ إلا مع القطع بكشف الملاك و المناط، بأن یقال إنّا نقطع بأنّ المناط في نهي الشارع عن نقض الیقین هو أنّ الیقین أمر مستحكم و مبرم فلا‌یمكن نقضه بأمر غیر مبرم و لكن تنقیح هذا المناط و القطع به مجرّد استحسان ذوقي و لا سبیل لحصول القطع به. غایة الأمر جعله مؤیّداً للمطلوب لا دلیلاً علیه.

مضافاً إلى أنّ الواقع خلاف ذلك لأنّ الیقین و إن كان أمراً مبرماً مستحكماً إلا أنّه صفة نفسانیة قد انتقضت خارجاً بالشك الذي هو أمر غیر مبرم، و عدم انتقاضه تعبّداً غیر عدم انتقاضه واقعاً.

الوجه الرابع: من جهة كلمة «أبداً»

إنّ كلمة «أبداً» تشير إلى أنّ عدم نقض اليقين بالشك قاعدة كلّیة، لا‌بدّ من رعایتها في جمیع الموارد بل ادّعی بعض الأعلام كالمحقّق الخوئي ارتكازیة هذه القاعدة من غیر التزامه بأنّ حجّیتها من باب السیرة العقلائیة خلافاً للمحقّق النائیني حیث قال بارتكازیّتها و التزم بالسیرة العقلائیة كما سیأتي إن شاء الله تعالى بیانه.([4] )

یلاحظ علیه

إنّه لایمكن الاستدلال على إلغاء الخصوصیة بهذا الوجه مستقلاً، لأنّ كلمة «أَبَداً» تُشعر و تشیر إلى أنّ عدم نقض اليقين بالشك قاعدة كلّیة في باب الوضوء. و أمّا أنّها عامّة لجمیع الأبواب فلا‌یستفاد منها وحدها و لذا اضطرّ المحقّق الخوئي هنا إلى تتمیم هذا الوجه بارتكازیة تلك القاعدة، مع أنّه وجه آخر.

الوجه الخامس: ارتكازیة قاعدة لاتنقض الیقین بالشك

و هي قرینة خارجیة على إلغاء الخصوصیة، توضیحه:

إنّ المحقّق النائیني و المحقّق الخوئي التزما بأنّ هذه، قاعدة كلّیة ارتكازیة عند العقلاء، و قال المحقّق الخوئي: إنّ ذلك لاینافي ما تقدّم من عدم تحقّق السیرة العقلائیة على العمل بالاستصحاب.

و إلیك نصّ عبارته:

إنّ قاعدة عدم جواز نقض الیقین بالشك قاعدة ارتكازیة مسلّمة، فإنّ الیقین و الشك بمنزلة طریقین یكون أحدهما مأموناً من الضرر و الآخر محتمل الضرر، فإذا دار الأمر بینهما لا إشكال في أنّ المرتكز هو اختیار الطریق المأمون.

و ما أنكرناه سابقاً إنّما هو تطبیق هذه الكبری الكلّیة على الاستصحاب، لعدم صدق نقض الیقین بالشك عرفاً، لأنّ الیقین متعلّق بالحدوث فقط و الشك متعلّق بالبقاء فلم‌یتعلّق الیقین بما تعلّق به الشك، حتّی لایجوز نقض الیقین بالشك، فلا‌یصدق نقض الیقین بالشك عرفاً.

فتطبیق هذه الكبری الارتكازیة على الاستصحاب إنّما هو بالتعبّد الشرعي لأجل هذه الصحیحة و غیرها من الروایات الآتیة، و لا مانع من كون الكبری مسلّمةً ارتكازیة، مع كون بعض الصغریات غیر واضحة. ([5] )

یلاحظ علیه

أمّا ارتكازیة بناء العقلاء على طبق الحالة السابقة فقد تقدّم([6] ) الإشكال علیه، عند استدلال المحقّق النائیني على حجّیة الاستصحاب بالسیرة العقلائیة فلا‌نعیده.

أمّا ارتكازیة قاعدة «عدم جواز نقض الیقین بالشك»، فإن كان المراد منها ما یرجع إلى قاعدة الیقین بمعنی تعلّق الیقین بنفس ما تعلّق به الشك ذاتاً و زماناً، فلا‌نسلّم ارتكازیته.

و إن كان المراد منها هو أنّ الأمر قد یتردّد بین حصول الیقین بالشيء و حصول الشك به فحینئذٍ لایجوز اختیار الشك بل لابدّ من اختیار الیقین حتّی یكون طریقاً قطعیاً مأموناً عن الضرر، فلا‌نسلّم حینئذٍ تسمیة هذه القاعدة الارتكازیة بعدم جواز نقض الیقین بالشك، فإنّ هنا لایصدق النقض و لا معنی له.

مضافاً إلى أنّ تطبیق هذه القاعدة الكلّیة الارتكازیة على الاستصحاب إنّما هو بالتعبّد الشرعي كما أفاده، و لابدّ في هذا التعبّد من دلالة الدلیل، فإذا دلّ الدلیل على التعبّد المذكور في خصوص باب الوضوء فلا‌یجوز التعدّي منه إلى سائر أبواب الفقه، فهذا الوجه لایدلّ على لزوم إلغاء الخصوصیة عن الوضوء، لأنّ المقام لیس من صغریات هذه القاعدة الارتكازیة.

الوجه السادس: عموم حكم العقل

و هذا أیضاً قرینة خارجیة على إلغاء الخصوصیة.

توضیحه: إنّ القائلین بحجّیة الاستصحاب من باب إفادة الظنّ ذهبوا إلى أنّ ملاحظة الحالة السابقة توجب إفادة الظنّ، و قد تقدّم أنّ لهم منهجین لإثبات إفادة الظنّ: إمّا بنفسه و إمّا من باب إلحاق المورد بالأغلب، و حیث أنّهم ذهبوا إلى حجّیة الظنّ المذكور، كما صرّح بعضهم بذلك من باب الانسداد، فینتج لهم حجّیة الاستصحاب، و هذا البیان لایختصّ بباب الوضوء بل یجري في جمیع الأبواب فالقائلون بحجّیة الاستصحاب من باب حكم العقل، لایرون لتقیید الیقین بالوضوء خصوصیة، فیجب عندهم إلغاء الخصوصیة.

یلاحظ علیه

إنّه قد تقدّم([7] ) بطلان هذه المقالة، أمّا من حیث الصغری فقلنا إنّ ملاحظة الحالة السابقة لاتوجب بنفسها إفادة الظنّ. نعم إنّها قد تفید الظنّ من باب إلحاقه بالأغلب، و أمّا من حیث الكبری فقلنا بعدم حجّیة الظنّ المذكور إلا عند القائلین بانسداد باب العلم و لكنّا لانلتزم بذلك.

فتحصّل أنّه لایمكن لنا إلغاء الخصوصیة بهذا الوجه.

و بالنتیجة: إنّ الوجه في إلغاء الخصوصیة عن تقیید الیقین بالوضوء هو الوجه الأوّل، أمّا سائر الوجوه فلا‌تتمّ عندنا.


المطلب الثاني: مقتضی القاعدة عند الشك في مقوّمیة الخصوصیة

إنّه لو شككنا في مدخلیة التقیید بالوضوء في الیقین، فما هو مقتضی القاعدة؟

نظریة المحقّق الإصفهاني

إذا لم‌یمكن إثبات الخصوصیة و لا إلغاؤها، و تردّد أمرها بین الموردیة و المقوّمیّة فإن قلنا بأنّ القدر المتیقن في مقام التخاطب یمنع عن انعقاد الإطلاق فلا‌یمكن إثبات الاستغراق في الجنس [فیختصّ الیقین بباب الوضوء]، و إن لم‌نقل بذلك فمع تمامیة مقدمات الحكمة یمكن إثبات الإطلاق و الاستغراق [و نتیجة الإطلاق و الاستغراق في الجنس هي عمومیة الیقین و عدم اختصاصه بباب الوضوء].

و ممّا ذكرنا تبیّن أنّ إثبات كون اللام للإشارة إلى الجنس لا معنی له مع استظهار الخصوصیة كما هو الأصل في ذكر القید، لما عرفت من تبعیة الكلّیة للجملة الشرطیة.

كما أنّ كون اللام للعهد لایضرّ مع إلغاء الخصوصیة، فإنّ المعهود حینئذٍ نفس الیقین بما هو یقین، لا بما هو یقین بالوضوء.

نعم بناء على الإجمال و عدم مانعیة القدر المتیقّن في مقام التخاطب، یفید كون اللام للاشارة إلى الجنس، فإنّه حینئذٍ یثبث الاستغراق بضمیمة الحكمة. ([8] )

إیراد على نظریة المحقق الإصفهاني

یمكن أن یتوهّم هنا عدم تمامیة ما أفاده المحقّق الإصفهاني من جهة أنّ الأصل في القیود استظهار الخصوصیة، كما أشار إلیه أیضاً في خلال نظریته، و لازم ذلك هو أنّ التقیید بالوضوء إنّما هو للاحتراز عن البناء على العمل على طبق الحالة السابقة في غیر باب الوضوء. نعم إنّ ما أفاده یتمّ بالنسبة إلى سبب الشك فإنّه في خصوص المورد هو الشك في تحقّق النوم الناقض و إذا شككنا في موردیته أو مقوّمیته، فالقاعدة عند القول بعدم مانعیة القدر المتیقّن في مقام التخاطب عن الإطلاق هي إلغاء الخصوصیة عن سبب الشك و عدم اختصاصه بباب النوم.

جواب عن هذا الإیراد

إنّ الكلام قد یقع فیما لم‌یرد ما یحتمل قرینیته لعدم الخصوصیة و حینئذٍ إنّ الأصل هو استظهار الخصوصیة، و أمّا إذا ورد في المقام أو في نفس الروایة ما یحتمل قرینیته لعدم خصوصیة القید، فحینئذٍ یكون الكلام مجملاً مردّداً بین موردیة القید و مقوّمیته فإذا قلنا بعدم مانعیة القدر المتیقّن في مقام التخاطب عن الإطلاق، فینتج استغراق جنس الیقین و عدم خصوصیة الوضوء.([9] )


[1] كفاية الأصول - ط آل البيت، الآخوند الخراساني، ج1، ص389.: «لا موجب لاحتماله [أي احتمال اختصاص قضية لا‌تنقض إلى آخره باليقين و الشك بباب الوضوء] إلا احتمال كون اللام في اليقين للعهد إشارة إلى اليقين في فإنّه على يقين من وضوئه مع أنّ الظاهر أنّه للجنس كما هو الأصل فيه و سبق فإنّه على يقين إلى آخره لا‌يكون قرينة عليه مع كمال الملاءمة مع الجنس أيضاً فافهم مع أنّه غير ظاهر في اليقين بالوضوء لقوّة احتمال أن يكون من وضوئه متعلقاً بالظرف لا بيقين و كأنّ المعنى فإنّه كان من طرف وضوئه على يقين، و عليه لا‌يكون الأوسط إلا اليقين لا اليقين بالوضوء كما لا‌يخفى على المتأمّل».ثمّ إنّ المحقق الإصفهاني ذهب إلى تعلق «من وضوئه» بالاستقرار على الیقین كما احتمله صاحب الكفایة فقال في نهاية الدراية في شرح الکفاية - ط قديم، الغروي الإصفهاني، الشيخ محمد حسين، ج3، ص49.في التعلیقة على قوله: «أن يكون من وضوئه متعلّقاً بالظرف»: «الغرض تعلق الوضوء بالكون على اليقين، و الاستقرار عليه، فما هو متعلّق حرف الاستعلاء متعلّق لقوله. (من وضوئه) و حاصل المعنى أنّه مستقر على اليقين، من حيث وضوئه، فالاستقراء على اليقين هو متعلّق حرف الابتداء ... و لا‌يجب أن يكون مدخول حرف الابتداء مبدأ و منشأ لمتعلّقه، حتّى يقال: إنّ الاستقراء على اليقين لا‌ينشأ من الوضوء، بل كلمة (من)- كما أشرنا إليه في أواخر البراءة- لمجرّد اقتطاع متعلّقه عن مدخوله، و المبدئية و المنشئية و التبعيض، و أشباه ذلك يستفاد من الخارج.و مما يشهد لعدم تعلّق هذه الكلمة باليقين أنّ مادة اليقين تتعدّى بالباء لا بـ (من)، فيقال: أيقن به، و استيقن به، و متيقّن به، بل سنخ هذا التركيب يتعدّى بـ (من) دائماً فيقال: علي سلامة من دينه، و على بصيرة من أمره، و في ريب مما أنزلناه، مع أنّ البصيرة تتعدّى بالباء و الرّيب يتعدى بـ (في)، و السلامة و إن كانت تتعدى بـ (من) لكنّه بالإضافة إلى ما يسلم منه من الآفات و العيوب و نحوها، لا بالإضافة إلى الموصوف بالسلامة، و الدين مما يوصف بأنه سالم لا بالسلامة منه، فيظهر أنّ كلمة (من) ليست واسطة في تعدّي اليقين و البصيرة و الريب و السلامة بمدخول، بل متعلّقة بالاستقرار على اليقين و البصيرة و السلامة و نحوها، فيراد كون الشخص على اليقين من حيث الوضوء، و على السلامة من حيث الدين و هكذا، و عليه فاليقين بحسب فرض الكلام لم‌يتعلق بشي‌ء حتّى يتخصص به، و إن كان في الواقع متعلقاً به، كما هو كذلك في جميع الصفات الإضافية فإنها تعلقية».ثمّ ذكر احتمالین آخرین بناء على تعلّق «من وضوئه» بالیقین یترتّب على كلیهما كلیة الیقین فقال: «و يمكن أن يقال- بناء- على تعلق (من وضوئه) باليقين أن تغيير الأسلوب فيه، و في أمثاله- حيث أن بعضها يتعدّى بالباء و بعضها. (في) و بعضها بغيرهما- لأجل أنّ لحاظ المبدئيّة و المنشئيّة في المدخول يوجب تمحض اليقين، و عدم تعلّقه بشي‌ء يخصصه، فإنّ تعلّق الشي‌ء بمبدئه غير تعلّق الفعل بمفعوله، فلعلّ إعمال هذه النكتة لتجريد اليقين عن الخصوصية ليترتب عليه الكلية.بل يمكن أن يقال بمبدئيّة الوضوء- فيما نحن فيه- لليقين حقيقةً لا تنزيلاً، لأنّ الأمور الخارجية القائمة بغير المتيقّن لا يقين بها إلّا بأسباب مؤدّية إليه، من‌ الإبصار في المبصرات و الاستماع في المسموعات، أو التواتر و غيره في جملة منها بخلاف الأمور القائمة بشخص المتيقن، فإنّ ما يقوم بنفسه المجردة- من الصفات و الملكات- وجوده الواقعي عين وجوده العلمي و ما يقوم ببدنه- من قيامه و قعوده و صلاته و وضوئه- يوجب صدوره عن شعور وجود اليقين به في نفسه، فهو على يقين من وضوئه حيث أنّه توضّأ لا بسبب آخر»
[2] سيجيء في ص192.
[3] ستأتي رواية الخصال في ص245، و هي الرواية الخامسة.
[4] الآتي في الوجه الخامس.
[6] تقدّم في ص96-97.
[7] تقدّم عند الاستدلال بحكم العقل على حجية الاستصحاب، ص119.
[9] هل یمكن تعلق النقض الحقیقي بالیقین أو المتیقن؟في فرائد الأصول، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج3، ص79.: «إنّ الأمر يدور بين أن يراد بالنقض مطلق ترك العمل و ترتيب الأثر- و هو المعنى الثالث‌- و يبقى المنقوض عامّاً لكلّ يقين و بين أن يراد من النقض ظاهره- و هو المعنى الثاني‌- فيختصّ متعلّقه بما من شأنه الاستمرار و الاتّصال‌ المختصّ بالموارد التي يوجد فيها هذا المعنى. و لا‌يخفى‌ رجحان هذا على الأوّل؛ لأنّ الفعل الخاصّ يصير مخصّصاً لمتعلّقه العامّ، كما في قول القائل: «لا‌تضرب أحداً» فإنّ الضرب قرينة على اختصاص العامّ بالأحياء، و لا‌يكون عمومه للأموات‌ قرينة على إرادة مطلق الضرب عليه كسائر الجمادات.ثمّ لا‌يتوهّم الاحتياج حينئذ إلى تصرّف في اليقين بإرادة المتيقّن منه، لأنّ التصرّف لازم على كلّ حال؛ فإنّ النقض الاختياري القابل لورود النهي عليه لا‌يتعلّق بنفس اليقين على كلّ تقدير، بل المراد نقض ما كان على يقين منه- و هو الطهارة السابقة- أو أحكام‌ اليقين‌».و كلام الشیخ یتضمّن أمرین:الأول: لایتعلق النقض بنفس الیقین بناء على إرادة مطلق ترك العمل من النقض أیضاً؛قال في فوائد الرضوية، الهمداني، آقا رضا، ج2، ص81. في توضیحه: «إنّ ارتكاب التأويل في متعلّق النقض أي لفظ اليقين ممّا لا‌بدّ منه على كلّ تقدير، لأنّ وصف اليقين من حيث هو ينتقض قهراً بطروّ الشكّ، فلا‌يعقل النهي عنه، فالنهي عنه إمّا بملاحظة كون اليقين مراداً لمتعلّقه غير ملحوظ إلّا بالتبع، فيكون المراد بعدم نقضه عدم نقض متعلّقه ... أو بملاحظة نفس اليقين، لكن لم‌يقصد بذلك عدم نقضه حقيقة بل حكماً، بمعنى الالتزام ببقائه في مقام العمل بترتيب آثار بقائه، فالمراد بعدم نقضه، عدم رفع اليد عن أحكامه، فأحكامه هي التي يتعلّق بها النقض حقيقة لا نفسه، و المراد بأحكامه هي الأحكام الثابتة له بلحاظ طريقيته، و هي ليست إلا آثار المتيقّن، فيئول النهي عن نقضها إلى النهي عن نقض آثار المتيقّن، كما في الفرض الأوّل، و لكن الفرق بينهما أنّما هو في كيفية التصرّف، فليتأمّل».الثاني: إمكان تعلق النقض بالمتیقن و أحكام الیقین بناء على إرادة ظاهر النقض؛و هنا فریقان: من استشكل كلام الشیخ بأنه لایمكن تعلّق النقض الاختیاري بالمتیقن و أحكام الیقین أیضاً. ففي كفاية الأصول - ط آل البيت، الآخوند الخراساني، ج1، ص391.: «و أمّا الهيئة فلا‌محالة يكون المراد منها النهي عن الانتقاض بحسب البناء و العمل لا الحقيقة لعدم كون الانتقاض بحسبها تحت الاختيار سواء كان متعلقاً باليقين كما هو ظاهر القضية أو بالمتيقن أو بآثار اليقين بناء على التصرف فيها بالتجوّز أو الإضمار، بداهة أنّه كما لا‌يتعلق النقض الاختياري القابل لورود النهي عليه بنفس اليقين كذلك لا‌يتعلق بما كان على يقين منه أو أحكام اليقين».و في إيضاح الفرائد، التنكابني، السيد محمد، ج2، ص570.: «قوله: فإنّ النقض الاختيارى‌ لا‌يخفى أنّ النقض الاختيارى كما لا‌يتعلق باليقين كذلك لا‌يتعلق بالمتيقن أو أحكامه فإنّ المتيقن أو أحكامه إذا كان باقياً في الواقع لا‌يمكن نقضه، و إذا كان مرتفعاً كذلك لا‌يمكن إبقاؤه».‌و من صرّح بأنّ الشیخ أراد من النقض النقض عملاًففي حقائق الأصول، الحكيم، السيد محسن، ج2، ص409.: «قوله: «فلا‌يكاد يجدي التصرف» هذا تعريضٌ بشيخنا الأعظم ... هذا و لكن قال شيخنا الأعظم بعد ذلك: و كيف كان فالمراد إمّا نقض المتيقن فالمراد بالنقض رفع اليد عن مقتضاه، و إمّا نقض أحكام اليقين أي الثابتة للمتيقن من جهة اليقين و المراد حينئذ رفع اليد عنها. انتهى، و هو صريح في أنّ النقض المتعلق بالمتيقن أو أحكام اليقين يراد منه النقض عملاً لا حقيقةً، فالجمع بين الكلامين يقتضي إرادة وجوب التصرف في اليقين بإرادة المتيقن أو أحكامه من جهة مورد الرواية و إرادة النقض العملي من النقض الاختياري القابل لورود النهي عليه، و إن كانت العبارة الأولى توهم ما عليه المصنف من إرادة النقض الحقيقي فلاحظ».و في المحاضرات - تقريرات، الطاهري الاصفهاني، السيد جلال الدين، ج3، ص27. بعد نقل عبارات من الشیخ: «و ظاهر هذه العبائر بل كاد أن يكون صريحها أنّ مراده من النقض ليس إلّا هو من حيث العمل»‌.إن ظاهر عبارة الكفایة عدم إمكان إرادة النقض الحقيقي بملاك واحد و هو عدم كونه اختيارياً، و المحقق الإصفهاني یوافق صاحب الكفایة في لزوم صرف النقض إلى النقض العملي و لكن یقول: لیس هذا بملاك واحد.ففي نهاية الدراية في شرح الکفاية - ط قديم، الغروي الإصفهاني، الشيخ محمد حسين، ج3، ص63. في التعلیقة على قوله: «و أما الهيئة، فلا‌محالة تكون المراد منها»: «إنّ اليقين بالحدوث في الاستصحاب باق، فطلب إبقائه- بعنوان النهي عن نقضه حقيقة- طلب الحاصل، و طلب إيجاد اليقين بالبقاء ليس طلباً لإبقاء اليقين، حتّى يكون تركه نقضاً منهياً عنه ...و أما نقض المتيقّن فالأحكام الشرعية و جملة من الموضوعات الخارجية خارجةٌ عن تحت الاختيار، فطلب إبقائها- حقيقة- طلب أمر غير مقدور، و أما بعض الموضوعات الداخلة تحت الاختيار- كإبقاء الطهارة و الحدث- فحيث أن الفرض كونها مشكوكة، فهي واقعاً إما باقية أو زائلة، فطلبها على الأول طلب الحاصل، و على الثاني طلب إعادة المعدوم، و طلب إيجادها ابتداء على الأول طلب المثلين، و على الثاني طلب الجمع بين النقيضين، مع أنه- على أي تقدير- ليس من طلب الإبقاء الّذي تركه نقض، فلا‌بدّ من صرف النهي عن نقض اليقين، أو المتيقن- الظاهر في النقض الحقيقي- إلى النقض العملي».ثم إن المحقق الإصفهاني یرجّح كون الكلام بنحو الكنایة بوجوه خمسة: قال في نهاية الدراية في شرح الکفاية - ط قديم، الغروي الإصفهاني، الشيخ محمد حسين، ج3، ص63..: «إن النهي عن نقض اليقين بالشك حيث أنه ... يرجع إلى التعبد بالمتيقن أو بآثاره، فهل هو بعنوان الكناية أو بالتجوز في كلمة اليقين بإرادة المتيقن أو بالإضمار بأن يراد باليقين ما كان منه على يقين أو بالتجوز في الإسناد لأن النقض المنهي عنه، حقّه أن يسند إلى المتيقن، فأسند إلى اليقين به لتعلّقه به؟و الظاهر أن إرجاع نقض اليقين‌ إلى التعبد بالمتيقن أو بآثاره بنحو الكناية- دون غيره من الوجوه- أوجه، لوجوه:منها: أن الكناية- كما هو المعروف- أبلغ من سائر أنحاء التجوز.و منها: حفظ المقابلة بين الناقض و المنقوض أي صفة اليقين و الشك في التصرف الكنائي، بخلاف إرادة المتيقن فإنه لا مقابلة بين المتيقن و الشك، و لا معنى لناقضية المشكوك، لأن المشكوك في الاستصحاب هو البقاء، و لا‌يعقل ناقضية بقاء الشي‌ء للشي‌ء ...و منها: أن ظاهر الصحيحة و غيرها- من حيث التعليل بوجود اليقين، و من حيث التعبير ب (لا‌ينبغي)- أن وثاقة اليقين هي المقتضية للتمسك به، في قبال الشك الّذي هو عين الوهن و التزلزل.و منها: - ظهور الإسناد- في الإسناد إلى ما هو له- فإنّه محفوظ في التصرف الكنائي، بل لابدّ من إسناد النقض في المعنى الكنائي إليه، كما سيظهر- إن شاء اللّه تعالى وجهه.و منها: - أن التّصرف الكنائي ليس فيه إلّا مخالفة الظاهر من وجه واحد، فإن الظاهر- من الكلام- مطابقة الإرادة الاستعماليّة للإرادة الجدية، و الكناية تقتضي مخالفة الإرادة الاستعمالية للإرادة الجدية بخلاف التصرف بسائر الوجوه، فإنّه مضافاً إلى مخالفة الظّاهر فيها- بالتجوّز في الكلمة، أو بالإضمار، أو في الإسناد- لا‌بدّ فيها من مخالفة أخرى للظاهر، فإنّ الظّاهر من نقض المتيقّن نقضه حقيقة، فصرفه إلى نقضه عملًا تصرّف آخر، و لا حاجة إلى هذا التصرّف الآخر في التصرّف الكنائي، لأن المفروض أن النهي عن نقض اليقين غير مراد جدّاً، بل استعمالًا فقط، فليس فيه إرادة جدية، حتّى يقال: إرادة المعنى الحقيقي محال، بل لمجرّد التوطئة، للانتقال من المعنى الحقيقي- المراد بالإرادة الاستعمالية- إلى مراد جدي ليس فيه عنوان النقض و الانتقال من المحال إلى الممكن، بل إلى الواجب غير محال، كما في قوله تعالى: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) - فإنّ استواءه على العرش محال، و استيلاؤه واجب لإحاطته الوجودية بكلّ موجود- بناء على كونه كناية عن الاستيلاء، و السرّ فيما ذكرنا: أن الملازمة المعتبرة بين المعنيين- المصححة للانتقال- هي الملازمة بين المعنيين بذاتهما، لا الملازمة الخارجية بحسب المورد، حتى يتوهّم استحالتها»

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo